• 30 أغسطس 2024

شارك الموضوع

أثار اعتقال مؤسس تطبيق تيليغرام (Telegram) بافيل دوروف، الذي قرر الدخول إلى باريس، ضجة من مختلف الأنواع- من السوق والتكنولوجيا إلى الإعلام والسياسة. دعونا نركز على الأخيرة، خاصة أن الحادث أصبح علامة فارقة أخرى في إعادة التنظيم السياسي العام.

يأتي بافيل دوروف من مجال يطالب- أكثر من أي شيء آخر- بوضع غير وطني متخطٍ للحدود. لقد حولت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات العالم إلى فضاء مشترك، وألغت- على ما يبدو- الولايات القضائية السيادية. لقد تحول النفوذ الكبير الذي اكتسبه عمالقة تكنولوجيا المعلومات إلى أموال ضخمة؛ مما أدى إلى زيادة نفوذهم. كانت هناك شركات عبر وطنية من قبل، مثل شركات التعدين، والهندسة، والشركات المالية. ومع ذلك، وعلى الرغم من طابعها الدولي، فإنها لا تزال مرتبطة ببعض الدول ومصالحها. لكن صناعة الاتصالات العالمية وقطاع الابتكار المرتبط بها تمكن من التغلب على هذا الارتباط من خلال إنكار السيادة في ذاتها، بما في ذلك تلك التي نشأت فيها كيانات محددة.

فضلت فترة العولمة، التي استمرت من أواخر الثمانينيات إلى أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، هذا الموقف، فقد أسهمت في تشكيل بيئة موحدة تتمتع فيها البلدان الأكثر تقدمًا بميزة واضحة، وحققت أقصى استفادة منه. إن التكاليف المرتبطة باكتساب عمالقة التكنولوجيا القدرة المتنامية على التلاعب بالمجتمعات، ومنها مجتمعاتها الغربية، لم تكن تعد حرجة حتى الآن.

أدت أزمة العولمة الليبرالية إلى تغيير في الواقع الدولي (يمكن للمرء أن يقول العكس، لكن تغيير الأماكن لا يغير الجوهر)، بدأ الاتفاق على اللعب وفقًا للقواعد العامة يتناقص بسرعة، وفي كل مكان. المهم هو أين كتبت هذه القواعد؟ ومِمَّن؟ واقعيًّا، في الدول الرائدة في المجتمع الغربي.

المرحلة السابقة لم تمر دون أثر. لقد أصبح العالم تنافسيًّا على نحو مكثف، ولكنه يظل مترابطًا على نحو وثيق.

يُعقَد شيئان معًا. سلاسل التجارة والإنتاج والخدمات اللوجستية التي ظهرت خلال ازدهار العولمة، وأحدثت تحولًا نوعيًّا في الاقتصاد، والتي تتعرض للتمزيق الآن على نحو مؤلم جدًّا، وهناك مجال معلومات واحد موجود على وجه التحديد بفضل عمالقة الاتصالات “المحايدين وطنيًّا”.

إن الهياكل التي تعمل عبر الحدود الوطنية تثير الشكوك على الفور لأسباب واضحة، ولا بد من “تأميمها”ـ ليس من حيث شكل ملكيتها، بل من حيث تأكيد الولاء لدولة معينة. إن هذا التحول خطير جدًّا، وفي المستقبل المنظور، فإن هذه العملية قادرة على إضعاف الركيزة الثانية المذكورة، وهي الاتصال العالمي الحالي، على نحو حاد.

بافيل دوروف، الليبرالي العالمي المقتنع، هو الممثل النموذجي “للمجتمع العالمي”. كان لديه احتكاك مع جميع الدول التي كان يعمل فيها، بدءًا من وطنه، ثم في أثناء انتقاله. وبطبيعة الحال، بوصفه رجل أعمال كبيرًا في صناعة حساسة، كان هناك تفاعل جدلي مع الحكومات وأجهزة المخابرات في مختلف البلدان، وهذا يتطلب المناورة والتنازلات. ومع ذلك، بقي موقفه ثابتًا تجاه تجنب أي جذور وطنية. ويبدو أن الحصول على جوازات سفر لجميع المناسبات يوسع مجال المناورة، ويمنح الثقة. لطالما كان هذا المجتمع العالمي على قيد الحياة، وبصحة جيدة، ويطلق على نفسه اسم “النظام العالمي الليبرالي”، لكنه في مشهد النهاية. وهذه المرة، فإن امتلاك الجنسية الفرنسية، مع عدد آخر من الجنسيات، لا يعد بتلطيف موقف المتهم؛ بل يؤدي إلى تفاقمه.

سوف يكون التماهي مع دولة معينة مطلوبًا على نحو متزايد من الموضوعات “فوق الوطنية”، وإذا لم يرغب أصحاب شركات المعلومات في ذلك، فسوف يُعتقَلون قسرًا، ويُعترَف بهم كعملاء ليس للسلام العالمي، بل لقوى معادية محددة. كما يحدث الآن مع تيليغرام، لكنه ليس الأول، ولن يكون الأخير.

إن تشديد الرقابة على كل ما يتعلق بالبيانات يؤدي حتمًا إلى زيادة مستوى القمع في المجال المعلوماتي، خاصة أنه من الصعب جدًّا التشويش على القنوات غير المرغوب فيها في الممارسة العملية؛ ولكن إذا بدا في الآونة الأخيرة أنه من المستحيل حفر طريق المعلومات العالمي السريع، مما يجعله غير صالح للاستخدام في السفر، فإنه لا يبدو الآن رائعًا.

والسؤال الأكثر إثارة للاهتمام هو: كيف سيؤثر الانكماش المحتمل بعولمة المعلومات في التجارة، والترابط الاقتصادي، الذي يظل دعامة الوحدة العالمية؟ وإذا حكمنا من خلال ديناميكيات التغيير، فسوف تكون هناك أخبار أيضًا قريبًا.

المصدر: مجلة روسيا في السياسة العالمية

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع