مقالات المركز

الهند- إيطاليا.. تقارب قوى شبه الجزيرة


  • 27 يونيو 2024

شارك الموضوع

أصدر رئيس الوزراء ناريندرا مودي بيانًا أعرب فيه عن سعادته أن تكون “أول زيارة خارجية له في ولايته الثالثة على التوالي رئيسًا للوزراء إلى إيطاليا لحضور قمة مجموعة السبع، مُتذكرًا زيارته إلى إيطاليا لحضور قمة مجموعة العشرين عام 2021. وكانت الزيارتان اللتان قامت بهما رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى الهند العام الماضي مفيدة في زيادة الزخم والعمق في العلاقات الثنانية بين الهند وإيطاليا، وقد أكد مودي أن نيودلهي مُلتزمة بتعزيز الشراكة الإستراتيجية، وتعزيز التعاون في منطقة المحيطين الهندي والهادئ والبحر الأبيض المتوسط. وتولت إيطاليا رئاسة مجموعة السبع هذا العام. وقد دعت رئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني رئيس الوزراء مودي لحضور قمة مجموعة السبع.

تحرص الهند وإيطاليا على تعميق التعاون في المشروعات المشتركة، والبحث، والتطوير، ونقل التكنولوجيا والطاقة المتجددة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والرعاية الصحية، والفضاء، والتعليم، والتراث الثقافي. وهناك أكثر من 700 شركة إيطالية نشطة في الهند، توظف نحو 60 ألف شخص، ويبلغ حجم مبيعاتها الإجمالية (9.7) مليار يورو. وتعمل شركات إيطالية كبرى في الهند مثل فيريرو، وفيات، وسي إن إتش، وبيرفيتي، وتتطلع قطاعات الصناعة الإيطالية إلى إقامة شراكات مع الهند في مجالات تصنيع الأغذية، والطاقة البديلة، وتقنيات المياه النظيفة، وإدارة النفايات، وتصميم الأزياء، والقطاعات الفاخرة، بالإضافة إلى الابتكار والشركات الناشئة.

ومن الممكن أن يندمج النظام الصناعي الإيطالي، مثل نظيره الهندي الذي يضم عددًا كبيرًا من الصناعات الصغيرة والمتوسطة، في السوق الهندية بسهولة. ويمكن لكلا البلدين التعاون على نحو أكبر في مجال تكنولوجيات الدفاع والعلوم. تمتلك إيطاليا بعضًا من أفضل التقنيات الدفاعية على مستوى العالم، ويمكن للشركات من كلا الجانبين المشاركة في مشروعات في إطار برنامج رئيس الوزراء مودي “صنع في الهند”.

وبلغت التجارة الثنائية بين الهند وإيطاليا (15) مليار دولار أمريكي في الفترة من 2022 إلى 2023، حيث بلغت صادرات الهند (8.691) مليار دولار أمريكي، وهو أعلى مستوى حتى الآن. وتعد إيطاليا رابع أكبر شريك تجاري للهند في الاتحاد الأوروبي. وينصب التركيز على القطاعات الواعدة، مثل تصنيع الأغذية، والمنسوجات، والتصميم، والتصنيع، والخدمات المالية. وتقدر الاستثمارات الهندية في إيطاليا بنحو (400) مليون دولار أمريكي، حيث تعمل الشركات الهندية في قطاعات تكنولوجيا المعلومات، والأدوية، والإلكترونيات، والتصنيع، والهندسة.

أهم العناصر المصدرة من الهند إلى إيطاليا هي أدوات الاتصالات، والمنتجات البترولية، ومنتجات الحديد والصلب، ومكونات السيارات وقطع غيارها. وتشمل العناصر الرئيسة التي تستوردها الهند من إيطاليا الآلات الصناعية لمنتجات الألبان، والآلات والمعدات الكهربائية، والمنتجات الكيميائية والمنتجات المرتبطة بها، وغيرها من العناصر الهندسية المتنوعة. وتعد إيطاليا المستثمر الأجنبي الثامن عشر في الهند، حيث بلغ تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر التراكمي (3.53) مليار دولار أمريكي في الفترة من 2000 إلى 2023.

وقد انضمت إيطاليا إلى المبادرات العالمية الرئيسة التي تقودها الهند، مثل التحالف الدولي للطاقة الشمسية (ISA)، والتحالف من أجل البنية التحتية المقاومة للكوارث (CDRI)، ومبادرة المحيط الهندي والهادئ (IPOI)، والتحالف العالمي للوقود الحيوي (GBA)، والممر الاقتصادي للهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEEC)؛ مما يعكس التقارب المتزايد في وجهات النظر بشأن القضايا العالمية المهمة.

وفي السنوات القليلة الماضية، كان هناك تسارع في انخراط إيطاليا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ليس فقط من حيث الوجود الاقتصادي، الذي كان ملحوظًا بالفعل، ولكن من حيث الاهتمام السياسي أيضًا. وقد حظي هذا التوجه بدعم من الهند، حيث تهدف رؤية الهند الشاملة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ إلى خلق مساحة للتعاون مع الشركاء ذوي التفكير المماثل لتعزيز الرخاء والأمن المتبادلين. ويكمن وراء تقارب روما مع منطقة المحيطين الهندي والهادئ إدراكها لأهمية المنطقة لاقتصادها، من حيث الطرق البحرية الإستراتيجية لتزويد الموارد الرئيسة، وحجم التجارة مع اللاعبين في هذه المنطقة. إيطاليا ثاني أكبر قوة صناعية في أوروبا، وثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وتَعتبِر الهند من بين شركائها التجاريين الرئيسين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وفي إطار الاتحاد الأوروبي، تُعد روما شريكًا اقتصاديًّا قويًّا وموثوقًا به لاقتصاد متنامٍ مثل الهند.

إن الجدية التي ينظر بها الآن كل بلد إلى الآخر، تتجلى في الاتفاقية الموقعة لترقي الشراكة الثنائية إلى شراكة إستراتيجية، مع التركيز على الدفاع، حيث تقترب رؤية الطرفين فيما يخص “عدوانية” الصين. وتحدثت ميلوني بقوة ضد التهديدات الصينية لتايوان خلال حملتها الانتخابية لعام 2022. وكانت هناك كثير من اللقاءات الرفيعة المستوى بين الجانبين منذ الزيارة الرسمية التي قامت بها رئيسة الوزراء الإيطالية إلى الهند، لا سيما الزيارات المتبادلة مع وزير الشؤون الخارجية إس جايشانكار، ووزير الدفاع الاتحادي راجناث سينغ. وقد أسهم هذا في رفع الهند الحظر المفروض على شركة الدفاع الإيطالية (Leonardo SpA) من التعامل مع الجيش الهندي. كما تعمل شركة بناء السفن الإيطالية (Fincantieri) في بناء أول حاملة طائرات هندية محلية الصنع لكونها المزود للخبرة الفنية لتعزيز القدرات، وتحديث التكنولوجيا. وتتعاون البحرية الهندية والإيطالية تعاونًا وثيقًا في غرب المحيط الهندي في إطار مبادرة الاتحاد الأوروبي لمكافحة القرصنة، وهذا يدلل على مركزية العنصر البحري في مفهوم المحيطين الهندي والهادئ.

وجاء هذا التطور العسكري بين البلدين بعدما شعرت نيودلهي بالقلق إزاء بيع إيطاليا منصات عسكرية مستعملة إلى باكستان، وإدراك إدارة مودي أن نهج عام (2014) بإلغاء وزارة الدفاع الهندية عقدًا بقيمة 546 مليون يورو (624 مليون دولار أمريكي) مع شركة (Leonardo SpA) لم يمنعها من إتمام صفقة كبيرة مع إسلام آباد، تضمنت طائرات ليوناردو (AW139) للبحث والإنقاذ (SAR)، وطائرات هليكوبتر متعددة الأغراض، ومدافع هاوتزر ذاتية الدفع عيار (155) ملم، وعددًا من المركبات المُدرعة، كما بدأت البحرية الباكستانية بإجراء مناورات مع نظيرتها الإيطالية؛ لذا قررت نيودلهي إعادة صياغة سياستها مع روما لمحاولة إبعادها دبلوماسيًّا عن باكستان من خلال عرض المكاسب البديلة، وليس فرض القطيعة.

لذا شهد عام 2023 تحولات مهمة عندما وُقّعت مذكرة تفاهم بشأن التعاون الدفاعي خلال زيارة وزير الدفاع الهندي سينغ إلى إيطاليا. وعقدت اجتماعات لجنة الدفاع المشتركة (JDC) على مستوى وزير الدفاع ومجموعة التعاون العسكري (MCG) مطلع عام 2024، وافتُتح نصب تذكاري في مونتوني الإيطالية للاعتراف بشجاعة الجنود الهنود وتضحياتهم خلال تحرير المدن الإيطالية في الحرب العالمية الثانية، حيث قاتل نحو 50 ألف جندي هندي من أجل تحرير المدن الإيطالية، مثل فلورنسا، وبولونيا.

وسبق أن تعرضت العلاقات الثنائية بين الهند وإيطاليا لانتكاسة كبيرة عام 2012 عندما اتُهم اثنان من مشاة البحرية الإيطالية في أثناء حراستهما لناقلة نفط إيطالية بإطلاق النار على صيادين هنديين قبالة سواحل كيرالا، وطالبت الحكومة الهندية الحكومة الإيطالية بتعويضات لأقارب الضحايا، وقُبض على الجنديين، ووجهت إليهما تهمة القتل، وتم الاحتفاظ بهما في السفارة الإيطالية في أثناء المحاكمة، وأثار رئيس الوزراء مودي الأمر في حملته قبل انتخابات عام 2014. وزعمت إيطاليا أنه تم استئجار مشاة البحرية لحماية الناقلة من القراصنة، وأنهم كانوا يقومون بوظيفتهم. سُمح لمشاة البحرية لاحقًا بالعودة إلى إيطاليا، ورُفع الأمر إلى محكمة التحكيم الدائمة (PCA) في لاهاي، وأُغلقت القضية أخيرًا عندما أمرت محكمة التحكيم الدائمة إيطاليا بدفع تعويضات للهند “عن الخسائر في الأرواح”، ودفعت إيطاليا المبلغ المتفق عليه، وهو (100) مليون روبية.

لكن سرعان ما شهدت العلاقات الثنائية بين الهند وإيطاليا زخمًا تحت قيادة رئيس الوزراء مودي ونظيرته الإيطالية جيورجيا ميلوني منذ الزيارة الأولى التي قامت بها الأخيرة إلى الهند عام 2023 لحضور حوار رايسينا. وقد لفتت ميلوني الانتباه إلى القواسم المشتركة التي رأتها بين النهجين الجيوإستراتيجي الهندي والإيطالي، وقالت إن كلا البلدين يتمتع بميزة “شبه الجزيرة” التي تجمع بين الجزيرة واليابسة. ومن وجهة نظرها، تعتبر إيطاليا دولة بحرية تهتم بجنوبها، وبالبحر الأبيض المتوسط، وأشارت على وجه الخصوص إلى الخطة الإيطالية للشراكة في مجال الطاقة بين البحر الأبيض المتوسط ​​وإفريقيا، وهذا يقيد الهجرة من خلال توفير الفرص في إفريقيا للسيطرة على الهجرة التي تمثل إيطاليا نقطة الهبوط الأولى، وربما الضحية الرئيسة لها. وترى إيطاليا أيضًا أن إفريقيا منطقة غنية بموارد الطاقة التي هي بالغة الأهمية لأوروبا. وتريد إيطاليا أن تضطلع بدور في تحديد الشراكة في مجال الطاقة، وضمان الرخاء، وربما السلام مع إفريقيا، من خلال التعاون كشركاء.

لقد عبرت ميلوني علنًا عن أولوية تطوير العلاقة مع الهند على أساس الأولويات المشتركة مثل الطاقة، واستخدام إيطاليا جسرًا لربط شرق البحر الأبيض المتوسط ​​وإفريقيا وأوروبا مع الهند، وترى إيطاليا ضرورة التحول المتزامن في مجالي التكنولوجيا الرقمية والطاقة، وهو ما يمكن أن يوفر فرصًا تعاونية للهند وأوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، لا سيما من خلال مشروع بلو رامان الذي يربط منطقة المحيط الهادئ الهندية بأوروبا.

ومن أجل المضي قدمًا، وتجاوز الماضي، واستغلال الزخم، من المتوقع أن تعمل الهند وإيطاليا على تعزيز شراكتهما من خلال استكشاف مجالات التعاون الملموس في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وتتميز ديناميكية منطقة المحيطين الهندي والهادئ بالحضور المتنوع للمبادرات المتعددة الأطراف، وهي نتيجة لإمكانية تعاون مختلف الجهات الفاعلة في مشروعات ذات منفعة مشتركة، وإدراج المساهمة التي يمكن أن تقدمها إيطاليا من الأمن البحري، وانتقال الطاقة، إلى إعادة هيكلة سلاسل التوريد، بما في ذلك التنمية التكنولوجية والاقتصادية، في نطاق المبادرات التي تشترك فيها الهند الحالية، وتشمل هذه المبادرات مبادرة المحيطين الهندي والهادئ (IPOI)، ورابطة حافة المحيط الهندي (IORA)، التي تعد الهند من أبرز المروجين لها من خلال سياسة (SAGAR) “الأمن والنمو للجميع في المنطقة”.

وقد تكون الاتفاقية الثلاثية بين الهند وإيطاليا واليابان التي طُرحت عام 2021 نقطة التقاء للشراكة التكنولوجية والتجارية، والحاجة المتزايدة إلى الأمن الجماعي في المنطقة. ومن الممكن أن تجد إيطاليا واليابان، الدولتان اللتان تتمتعان بالتكنولوجيا المتقدمة، بديلًا مرنًا في الهند وأسواقها الواسعة؛ لحالة عدم الاستقرار المتنامية الناجمة عن السياسات “العدوانية” الصينية.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع