يحمل القسم الثالث من كتاب “غولينيشيف.. رائد علم المصريات” عنوان “كتبوا عنه”، ويضم ثلاثة مقالات؛ المقال الأول كتبه فلاديمير فيكينتيف بعد ثلاث سنوات من وفاة غولينيشيف (1947)، بعنوان “رثاء فلاديمير فيكينتيف عن فلاديمير سيميونوفيتش غولينيشيف 1856- 1947). يتحدث فيكينتيف عن أول لقاء جمعه بغولينيشيف في سانت بطرسبورغ في متحف الأرميتاج، وقال إن غولينيشيف شخص مفعم بالقوة، كما أن أسلوبه الملهم لا يدل على أن عمره ستون عامًا، وظل هكذا قويًّا حتى نهاية أيامه، ولم تضعف روحه قط، ودام عطاؤه 77 عامًا منذ بدأ دراسة الحضارة المصرية القديمة بشغف في سن الخامسة عشرة، وكان متعلقًا بكل ما له علاقة بمصر القديمة في آخر سنة في حياته، بمنتهى النشاط كما كان في أول سنة في عمله.
المقال الثاني كتبه العالم الفرنسي جان سينت- فارغارنو باللغة الفرنسية بعنوان “كلمة عن فلاديمير غولينيشيف”، حيث أشاد بالمجهود العظيم الذي قام به غولينيشيف في علم النحو المصري، وقال إنه على الرغم من تأثير الزمن فيه، فقد ظل غولينيشيف شابًا قلبًا وقالبًا رغم بلوغه سن الوقار، وأشاد بسعة اطلاعه، واحتفاظه بذاكرة قوية. كما أشار إلى معرفته- على أقل تقدير- أسس ثلاث عشرة لغة، وأكد أنه لم يكن إحدى أقوى الشخصيات القوية فحسب؛ وإنما كان أيضًا أحد العقول الفريدة في زمانه.
المقال الثالث والأخير في القسم الخاص بالذين كتبوا عنه، مقال كتبه المستشرق الروسي البارز فلاديمير بلياكوف بعنوان “غولينيشيف في مصر”، وقد استهله بمقدمة ترحيب بعالم المصريات الروسي البارز فلاديمير سيميونوفيتش غولينيشيف فور وصوله إلى الفندق المتواضع “سيسيل- هاوس” ذات مساء خانق في أكتوبر (تشرين الأول) 1921 بصحبة زوجته، معلقًا أن هكذا انتهت “الفترة القاسية من حياته” بعد أن حصل على وظيفة بروفيسور في البلاد التي أحبها من قلبه منذ الطفولة، واكتسب أرضًا صلبة تحت أقدامه من جديد.
يأخذنا فلاديمير بلياكوف في جولة في متحف بوشكين في “القاعة المصرية” في أثناء زيارته للمتحف في أغسطس (آب) عام 1990. ويؤكد بلياكوف على لسان بيرلوف- السكرتير العام للمتحف- أن مجموعة غولينيشيف تعد السادسة في العالم، وتكمن قيمتها في المستوى الفني العالم العالي جدًّا. ويشير إلى أن غولينيشيف واحد من أوائل علماء المصريات الذين قدّروا “بورتريهات الفيوم” على أنها اتجاه فريد في الفن المصري، لتصبح مجموعة غولينيشيف أيقونة متحف بوشكين للفنون الجميلة.
يستعرض الجزء الثالث من الكتاب أهم البرديات التي اقتناها غولينيشيف تحت عنوان “من برديات غولينيشيف”. وتعد البردية الحسابية الموسكوفية (البردية الحسابية لغولينيشيف) أحد أقدم النصوص الرياضية المعاصرة الشهيرة. يرجع تأليف البردية إلى عام 1850 ق. م. كان غولينيشيف هو المالك الأول لتلك البردية، وهي موجودة حاليًا في متحف بوشكين الوطني للفنون الجميلة بموسكو. ويرجح العلماء أن هذه البردية ترجع إلى عصر حكم الأسرة الحادية عشرة، أي عصر الدولة الوسطى في مصر القديمة، ومن المحتمل أن تكون قد كُتبت في عهد الملك سنوسرت الثالث، أو أمنمحات الثالث. ومن برديات غولينيشيف أيضًا بردية “رحلة أون آمون إلى جبيل”، التي كتبت بالمصرية الهيراطيقية، وتحمل رقم 120 في متحف بوشكين الوطني للفنون الجميلة بموسكو، وقد نشر النص والبحث ميخائيل ألكسندروفيتش كاراستوفتسيف. وهناك أيضًا بردية “قصة الغريق” بعنوان “قصة ضحية تحطم السفينة”، التي تعد إحدى أشهر برديات الأدب المصري القديم التي ترجع إلى عصر الدولة الوسطى، وهي محفوظة في متحف الأرميتاج الحكومي، وتحمل رقم 1115، واكتشفها غولينيشيف عام 1880-1881، وفك رموزها ميخائيل ألكسندروفيتش كاراستوفتسيف. والبردية الأخيرة ضمن مقتنيات غولينيشيف تحمل عنوان “نبوءة نفر روهو”، وهي محفوظة في متحف الأرميتاج الحكومي، وتحمل رقم B 1116، ومكتوبة باللغة المصرية الهيراطيقية، وتعد نسخة حديثة نسبيًّا (أي ترجع إلى القرن الخامس عشر ق. م.).
أما القسم الأخير من الكتاب فيستعرض مجموعة غولينيشيف، ومعلومات عن كل قطعة بالصور، ويحمل عنوان “مجموعة مقتنيات فلاديمير سيمينوفيتش غولينيشيف في المتحف الوطني للفنون الجميلة منذ عام 1911“. يحمل المقال الأول عنوان “قائمة بعناصر مجموعة غولينيشيف القيمة والعظيمة، التي وضعتها لجنة من العلماء”، وهذا الجزء عبارة عن قائمة بها اسم القطعة وسعرها بالروبل. المقال الثاني في هذا القسم يحمل عنوان “ضم مجموعة ف. س. غولينيشيف إلى ملكية الدولة 1909- 1908″، وهو عبارة عن ترجمة مختصرة لنص الخطاب الذي ألقاه ب. أ. توراييف لمحاولة لفت انتباه الأكاديمية الإمبراطورية للعلوم لضرورة منع الخسارة الفادحة التي تهدد مجموعتنا الأثرية الضئيلة غير الثرية بالآثار الشرقية القديمة، التي تعد فخر العلوم الروسية (من مذكرات الأستاذ ب. أ. توراييف عن مجموعة الآثار الشرقية التي استمع إليها في جلسة الاجتماع العام للأكاديمية الإمبراطورية للعلوم، 9 فبراير/ شباط 1908).
يليه مقال يحمل عنوان “بورتريهات الفيوم من مجموعة غولينيشيف”، التي تعد أقدم وأشهر نماذج لرسم الصور القديمة على الألواح الخشبية باستخدام الحوامل، وتكشف عن الامتزاج العضوي للثقافة المصرية القديمة مع الأفكار الخاصة بضرورة الاحتفاظ بعد الموت بهيئة القرين “الكا”، وتكشف كذلك عن الامتزاج العضوي للثقافة الرومانية القديمة، واهتمامها بالنموذج الخاص بالشخصية.
توجد أكبر مجموعة من بورتريهات الفيوم في الوقت الحالي في القاهرة، وبرلين، ومتحف اللوفر، ومتحف بوشكين الوطني للفنون الجميلة. وتضم مجموعة موسكو 22 من بورتريهات الفيوم، ثم يستعرض الكتاب مجموعة المقتنيات المختلفة التي تتنوع بين التماثيل الرؤوس والأواني.
كما أصدرت دار نشر “أنباء روسيا” كتابًا آخر، يحمل رقم 6 في سلسلة المصريات، عبارة عن ملحق مصحوب بالصور الملونة لمجموعة مقتنيات غولينيشيف، يضم تعليقات على الصور بثلاث لغات؛ هي العربية، والروسية، والإنجليزية.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.