الطاقة والبيئة

الصراع الإيراني- الإسرائيلي يهدد أمن الطاقة الهندي


  • 5 أكتوبر 2024

شارك الموضوع

يؤثر التصعيد بين إيران وإسرائيل على الهند، من خلال ارتفاع تكلفة واردات النفط الخام، حيث ارتفع سعر النفط بأكثر من (5%) بعد إطلاق صواريخ من إيران على إسرائيل. وتعد الهند ثالثة أكبر مستهلكي النفط الخام في العالم، وتعتمد على الواردات لتلبية أكثر من (85%) من احتياجاتها. وبسبب اعتماد البلاد الشديد على الواردات، فإن اقتصادها حساس جدًّا لتقلبات أسعار النفط. وبصرف النظر عن الضغوط التضخمية، فإن ارتفاع أسعار النفط له آثار على الميزان التجاري للهند، واحتياطيات النقد الأجنبي، وقيمة الروبية.

وكانت أسعار النفط قد شهدت بالفعل ارتفاعًا بسبب خفض الإنتاج من جانب كبار منتجي النفط، ومن المتوقع أن يؤدي ارتفاع التوترات في الشرق الأوسط إلى زيادة الأسعار. وبدأ بعض محللي سوق النفط ومراقبي الصناعة يشيرون إلى أن أسعار النفط قد تتجه إلى (100) دولار للبرميل إذا أثّر الصراع بين إيران وإسرائيل في التوافر المادي للنفط بسبب انقطاع الإمدادات والنقل، أو الهجمات المحتملة على مرافق إنتاج النفط ومصافيه. كما رفعت التوترات الجيوسياسية في غرب آسيا كُلفة الشحن، لا سيما التأمين ضد الأخطار، ولا يزال الصراع يتطور، وسوف يستغرق وقتًا لتقييم الأخطار الحقيقية على تدفقات النفط الإقليمية والعالمية؛ ومن ثم فإن أسعار النفط العالمية ستشهد تقلبات عالية في الأمدين القريب والبعيد.

تراجعت الهند عن خططها لاستئناف استيراد النفط الخام من إيران، في ضوء إستراتيجيتها التي تهدف إلى توسيع مصادر الواردات. وكانت إيران -تقليديًّا- موردًا كبيرًا للنفط الخام إلى الهند، بعد العراق والمملكة العربية السعودية. استوردت الهند (515) ألف برميل يوميًّا من النفط الإيراني في عام 2018، وبلغ متوسط المشتريات بين عامي (2016 و2018) نحو (480) ألف برميل يوميًّا، وقد توقفت الواردات بعد إعادة فرض العقوبات عام 2019. وقد عرضت طهران على الهند فترة ائتمان مدتها (90) يومًا، مقارنة بفترة (30) يومًا من الموردين الخليجيين الآخرين، وخصومات إضافية على النقل. وحتى الآن، امتنعت نيودلهي عن شراء النفط الخام من أي دولة تواجه عقوبات أمريكية (ما عدا روسيا)، لكنها درست استيراد النفط الفنزويلي فور رفع واشنطن العقوبات المفروضة على كاراكاس.

وتتجه شركات توريد النفط الخام الخاضع للعقوبات بقيادة إيران إلى الهند، بعد أن شجعت نيودلهي واردات النفط الخام الروسي الرخيص العام الماضي على تحدي الضغوط والعقوبات الغربية، وعرض وكلاء طهران مزيجًا من الخام الماليزي، وهو تعبير ملطف للنفط الإيراني، لكن نيودلهي رفضت العروض رفضًا قاطعًا؛ لأن التجارة في الخام الإيراني محظورة، مع أن الخصومات أقل كثيرا بـ(4) إلى (5) دولارات للبرميل مقارنة بالنفط الروسي، لكن نيودلهي التزمت بخط واشنطن بشأن إيران.

وفي مارس (آذار)، كانت روسيا المصدر الرئيس للنفط الخام للهند، حيث شكلت (33%) من إجمالي واردات نيودلهي من النفط الخام. وكان للعراق، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، حصة إجمالية بلغت نحو (48%) من إجمالي واردات النفط الهندية. وفي هذه المرحلة، لا يبدو مسؤولو قطاع التكرير قلقين بشأن توافر النفط، حتى مع تزايد المخاوف بشأن ارتفاع محتمل في الأسعار.

على صعيد آخر، هناك منافس رئيس آخر؛ هو الصين، يستورد كميات كبيرة من النفط الإيراني، الذي يُورَّد عادة إلى المصافي الصينية من خلال ماليزيا لإخفاء بلد المنشأ، والتهرب من الرقابة الغربية. وقد أعلنت وزارة الطاقة الإيرانية أن طهران قد تزيد الإنتاج بمقدار (300) ألف برميل يوميًّا بحلول مارس (آذار) من العام المقبل، ليصل إلى نحو (3.3) مليون برميل يوميًّا الآن. وإذا أدى الصراع إلى تضرر الإمدادات الإيرانية، فمن المؤكد أن المنافسة بين الهند والصين على النفط من الموردين الآخرين -وخاصة روسيا- سوف تشتد. والهند والصين هما حاليًا أكبر مشتري النفط الخام الروسي المنخفض السعر؛ ما يعني أن حدوث أي انقطاع لإنتاج النفط الخام في إيران، سوف يؤثر -أولًا وقبل كل شيء- في استقرار أسعار النفط الخام، وأي قصف، أو أي ضرر للبنية الأساسية، من شأنه أن يرفع أسعار النفط إلى مستويات قياسية. والهند (مثل الصين)، بوصفها من أكثر مشتري النفط اعتمادًا على الواردات في العالم، سوف تشعر حتمًا بضغط ارتفاع الأسعار.

من بين الأشياء الرئيسة الأخرى التي يجب الانتباه لها هو تأثير الصراع في شحنات النفط عبر مضيق هرمز بين الخليج العربي وخليج عمان، حيث يأتي الجزء الأكبر من إمدادات النفط الهندية في غرب آسيا من هذا الطريق. ومع تضرر طريق الشحن بين قناة السويس والبحر الأحمر بالفعل بالهجمات التي يشنها الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن، فإن أي تعطيل كبير حول مضيق هرمز قد يؤدي إلى خسائر فادحة في تدفقات النفط العالمية والإقليمية.

وفيما يتعلق بالهند، فإن الخطر الأكبر لاشتعال حرب أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط سيكون -في الغالب- خسارة إمداداتها من النفط الخام، حيث تمر جميع شحنات النفط العراقية والسعودية المتجهة إلى نيودلهي عبر مضيق هرمز؛ لذا فإن أي إغلاق لهذا الممر من شأنه أن يؤدي إلى صدمة في إنتاج المصافي الهندية. ومع ذلك “من غير المرجح” أن يتأثر مضيق هرمز؛ لأن التوترات بين المملكة العربية السعودية وإيران في أدنى مستوياتها، بعد اتفاق بكين الذي أعاد العلاقات بين البلدين.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع