مقالات المركز

“خزاريا يهودية جديدة” على أرض أوكرانيا


  • 6 يناير 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: موقع الأرثوذكسية "برافوسلافيي. رو" الروسي

على الرغم من الابتهاج، الذي تحاول إسرائيل إضفاءه على نجاحاتها العسكرية والاقتصادية والعلمية، فإن ذلك كله لا يستطيع إخفاء المشكلات، التي تعانيها، والمخاطر الوجودية، التي تواجهها يوماً بعد يوم.

وقد تطرق إلى ذلك في سنة 2012، هنري كيسنجر، في حديث خاص نشرته صحيفة “ذي نيويورك بوست” الأمريكية بعد وفاته، حيث قال وزير الخارجية الأمريكية الراحل:

“لعل إسرائيل لن تكون موجودة على خريطة العالم خلال عشر سنين”. ومن الواضح أن هذه المدة تقريبية لم يحدد فيها كيسنجر يوم الأفول، بيد أنه استشرف الأخطار المحدقة بإسرائيل بما في ذلك الخطر الديموغرافي، ووجودها وسط طوق معادٍ من الدول العربية، حيث إن أكثر من 100 مليون من السكان العرب المعادين يحيطون بأقلية “يهودية” يبلغ عددها نحو 7 ملايين شخص، الأمر الذي يبقيها في حالة توتر دائم.

وإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من الانتصارات الآنية، التي تحرزها إسرائيل في حروبها مع بعض العرب، وسط الصمت العربي والإسلامي، فإن احتمال توحد المسلمين والعرب كافةً ضدها ليس مستبعدًا في المستقبل.

كذلك، فإن إحدى المشكلات الاقتصادية، التي تواجهها، تتمثل في عجزها عن الحفاظ على التنمية المستدامة خلال العقود المقبلة، والتي تحتاج إلى أراضٍ شاسعة قابلة للزراعة ومناخ ملائم. في حين أن 60 في المئة من أراضيها صحراوية، والمناخ الحار غير مناسب لحياة الوافدين اليهود إليها في غالبهم من المناطق الباردة.

ولذا، ومهما بدا الأمر غريبًا، فإن المشروع الغربي لإقامة إسرائيل جديدة في أوكرانيا يطرح على الطاولة، ويصبح الخيار الأمثل لكثير من اليهود.

وإن ما ينشر في المدونات الروسية والأوكرانية، من كتابات للباحثين السياسيين الروس والأوكرانيين المستقلين، يدعم ذلك.

إذ إن الحديث يدور بجدية عن إقامة “خزاريا جديدة” على ضفاف نهر الدنيبر، توازيًا مع مملكة خزاريا القديمة (642-969)، التي أسستها قبائل الخزر التركية، بعد نزوحها من أواسط آسيا، وامتدت من البحر الأسود إلى بحر قزوين، ومن جبال القوقاز إلى ضفاف نهر الفولغا، والتي اعتنق حاكمها “الخاقان” وبلاطه وعسكره، في سنة 740 ميلادية الديانة اليهودية، لتصبح دين الخانية الرسمي.

وفي هذا الإطار، وتحت عنوان: “خزاريا الجديدة” – ليست من تخيلات أصحاب نظرية المؤامرة”، لم يستبعد الخبير في “مركز البحوث والبرامج التطبيقية” سيرغي غريتشيشنيكوف (10 حزيران 2024) “قيام الغرب في المستقبل القريب بإسكان أعراق أخرى في أراضي أوكرانيا السابقة المحررة من الأوكرانيين”. وأكد أن “المشروع، الذي يحمل عنوانًا عمليًا هو “خزاريا الجديدة”، ليس من تخيلات أصحاب نظرية المؤامرة”.

وفي مقال له تحت عنوان “هل ستقام “خزاريا الجديدة” مكان أوكرانيا؟” على موقع “دزين.رو” الروسي (26 تشرين الأول 2023)، أشار الباحث السياسي الروسي بوغدان جورافك إلى أن “نقاشًا حثيثًا يدور في أوكرانيا، على خلفية الأحداث المتواصلة في الشرق الأوسط، بشأن معلومة عن قرار غير معلن لنظام زيلينسكي ببدء استقبال النازحين من إسرائيل”.

ومن الملاحظ هنا تَسارُع وتيرة بيع الأراضي في أوكرانيا للشركات الأمريكية بعد اعتلاء الممثل الكوميدي الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سدة الحكم الرئاسي في سنة 2019. حيث إن ملكية 17 مليونًا من 40 مليون هكتار من أراضي التربة السوداء الأوكرانية الخصبة الشهيرة تحولت إلى الشركات المتعددة الجنسيات “كارجيل”، “دوبونت” و”مونسانتو” وغيرها.

وقد اتهم نيقولاي باتروشيف سكرتير مجلس الأمن الروسي آنذاك ومساعد الرئيس الروسي الحالي الولايات المتحدة بأن “الحفاظ على أوكرانيا كدولة لا يدخل في خططها”. وقال باتروشيف في مقابلة مع صحيفة “إزفيستيا” الروسية (02 05 2023)، إن “أمريكا تحتاج إلى أوكرانيا فقط كأداة للاستغلال الذي لا رحمة فيه للموارد الطبيعية المتاحة من دون سكانها التقليديين”. وأضاف: “باتباع خط نازي كهذا، حولت واشنطن بالفعل أوكرانيا إلى منطقة يغادرها جماعيًا ملايين الأشخاص سعيًا للعثور على حماية في خارج البلد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والاضطهاد الفاشي”.

ويبدو أن الشراء غير المسبوق للأراضي الأوكرانية، وما يصاحبه من حث للمواطنين الأوكرانيين الباقين على الهجرة إلى أوروبا، كان مرتبطًا بطريقة أو بأخرى بخطط إنشاء كيان ما على أرض الدولة الأوكرانية.

وقد سأل بوغدان جورافك في مقاله المذكور آنفًا: “هل هناك داع للتعجب من الحقائق الجلية لتطهير أوكرانيا من السكان، لأي مراقب موضوعي وغير متحيز؟”.

وحتى قبل بدء العملية العسكرية الروسية في سنة 2022 بوقت طويل، كان النقاش يدور في الكتابات السياسية والاجتماعية والعلمية الروسية، حول مشروع إنشاء “إسرائيل جديدة” في وسط وجنوب أوكرانيا، حيث لفت مؤلفوها الانتباه إلى حركة “حباد”، إحدى أكبر الحركات الحسيدية اليهودية الأرثوذكسية في العالم، وأكثرها تطرفًا، التي يبحث أتباعها عن “أرض ميعادهم” بدلا من إسرائيل.

وحركة “حباد” هذه تتمتع بنفوذ كبير في أوكرانيا. وينتمي إليها حاكم مقاطعة دنيبروبتروفسك السابق (2015-2016) الملياردير إيغور كولومويسكي.

وقد قام كولومويسكي ببناء “مجمع الشمعدان” في مدينة دنيبروبتروفسك، الذي يُعَد أكبر مركز يهودي في العالم، وهو يضم كنيسًا ومتحفًا للهولوكوست وقاعة احتفالات تتسع لألفي شخص وحمامات طقوسية (ميكفاه)، وفندقًا عصريًا ومطاعم الكوشير (الطعام الحلال) ومكتبة عامة ومرافق للمؤتمرات والندوات.

وكان ممولاً رئيسًا للأنشطة اليهودية ولحركة “حباد” في أوكرانيا.

كذلك، فقد مول كولومويسكي، الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية، ترميم كنيس الخراب (هورفا) في القدس، وتجديد الأنفاق على طول حائط البراق.

وهو الذي أولع بمشروع “خزاريا الجديدة”. غير أنه سمى مشروعه “القدس السماوي”، ملمحًا بذلك إلى إقامة دولة يهودية “بديلة” في أوكرانيا في حال “هلاك” دولة إسرائيل الحالية.

وكان كولومويسكي قد قدم في سنة 2011 إلى أومان، وزار ضريح الحاخام نحمان البريسلافي، مؤسس التيار البريسلافي في الحركة الحسيدية، وذلك بمناسبة حلول “روش هاشانا” (رأس السنة العبرية الجديدة)، وصلى في كنيس المدينة الأوكرانية.

وأومان هذه، التي يبلغ عدد سكان سكانها نحو 90 ألفًا، أصبحت المدينة اليهودية الأولى في أوكرانيا بعد بدء نزوح بعض الإسرائيليين إليها بفعل أوضاع بلدهم المتفاقمة.

وكل عام يأتي إلى هذه المدينة حجاج من اليهود الحسيديين من إسرائيل ومختلف أرجاء العالم، وقد تجاوز عددهم 35 ألفًا في سنة 2023. غير أن كثيرين من الحجاج الإسرائيليين يبقون في أومان بهدف الاستقرار الدائم فيها، حيث يتزايد عدد اليهود في المدينة الأوكرانية عامًا بعد عام.
كذلك، فإن مدينتي دنيبروبتروفسك وأوديسا، هما موطن جالية يهودية كبيرة، تسيطر نخبتها تمامًا على المناطق الجنوبية من أوكرانيا. ووفقًا لمشروع “القدس السماوي”، فإن دنيبروبتروفسك ستصبح العاصمة السياسية والتجارية لـ “خزاريا الجديدة”. أما أوديسا، فستصبح العاصمة الثقافية للدولة اليهودية الجديدة.

إلى ذلك، تدور أحاديث في كواليس أصحاب القرار في كييف “عن خطة حكومية لإعادة توطين الإسرائيليين الراغبين في الأراضي الأوكرانية، وخاصة في جنوب البلاد”.

ولا يُستعبد ذلك في ضوء قرارات مالية غير معلنة اتخذها نظام زيلينسكي، ويتحدث عنها بعض المدونين الأوكرانيين الساخطين، الذين يغمزون من قناة ديانة زيلينسكي اليهودية. وأحد هذه القرارات يقضي بدفع إعانات اجتماعية لكل نازح إسرائيلي يصل إلى أوكرانيا بمبلغ 20 ألف غريفنا (678 دولارًا تقريبا)”.

وإذا كانت العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وأفول نجم كولومويسكي، قد جعلا تنفيذ مشروع “خزاريا الجديدة” يتباطأ، فإن مصادر أوكرانية عديدة تشير إلى وضعه من جديد على نار حامية في ضوء تدهور الوضع المتواصل في الشرق الأوسط، ورغبة كثيرين من سكان إسرائيل بمغادرتها إلى غير أوروبا وأمريكا.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع