أدب

قراءة في كتاب “الأدب الروسي.. شاهد عصر” (2/4)


  • 13 أكتوبر 2024

شارك الموضوع

نواصل في هذا المقال عرضنا للكتاب المهم الذي صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2020، من تأليف الدكتورة مكارم الغمري، أستاذة الأدب الروسي المقارن في كلية الألسن بجامعة عين شمس، بعنوان ” الأدب الروسي.. شاهد عصر”.

نظرة غربية على الرواية الروسية

استعانت الدكتورة مكارم الغمري بكتاب “الرواية السوفيتية”، من تأليف “كاترينا كلارك”، الأستاذة في قسم اللغات السلافية وآدابها بجامعة أنديانا بالولايات المتحدة. وقد صدر هذا الكتاب في طبعتين باللغة الإنجليزية: الطبعة الأولى عام 1981، والثانية عام 1985. يضم الكتاب أربعة أبواب مقسمة إلى فصول، ويقع في 300 صفحة. يتطرق الكتاب إلى دراسة موضوع مهم جدًّا، وهو “الرواية السوفيتية”؛ أي الرواية التي تمثل إنتاج القاعدة العريضة من الأدباء الروس السوفيت الذين تنتمي كتاباتهم إلى الحقبة السوفيتية من تاريخ روسيا، التي بدأت عام 1917.

فرغم اهتمام الغرب بدراسة الأدب الروسي الكلاسيكي، فإن الحقبة السوفيتية من تاريخ الأدب الروسي تظل معروفة على نحو لا يخلو من السطحية، ولا يتسم بالنظرة المحايدة، فالاهتمام، بالدرجة الأولى، من جانب الباحثين، يركز على دراسة إنتاج الأدباء المنشقين. بالإضافة إلى ذلك، فإن دراسات الأدب السوفيتي في الغرب -كما تشير المؤلفة في صدر كتابها- لا تخلو من لهجة ساخرة يملؤها الشك، فالرواية السوفيتية تعد -بحق- “مفتاحًا وثائقيًّا لتاريخ الثقافة السوفيتي”.

جمعت الكاتبة بين الدراسة النقدية والتاريخية، وهذا منهج موضوعي واقعي، إذ يتجنب المغالاة في الدراسة الشكلية للنص، ويأخذ في الحسبان السياق التاريخي والاجتماعي للنص الأدبي الذي يصعب بدونه، وخاصة في مجال الرواية السوفيتية، فهم تاريخ تطورها. ويسير عرض الكتاب في بابين على النحو التالي.

الباب الأول: الواقعية الاشتراكية قبل عام 1932

 كما هو معروف، صدر أول إعلان رسمي عن الواقعية الاشتراكية عام 1932، بعد تشكيل أول اتحاد رسمي للكتاب السوفيت، ولم تتشكل نظرية الواقعية الاشتراكية للتو بعد إعلان المصطلح، ولكن الشخصيات المهمة في الأدب، وعلى رأسها الكاتب بالكبير مكسيم غوركي، أخذت تجتهد في شرح المصطلح وتوضيحه في خطابات رسمية، ومن خلال مؤتمرات اتحاد الكتاب. وتعلم الكاتبة أن الواقعية الاشتراكية لم تكن جديدة تمامًا وقت إعلانها؛ فقد كانت لها بدايات في العشرينيات قبل أن تُقنن في الثلاثينيات؛ فقد كانت هناك في العشرينيات جماعات أدبية مختلفة تطلق على نفسها أسماء “الأدب الواقعي الاشتراكي”، و”الواقعية الاشتراكية”، و”الرومانسية الثورية”، و”الراب”، وهي الأحرف الأولى المختصرة للجمعية الروسية للكتاب البروليتاريين. وقد عرف غدانوف الواقعية الاشتراكية على أنها “خليط من أحداث الواقع وأكثر الصور بطولية”.

ومن أهم عناصر رواية الواقعية الاشتراكية التي أبرزتها المؤلفة ما يلي:

  • الحبكة الرائدة

يتطلب البحث في الرواية السوفيتية العودة إلى الروايات الملهمة، أو الحبكة الرائدة، إذ ترى فيها الكاتبة نماذج كهنوتية “أُلزم الكاتب على اتباعها”، وتعد هذه النماذج بمنزلة “الضلوع القائمة” في أدب الواقعية الاشتراكية، وسنحاول توضيح هذه النماذج.

في كل أدب توجد عادة مؤلفات تنال حظ الشهرة والتقدير، وبعد إعلان تشكيل أول اتحاد كتاب عام 1932، بدأ الحديث عن مذهب الواقعية الاشتراكية الذي اختير ليكون راية أمام الجميع، وقد أُبرزت في هذا الصدد بعض الروايات المهمة والشهيرة التي تتجاوب مكوناتها مع الاتجاه الأدبي الجديد، والتي يمكن أن تكون قدوة أمام الأجيال الجديدة من الكتاب.

ولكن هل هذا يعني افتقاد الرواية السوفيتية للتميز والإبداع؟

تؤكد مؤلفة الكتاب تنوع الرواية السوفيتية، وطابعها الإبداعي؛ لأن الرواية السوفيتية مع أنها تكتب -في بعض أشكالها- على هدى الرواية “القدوة”، فإن ذلك لم يحل دون التطور الإبداعي لتقاليد الواقعية الاشتراكية، وخير مثال على ذلك رواية “الدون الهادئ” لشولوخوف، التي نال عنها جائزة نوبل للأدب. ويرجع ذلك إلى القدرة الإبداعية والموهبة الفردية للأدباء السوفيت. بالإضافة إلى ذلك، فالعناصر المكونة للرواية نابعة من الأدب نفسه، كما أنها تضرب بجذورها في تقاليد الرواية الروسية الراديكالية للقرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

  • التلقائية والوعي

تشير المؤلفة إلى أن دياليكتيك التلقائية والوعي هو نواة ودعامة في متن الرواية السوفيتية، وتكون من خلال التحكم في الجانب التلقائي في الإنسان بغية الوصول إلى أعلى درجة من الوعي، فسيمكن حينئذ بلوغ التغيرات المطلوبة في المجتمع من خلال توجيه هذا الوعي نحو الأهداف، وقد جسد الأدب هذه الفكرة خلال صورة “البطل الإيجابي” الذي يعبر عن أعلى درجات الوعي.

  • البطل الإيجابي

يعد البطل الإيجابي هو “حجر الأساس” في الرواية السوفيتية، ويبدو إنسانًا عاديًا (عاملًا، فلاحًا، جنديًّا، موظفًا) يمثل رمزًا للمثل والقيم، وهو عادة نموذج يحتذى به. وقد أثارت صورة البطل الإيجابي استياء الغرب، واعتبروه المذنب الرئيس؛ بسبب المثالية المفرطة التي تقترب إلى صورة “القديسين”. وتؤكد المؤلفة أن صورة البطل الإيجابي ليست جديدة؛ بل إنها امتداد للبطل الإيجابي الذي ظهر في أدب القرن التاسع عشر. ومن خلاله أمكن التوصل إلى حلول لمشكلات روسيا الاجتماعية، من خلال تصرفاته.

  • حوار الأزمنة في الرواية السوفيتية

تميل الرواية السوفيتية إلى إلغاء الحدود بين الأزمنة، وحذف المسافة بين الماضي والحاضر والمستقبل. ورأى الغرب في هذا السمة نوعًا من أنواع “الفصام النفسي”؛ فقد أخذ النقاد على الرواية السوفيتية هذه الانتقالات الفجائية بين الأزمنة، فهم يريدون أن تكون الرواية ذات بعد زمني واحد. وترى المؤلفة أن تقاطع الأزمنة في الرواية السوفيتية لا يبدو غريبًا أمام من يدركون قيمها الفكرية. ويحدد غدانوف الواقعية الاشتراكية على أنها “خليط من أحداث الواقع وأكثر الصور بطولية”؛ ومن ثم فإن التنقلات الزمنية في الرواية السوفيتية لها منظورها، ويمكن أن تشاهد “كموازٍ لما يحدث في الديالوج الأفلاطوني الذي يتحرك من الديالكتيك العقلي إلى الأسطورة الوهم”.

ففي حالة رواية “الأم” لغوركي، تعد الرواية أول نموذج بارز للواقعية الاشتراكية. وقد تناولت أحداث الرواية وقائع حقيقية حدثت بالفعل في الفولغا في أحد أعياد أول مايو (عيد العمال). ظهرت في هذه الرواية جميع سمات الرواية السوفيتية من التلقائية والوعي وملامح البطل الإيجابي، كما أن الرواية ترتبط بالتراث الكلاسيكي للقرن التاسع عشر، حيث مرت من خلال الرواية العبارات الخاصة بالراديكاليين الروس، والتعبيرات المحددة للبلاشفة. كما ظهرت فيها سمات الرواية الثورية في القرن التاسع عشر، وفكرة البطل المضحي بالنفس؛ أي البطل الإيجابي، ولا سيما عند تورغينيف.

الباب الثاني: الثقافة الستالينية العالية

تتناول المؤلفة في هذا الباب تحليل أهم اتجاهات الرواية السوفيتية إبان فترة حكم ستالين التي امتدت منذ عام 1927إلى عام 1953. وتبدأ بالمقدمة التي تناولت فيها الظروف التاريخية المصاحبة لهذه الفترة التي أعقبت المرحلة الأولى من البناء، وتؤكد الحضور النافذ لموضوع “الآلة” في الرواية الستالينية، وكانت إحدى الجماعات الأدبية تنادي بضرورة وجود الأدباء في المصانع لفهم آليات العمل بها.

ومع نهاية الحرب الأهلية عام 1920، رفع القادة شعار “الكهرباء” كطريق إلى الحياة الجديدة، وكنهاية “للظلام”. ورمزت “الكهرباء” إلى التقدم التكنولوجي، وأصبحت الصناعة و”الآلة” رموزًا مرادفة للتقدم. وانقسم المثقفون إلى القسم الأكبر الذي كان يشجع الهيام بالآلة، والقسم الآخر تكوّن لديه خوف إزاء زحف الآلة والتكنولوجيا، انعكس في إنتاج أدباء التيارات التجديدية والشكلية.

لكن “الآلة” لم تصمد طويلًا في الأدب، وأخذ عالم الطبيعة يزيح من أمامه عالم “الآلة”، وبدت الطبيعة هي الملاذ من العالم الحضري، وكثر عدد الروايات التي تتغنى بمدح الطبيعة، وتصور أبطالها على أنهم مغامرون في عالم الطبيعة.

  • الإنسان والطبيعة

في فترة الثلاثينيات، برز صراع الإنسان مع الطبيعة (الإنسان السوفيتي والجليد) إلى معنى من معاني صمود الإنسان ضد القوى التي تعترض طريقه، فيتغلب عليها بالإرادة والتصميم. وقد اتخذت دراما صراع الإنسان ضد الطبيعة رمزًا “للقتال” ضد الأعداء الداخليين والخارجيين، مثل رواية أوستروفسكي “كيف سقينا الفولاذ؟”.

  • العائلة الكبرى” في الرواية السوفيتية

ارتبطت موضوع الرواية السوفيتية في فترة الثلاثينيات بالأحداث التاريخية المهمة التي خاضتها روسيا في العقدين الأولين من القرن العشرين (الحرب الروسية اليابانية، والحرب العالمية الأولى، وثورة 1905، وثورة 1917، والحرب الأهلية)، وقد أسهم العزف على وتر الدفاع عن الوطن إزاء الخطر، على بلورة عملية الالتحام الشعبية، وتأسيس فكرة المجتمع بوصفه “عائلة” كبرى يجب أن يتضافر فيها “الأبناء” ضد الصعاب، وذلك تحت زعامة “الآباء”.

 وقد جُسدت فكرة “العائلة الكبرى” في رواية أوستروفسكي “كيف سقينا الفولاذ؟”، وهي الرواية الي تجسد الملامح المحددة من الثقافة الستالينية.

  • الفولكلور في أدب الثلاثينيات

يشغل الفولكلور مكانة مهمة في أدب الثلاثينيات، وقد اضطلع مكسيم غوركي بدور كبير في إحياء الاهتمام بالفولكلور، خاصة بعد عودته من الخارج عام 1932، حيث نادى بأدب يتخذ نماذج أبطاله من الفولكلور. وقد أدى ذلك إلى مزج الأدباء بين الفولكلور والواقعية الاشتراكية، وأصبح الأبطال أوسع من الحياة، وأصبحت مآثرهم أسطورية، وأصبحت لغة النص أكثر استعارية. وقد حثت عناصر الفولكلور على نبذ كل ما هو دنيوي وعابر.

الباب الثالث: تحليل لرواية سوفيتية تقليدية

تؤكد المؤلفة الحرية النسبية التي أصبح الأدباء بعد الحرب العالمية الثانية يتمتعون بها. صحيح أن الأدباء ما زالوا وثيقي الصلة بنموذج الرواية “القدوة”، لكن كان هناك حيز متاح للحركة أمام الموهبة الإبداعية للكتاب، وأمام القدرة الخلاقة لهم.

تعد رواية فادييف الشهيرة “الحرس الفتي” أحد أروع نماذج الواقعية الاشتراكية من منظور نوعيتها الأدبية. وقد تناولت الرواية أحداثًا واقعية مستمدة من قصة المقاومة الشعبية في منطقة كراسنادور في روسيا وقت احتلال القوات الألمانية لها في الحرب العالمية الثانية.

  • “الموت” و”الحب” و”النذالة” في الرواية الستالينية

تعد فكرة الفداء بالنفس من الرموز المهمة في الرواية في فترة حكم ستالين. إن “الموت” هو التضحية السامية التي يقدمها الشهيد من أجل الوطن والمواطنين، وقد ارتبطت فكرة الموت والتضحية بالنفس بالأحداث التاريخية الجسام التي واجهت مصير روسيا منذ مطلع القرن العشرين حتى الحرب العالمية الثانية. وقد ورث الأدب السوفيتي هذه القيمة عن تراثه الكلاسيكي العظيم في القرن التاسع عشر.

تؤكد مؤلفة الكتاب المكانة الخاصة التي تشغلها “التضحية” في الثقافة الستالينية، حيث ترتبط “التضحية” بفكرة إضفاء الشرعية على الزعامة، وعلى أحداث الواقع، أما “الحب” في رواية الثلاثينيات والأربعينيات، فهو يشغل مكانة هامشية، فهو وسيلة تساعد البطل على بلوغ الهدف، أو “الوعي”، ويتخذ “الحب” في الرواية الستالينية شكلًا روحانيًّا خالصًا، فالفتاة في نظر البطل هي رفيقته الروحية، وشريكة أفكاره.

أما “النذالة” أو “الدناءة” فنجد تجسيدًا لها في صور الشخصيات السلبية التي تظهر في الرواية بوصفها أعداء للوطن يجب أن يقهروا. إن هذه الشخصيات هي تجسيد للطفيليين الذين يهددون كيان “العائلة”؛ ومن ثم فإن شجاعة الأبطال تتجلى في القدرة على إقصاء هؤلاء الطفيليين، والقضاء على تهدديهم.

الباب الرابع: الرواية السوفيتية منذ الحرب العالمية الثانية

أشارت المؤلفة إلى أن الفترة التاريخية بعد الحرب العالمية الثانية كانت فترة صعبة للمثقفين، وامتدت هذه الفترة خلال السنوات من 1944 إلى 1953، وتعد مرحلة أولى فيما وصف “بذوبان الجليد”، ثم تأتي الفترة الثانية بعد الحرب، وتطلق عليها المؤلفة فترة خروشوف، وتمتد خلال السنوات من 1953 إلى 1964، وعرفت تلك الفترة بالمناخ الديموقراطي بالمقارنة بمرحلة ستالين، فقد قضت على كثير من تجاوزات ستالين السياسية، وأفرجت عن كثير من المعتقلين السياسيين، وكفلت حرية أكبر للكتاب والمثقفين. أما الفترة الثالثة فقد امتدت من عام 1965 حتى يومنا هذا، وأطلقت عليها المؤلفة فترة ما بعد خروشوف.

كان هناك وحدة في الموضوعات المطروحة في الأدب في تلك الفترات الثلاث، التي تميزت بالعودة إلى الاهتمام بالإنسان الفرد الذي كان يعد سمة مهمة في الأدب الكلاسيكي في القرن التاسع عشر.

ومع نهاية فترة الأربعينيات تغيرت بعض رموز الثقافة، بسبب تغيير اهتمامات هذه المرحلة التاريخية، وظهرت رموز جديدة ترتبط بمعاني الثقافة: (العلم، والفكر، والفن، والتكنولوجيا). وقد عمقت تجربة الحرب ثقة الناس بالنفس، واعتقادهم أن تجربة الحرب المريرة كان لها تأثير إيجابي في تقوية صلابة الإنسان، وقدرته على الصمود. وقد استحوذ هذا الشعور أيضًا على الزوجات اللائي قاسين العمل في الجبهة الداخلية.

ولقد تميزت الرواية في عهد خروشوف بالتنوع في الموضوع، والنزعة الليبرالية التي تتضح من خلال الخط التقليدي الواضح لهذه الروايات، وظهور أبطال “غير مقنعين”؛ فقد سقط بطل الثلاثينيات الملجم بالمثالية في الرذائل والمعاصي في أدب الخمسينيات، وكان ذلك انعكاسًا للدعوة التي ترددت في الأدب بضرورة تصوير “الحقيقة”.

كما شهد أدب الخمسينيات اهتمامًا كبيرًا بالإنسان الصغير، وبتصوير العالم الداخلي لهذا الإنسان، وبرز على السطح موضوع الحدود بين الفردي والعام، بين احتياجات الدولة وخصوصيات الفرد. وتمرد الأدب على “الآلة”، وواجهها “بالحديقة”. ومنذ عام 1956 فقد موضوع “العائلة الكبرى” حيويته، خاصة بعد فضح مساوئ رب العائلة الكبير ستالين، وبعد أن أدينت تصرفاته، واستبدل الموقع معه موضوع “رواية الشباب”، التي ظهرت أول مرة عام 1956، وهي الرواية التي بلورت من جديد خلال أبطالها فكرة “التلقائية والوعي”، حيث تتاح للبطل الشاب فرصة المشاركة في عملية “البناء والإنتاج” في المدن الصغيرة النائية في الضواحي، ويهجر المدينة الكبيرة. إن رحلة البطل من التلقائية إلى الوعي تنجز من خلال الرحلة من المدينة “الزائفة” إلى الواقع “الحقيقي”.

وفي خضم ذلك، ظهر “نثر جديد” يشق طريقه في الحياة الأدبية مع فترة الستينات المبكرة في الاتحاد السوفيتي. كان أعضاء الموجة الجديدة يتطلعون إلى أن “تلحق روسيا بمن سبقوها” في الغرب، وكان هناك أيضًا الكتاب التقليديون إلى جانب تيار “النثر الجديد”، أمثال جينكيز أيتماتوف، ممن كانت أعمالهم تحظى بانتشار واسع.

ترى المؤلفة أنه بتنحية خروشوف عن السلطة عام 1964، كُتبت “نهاية الليبرالية الثقافية”، حيث لجأ عدد كبير من الكتاب والمثقفين إلى الخارج، وإلى النشر الذاتي غير المعلن (سام إزدات)، والنشر في الخارج (تام إزدات). كانت أعمال الغالبية من الكتاب السوفيت، سواء الذين هاجروا، أو نشروا خلال قنوات غير رسمية، تتسم بنبذ الغرب، وبالدفاع عن القيم الروسية الحقة، كما تلونت هذه الأعمال “بالنغمة المعادية للسامية”، وهو رأي يحتاج إلى مراجعة وتمحيص، وكان يشمل على عدد من الرموز التي تنتمي إلى الحقبة الستالينية (الآلة/ الحديقة)، (الآباء/ الأبناء).

تطورت الرواية السوفيتية في مناخ يسمح لها بالتحرر من القيود المحكمة لتقاليد الواقعية الاشتراكية، والتقييم الناقد للحقبة التاريخية من حكم ستالين، وخاصة فيما يخص تجربة التعاونيات التي هوجمت على نحو خاص. غير أن مهاجمي ستالين قوبلوا بتيار جديد هو “الستالينيون الجدد”، الذين أخذوا على عاتقهم مهمة الدفاع عن عهد ستالين، الذي شاهدوا فيه زمنًا للفخار القومي. ويمكن ملاحظة اتجاه الرواية الحديثة إلى الاهتمام بالموضوعات المتعلقة بالأسرة ومشكلاتها. كما تعكس الرواية الجديدة سمة التقدير للماضي الذي يظهر من خلال تأكيد التراث، والهوية القومية للكتاب، واستلهم الكتاب عناصر الفولكلور التقليدي والخيال العلمي.

الخاتمة

في الخاتمة، تؤكد المؤلفة المكانة المهمة التي يشغلها مذهب الواقعية الاشتراكية في الأدب السوفيتي طوال خمسين عامًا من تاريخه، حيث لبى هذا المذهب الأدبي احتياجات التطور الأدبي في العهد السوفيتي، وأكدت أن كثيرًا من السمات المهمة المكونة له هي امتداد لتقاليد الأدب الروسي الكلاسيكي في القرن التاسع عشر. ورث أدب الواقعية الاشتراكية عن الأدب الروسي الكلاسيكي الاهتمام بالموضوعات التي تصور الإنسان البسيط الكادح، كما ورث الاحترام الروسي التقليدي للإنسان العادي الذي تلمسه على نحو خاص في روايات ليف تلستوي، ومعظم أعمال أدباء القرن التاسع عشر؛ ومن ثم فتاريخ الواقعية الاشتراكية ليس تاريخًا للأدب السوفيتي فحسب؛ بل هو عنصر منظم في كل التاريخ الروسي الحديث.

وتلقي المؤلفة إشارة سريعة إلى بعض ملامح التغيير في الأدب السوفيتي في السنوات من 1979 إلى 1985، فتؤكد الاتجاه إلى إعادة تقييم أدب الستينيات والسبعينيات الذي يظهر في شيء من التحرر من خطوط الواقعية الاشتراكية، وفي ظهور بعض الموضوعات الجديدة المرتبطة بعلاقة الشرق والغرب، وبروز بعض النزعات القزمية المعبر عنها في إنتاج أدباء القوقاز، والبلطيق، وآسيا الوسطى، وفي ازدهار عناصر الفولكلور، ويشار في السنوات الأخيرة إلى الأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز على أنه نموذج لكاتب القدوة. كما تعكس هذه الدراسة نظرة غربية أكثر اعتدالًا، وأغفلت الحديث عن طرق تطور الرواية التاريخية، والرواية الملحمية.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع