مختارات أوراسية

العصر الجديد في علاقات الصين مع العالم العربي.. “التحديات والآفاق”


  • 23 يوليو 2024

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: reuters

في 30 مايو (أيار)، انعقد الاجتماع الوزاري العاشر في بكين في إطار “منتدى التعاون الصيني العربي”. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن المنتدى تأسس في يناير (كانون الثاني) 2004 في أثناء زيارة الرئيس الصيني هو جين تاو لمصر، وعقد اجتماعه الأول في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة في سبتمبر (أيلول) من العام نفسه. وعلى مدار عشرين عامًا من تأسيسه، أصبح المنتدى آلية دائمة للتفاعل العربي الصيني بشأن مجموعة واسعة من القضايا المتعلقة بالسياسة والاقتصاد العالميين، دون استثناء أجندة الشرق الأوسط بطبيعة الحال.

تبين أن الاجتماع الأخير الذي ترأسه وزيرا خارجية جمهورية الصين الشعبية وموريتانيا كان تمثيليًّا: “وصلت وفود من جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، البالغ عددها 22 دولة، إلى عاصمة جمهورية الصين الشعبية. وهكذا، تمكنت الدبلوماسية الصينية من تجنب عدم المشاركة العربية الواسعة، كما حدث في منتدى الحزام والطريق الثالث الذي انعقد في الفترة من 17 إلى 18 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وقد شارك في المؤتمر قادة دول الإمارات العربية المتحدة والبحرين وتونس ومصر، وبسبب اندلاع الحرب في غزة لم يحضر بقية الزعماء، حيث حضر وزراء خارجية الجزائر والعراق واليمن والمغرب والمملكة العربية السعودية وسوريا والسودان، ووزير الدولة للشؤون الخارجية القطري، والأمين العام لوزارة الخارجية اللبنانية، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط.

وكان من المهم عقد عدد من الاجتماعات المتزامنة بين الرئيس الصيني شي جين بينغ والقادة العرب على هامش المؤتمر؛ ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد، والرئيس التونسي قيس سعيد، ورئيس الوزراء الليبي الوزير عبد الحميد الدبيبة. وكان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان آل سعود يعتزم الحضور، لكنه لم يتمكن من الحضور بسبب التزامات داخلية حالت دون حضوره.

وليس من المستغرب أن يكون لماراثون المفاوضات الرفيعة المستوى تأثير دعائي ملموس؛ مما سمح لشي جين بينغ بإعلان التقدم نحو “حقبة جديدة” في العلاقات الصينية العربية، مبنية على المستقبل المشترك الذي تحدث عنه رئيس جمهورية الصين الشعبية خلال زيارته لمصر في ديسمبر (كانون الأول) 2022. وأعلن شي جين بينغ استعداده لاستضافة القمة الصينية العربية الثانية في بكين عام 2026، وتحدث عن التطور السريع لعلاقات الصين مع العالم العربي، وتعزيز نموذج التعايش المتناغم، وحوار الحضارات لصالح “الحكم الرشيد للعالم”، واقتراح إنشاء مركز عربي صيني يتماشى مع تنفيذ مبادرة الحضارة العالمية التي تروج لها قيادة الحزب الشيوعي الصيني.

إلى جانب ذلك، ركزت بكين في الاجتماع مع القادة العرب على مبادرة الأمن العالمي، التي طرحها شي جين بينغ في منتدى بوآو الآسيوي، في 21 أبريل (نيسان) 2022؛ بهدف بناء بنية أمنية فعالة ومستدامة، وضرورة قيامها على مبدأ الأمن غير القابل للتجزئة، الذي ينسجم تمامًا مع مبدأ الأمن المتساوي وغير القابل للتجزئة في أوراسيا، الذي دافع عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتحقيقًا لمصالح العرب، ربط الصينيون، خلال المؤتمر العاشر لمنتدى، هذه المبادرة بصيغة “حل الدولتين” فيما يخص الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مستشهدين بتجربتهم الإيجابية في إطلاق عملية تطبيع العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية. كما أكدت الوثيقة الختامية بشأن القضية الفلسطينية التي اعتمدها المؤتمر موقفهم المبدئي الداعم لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ومنح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة، والدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة.

كل هذا يرتبط بالمبادئ التوجيهية لبرنامج اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بشأن استخدام التقنيات والأدوات السياسية والاقتصادية والثقافية والإنسانية غير المواجهة في تعزيز مصالح بكين من أجل تعزيز الوجود الصيني في الجنوب العالمي، وزيادة إمكانات الصين الدبلوماسية من حيث القيام بدور الوساطة في حل حالات الصراع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

أكد الرئيس الصيني ضرورة استمرار الاتفاقيات التي تم التوصل إليها خلال زيارته للمملكة العربية السعودية عام 2022، وهو ما يبرز اهتمام بكين بتشكيل خمسة محاور للتعاون مع الشركاء العرب، وهذا يعني زيادة ديناميكيات التعاون في مجال الابتكار، وتوسيع جدول الأعمال في مجال الاستثمار والتمويل، وحوارات أكثر تنوعًا بشأن الطاقة، والتجارة المتوازنة، والدبلوماسية العامة. وشملت المشروعات المحددة البناء المشترك لـ10 مختبرات في مجال الصحة ودعم الحياة، والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الأخضر ومنخفض الكربون، والزراعة الحديثة، واستكشاف الفضاء، وتطوير تكنولوجيا المعلومات.

ورحب شي جين بينغ بربط البنوك العربية بنظام الدفع بين البنوك عبر الحدود، الذي أطلقه الجانب الصيني عام 2015 بديلًا لنظام سويفت الغربي. وعلى عكس الأخير، فهو لا يوفر تبادل المعلومات فحسب؛ بل يوفر أيضًا المقاصة والتسوية. وقد بدأت بعض البلدان العربية بالفعل في استخدام اليوان الصيني في التجارة مع الصين، نحن نتحدث- على وجه الخصوص- عن عقد توريد الغاز الطبيعي المسال الذي أبرمته دولة الإمارات العربية المتحدة في بورصة شنغهاي في مارس (آذار) 2023، وتُنفَّذ المعاملات بالدرهم الإماراتي الرقمي مع بنك الشعب الصيني في وضع الاختبار. تتم دراسة مسألة الربط في (2024- 2025) بنشاط. أجزاء من المعاملات التي تتم عبر نظام الدفع الإماراتي عبر الحدود “بُنى” (Buna) إلى نظام الدفع الصيني “يونيون باي” (UnionPay).

وبناء على نتائج المؤتمر، والقمة العاشرة لمنتدى التعاون الصيني العربي (CASCF) التي عقدت على هامشه، تم التوقيع على الوثائق التالية:

  • يدعو إعلان بكين إلى تسريع تنمية الشراكة الصينية العربية، كما يعكس المواقف المشتركة للأطراف بشأن الأزمات الإقليمية، ومنها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وضرورات التنسيق في مكافحة الإرهاب، وفي مجال حقوق الإنسان، وتغير المناخ العالمي، والذكاء الاصطناعي؛
  • خطة العمل للفترة من (2024- 2026) كمنصة عملية لتكثيف العلاقات الصينية العربية في مجال السياسة والاقتصاد، بما في ذلك التعاون القطاعي (البنية التحتية، والطيران، والتبادلات الثقافية، والتعليم، والرعاية الصحية، وما إلى ذلك)؛
  • اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين والبحرين؛
  • اتفاقية الشراكة الإستراتيجية مع تونس.

ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من الانتقادات المعتادة “للصين الاستبدادية”، فإن المراقبين الغربيين والعرب الموالين للغرب (وخاصة المحلل البحريني حسن الحسن، الذي يمثل المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ومقره لندن) وجدوا أنفسهم مضطرين إلى الاعتراف بإنجازات بكين في تنفيذ إستراتيجيتها في الشرق الأوسط. وتهدف هذه الإستراتيجية إلى تشكيل تحالفات من دول الجنوب العالمي في عالم متعدد الأقطاب كثقل موازن لسياسات الولايات المتحدة والدول المتقدمة في مجموعة السبع.

بالإضافة إلى ذلك، من لندن نفسها، وعلى مستوى الخبراء، هناك انتقادات مبطنة لواشنطن؛ لأنه بفضل سياساتها تمكن الصينيون من تحقيق نجاحات اقتصادية وسياسية خارجية مثيرة للإعجاب في الشرق الأوسط، ومن بين الأسباب القلق المشترك لجمهورية الصين الشعبية والعرب بشأن “تسليح” السياسة التجارية والتمويلية والتكنولوجية من جانب الأمريكيين في المواجهة مع روسيا، والمعايير المزدوجة للولايات المتحدة فيما يتعلق بالأزمات في أوكرانيا، وأوروبا، وغزة. ونتيجة لذلك، وكما يشير حسن الحسن، “فإن الاهتمام العربي بمجموعة (بريكس بلس)- بوصفها صيغة جديدة للتعاون مع القيادة الصينية- آخذ في الازدياد”.

يمكننا اليوم أن نتوصل إلى استنتاج منطقي بشأن وجود أساس وآفاق جدية فيما يتعلق بتطوير التعاون المتعدد الأوجه بين الصين والعالم العربي، وأطروحة شي جين بينغ الدعائية عن “حقبة جديدة” في العلاقات الصينية العربية، يتوافق هذا الرأي جزئيًّا مع الواقع. في الوقت نفسه، إلى جانب الفرص المتاحة للتطوير المتسارع لحوارات بكين مع الدول العربية الفردية، كانت هناك- ولا تزال- مشكلات وتحديات.

أولًا: على الرغم من التصريحات المبالغ فيها- إلى حدٍ ما- للخبراء الغربيين عن “تردد” الصينيين في شؤون الشرق الأوسط، فيما يتعلق بالإمكانات العسكرية، فإن بكين لا تزال غير قادرة على التنافس مع واشنطن، فضلاً عن القوات المتحالفة مع الناتو. يطرح حسن الحسن أطروحة مثيرة للجدل مفادها أنه: “على عكس الاقتصاد والدبلوماسية في مجال السياسة والأمن في الشرق الأوسط، فإن الصينيين ليسوا غير قادرين فحسب، بل غير راغبين أيضًا في التنافس مع الأمريكيين، الذين يحافظون على علاقة خاصة مع عدد من الدول العربية في مجال الدفاع والأمن”، وهذا يعني بوضوح (دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر، والأردن). وفي تصنيف القوة العسكرية لعام 2024، تحتل الصين المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة وروسيا. إن تخلف الصين عن الولايات المتحدة ملحوظ على نحو خاص في القوات البحرية والجوية، التي- كما هو معروف- هي الأكثر مشاركة في العمليات القتالية في الشرق الأوسط. ويبدو أن هذا هو السبب الذي يجعل الصينيين يمتنعون عن التدخل في الصراع بين الغرب والحوثيين اليمنيين في البحر الأحمر، على الرغم من وجود قاعدة بحرية في جيبوتي المجاورة، ويفضلون التفاوض مع الحوثيين بشأن عدم مهاجمة السفن الصينية.

ثانيًا: على خلفية الركود الاقتصادي في الصين، الذي على الرغم من تقارب الإحصاءات المحلية، يكاد يكون معترفا به بالإجماع من جانب المحللين الروس والأجانب (في عام 2023، خفضت سيتي جروب توقعاتها للنمو الاقتصادي الصيني من 5.5 % إلى 5 %، ومورغان ستانلي من 5.7 % إلى 5 %، وغولدمان ساكس من 6 % إلى 5.4 %). ورغم وجود اهتمام متزايد من التجار والمستثمرين الصينيين بأسواق الشرق الأوسط -على سبيل المثال، مجموعة علي بابا، وخدمة الحوسبة السحابية تينسنت كلاود، وشركة توصيل الأغذية ميتوان (Meituan) للمشروعات التجارية في السعودية- فإنها لا تلقى دائمًا تفاعلًا كافيًا هناك؛ غالبًا بسبب الضغوط الأمريكية القاسية على “الأصدقاء العرب”. وينطبق هذا- على نحو خاص- على التفاعل في صناعات التكنولوجيا الفائقة التي تشكل أهمية بالغة لبكين. ويكفي أن نتذكر الحلقة غير السارة للشركاء الصينيين مع استعداد شركة تكنولوجيا المعلومات السعودية “آلات” (Alat) برأس مال 100 مليار دولار لرفض التعاون مع الصين لإرضاء واشنطن، أو قصة مماثلة مع شركة تكنولوجيا المعلومات الإماراتية الرائدة مجموعة “جي 42” (G42) التي وافقت على تقليص حجم تعاونها التكنولوجي مع الصين مقابل 1.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة مايكروسوفت.

ثالثًا: على الرغم من اهتمام العرب بالانضمام إلى مبادرة الحضارة العالمية الصينية، فإن الحواجز الثقافية بين الصينيين والعرب لا تزال قائمة. ويشير هذا إلى الاختلافات العميقة في النظرة العالمية والفلسفة والدين (الكونفوشيوسية والبوذية والطاوية في الصين، والإسلام في العالم العربي)، التي تستقر على أخلاقيات الأعمال التجارية، والمواقف تجاه الفساد، والاقتصاد غير الرسمي، وكثير من الجوانب الأخرى الاجتماعية والسياسية، والحياة الاقتصادية.

ومع ذلك، فإن الوضع في سياق سيادة السياسات الاقتصادية الخارجية لدول الجنوب العالمي على خلفية التحول التاريخي من نظام عالمي أحادي القطب إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب لا يزال يتغير. ووفقًا للخبراء، بحلول عام 2037 قد يتفوق الاقتصاد الصيني على الاقتصاد الأمريكي، ليصبح الأكبر في العالم؛ ومن ثم، لا يمكن استبعاد أنه على المدى المتوسط ​​(في غضون من ثلاث إلى خمس سنوات) ستنتقل بكين إلى إجراءات أكثر نشاطًا؛ مما يدفع الولايات المتحدة إلى الخروج من الشرق الأوسط، وبعد ذلك سيبدأ حقًّا “العصر الجديد” الذي أعلنه شي جين بينغ في الشراكة الصينية العربية.

المصدر: مجلس الشؤون الدولية الروسي

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع