بدأت عملية توسيع الإمكانات العسكرية للاتحاد الروسي خارج حدوده في القرن الماضي، إذ أصبح يمتلك منشآت عسكرية في القارات الثلاث (أوروبا وآسيا وإفريقيا)، وتشمل بنيتها التحتية في الأراضي الأجنبية على المطارات والقواعد، وساحات الاختبار، ومحطات الرادار، والمنشآت البحرية.
ويدرك الاتحاد الروسي أن التنافس العالمي غير محدود، وأن مفتاح الحفاظ على مكانة القوة العالمية هو الاستخدام المستمر والمكثف وغير التقليدي للنفوذ في عدة مناطق خارج حدود الدولة، وأن هذه الإستراتيجية فقط هي التي تجعل الاتحاد روسي قوة عالمية.
وبينما سمح واقع الحرب الباردة لروسيا بوجود عسكري غير محدود، في مناطق نفوذها في المقام الأول، فقد اضطر الكرملين بعد عام 1991 إلى مغادرة القواعد والمنشآت الإستراتيجية في أجزاء مختلفة من العالم، من كوبا إلى فيتنام، وفي أوروبا، جاء الانحسار بالتوازي مع فقدان النفوذ الروسي، وانسحاب القوات الروسية من دول الكتلة الشرقية السابقة وبعض جمهوريات ما بعد الاتحاد السوفيتي، فقد حدث التدهور العسكري في القواعد العسكرية الروسية القديمة، التي لم تعد موجودة، وكانت وظيفتها الرئيسة في هذه الفترة هي تحديد مجال النفوذ الروسي؛ ومن ثم تكون أداة للمشاركة السياسية والضغط على السلطات المحلية، فضلاً عن دورها في منع توسع الناتو في منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي.
فالمنشآت العسكرية في الخارج هي عنصر من عناصر المنافسة الدولية، ومظهر من مظاهر طموحات القوى العظمى، ودليل أيضًا على أن البلاد لا تزال تشارك في اللعبة العالمية، ولا تتخلف عن الولايات المتحدة أو الصين.
ويحاول الاتحاد الروسي الحفاظ على نفوذه في أراضي الاتحاد السوفيتي السابق، ويبحث باستمرار عن فرص لزيادة إمكاناته العسكرية في آسيا وإفريقيا، وهو ما من شأنه أن يتيح تطوير التعاون مع البلدان في هذه المناطق، ليس عسكريًّا فقط، ولكن أيضًا سياسيًّا واقتصاديًّا.
تمتلك روسيا أكثر من 30 قاعدة عسكرية خارج حدودها، وتنشر في معظمها داخل الأراضي التي كانت تتبع الاتحاد السوفيتي السابق، وهي كالتالي:
القواعد العسكرية الروسية الحالية | ||
م | اسم القاعدة | الدولة |
1 | قاعدة جودا وتا العسكرية | جمهورية أبخازيا المستقلة (من جانب واحد) |
2 | قاعدة غيومري العسكرية | أرمينيا |
3 | قاعدة أريبوني الجوية | |
4 | محطة رادار – باراوفيتشي | بيلاروس |
5 | مركز الاتصالات البحرية – فيلييكا | |
6 | قاعدة الطائرات المقاتلة الروسية – بابرويسك | |
7 | نطاق اختبار الأسلحة الروسية – ساري شاجان | كازاخستان |
8 | محطة رادار – بالكاش | |
9 | محطة بايكونور الفضائية | |
10 | مركز الطيران التجريبي الحكومي – تايسويجان | |
11 | قاعدة كانط الجوية – وادي تشو | قرغيزستان |
12 | قاعدة اختبار الأسلحة المضادة للغواصات – البحيرة | |
13 | مرفق الاتصالات البحرية “ماريفو”/ محطة “بروميثيوس” | |
14 | المجموعة العملياتية للقوات الروسية في ترانسنيستريا | مولدوفا |
15 | قاعدة الحرس العسكرية الرابعة للقوات المسلحة الروسية | جمهورية أوسيتيا الجنوبية المستقلة (من جانب واحد) |
16 | القاعدة الجوية – جاوه | |
17 | ساحة اختبارات عسكرية – كانتشافي | |
18 | ساحة اختبارات عسكرية – دزار سيمي | |
19 | قاعدة حميميم الجوية – | سوريا |
20 | القاعدة العسكرية البحرية – طرطوس | |
21 | قاعدة الشعيرات الجوية | |
22 | قاعدة تياس العسكرية الجوية | |
23 | القاعدة العسكرية الروسية رقم 201- دوشانبي | طاجيكستان |
24 | القاعدة العسكرية الروسية رقم 201- كورغانتبه | |
25 | القاعدة العسكرية الروسية رقم 201- كولوب | |
26 | النظام الإلكتروني البصري “Okno” (النافذة) لرصد الفضاء | |
27 | قاعدة عيني الجوية | |
28 | قاعدة خليج كام رانه | فيتنام |
29 | قاعدة سيفاستوبول البحرية – شبه جزيرة القرم | أوكرانيا |
30 | محطة رادار موكاشيفو | |
31 | المركز الإنساني الروسي الصربي | صربيا |
القواعد العسكرية الروسية المخطط إنشاؤها | ||
32 | قاعدة بحرية – بورت السودان | السودان |
33 | قاعدة عسكرية | إفريقيا الوسطى |
34 | قاعدة بحرية – ميناء بربرة | إقليم أرض الصومال (المستقل من جانب واحد) |
35 | قاعدة بحرية | موزمبيق |
36 | قاعدة بحرية | إريتريا |
أصبحت لإفريقيا في الوقت الراهن أولوية لروسيا بسبب تضارب مصالح فرنسا والولايات المتحدة والصين هناك. تبلغ مساحة هذه القارة ضعف مساحة روسيا، ونظرًا إلى الاختلافات الاجتماعية والثقافية في مناطق معينة، فإن هذا سيمكن من السيطرة على القارة -على نحو كبير- وإذا تطور التعاون في حالات معينة، فيمكن التدخل في الواجهات البحرية، ومنها المحيط الأطلسي، والمحيط الهندي، والبحر الأحمر، وبحر العرب.
وتحاول روسيا الحفاظ على علاقات جيدة مع الحكومات الإفريقية، والجمع بين المصالح العسكرية والاقتصادية. ووفقًا لتقارير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن الروس هم المورد الرئيس للأسلحة في القارة الإفريقية.
لقد استوردت إفريقيا 49% من معداتها العسكرية من روسيا، وهو ما يقرب من ضعف ما استوردته من الموردين الآخرين -الولايات المتحدة (14%)، والصين (13%)، وفرنسا (8%). ولا تزال الجزائر أكبر متلقٍ للأسلحة الروسية في إفريقيا، تليها مصر، والسودان، وأنغولا.
ومن المحتمل جدًّا أن يتمكن الاتحاد الروسي في المستقبل من إنشاء قواعده، أو استخدام أراضي إريتريا وموزمبيق وجمهورية إفريقيا الوسطى والصومال والسودان لأغراضه العسكرية. وتؤخذ في الحسبان أيضًا مدغشقر وأنغولا وزيمبابوي وغينيا بيساو في هذا الشأن.
وهناك معلومات عن نقاش مصري روسي بشأن استخدام القاعدة الجوية في سيدي براني على ساحل البحر المتوسط، بالقرب من الحدود الليبية، ويأمل الروس أن يعودوا إلى سيدي براني بعد ما يقرب من خمسين عامًا، حيث كان للاتحاد السوفيتي قاعدته البحرية بالقرب من المدينة حتى عام 1972، واستخدمت البحرية السوفيتية القاعدة في مصر لمراقبة تحركات القوات البحرية الأمريكية.
القرن الإفريقي
أعلنت روسيا وإريتريا في عام 2018، خططهما لبناء مركز لوجستي بحري في ميناء “عصب”، وإذا نفذت روسيا خططها لإنشاء مركز لوجستي، فلن تكون هذه هي المرة الأولى التي تستغل فيها دولة أجنبية الإمكانات الإقليمية لإريتريا، وقد استُخدِمَ “عصب” بالفعل قاعدةً لدولة الإمارات العربية المتحدة في أثناء القتال مع المتمردين الحوثيين في اليمن.
وينبغي تأكيد أهمية دور دولة جيبوتي، حيث توجد في هذا البلد أكبر القوى العسكرية في العالم -من الولايات المتحدة واليابان وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، حتى الصين والمملكة العربية السعودية مؤخرًا.
كما أن قرب جيبوتي من المناطق غير المستقرة يجعلها موقعًا مثاليًا للقواعد العسكرية. وتسمح القواعد الموجودة في هذا البلد للولايات المتحدة وحلفائها بالوصول السهل والسريع إلى إفريقيا والشرق الأوسط، كما تقع أكبر قاعدة عسكرية أمريكية دائمة في إفريقيا في معسكر ليمونير، وأهم من ذلك، أن جيبوتي تقع في مضيق باب المندب ذي الأهمية الإستراتيجية، الذي يتصل بقناة السويس. ويمر 30% من إجمالي الشحن العالمي من خلال هذه النقطة، وهي بوابة رئيسة لتجارة النفط والسلع العالمية.
إن إريتريا ليست فقط منطقة مهمة لبناء الإمكانات العالمية للقوات المسلحة للاتحاد الروسي، ولكنها أيضًا منطقة تعمل على السيطرة على الوضع في شرق إفريقيا والشرق الأوسط، حيث تعمل القوى الأخرى على نحو مكثف. وبسبب تورط الولايات المتحدة والصين في جيبوتي، تسعى روسيا إلى البحث عن حليف في الدول المجاورة من أجل الحفاظ على مجال للنفوذ.
ويركز الاتحاد الروسي اهتمامه على ميناء بربرة في “أرض الصومال” كموقع لقاعدة عسكرية على ساحل أرض الصومال، وهي جمهورية إسلامية أعلنت نفسها على خليج عدن، ولا يعترف بها المجتمع الدولي، وتتمتع هذه المنطقة المحددة بأهمية إستراتيجية لعدد من الأسباب، منها تمكين كل طرف من حماية مصالحه الخاصة في الشرق الأوسط، والسيطرة على قناة السويس عبر خليج عدن، كما أنها ستكون خطوة مهمة نحو الوجود البحري الروسي في المنطقة.
ويجدر التأكيد أن تركيا (في الصومال) والإمارات العربية المتحدة (في أرض الصومال) لديهما استثماراتهما العسكرية الخاصة، بالإضافة إلى ذلك، تشترك كل من الصين والولايات المتحدة، اللتين لديهما قواعد عسكرية في جيبوتي، في الخط الساحلي نفسه الذي يوجد فيه ميناء روسي محتمل.
موزمبيق
وقّعت موسكو وموزمبيق بالفعل كثيرًا من الاتفاقيات الثنائية، وعقد ممثلو البلدين عشرات الاجتماعات خلال السنوات القليلة الماضية، وهذا التعاون عسكري واقتصادي بطبيعته.
كانت موزمبيق أحد أكبر الحلفاء الإقليميين للاتحاد السوفيتي؛ ومن ثم وقّع الطرفان عام 2015 اتفاقية بشأن التعاون الفني والعسكري، وفي عام 2018، اعتمد ممثلو وزارات الدفاع اتفاقًا بشأن إجراء مبسط لدخول السفن الحربية الروسية إلى مواني موزمبيق. كما تم التوقيع على مذكرة تعاون في مجال القوات البحرية. وتتوقع وزارة الدفاع في الاتحاد الروسي أن تعطي الاتفاقيات المعتمدة زخمًا إضافيًّا لتطوير التعاون العسكري. وقد يكون ذلك أيضًا عنصرًا لتعزيز الوجود الروسي في موزمبيق؛ حتى لا تُنشَأ قاعدة روسية بقدر ما يسمح ذلك للقوات الروسية من التمركز، سواء على نحو رسمي، أو من خلال شركات عسكرية خاصة.
جمهورية إفريقيا الوسطى
تمتع جمهورية إفريقيا الوسطى بأهمية جيوسياسية كبيرة. وبسبب موقعها، يُنظر إليها على أنها نقطة استكشاف للقارة بكاملها، وأراضيها ملأى بالموارد الطبيعية، ومنها الألماس. ومؤخرًا، بدأ مركز تدريب روسي العمل في جمهورية إفريقيا الوسطى، وهناك تقارير تشير إلى قرب إقامة قاعدة عسكرية روسية في هذه البلاد.
جمهورية السودان
يتمتع السودان بأهمية رئيسة ليس فقط على المستوى الإقليمي؛ ولكن أيضًا على المستوى الجيوسياسي العالمي؛ لأنه سيمكن الاتحاد الروسي من أن يكون لديه ميناء يضم قاعدة عسكرية، مع إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر، ونظرًا إلى طرق التجارة الكثيرة التي تمر عبر هذه المياه؛ ستكون روسيا حريصة على توسيع نفوذها في هذا الاتجاه.
وفي الوقت نفسه، أبدت قوى أخرى كثيرة اهتمامًا بإقامة قاعدة في السودان، ومنها دول الخليج والصين، ومن شأن القواعد الروسية في إريتريا والصومال والسودان أن تمكن من التنافس مع الولايات المتحدة والصين في المنطقة.
ظهرت الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة في روسيا بسبب الثروات المتراكمة من أعمال شركات النفط والغاز بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، في ظل تهديد بأعمال المافيا، وأسفر امتزاج هذه العوامل مجتمعة وتفاعلها عن ظهور الشركات الأمنية الخاصة، كحل لمواجهة خطر الفوضى، والاضطراب الاجتماعي والاقتصادي والأمني.
وظهرت الشركات العسكرية والأمنية في روسيا منذ بداية الألفية، لكن استعمالها أداةً في السياسة الخارجية لم يظهر جليًا إلا مع بداية عام 2014، وتحديدًا مع مجموعة فاغنر، حيث ظهرت في أماكن وقارات متعددة، بداية في أوكرانيا، في دونباس، ثم مع النظام السوري، وانتقلت مؤخرًا إلى ليبيا والدول الإفريقية، إضافة إلى دعم نظام مادورو في فنزويلا.
فاغنر هي أداة استخدمها الكرملين لتجنيد جنود مأجورين وتدريبهم ونشرهم؛ إما لخوض الحروب، وإما لتوفير الأمن والتدريب للأنظمة الصديقة، وغالبًا ما تطلق عليها المصادر الغربية والروسية اسم الشركة العسكرية الخاصة، لكنها تقع خارج التعريفات المستخدمة على نطاق عريض، على الرغم من قيامها ببعض الوظائف المماثلة، وهي ليست كيانًا تجاريًّا حقيقيًّا يعمل في سوق عالمية، ولن يعترف أي شخص يديرها بذلك، وهي ليست شركة مسجلة قانونيًّا في روسيا.
استخدمت روسيا مجموعة فاغنر أداةً جيوسياسية لأداء عدة أدوار في عدة مناطق من العالم لخدمة مصالح روسيا، ومنها: أوكرانيا، وسوريا، وليبيا، والسودان، وإفريقيا الوسطى.
وتزامن وصول فاغنر إلى إفريقيا مع سعي روسيا إلى توسيع وجودها في القارة، بأقل تكلفة، مع التركيز على تطوير العلاقات الأمنية، والوصول إلى الموارد. وقد تراجع دور فاغنر مؤخرًا بعد الانقلاب الفاشل الذي قاده زعيم هذه الشركة على الجيش الروسي.
تعددت القواعد الروسية في سوريا بين البرية، والبحرية، والجوية. وعلى الرغم من عدم وجود تقديرات دقيقة عن عددها ومناطق وجودها، فإنه يمكن تلخيصها في الجدول التالي:
اسم القاعدة | مكان وجودها | المهمة والأهمية |
طرطوس | قاعدة طرطوس البحرية | مهمتها حماية العسكريين الروس هناك. ومع مطلع عام 2016 أبدت روسيا رغبتها في تحويلها إلى قاعدة دائمة لها. وتتلخص أهميتها لروسيا في أنها تعد نقطة انتشار روسيا الوحيدة في البحر المتوسط، وموقعًا مؤثرًا في موازين القوى بالشرق المتوسط، كما تتيح لها إمكانية رصد أنشطة قوات حلف الشمال الأطلسي وتحركاتها. |
حميميم الجوية | اللاذقية | تحتوي على قوات برية روسية، وتُستخدم لتنفيذ مهام قتالية ضد المعارضة. |
مطار القامشلي | القامشلي | يضم أكثر من 100 عسكري روسي، من خبراء ومستشارين، وضباط مخابرات، بالإضافة إلى محطات تنصت. |
مطار الشعيرات | ريف حمص | تتمركز فيه مروحيات قتالية من طرازات عدة، وتكمن أهميته في كونه يؤمن تغطية جوية للمنطقة الوسطى، كما يؤمن الحماية لأكبر معمل روسي للغاز بسوريا، وكذا حقول الغاز المتنازع عليها بين قوات النظام والمعارضة. |
مطار حماه العسكري | حماة | قاعدة عسكرية لشن حملات عسكرية. |
قاعدة تدمر | ريف حمص الشرقي | نُشرت فيها آليات ثقيلة، وأنظمة مضادة للطيران، وناقلات جنود. |
مطار كويرس | ريف حلب | يضم قوات برية، إضافة إلى محطات رادار متطورة لكشف الأهداف الجوية على مسافات كبيرة، ويعد مهبطًا احتياطيًّا للطائرات الروسية العائدة من شرق سوريا. |
مطار T4 (طياس) | شرق حمص | يتمركز فيه عدد من المروحيات القتالية من نوع مي 24، وكاموف 52، ومي 28، وهو مسؤول عن العمليات الجوية في المنطقة. |
قاعدة إسطاو الجوية | شمال حميميم | توجد فيها مروحيات عسكرية من طرازات مختلفة. |
جبل زين العابدين | ريف حماة | يضم قوات حرب إلكترونية، بالإضافة إلى راجمات صواريخ متطورة من طراز سميرتش، وأورغلن 27. |
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.