أدى ظهور المالك الجديد للبيت الأبيض ممثلًا في شخصية: جو بايدن، سيئ السمعة، إلى بعض الارتباك في السياسة العالمية. إذا كان ترامب بالفعل بسيطًا ومفهومًا، وكان «عدوًّا» للعولمة و«صديقًا» لعدد من أنظمة أمريكا اللاتينية، والعرب وإسرائيل. فالأمر مع بايدن، ليس بهذه البساطة.
علاوة على ذلك، تحاول إدارة بايدن عدم الإجابة عن سؤال: «من هو بايدن؟»؛ أي ما هي سياساته وتوجهاته بالفعل، يصعب أن نجد حتى الآن تصورًا واضحًا ومحددًا. بخلاف ذلك، فإن سياسات بايدن المُعلنة، هي إصلاح ما فعله ترامب.
في هذا السياق، يتعين على غالبية أتباع الولايات المتحدة، الذين يمكن معرفتهم من خلال قائمة التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهم يدعمون أي مبادرة أمريكية. أن يناوروا من أجل دمج سياستهم من خلال منظور الولايات المتحدة. لإثبات رغبتهم في أن يكونوا مفيدين لواشنطن.
بادئ ذي بدء، الحصول على الدعم الأمريكي، ليس ضروريًّا بالنسبة للدول. بشكلٍ عام، الشراكة مع الولايات المتحدة لا تمنح دولة معينة مكافآت وتفضيلات خاصة (ما لم تكُن، هذه الدولة بالطبع، إسرائيل).
لكنها تُعطي على الأقل بعض الحماية، من أن السلطات الأمريكية ووسائل الإعلام لن تعارض هذا السياسي أو ذاك في الانتخابات المقبلة، أو تؤلِّب الرأي العام العالمي ضده بذريعة «حقوق الإنسان». هذا الأمر في الواقع، مهم للغاية لأي سياسي. لأن الدول موجودة منذ قرون وقبل عصر السياسة العالمية قصير العمر.
لذلك نرى التنافس على الإدارة الأمريكية، قائمًا على مبدأ: «أريد أن أكون زوجتك الحبيبة». لذلك ستواصل واشنطن، دعم السعودية، وسط الحديث عن تغيير في السياسة الأمريكية تجاه الحرب في اليمن.
كذلك ستواصل دعم إسرائيل، وسط بعض الكلمات عن التهدئة والسلام مع الفلسطينيين، وستعلن عن دعم الشعب البيلاروسي، على الرغم من حقيقة أنه لا يوجد شيء يمكن دعمه، في الواقع.
أدلى الرئيس الفرنسي ماكرون، بعدد من التصريحات رفيعة المستوى. حيث إن موقفه بدا مهتزًّا قليلًا. هناك انتخابات عام 2022، ودرجة ثقة الجمهور به ليست كبيرة. إذا كان، تحت حكم ترامب، قد تم تصويره باعتباره الوجه الرئيسي للعولمة الأوروبية والمدافع عن جدول أعمال المناخ، وحل المشكلات المهمة، ومعارضة ترامب بموقفه المناهض للعولمة، والمناضل من أجل مصالح فرنسا.
لكن بايدن جاء وأدت تصريحاته لخفوت نجم ماكرون. عُقد مؤتمر المناخ في الولايات المتحدة وليس في باريس. بايدن ممثل العولمة الرئيسي وليس ماكرون.
فما كان من ماكرون، إلا البحث عن شيء جديد: معارضة خط الغاز الروسي-الألماني الجديد نورد ستريم 2. هذه ضربة واضحة لألمانيا ومصالحها الاقتصادية ومحاولة واضحة للاندماج مع الخطاب الأمريكي. لكن هذه المحاولة خرقاء للغاية ومن جانب واحد. من غير المرجح أن تُقدر واشنطن مثل هذا الهجوم، كما من غير المرجح أن تكون برلين سعيدة جدًّا به، فلديها مشاكل كافية حتى بدون ماكرون. لكن من الواضح أن ماكرون لا يملك القوة ولا القدرة على التصرف بشكل مختلف.
بشكلٍ عام، فإن فترة حكم ماكرون بأكملها هي فترة من التعهدات غير المنجزة. انتهت محاولته للقتال لأجل الحصول على النفوذ في ليبيا، بالفشل وتجاهل تام للمصالح الفرنسية، وذلك في الحكومة التي تم إنشاؤها، ولم تؤخذ مصلحة باريس في الاعتبار. في إفريقيا تعاني فرنسا من انخفاض حاد في نفوذها التاريخي، وتُعد مالي، والآن جمهورية إفريقيا الوسطى، مثالًا جيدًا على ذلك. في الاتجاه الأوروبي، لا يمكن أن يصبح ماكرون الصوت الأول للاتحاد الأوروبي، والآن لن يكون قادرًا على ذلك. يا إلهي يعاني هذا الرجل المسكين من إخفاقات في كل مكان.
في الغالب سوف يعود الاشتراكيون بقيادة أوليفييه فاور، إلى السلطة في فرنسا، ولديهم فرصة عظيمة للغاية. سيوفر هذا النجاح، إمكانية لإجراء خطاب مجتمعي حول السياسة الفرنسية التي باتت ظلًّا باهتًا للسياسة الأمريكية. قام ماكرون بعمله، ويمكن له المغادرة. علاوة على ذلك، لن ينجح مرة أخرى في تسويق صورته لربات البيوت الفرنسيات، كما فعل سابقًا. في الوقت نفسه قد يتفهم ماكرون، إمكانية تعرضه لفضيحة تشبه ما حدث لدومينيك ستراوس كان، والتي ستُلغي فعليًّا فرصته في الترشح للرئاسة مرة أخرى. وعلى الرغم من أن تقييمه في استطلاعات الرأي لا يزال مرتفعًا بنسبة تُقدر بحوالي 44%، إلا أن مستقبله غامض؛ لأن هناك الكثير من الملفات العظمية في الخزانة.
تحاول في هذا الوقت بعناد إيجاد طريقة لكسب ود بايدن، على الرغم من أن الانتخابات ليست قريبة، إلا أن الرئيس زيلينسكي، يعاني من مشاكل عدة. في ظل ظروف تشبه إلى حد كبير جمهورية هيتمان أوكرانيا، ما بعد الثورة الروسية عام 1917، حيث يمكن تغيير الرئيس كل ستة أشهر على الأقل.
هذه المرة، اتخذ زيلينسكي خطوة حاسمة، حيث بدأ في حرمان خصومه السياسيين، من القنوات التليفزيونية التي توفر لهم منبرًا سياسيًّا لمخاطبة جمهورهم، وقد كانت البداية بإغلاق ثلاث فضائيات ناطقة بالروسية، سعى من خلالها إلى تصوير نفسه قائدًا لمعركة التصدي لتأثير المعلومات الروسية. لكنه غير مقنع للغاية من ناحية، واستفزازي من ناحية أخرى.
من الواضح أن بايدن، لا يحتاج حقًّا إلى حجب هذه القنوات، بل يحتاج فقط إلى أولئك الذين أقام معهم علاقات تجارية رسمية، وهو الرئيس السابق لأوكرانيا، بوروشنكو. في الواقع، ليس هناك شك في أن بوروشنكو سيكون رجل الولايات المتحدة في أوكرانيا، سواء في حالة إفلاس زيلينسكي السياسي قبل الموعد المحدد أو في الانتخابات المقبلة.
النقطة هنا ليست في كون بوروشنكو أقرب إلى بايدن، وإن لديهم مصالح تجارية مشتركة، بجانب الاستعداد للوفاء بالمتطلبات المقررة أعلى بكثير من زيلينسكي. المشكلة الرئيسية هي أن زيلينسكي بالفعل مُفلس سياسيًّا، ويواصل تعميق أزمة الثقة لديه. بالنظر إلى الانتظام في اهتزاز كرسيه بسبب هذه الفضيحة أو تلك، لا يمكن للمرء أن يتوقع أن تنظر إليه واشنطن بجدية.
في الوقت نفسه، فإن الشعبية المتزايدة لـ«كتلة المعارضة» التي لا تحبِّذها واشنطن على الأقل من خلال علاقات أعضائها مع دوائر الأعمال الروسية هي عامل مساعد لتوحيد القوى الموالية للغرب في كييف. في مثل هذه الحالة، من غير المُجدي على الأقل دخول زيلينسكي وبوروشنكو في انتخابات واحدة، لكن من الممكن تمامًا أن تكون حملة الدعاية المناسبة بالانتخابات القادمة في ظل تنامي شعبية الكتلة المؤيدة لموسكو: «بوروشينكو – لأجل حماية أوكرانيا من اللوبي الموالي لروسيا».
علاوة على ذلك، وبالإضافة إلى الفساد الواضح لجميع السياسيين الأوكرانيين بما فيهم كتلة المعارضة «المؤيدة لموسكو»، إلا أنها لو فازت، فسوف تتعاون بكل سرور مع واشنطن. لذلك لا يوجد مبرر لواشنطن في دعم زيلينسكي لولاية ثانية وسط تراجع شعبيته للغاية.
معركة زيلينسكي من أجل الحصول على ثقة واشنطن محكوم عليها بالفشل، لكن هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكنه فعله. لأن هناك خطرًا في ترك منصبه هذا الصيف. ولا يريد زيلينسكي ولا رعاته ذلك حقًّا.
مشارك آخر في السباق لجذب انتباه بايدن، وهي دول الخليج العربية. من الواضح أنه سيكون من المستحيل عليهم بناء علاقات مع بايدن، وفق نفس الترتيبات التي كانت مع ترامب.
لكن من الناحية الافتراضية، يمكن لبلدان الخليج العربية الآن محاولة استرضاء واشنطن بدفعة أخرى من الأسلحة. هذا أمر مألوف لجميع السياسيين العرب. إنهم يشترون أسلحة أمريكية (ربما ليست هناك حاجة إليها).
لكن، إذا كان هذا كافيًا بالنسبة للجمهوريين، لتصبح من الأصدقاء الحميمين للولايات المتحدة فالأمر بالنسبة للديمقراطيين مختلف، فإن هذا لا يكفي فهم يحتاجون أيضًا إلى تقديم الحلوى لناخبيهم ومجموعات النخبة التي تدعمهم. يعني هذا أن على سلطات الدول العربية أن تجهد نفسها وتتخذ خطوات إضافية نحو «التسامح»، مع المثليين، والنشطاء، والنسوية، وعدد من الأشياء الأخرى؛ لأنه من وجهة نظر الطبقة الاجتماعية من أنصار الديمقراطيين، لن يكون ممكنًا الحديث بجدية عن العلاقات الإيجابية مع الدول العربية، دون اتخاذ هذه الخطوات.
مرة أخرى، لا ينبغي أن تقلق السعودية أو الإمارات بشكل جدي، لأن قضايا العلاقات الثنائية التي كان يتم إنجازها بشكل مباشر مع ترامب، سيتعين عليهم ببساطة القيام بها عبر العمل المكثف مع جماعات الضغط، الذين يُعتبر حكام الشرق العربي أحد عملائهم المفضلين. علاوة على ذلك هذه الجماعات، مرتبطة بشكل وثيق بالديمقراطيين، وحكام الشرق المهم بالنسبة لهم: “تحقيق المهام المحددة التي يريدونها في واشنطن، التي فيها يمكنك شراء أغلب الأشياء، أو كل الأشياء تقريبًا”.[1]
الكاتب: مقال رأي لموقع (بريستاف) الروسي
المقالة تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير