في أبريل (نيسان) 2024، أقر مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون لمصادرة الأصول الروسية لصالح أوكرانيا. نحن نتحدث عن الأموال المجمدة في الدول الغربية بعد بدء “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا. تصل هذه الأموال إلى 300 مليار دولار في الحسابات الأجنبية. هناك نحو 5 مليارات دولار في الولايات المتحدة وحدها يتم التخطيط “للسطو” عليها، بحسب تعبير المسؤولين الروس، ووصفهم لهذا القرار.
الحقيقة هي أنه وفقًا للقانون الدولي، تتمتع ممتلكات الدول بالحصانة. وبغض النظر عما إذا طُبِّقت نظرية الحصانة المطلقة من عدمه، فإن ملكية البنوك المركزية تعد ذات سيادة، وتتمتع بالحصانة؛ لذلك، من وجهة نظر القانون الدولي والوطني، ولا سيما القانون الأمريكي “بشأن حصانة الدول الأجنبية” لعام 1976، فإن قرار مجلس النواب هذا باطل وتعسفي.
على سبيل المثال، وفقا للمادة (1603) من هذا القانون “تشمل دائرة الفئات التي تتمتع بالحصانة الجهات الحكومية التي هي هيئات حكومية، أو أقسامها المختلفة، وكذلك الكيانات الاعتبارية المستقلة، والشركات المملوكة لدولة أجنبية، أو أحد أقسامها”. ويوسع القانون الأمريكي افتراض الحصانة ليشمل الوكالات والمؤسسات الأجنبية؛ ومن ثم فإن البنوك المركزية، مثل الشركات المملوكة للدولة، أو شركات الطيران المملوكة للدولة، تقع ضمن فئة أصول “دولة أجنبية”.
نتيجة لذلك، انتهك المشرعون الأمريكيون القوانين الأمريكية، وطبقوا معايير مزدوجة، وهو ما قبلته كثير من الولايات منذ فترة طويلة؛ لأنها لا تستطيع أن تتعارض مع الإرادة السياسية لواشنطن. لكن المشكلة في هذه الحالة هي أن روسيا قادرة على الرد، وسوف تفعل ذلك. على وجه الخصوص، صادرت محكمة التحكيم في سانت بطرسبورغ ومنطقة لينينغراد- مباشرة بعد قرار مجلس النواب الأمريكي- أموالًا وأوراقًا مالية، وأسهمًا في هياكل الشركة الأمريكية “جي بي مورغان” (JPMorgan) في روسيا، بمبلغ إجمالي قدره 439.5 مليون دولار في مطالبة بنك (VTB) الروسي، وقد كتبت صحيفة “فايننشال تايمز”- على الفور- عن هذا كمثال واضح على المشكلات التي ستواجهها الشركات الأمريكية إذا قررت واشنطن السطو على الأصول الروسية. وفي الوقت نفسه، حذر كثير من الاقتصاديين الأمريكيين مرارًا وتكرارًا من أن قرار مصادرة الأصول سيؤثر سلبًا، أولا وقبل كل شيء، في الاقتصاد الأمريكي.
في هذه الحالة، احتفظ بنك (VTB) بمبلغ 439.5 مليون دولار في حساب “جي بي مورغان” في الولايات المتحدة. وعندما فرضت واشنطن عقوبات على بنك (VTB)، حوَّلَ بنك “جي بي مورغان” أموال البنك الروسي إلى حساب وديعة منفصل. وبموجب نظام العقوبات الأمريكي، لا يستطيع بنك (VTB)، ولا بنك “جي بي مورغان”، الوصول إلى هذه الأموال، لكن هذا لم يشكل عائقًا أمام محكمة تحكيم سانت بطرسبورغ، التي وافقت على مطالبة بنك (VTB)، وجمدت المبالغ المتعلقة بـ”جي بي مورغان” في روسيا كإجراءات مؤقتة.
كما رفع بنك “جي بي مورغان” دعوى قضائية أمام محكمته الأمريكية الأصلية، مطالبًا بمنع الاستيلاء على أصوله، لكنهم لا يملكون القدرة على إيقاف القرار الروسي السيادي. وفي ظل هذه الظروف، تصبح محكمة التحكيم في سانت بطرسبورغ قوة لا تقل أهمية على المسرح العالمي من محكمة نيويورك أو باريس؛ ولذلك، فإن روسيا ستعمل وفقًا لهذا المخطط من خلال محاكمها الخاصة، والاعتراف بشرعية مصادرة الأصول الغربية على أراضيها.
على الأقل يمكن تطبيق هذا النهج على تلك الدول غير الصديقة التي لديها ما يكفي من الأصول في روسيا. وإذا لم تكن هذه التدابير كافية، فكما قال نائب رئيس مجلس الأمن ديمتري ميدفيديف، فإن رد موسكو سيكون غير متكافئ، ولكنه مؤلم. وبالإضافة إلى ذلك، اقترح ديمتري ميدفيديف، إدخال إمكانية مصادرة أصول الأشخاص الأجانب من البلدان غير الصديقة في التشريع الروسي. وأشار المسؤولون الروس أيضًا إلى أن الولايات المتحدة ستكون مسؤولة عن قرار مصادرة الممتلكات الروسية، وستتخذ موسكو إجراءات تلبي مصالحها دون حدود زمنية.
مثال آخر على رد موسكو هو توقيع مرسوم من الرئيس الروسي، تُنقَل بموجبه الشركتان الروسيتان التابعتان لبوش وأريستون إلى الإدارة المؤقتة لشركة غازبروم. وسبق أن ذكرت وزارة الخارجية الإيطالية أنها ستطلب توضيحًا من الجانب الروسي بشأن مسألة تأميم أصول مجموعة أريستون ثيرمو. ويحاول الإيطاليون حشد دعم ألمانيا والاتحاد الأوروبي في هذا الشأن.
وفي الوقت نفسه، أدان البنك المركزي الأوروبي- في وقت سابق- الفكرة الأمريكية تحويل الأصول الروسية لتلبية احتياجات القوات المسلحة الأوكرانية، وقالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، إنه من الضروري التعامل بعناية مع مسألة الانتقال من التجميد إلى مصادرة الأصول؛ لأن التصرفات المتهورة يمكن أن تسبب انتهاكًا للنظام الدولي “مصادرة أصول الاتحاد الروسي هي انتهاك للقانون الذي نريد أن تحترمه روسيا”. تجدر الإشارة إلى أن الجزء الأكبر من الأصول الروسية المجمدة موجود في بلجيكا (نحو 190 مليار دولار).
وأخيرًا، تواصل البنوك الأجنبية العمل في روسيا. على وجه الخصوص، (Raiffeisen Bank International, ING, Deutsche Bank, OTP, Unicredit, Commerzbank, Intesa Sanpaolo)، التي بلغت إجمالي الضرائب المحصلة منها عام 2023، نحو 800 مليون يورو؛ ولذلك، إذا حاولت دول الاتحاد الأوروبي الاستيلاء على الأصول الروسية، فإنها ستخسر كل ما تملكه في روسيا، ولهذا السبب، ليس الاتحاد الأوروبي وحده من يتحدث ضد المصادرة؛ وإنما ممثلو الدول الفردية أيضًا. وتقول ألمانيا إن الأصول الروسية المجمدة يجب أن تظل سليمة لاستخدامها كوسيلة ضغط في المفاوضات. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال ألمانيا خائفة من تعويضات الحرب الوطنية العظمى (الحرب العالمية الثانية)؛ لأن هذه المطالب طرحتها بولندا واليونان. وكما نرى، فإن مسألة استخدام أموال الآخرين يمكن أن تخلق فوضى في الشؤون الدولية، وتقوض الثقة بالنظام المصرفي الغربي ككل.
ظل الخبراء يجادلون منذ عدة سنوات بأن مصادرة الولايات المتحدة للأصول الروسية تهدد بتسريع عملية التخلص من الدولار في النظام العالمي، فضلًا عن رفض البلدان النامية الاحتفاظ باحتياطاتها، والاستثمار في الولايات المتحدة. وتشير التقديرات إلى أن هذا قد يكلف اقتصاد البلاد ما يصل إلى 152 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى 5.34 تريليون دولار من الاحتياطيات.
وهكذا، ووفقًا لأحدث البيانات المتاحة، بلغ إجمالي حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في الولايات المتحدة في نهاية عام 2022 ما يقرب من 5.3 تريليون دولار، وشكلت الأصول الروسية أكثر من 4 مليارات دولار منها، ولكن أصول كل البلدان النامية- وفقًا للبيانات المتاحة- تبلغ 152 مليار دولار أمريكي، وهذا يقرب من 3 % من إجمالي الاستثمارات الأجنبية، وبدأت بعض الدول بالفعل بسحب استثماراتها من الولايات المتحدة. وفي عام 2022، مقارنة بعام 2021، كانت أكبر التخفيضات في استثماراتها في الولايات المتحدة بين الدول النامية هي الصين، بمقدار 2.2 مليار دولار؛ والبرازيل، بمقدار 205 ملايين دولار؛ والبحرين، بمقدار 176 مليون دولار؛ وكولومبيا، بمقدار 54 مليون دولار. وفي المجمل، من بين البلدان النامية، في نهاية عام 2022، خفض نحو 13 اقتصادًا حصته. وفي المجمل، خفضت دول بريكس استثماراتها في الولايات المتحدة بمقدار 1.7 مليار دولار.
هذا العام، خلال رئاسة روسيا لمجموعة “بريكس بلس”، ستُطرح مسألة مزيد من خفض الدولار في المدفوعات بين دول هذا التجمع، ومن المحتمل أن يؤدي القرار الأمريكي إلى اتخاذ قرارات أكثر جذرية في الاقتصاد العالمي. لاحظ أن صندوق النقد الدولي يتوقع تطورات مخيبة للآمال فيما يخص الولايات المتحدة. وفي عام 2024، سوف يتجاوز دين الحكومة الأمريكية 123 % من الناتج المحلي الإجمالي، وبحلول عام 2029 سيرتفع إلى ما يقرب من 134 %. وفي الوقت نفسه، انخفضت قيمة الدولار نفسه بالفعل بنحو الخُمس منذ عام 2020.
أما الوضع الحالي للأصول المجمدة، فبحسب رئيسة البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، فإن المصادرة المحتملة لاحتياطيات الذهب والعملات الأجنبية الروسية “لن يكون لها أي تأثير على الاستقرار المالي لروسيا. لقد أوقفنا العمليات على الأصول المجمدة فترة طويلة، ولا نستخدمها. لقد نوّعنا احتياطاتنا من الذهب والعملات الأجنبية منذ سنوات كثيرة؛ لذلك لدينا احتياطيات كافية متاحة لنا لا تتأثر بالعقوبات، للتخفيف من مخاطر الاستقرار المالي في حال ظهورها”، وأشارت إلى أنه لا توجد الآن مثل هذه المخاطر.
بالطبع، من غير السار أن تدرك حقيقة سرقة مبالغ كبيرة منك، ولكن، على الأقل، ليس روسيا فقط، ولكن العالم كله يرى مَن المحتال، ويمكن للجميع استخلاص استنتاجات من هذا الموقف.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.