قال مسؤولون أمنيون- طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم- لصحيفة “ذا ناشيونال”، إن مصر أرسلت أسلحة ومعدات عسكرية، وقوات خاصة إلى الصومال بموجب أحكام اتفاقية التعاون العسكري بين دول الجامعة العربية. وتوطدت العلاقات بين مصر والصومال منذ أن وقعت إثيوبيا، التي لا تطل على أي منفذ بحري، اتفاقًا أوليًّا مع منطقة أرض الصومال في وقت سابق من هذا العام لاستئجار أراضٍ ساحلية مقابل الاعتراف المحتمل باستقلالها عن الصومال، وقد وصف الصومال الاتفاق بأنه اعتداء على سيادته، وقال إنه سيعرقله بكل الوسائل الضرورية.
كانت مصر تنوي التقدم بطلب للانضمام إلى قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي في الصومال العام المقبل، لكنها سرّعت حضورها العسكري في الصومال، وقال المسؤولون الأمنيون إن طائرتي نقل عسكريتين مصريتين وصلتا إلى مطار مقديشو محملتين بالأسلحة والذخيرة، ونحو 300 جندي من وحدة القوات الخاصة بالجيش، وإن هذه كانت الدفعة الأولى من مجموعة سيبلغ تعدادها بضعة آلاف، مع تفويض لتدريب وحدات الجيش الصومالي وتجهيزها، والمساعدة على حماية المرافق الحكومية الرئيسة والمسؤولين. كما أعلن المسؤولون هبوط ثماني طائرات نقل مصرية في المطار، محملة بمزيد من الأسلحة والمعدات. ووصل عدد القوات الخاصة الموجودة الآن على الأرض في الدولة الواقعة في القرن الإفريقي إلى ألف عسكري مصري.
وقال المسؤولون إنه ستكون هناك أيضًا شحنات مستقبلية من المعدات الدفاعية المصنعة في مصر، منها مركبات مدرعة، وقاذفات صواريخ، ومدفعية، وصواريخ مضادة للدبابات، ورادارات، وطائرات بدون طيار، وأضافوا أن بعض هذه المعدات ستأتي برًّا من منشأة عسكرية مصرية في جيبوتي المجاورة. إن إنشاء بعثة عسكرية في الصومال، ونية القاهرة المعلنة بالمساهمة بقوات في قوة حفظ سلام جديدة هناك، من شأنه أن يضع القوات المصرية في أماكن قريبة على نحو خطير من القوات الإثيوبية عبر الحدود، ليس هذا وفقط؛ ولكنه يضع القوة المصرية- لأول مرة- مع تماس مُباشر مع حضور هندي وإيراني وأمريكي- غربي كثيف عند مدخل البحر الأحمر.
عاد القراصنة التابعون لجماعة الشباب الإرهابية في الصومال فجأة إلى أعالي البحار بعد ما يقرب من عقد من الزمان، وتعرضت ما يقرب من 20 سفينة للهجوم، أو الاختطاف، أو الصعود إلى السفن، أو المضايقة بطريقة أخرى في مياه خليج عدن منذ أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، وكانت هيئات الشحن الكبرى قد أزالت المنطقة من تصنيف القرصنة العالية الخطورة قبل أكثر من عام. كما أن القراصنة الصوماليين ليسوا المشكلة الأمنية الوحيدة في تلك المياه، حيث تظهر جماعة الحوثي في اليمن المدعومة من إيران لمهاجمة السفن التجارية في مياه البحر الأحمر، كجزء من حملة ضد إسرائيل، مما تسبب في اضطرابات واسعة النطاق، وقد تضاعفت تكاليف حاويات الشحن من جراء انعدام الأمن.
ما سبق دفع البحرية الهندية إلى أكبر انتشار بحري لها على الإطلاق قبالة سواحل الصومال؛ مِن أجل الاضطلاع بدور أمني مهيمن في أحد الممرات المائية الحيوية في العالم، وهذا يلقي الضوء على طموحات الهند كقوة فوق إقليمية، وترسل رسالة إلى الصين بشأن الكيفية التي ستتنافس بها مع أي تحدٍّ للهيمنة في منطقة المحيط الهندي الأوسع. وبما أن السفن البحرية الأمريكية والبريطانية في المنطقة كانت تحاول التصدي للتهديد الحوثي في البحر الأحمر، سواء من خلال حماية السفن التجارية العابرة، أو ضرب أهداف حوثية على الأرض، فقد نشأ فراغ أمني جنوب البحر الأحمر، وكان القراصنة سعداء جدًّا بملئه- أو محاولة ذلك. وردًا على ذلك، كثفت البحرية الهندية نشرها السفن السطحية الكبيرة والطائرات لقمع القراصنة، وزادت نيودلهي انتشارها السطحي من سفينتين إلى 12 سفينة، بالإضافة إلى فرق تدخل سريع، وقوات خاصة بحرية.
لسنوات، كانت الصين تعمل على توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي، وبدرجة أقل، العسكري، في جميع أنحاء المحيط الهندي؛ مما أثار قلق نيودلهي. أبرمت بكين صفقات موانٍ مع سريلانكا وباكستان وكمبوديا، وأرسلت غواصات في زيارات للمواني، وللانضمام إلى مكافحة القرصنة، وأنشأت قاعدة في جيبوتي، ونظرت إلى مناطق أوسع، وكثفت المشاركة الدبلوماسية مع جميع الدول الجزرية في المحيط الهندي، كل ذلك في حين كانت ترسل سفنها السطحية باطّراد في مهام طويلة الأجل إلى أقصى أطراف الفناء الخلفي للهند. كانت الاستجابة البحرية الأولية للهند دبلوماسية، لكنها الآن أصبحت عسكرية، لا تنحصر في شرق المحيط الهندي؛ بل توسعت إلى غرب المحيط، وسواحل إفريقيا الشرقية.
وبالتزامن مع التنافس الهندي- الصيني قبالة السواحل الصومالية، تناولت وسائل الإعلام الأمريكية النكسات والإخفاقات التي واجهتها البحرية الأمريكية في البحر الأحمر، مع التركيز- على نحو خاص- على معاناة حاملة الطائرات أيزنهاور، التي تعرضت لسلسلة من الهجمات بطائرات بدون طيار، وقوارب هجومية سريعة، وصواريخ كروز. وعانى الطاقم إرهاقًا شديدًا بسبب الهجمات اليمنية غير المتوقعة والمستمرة، حتى إن شدة هذه الهجمات أدت إلى نقص الصواريخ على المدمرات داخل مجموعة حاملة الطائرات؛ مما استلزم إعادة الإمداد من المحطات القريبة. كما استنفدت الفرقاطة الألمانية هيسن ترسانتها في أثناء محاولتها صد العمليات اليمنية.
في الوقت الحالي، لم يتبق أي سفن من عملية “حارس الرخاء” ضمن دائرة نصف قطرها 500 ميل. في مايو (أيار)، عندما كانت حاملة الطائرات يو إس إس دوايت دي أيزنهاور موجودة، كان لدى الولايات المتحدة 12 سفينة حربية توفر مهام المراقبة والدفاع. الآن، ليس لدى الولايات المتحدة أي سفن في المنطقة. وكان لدى المملكة المتحدة لفترة وجيزة ثلاث سفن، لكنها غادرت أيضًا. وتعد السفن العسكرية الأوروبية هي الوحيدة في المنطقة، حيث شكل الاتحاد الأوروبي تحالفًا عسكريًّا منفصلًا “أسبيدس” للنأي بنفسه عن السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل، لكنه لم ينجح في طمأنة شركات الشحن، وقُوّضت الثقة بالعبور من البحر الأحمر على نحو أكبر.
بعد المؤشرات على فشل “عملية حرس الرخاء” الأمريكية، وإعلان البحرية الأمريكية أنها قد تضطر إلى إيقاف 17 سفينة دعم بسبب مشكلات تتعلق بالطواقم، أصبح غرب المحيط الهادئ خاليًا مِن أي حاملات طائرات لأول مرة منذ سنوات. ومن المفارقات الغريبة أن اثنتين من حاملات طائرات تقعان في منطقة الشرق الأوسط، ولكن ليس في البحر الأحمر. بالإضافة إلى ذلك، برنامج بناء الفرقاطات الأمريكية، ومعدل بناء الغواصات من فئة فرجينيا، أقل من المستوى المطلوب للحفاظ على الأسطول الحالي، وهذه إشارة إلى تحول كبير في ديناميكيات القوة البحرية. وتمثل هذه الخطوة غير المتوقعة، بالنظر إلى سمعة القوة البحرية الأمريكية على مدى عقود من الزمن، حقبة جديدة في الإستراتيجية العسكرية العالمية.
لقد أصبح المرور حول رأس الرجاء الصالح هو الوضع الطبيعي الجديد، مع عدم وجود ثقة كبيرة أن نشر حاملة طائرات أمريكية أخرى، مثل ثيودور روزفلت، من شأنه أن يضمن ردع الحوثيين، أو طمأنة الشحن البحري، ما يعمق أزمة اقتصادية مصرية بسبب تراجع إيرادات قناة السويس تراجعًا حادًّا بنسبة 57.2% في الربع الثالث (يناير- مارس) من السنة المالية 2023/ 2024، حسبما كشف بيان للبنك المركزي المصري. إن هذه العوامل تجعل مصر عُرضة للضغوط. على سبيل المثال، قد تواجه مصر نقصًا آخر في القمح، كما حدث في المراحل الأولى من حرب روسيا في أوكرانيا، أو قد تسقط البلاد في مزيد الديون بحثًا عن تمويل احتياجاتها.
اليوم، يواجه الاستثمار المصري في المنطقة الاقتصادية والصناعية لقناة السويس خطر التعثر، كما أن خطة مصر لتصبح نقطة عبور مهمة في إستراتيجية الحزام والطريق الصينية أصحبت موضع شك، والاعتماد على القوات الهندية في جنوب البحر الأحمر لا يضمن أن تحقق القاهرة أمنها المنشود. وفي ظل الحضور العسكري المصري في الصومال، يبدو أن لحظة الحضور المصري البحري في جنوب البحر الأحمر قريبة أكثر من أي وقت مضى.
وبالفعل، أنشأت مصر قيادة للأسطول الجنوبي للقوات البحرية المصرية رسميًّا مطلع عام 2017، وافتتحت قاعدة بحرية (برنيس) على جنوب شرق البحر الأحمر، وبالقرب من الحدود مع السودان، لتضع القاعدة الجديدة البحرية المصرية على مقربة من المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، ومضيق باب المندب، واليمن. ويتألف الأسطول الجنوبي من مدمرات، وسفن صواريخ، ووحدات دورية ساحلية، وقوات خاصة. والأهم أن مصر أصبحت تملك حاملات مروحيات فرنسية الصنع تمكنها من توسيع مجالها العملياتي في جنوب البحر الأحمر.
تملك مصر علاقات جيدة مع الهند، وقد تبادل الزعيمان عبد الفتاح السيسي وناريندرا مودي الزيارات، وزاد التعاون الاقتصادي، وبدأت المحادثات العسكرية بين الطرفين، وهذا يمكن القاهرة من تنسيق الحضور العسكري مع البحرية الهندية جنوب البحر الأحمر. وبالنظر إلى العلاقات المصرية- الصينية، وأن القاهرة المتلقي الأول العربي للاستثمار الصيني بزيادة قدرها 28.5 مليار دولار بين عامي (2018 و2019)، سيغير حضور القاهرة العملية العسكرية عند مدخل البحر الأحمر، لتستهدف الأمن بدلًا من الاستقطاب بين القوى الكبرى؛ في محاولة لتجنيب خط الملاحة المصري الضرر خلال هذا الصراع.
كما تتحرك الدبلوماسية المصرية اليوم للانفتاح على إيران؛ في محاول لاحتواء خطر الحرب بالوكالة التي ترعاها طهران، لكن في الوقت نفسه، سيحمل التحرك البحري المصري عسكريًّا رسالة مفادها أن حماية الملاحة في قناة السويس المصرية، وحماية الحضور البري المصري في الصومال، وأمن سواحلها من القراصنة، أو أي حضور إثيوبي غير قانوني، أو هجمات غير متوقعة من الحوثي، مسألة حيوية، وأن الرغبة الإيرانية في عودة العلاقات مع مصر مرهونة بحماية المصالح المصرية الاقتصادية جنوب البحر الأحمر واحترامها.
الجغرافيا المصرية باتت محاطة بالأزمات والحروب من الاتجاهات كافة تقريبًا، ويواجه الاقتصاد المصري أخطارًا عدة؛ نتيجة عدم الاستقرار الدولي والاقليمي، ويعد الحضور العسكري المصري في الصومال هو الأول من نوعه في ضوء التأثير الذي أحدثه، وكثرة التكهنات عنه، ومدى فاعليته، وكيف سيؤثر في التفاوض مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، واتفاقية تقسيم مياه مُلزمة تضمن الحقوق المصرية، لكن الحضور العسكري المصري يصطدم بوقائع على الأرض الصومالية أن الخطر ليس فقط إثيوبيًّا؛ وإنما هناك صراع هندي- صيني يدور على السواحل، وهناك صدام إيراني- أمريكي تظهر فيه الحرب بالوكالة عبر جماعة الحوثي اليمنية؛ ومن ثم فإن التحرك المصري إلى جنوب البحر الأحمر يحمل كثيرًا من أخطار الصدام، ولكنه يحمل أيضًا فرصة لتصبح مصر لاعبًا رئيسًا في أمن هذه المنطقة؛ لعدة أسباب:
لا يُنظر إلى مصر بوصفها دولة استعمارية، أو إمبريالية على سواحل إفريقيا، أو جنوب البحر الأحمر.
لم تصطدم مصر مع إيران في اليمن، أو سوريا، أو لبنان؛ بل كانت تسعى دائمًا إلى تهدئة أكثر من الصدام.
لا تملك مصر أجندة أمريكية معادية للصين، ولا تقدم نفسها حليفًا لأي طرف ضد الآخر.
علاقات مصر ممتازة، أو بالحد الأدنى جيدة، أو تملك اتصالات محدودة مع جميع الفاعلين في جنوب البحر الأحمر من الولايات المتحدة، والصين، والهند، والقوى الأوروبية، وإيران؛ وهذا يجعل الحضور العسكري المصري حال توسعه ليشمل الجانب البحري ليس للهجوم، أو العداء ضد أحد؛ بل لحماية الأمن القومي المصري، واحتواء تداعيات الاضطرابات الإقليمية على الاقتصاد.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.