تقدير موقف

الهند والتغييرات في سوريا


  • 8 يناير 2025

شارك الموضوع

انتهى حكم بشار الأسد وعائلته الذي دام أكثر من نصف قرن في سوريا في 8 ديسمبر (كانون الأول). ورغم سقوط نظام الأسد فإنه ليس من الواضح بعد نوع الانتقال الذي سيحدث. ومن المتوقع أن تشكل مجموعة من جماعات المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام الحكومة المقبلة في دمشق، ولكن هناك أيضًا احتمال نشوب صراع على السلطة داخل هذه الجماعات، وفي هذه الحالة هناك خطر من أنه قد لا يكون الانتقال السياسي سلسًا أو سلميًّا؛ لذا، سريعًا في بيان صدر يوم 9 ديسمبر (كانون الأول)، قالت وزارة الشؤون الخارجية الهندية: “نحن نراقب الوضع في سوريا في ضوء التطورات الجارية، ونؤكد أن جميع الأطراف يجب أن تعمل على الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها. ونحن ندعم عملية سياسية سلمية وشاملة بقيادة سورية تحترم مصالح جميع شرائح المجتمع السوري وتطلعاتها. وستظل سفارتنا في دمشق على اتصال بالهنود داخل سوريا من أجل سلامتهم وأمنهم”. ووفقًا لوزارة الشؤون الخارجية الهندية، يوجد نحو (90) هنديًّا في سوريا، وأجْلَت نيودلهي (75) مواطنًا هنديًّا، بينهم (44) سائحًا دينيًّا من جامو وكشمير.

تتمتع الهند وسوريا تاريخيًّا بعلاقات على أعلى مستوى منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية. وقد عمل البلدان معا عقودًا من الزمن. وكان البلدان من الأعضاء المؤسسين لحركة عدم الانحياز. وكانت السياسة الخارجية لنيودلهي منذ عام 1947 مؤيدة للعرب عامةً. زار رؤساء وزارة، مثل جواهر لال نهرو، وأتال بيهاري فاجبايي، سوريا، وطوروا علاقات وثيقة مع قادتها، وهذا يعني أنه كانت للهند مصلحة في العمل مع سوريا. على سبيل المثال، عندما بدأت الحرب الأهلية السورية بعد عام 2011، قدمت الهند (240) مليون دولار لتطوير محطة تشرين للطاقة.

اتخذت نيودلهي موقفًا لمصلحة حل الصراع من خلال عملية سياسية شاملة بقيادة سورية، وكانت سفارتها في دمشق -ولا تزال- نشطة. إن سوريا الجديدة، حيث تتغير المعادلات السياسية، لديها القدرة على التأثير في علاقات الهند مع دمشق، التي هي حاليًا على أرض ضباب، وكذلك التأثير فيما هو أبعد من ذلك؛ في ديناميكيات الشرق الأوسط. عام 2014، شكل استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية بسرعة على أجزاء كبيرة من سوريا والعراق تهديدًا للهند؛ لأن التنظيم حاول شن هجمات هناك، وأعلنت حكومة نيودلهي دعمها التدخل العسكري الروسي ضد تنظيم الدولة الإسلامية. والآن تخشى الهند أن يؤدي الإطاحة بالأسد إلى تشجيع المتشددين خارج المنطقة، وإعطاء دفعة للجماعات المسلحة المناهضة للهند، التي تعمل في جنوب آسيا وكشمير.

ودعمت سوريا موقف الهند بشأن كشمير، وصرحت بأن كشمير مسألة داخلية يتعين على الهند التعامل معها. وهذا الموقف الذي اتخذته حكومة الأسد جعل دمشق شريكًا مفيدًا لنيودلهي، حيث تلجأ باكستان -في كثير من الأحيان- إلى العالم الإسلامي للحصول على الدعم بشأن كشمير؛ لذا، بينما تدعم نيودلهي دمشق في كثير من القضايا الدولية، ومنها القضية الفلسطينية، ومطالبة سوريا بمرتفعات الجولان، تدعم سوريا موقف الهند بشأن كشمير؛ بحجة أنها مسألة داخلية يتعين على الهند حلها، وأن نيودلهي لها الحق في حلها على النحو الذي تراه مناسبًا. وفي أحدث مثال، بينما أدانت بقية العالم الإسلامي بشدة قرار الهند إلغاء الحكم الذاتي الخاص لجامو وكشمير، من خلال إلغاء المادة (370) من الدستور الهندي، عام 2019، وصفته سوريا بأنه شأن داخلي للهند، وقال رياض عباس، سفير سوريا لدى الهند في ذلك الوقت: “لكل حكومة الحق في أن تفعل ما تريد على أراضيها لحماية شعبها. وسنقف دائمًا إلى جانب الهند في أي إجراء”.

العلاقة الوثيقة بين الهند ودمشق تمنح نيودلهي الفرصة لتعزيز علاقاتها مع دول الشرق الأوسط الأخرى على نطاق أوسع. إن الحفاظ على علاقات مستقرة مع سوريا وغيرها من اللاعبين الرئيسين في الشرق الأوسط أمر حيوي للهند لمواجهة خطاب باكستان في هذه البلدان ذات الأغلبية المسلمة؛ لذا سعت الهند إلى الاستثمار بكثافة في بناء ممر الهند والخليج وقناة السويس والبحر الأبيض المتوسط ​​وبلاد الشام وأوروبا، الذي يشمل سوريا. كما أن الهند لديها استثماران رئيسان في قطاع النفط السوري: اتفاقية عام 2004 بين شركة النفط والغاز الهندية وشركة آي بي آر إنترناشيونال للتنقيب عن النفط والغاز، وتمتلك شركة أو إن جي سي فيديش حصة (60%) في بلوك 24 في شمال سوريا، الذي يغطي منطقتي الرقة ودير الزور، واستثمار مشترك آخر بين شركة النفط والغاز الهندية وشركة البترول الوطنية الصينية لشراء حصة (37%) في شركة كندية تعمل في سوريا. وقد واجهت نيودلهي بالفعل صعوبات في العمل في سوريا بسبب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على سوريا، والوضع الهش في سوريا ما بعد الأسد سيجعل من الصعب أكثر الاستفادة بهذه الاستثمارات. وبالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن ينخفض ​​حجم التجارة الثنائية بين البلدين من أكثر من (100) مليون دولار بين عامي 2022 و2023 إلى (80) مليون دولار. وفي الوقت نفسه، قدم برنامج الدراسة في الهند (1500) مقعد للطلاب السوريين في برامج البكالوريوس والدراسات العليا والدكتوراة في الفترة من عام 2017 إلى عام 2018.

إن تفاعل الهند مع التطورات في سوريا يشكل جزءًا من إستراتيجية نيودلهي الأوسع نطاقًا لزيادة حضورها ونفوذها في الشرق الأوسط، وتعمل وفقًا لمنطق سياسة المقايضة بالمثل. وعلى وجه الخصوص، في مقابل دعم دمشق في قضايا مثل كشمير، تدعم نيودلهي -بالإضافة إلى توفير مساعدات تنموية وإنسانية كبيرة- “حق سوريا المشروع في استعادة مرتفعات الجولان المحتلة”، التي استولت إسرائيل عليها عام 1967. وخلال زيارة إلى سوريا في عام 2011، قالت الرئيسة الهندية آنذاك براتيبا باتيل: “لقد دعمت الهند باستمرار جميع القضايا العربية. وأود أيضًا أن أؤكد مجددًا دعمنا المخلص لحق سوريا المشروع في مرتفعات الجولان، وعودتها المبكرة والكاملة إلى سوريا”.

لقد كان من النادر في العالم الإسلامي أن تكون هناك دولة مثل سوريا تؤيد الهند بشأن كشمير، ولكن الآن من غير الواضح السياسة الخارجية للإدارة الجديدة في دمشق، وحاليًا، لا يبدو لدى الهند خطة بديلة لسوريا ما بعد الأسد، فقد كان بشار الأسد شريكًا للهند لسنوات، وسقوطه من السلطة، وعدم اليقين الذي أعقب ذلك، أمر مقلق جدًّا للمصالح السياسية والاقتصادية للهند في المنطقة. على مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية، بينما تمزقت سوريا بسبب حرب أهلية وحشية، وعُزِل بشار الأسد من جانب كثير من القوى العالمية بسبب أفعاله، حافظت نيودلهي على اتصالات رفيعة المستوى مع النظام السابق، وزار وزير الخارجية السوري الهند عام 2023، كما سافر دبلوماسيون هنود كبار إلى سوريا، ورفضت الهند دعم العقوبات ضد نظام الأسد في الأمم المتحدة، ودعت إلى تخفيف العقوبات في أثناء جائحة (كوفيد- 19)، كما طالبت بعدم تدخل القوى الأجنبية في الحرب الأهلية السورية.

ليس هناك شك في أن نيودلهي تراقب الوضع من كثب، وستستمر في ذلك، وهي تتخذ الآن نهجًا حذرًا تجاه الأحداث المتغيرة بسرعة في المنطقة، وخاصة أن الشركاء الإستراتيجيين الرئيسين للهند هم روسيا وإيران، اللتان ضعف نفوذهما ومكانتهما بشدة بسبب سقوط الأسد، وهو ما أدى إلى تغيير كبير في الديناميكيات الجيوسياسية في المنطقة، لكن على جانب آخر، تصعد إسرائيل في الجغرافيا السورية، حيث توسعت تل أبيب وزادت حضورها العسكري في سوريا، وتعد إسرائيل حليفًا إستراتيجيًّا للهند حاليًا، وهذا يعطي لنيودلهي قناة اتصال عن قرب لفهم تطور الأحداث والمتغيرات المتوقعة على الساحة السورية. كما تتخوف الهند من النفوذ التركي المتصاعد، لا سيما أن أنقرة دعمت المعارضة السورية لسنوات، والآن تطرح نفسها راعيًا إقليميًّا للنظام الجديد في دمشق، وترجح نيودلهي تشكيل نظام سوري جديد مدعوم من تركيا؛ لذا من المعتقد أن تدعم سوريا ما بعد الأسد باكستان في قضية كشمير.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع