لا تستطيع أن تتواصل حتى مع أقرب مساعديها، استقال 96 % من الموظفين الذين عملوا معها خلال السنوات الثلاث الماضية، تتعالى حتى على العاملين معها، ولا تسمح لأحد منهم بالتواصل المباشر معها إلا عندما تطلب هي ذلك، ليس لديها أي خبرة على الساحة الدولية، خلال ما يقرب من 40 شهرًا في البيت الأبيض سافرت في 4 جولات خارجية فقط، مُنحت الفرصة تلو الفرصة لرسم مسار سياسي خاص بها، لكنها لم تحقق النتيجة التي انتظرها الجميع في هذه الملفات، هذه الخلاصة السلبية لم تأتِ من خصومها السياسيين في الحزب الجمهوري فقط، بل من غالبية قادة الحزب الديمقراطي أيضًا، فعندما كلفها الرئيس جو بايدن بملف الهجرة والحدود ازداد الأمر سوءًا على الحدود الأمريكية المكسيكية، وعندما راهن عليها البيت الأبيض في ملف “حقوق التصويت للسود والملونين” لم تكن النتيجة أفضل من أدائها في ملف الحدود.
أتحدث عن كامالا هاريس؛ المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة الأمريكية في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فمنذ 20 يناير (كانون الثاني) 2021، وهي تستعد لتصبح أول رئيسة للولايات المتحدة، لكن كل ما فعلته خلال هذه الفترة هو “الاختباء”؛ ولهذا وصف بعضهم فعاليات مؤتمر الحزب الديمقراطي في كاليفورنيا بأنها كانت مصممة “لإخفاء عيوب كامالا”، وهنا يخشى الديمقراطيون من مرشحة لم تتراكم لديها خبرة، رغم تراكم سنوات العمل السياسي، وكل ذلك دفع بعضهم إلى طرح سؤال جوهري هذه الأيام: ما الذي حدث حتى تتفوق كامالا هاريس على المرشح الجمهوري دونالد ترمب في استطلاعات الرأي؟ ولماذا كل هذا التسابق على تأكيد تفوق هاريس على ترمب، مع أن الثابت في السياسة الأمريكية يقول إن استطلاعات الرأي التي تجرى في الأسبوع الثالث من شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل هي فقط ما يعتد به، وتعد مؤشرًا جديًّا على من سيفوز في انتخابات 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل؟
لسان حال كل هؤلاء يقول إن كامالا هاريس كانت- وستظل- شريكة لكل “أخطاء وخطايا” إدارة الرئيس الحالي جو بايدن في الداخل والخارج، فإذا كان بايدن نفسه قبل انسحابه من المسار الانتخابي لم يتغلب على ترمب في استطلاعات الرأي التي جرت في شهور مايو (أيار)، ويونيو (حزيران)، ويوليو (تموز) الماضية، فكيف لكامالا هاريس أن تتغلب في 4 أسابيع على دونالد ترمب ؟ ويزيد هذه الحيرة وتلك الأسئلة أن كاملا هاريس كانت تحصل على ما بين 28 و30 % فقط من نيات الناخبين حتى شهر أبريل (نيسان) الماضي، بل يتذكر هؤلاء أن كاملا هاريس حصلت على 2 % فقط في ولايتها، ولاية كاليفورنيا، في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لانتخابات 2020، وحتى قبل المناظرة الشهيرة بين بايدن وترمب في 27 يونيو (حزيران) الماضي، كانت كل تعليقات القادة الديمقراطيين، ومنهم زعماء “التيار التقدمي اليساري” الذي تنتمي إليه هاريس، تنتقد أداء المرشحة الديمقراطية للبيت الأبيض، وشاع حينذاك قلق كبير من تاريخ كامالا هاريس وأدائها. ورغم ضجيج استطلاعات الرأي فإن هناك اتفاقًا على عدم قدرة كامالا على بلورة “هوية سياسية”، وافتقارها إلى “الغريزة السياسية”، مع أنها عايشت كل “التفاعلات السياسية” في البيت الأبيض خلال 3 سنوات ونصف السنة، فعلى سبيل المثال، قالت السيناتور إليزابيث وارن، في شهر أبريل (نيسان) الماضي، إن كمالا هاريس تنقصها “المقومات الأساسية” لتكون زعيمة الديمقراطيين في المستقبل، وحتى وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون- التي دعمت هاريس في مؤتمر الحزب الديمقراطي- قالت عن هاريس في شهر مايو (أيار) الماضي “إن هاريس ما كان لها أن تجتاز الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لو قرر الرئيس جو بايدن عدم خوض الانتخابات الرئاسية من البداية؛ لأنها لم تؤهل نفسها بالقدر المناسب لتصبح زعيمة للديمقراطيين، وفشلت في بناء هوية سياسية لها، رغم كل ما أتيح لها من فرص”.
وهنا كانت واقعية دان كانينين، مدير حملة هاريس، عندما قال على هامش مؤتمر الحزب الديمقراطي إن المنافسة ما زالت “متقاربة جدًا”، وعلى الديمقراطيين الاستفادة من درجة الحماسة والزخم التي رافقت المؤتمر العام للحزب الديمقراطي، وإن الإفراط في التفاؤل يمكن أن يقود إلى هزيمة الديمقراطيين في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
من الآن حتى إجراء الانتخابات، هناك عدد من الملفات والقضايا التي يمكن أن تحسم مسيرة كامالا هاريس نحو البيت الأبيض، وهي:
أولًا: كتلة المستقلين
جميع استطلاعات الرأي تقيس آراء الجمهوريين والديمقراطيين، فطبيعي جدًا أن ينقل الديمقراطيون، الذين كانوا يدعمون بايدن، دعمهم لكامالا هاريس، كما سبق أن نقل المندوبون والرعاة تأييدهم لهاريس بعد إعلان الرئيس بايدن الانسحاب من المسار الانتخابي، لكن “المستقلين” الذين يمثلون أكثر من 15 % من الناخبين الأمريكيين، لم يتخذوا قراراهم بعد، وينتظروا معرفة موقف كل مرشح وقدرته على تلبية مطالبهم في جميع الملفات، وخاصة القضايا الداخلية، مثل الهجرة، والإجهاض، والاقتصاد، والتعامل مع الجريمة، ودعم الشرطة، وربما تكون المناظرة الأولى بين ترمب وهاريس في سبتمبر (أيلول) حاسمة وفاصلة في هذا الأمر. ويرتبط ” بكتلة المستقلين” ما يسمى ” بالناخب الخجول “، الذي لا يكشف نياته لاستطلاعات الرأي، لكن موقفه الحقيقي يقوله في صندوق الانتخابات، وكان دور المستقلين والناخب الخجول واضح جدًا في انتخابات عام 2016 عندما كانت كل استطلاعات الرأي تقول بفوز هيلاري كلينتون، في حين فاز في النهاية الرئيس الجمهوري دونالد ترمب، ودائما ما تحدد قدرة كل مرشح على جذب الشريحة الأكبر من الناخبين المستقلين الفائز في الانتخابات القادمة؛ ولهذا يعمل فريق كامالا هاريس على جذب أكبر عدد من المستقلين، فعلى سبيل المثال تعمل كامالا هاريس على مغازلة كبار السن والذين تقاعدوا من خلال الاتفاق مع شركات الأدوية لتخفيض أسعار الأدوية التي يحتاج إليها المرضى وكبار السن والمتقاعدون، والعين هنا تحديدًا على ولاية فلوريدا التي لها 29 عضوًا في المجمع الانتخابي، وهي الولاية التي يذهب إليها عدد كبير جدًا من الأمريكيين بعد التقاعد، وصوتوا عام 2016 لدونالد ترمب اعتراضًا على البرنامج الصحي الذي أقره الرئيس الأسبق باراك أوباما (أوباما كير)، كما تسعد هاريس للتوصل إلى اتفاق مشابه مع شركات الأغذية والبقال بهدف دعم ميزانية الأسرة من الطبقة الوسطى.
ثانيًا: دعم تيم والز
مع أن الأعراف الانتخابية تقول إن المرشحين لمنصب نائب الرئيس يكشفان عن رؤيتهما لمستقبل أمريكا عبر “مناظرة وحيدة”، فإنه في هذه الانتخابات أصبحت مواقف وتصريحات تيم والز؛ المرشح لمنصب نائب الرئيس مع كامالا هاريس، مهمة جدًا لوصول هاريس إلى سدة الحكم في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، ورغم الخلاف بشأن خبرة تيم والز، ومدى قدرته على مساعدة هاريس، فإن خبرته في الجيش الأمريكي، وعضويته في مجلس النواب، ثم عمله حاكمًا لولاية مينسوتا، يمكن أن توفر خيارات وخبرة تحتاج إليها هاريس في مخاطبة سكان “الولايات المتأرجحة”. ومع أن مينسوتا ولاية ديمقراطية بامتياز، وليست من الولايات المتأرجحة، فإن قربها من الولايات المتأرجحة “الحاسمة” في الغرب الأوسط يمكن أن يوفر لهاريس رؤية ودعمًا لجذب هؤلاء، خاصة أن عنوان مشروعها السياسي يتعلق “بالطبقة الوسطى”، لكن أكثر ما يمكن أن يقدمه تيم والز لهاريس هو إرسال “رسالة طمأنة” للبيض؛ لأن هناك تقديرات لدى بعضهم بأن فوز دونالد ترمب عام 2016 كان “رد فعل” معاكسًا لفوز باراك أوباما بولايتين في عامي 2008 و2012، ويعاني كثير من البيض الأمريكيين “فوبيا الملونين”، وهناك نظرية تقول إن الملونين سوف يصبحون أغلبية في الولايات المتحدة بحلول عام 2050، ولو نجح تيم والز في جذب هؤلاء الناخبين البيض، خاصة في الأرياف، الذين لم يدخلوا الجامعة، سيكون حينئذ قد قدم خدمة كبيرة لكامالا.
ثالثًا: سيناريو بيرني ساندرز
أكثر ما تخشاه كاملا هاريس والديمقراطيون هو تكرار سيناريو “بيرني ساندرز”، والمقصود به السيناتور بيرني ساندرز الذي كان متقدمًا بفارق كبير في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لعام 2016، لكن مؤسسة الحزب اختارت هيلاري كلينتون بطريقة أغضبت الشباب والجناح التقدمي في الحزب، هذا العام هناك الغضب نفسه من جانب مجموعات “غير ملتزم”، امتنعت عن التصويت لجو بايدن في الانتخابات التمهيدية في كثير من الولايات، خاصة “الولايات المتأرجحة”، فعلى سبيل المثال امتنع نحو 100 ألف ناخب عن المشاركة في الانتخابات التمهيدية في ولاية ميتشجان عقابًا لبايدن، وهي مجموعات ديمقراطية تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وعندما طلب هؤلاء الحديث أمام مؤتمر الحزب الديمقراطي في كاليفورنيا رفضت إدارة الحزب طلبهم، في حين سمحت لبعض الإسرائيليين بالحديث؛ مما عمق الفجوة بين الحزب الديمقراطي ومجموعات “غير ملتزم”.
رابعًا: أنصار روبرت كنيدي
مع أن الهوى السياسي لروبرت جونيور كنيدي كان للحزب الديمقراطي، وكان يسعى إلى الترشح عن الحزب الديمقراطي فإنه أعلن دعمه لدونالد ترمب، وتقول كل استطلاعات الرأي أن أنصاره يشكلون 4 % من الناخبين، خاصة في الولايات المتأرجحة، وهذا يشكل تحديًا كبيرًا لكامالا هاريس، وتحتاج إلى جذب شريحة كبيرة من هؤلاء حتى تضمن الفوز على الأقل في 4 ولايات متأرجحة من 6.
خامسًا: ملف الهجرة
الخطيئة الكبيرة التي تلاحق كامالا هي فشلها في ملف الهجرة وضبط الحدود المكسيكية الأمريكية، وهو الملف الذي كلفها به الرئيس جو بايدن بداية من 20 يناير (كانون الثاني) 2021، لكن ما حدث كان كارثة بشهادة الديمقراطيين أنفسهم، فهي ذهبت إلى الحدود لأول مرة بعد نحو عامين من دخولها البيت الأبيض نائبة لبايدن، وكل أطروحاتها كانت تقليدية جدًا، وأسهمت في تفاقم المشكلة وزيادة تدفق المهاجرين غير الشرعيين، ووصل الأمر الى اشتباكات بين الحرس الوطني للولايات الحدودية مع القوات الفيدرالية، خاصة في ولاية تكساس، وعندما أرادت أن تتحرك في أمريكا اللاتينية لوقف الهجرة كانت رسالتها “سلبية” لتلك الدول، تقوم على اللوم والتعنيف، في حين عندما ذهبت جيل بايدن، زوجة الرئيس بايدن، لتتحدث عن القضية نفسها إلى تلك الدول، كانت رسالتها إيجابية جدًا، وتقول إن “الولايات المتحدة شريكة لهذه الدول”، وحتى بعد ترشح كامالا رسميًّا عن الحزب الديمقراطي لانتخابات 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، لم تقدم هاريس أو نائبها أي صورة جديدة تقول إن المشهد على الحدود مع المكسيك لن يتغير إذا فازت كامالا هاريس في الانتخابات المقبلة.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.