في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، نظم المسلمون الشيعة في الهند مسيرة احتجاجية ضد إسرائيل، ودعا رجل الدين الشيعي البارز مولانا “كلب جواد نقوي” الجميع إلى دعم القضية الفلسطينية، ورفع الصوت ضد “الهمجية” الإسرائيلية، وحث الحكومة الهندية على “الوقوف مع الإنسانية”، كما احتفل كثير من التجار الشيعة في منطقة لكناو القديمة بالهجوم الإيراني على إسرائيل بعد أن هاجمت الأخيرة القنصلية الإيرانية في سوريا وقتلت سبعة ضباط من الحرس الثوري الإيراني. وسبق أن شهدت منطقة كارجيل، والعاصمة نيودلهي كذلك، تظاهرات غاضبة ضد الولايات المتحدة الأمريكية عقب اغتيال اللواء الإيراني قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني؛ لذا في ظل استمرار الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وتنامي الدور الإيراني فيه، ومع وجود أقلية شيعية هندية تميل إلى طهران، إلى أي مدى قد يُشكل هذا مصدر إزعاج للحكومة الهندية؟
تشير التقديرات إلى أن (15) إلى (20) في المئة من المسلمين في الهند هم من الشيعة، أي نحو (30) إلى (40) مليون نسمة، وهو ثاني أكبر عدد في العالم الإسلامي بعد إيران، التي يبلغ عدد سكانها 66 مليون نسمة. يملك معظم الشيعة روابط أيديولوجية عميقة مع مراكز التعليم الإسلامية الشيعية في إيران، وتتدفق أعداد كبيرة من الشيعة الهنود إلى مشهد “قم”؛ لتعلم قيم المذهب الشيعي. وقد حافظ المجتمع الشيعي في الهند على ارتباطه بإيران من دون أي تأثير على توجهاته الوطنية، وهي شهادة على التعددية في الهند، وقدرة الشيعة على إدارة التصور الصحيح عن طائفتهم، والمثال الكلاسيكي هو الطريقة التي حافظت بها الثقافة الشيعية المعروفة في لكناو على توجهها الهندي العميق، إلى جانب روابطها مع مراكز التعليم الإيرانية.
أدى ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش)، وتهديداته تجاه الأضرحة الشيعية في النجف وكربلاء، إلى توجه عدد كبير جدًّا من الشيعة الهنود إلى العراق والتطوع جنودًا ضد تنظيم داعش، الذي أعلن أن الشيعة أعداء له، وكان هذا الأمر مُثيرًا لقلق نيودلهي، لا سيما أن الشيعة في جامو وكشمير يشكلون ما يقرب من (12) إلى (15) في المئة من السكان، لكنهم دائمًا ما التزموا الحياد إزاء الصراع الهندي- الباكستاني، علمًا أن قوات المشاة الشمالية الباكستانية ذات الأغلبية الشيعية هي التي شاركت في احتلال مرتفعات كارجيل عام 1999، لكنها لم تحصل على أي دعم من الشيعة الهنود في منطقة كارجيل.
تعمل منظمة تسمى صندوق الإمام الخميني (IKMT) في كارجيل منذ عام 1979؛ أُسِّسَت في العام نفسه الذي حدثت فيه الثورة الإيرانية. وبصرف النظر عن نشاطها في مجالات مثل العمل الخيري والتعليم، فإن هدفها واضح في نشر أفكار الثورة الإسلامية، وفكر آية الله الخميني. كما أنها تحتفل بذكرى وفاة الخميني (بالإضافة إلى ذلك، حتى يوم القدس يحتفل به بعض شيعة كارجيل). وتخضع كارجيل بالفعل لتأثير كبير للتيار الإسلامي الشيعي المحافظ، لكن انتشاره يصاحبه ميل إلى إيران على نحو متزايد، لا سيما في رفع الشعارات المناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل.
من الناحية الدينية، هناك علاقة روحية وعقَدية قوية بين الشيعة في جامو وكشمير وكارجيل وإيران. ويسافر الطلاب من هذه الأماكن إلى قم في إيران، التي تعد أكبر مركز للمنح الدراسية الشيعية في العالم. ومن الناحية السياسية، ابتعدت إيران عن الحرب بالوكالة التي شنتها باكستان في كشمير والجماعتان الإرهابيتان الشيعيتان: حراس الإسلام وحزب المؤمنين، اللتان عملتا في جامو وكشمير، وقد أنشأتهما إسلام آباد، وليس طهران، وسرعان ما ذاع صيت “حراس الإسلام” عندما اختطفت ستة سياح إسرائيليين من مركب في 26 يونيو (حزيران) 1991. بعد ذلك، استغنت الاستخبارات الباكستانية تدريجيًّا عن كلتا الحركتين. وقد أدرك الشيعة الهنود الأسس السنية القوية للمنظمات “الجهادية” التي تعمل من باكستان؛ لذا أبقوا أنفسهم في جامو وكشمير بعيدًا عن هذه الجماعات. وفي عام 2014، رفع الشيعة شعارات مؤيدة للهند، عندما حمل بعض الشباب السنة أعلام تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش).
عام 2021، زعمت صحيفة “هندوستان تايمز”، نقلًا عن مسؤولين مجهولين في المؤسسة الأمنية الهندية، أن الحكومة الهندية تعتقد أن هجوم 29 يناير (كانون الثاني) خارج السفارة الإسرائيلية في نيودلهي، نفذه الحرس الثوري الإسلامي. وردًا على هذه القصة، أصدرت السفارة الإيرانية في نيودلهي بيانًا صحفيًّا رفضت فيه هذا الاتهام، وأشارت إلى أن طهران ليس لديها ما تكسبه من هذا الهجوم على الأراضي الهندية؛ نظرًا إلى الضرر الذي يمكن أن يلحقه بالعلاقات الثنائية بين الهند وإيران. كما وصف البيان إيران وشعبها بأنهم “حاملو راية السلام، وفي طليعة الحرب على الإرهاب، وإثارة الحروب والعنف على مستوى العالم”.
والأمر الجدير بالملاحظة في تعامل الطرفين في هذه الحادثة هو أن الهند وجهت لومًا غير مباشر إلى إيران، دون أن تبالغ في رد فعلها، في ضوء العلاقات المتزايدة لنيودلهي مع الولايات المتحدة والأنظمة الخليجية، لا سيما الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية؛ ما يلقي مزيدًا من الضغوط على العلاقات الثنائية بين طهران ونيودلهي، لكن يبقى هناك كثير من الملفات التي تمنع تدهور العلاقات بين البلدين، لا سيما ملف الأمن في أفغانستان، ومكافحة الإرهاب، وأمن الملاحة في المحيط الهندي ومياه الخليج العربي.
لذا يكرر الدبلوماسيون الإيرانيون على مسامع الزعماء الشيعة البارزين بأنهم أفضل حالًا في الهند من أولئك الموجودين في باكستان، بل إنهم يقترحون في بعض الأحيان أن يظل زعماء الشيعة جزءًا من العملية الديمقراطية في الهند. في الواقع، عام 2012، أذهل سيد مهدي نبي زاده، السفير الإيراني لدى الهند، الجميع عندما تجاهل تمامًا قضية كشمير، وسلط الضوء على أهمية العلاقات الهندية الإيرانية، وكيف يتحرك البلدان معًا. وحاليًا، يتمتع نائب حزب بهاراتيا جاناتا في لكناو، راجناث سينغ، بعلاقات قوية مع الرموز الشيعية، لا سيما مولانا جواد، وقد انعكس هذا في عدم مواجعة الشيعة أي مشكلة في أثناء الخروج في المواكب الدينية خلال شهر محرم، مما قد يعني حسم التصويت لصالح الحزب الحاكم. ووصف بعض السنة الدعم الشيعي لحزب بهاراتيا جاناتا بأنه “تخريف”، خاصةً في ظل الموقف السلبي للحزب من المسلمين.
أخيرًا، لا يوجد حتى الآن أي دليل على أن الجماعات الدينية الشيعية المتأثرة بإيران في الهند لديها أي سمات لتصبح وكلاء شبه عسكريين يمكن استخدامهم بطريقة عدائية، علمًا أن نفوذ إيران في الهند لا يقتصر على البعد الديني الخاص بالشيعة فقط؛ بل يمتد ليشمل العلاقات الثقافية والفكرية والمالية، لكن مشاركة الشيعة في السياسة الهندية ضئيلة جدًّا. ومع هذا، بذلت الهند قصارى جهدها للبقاء بعيدة عن الصراع الإيراني- الإسرائيلي- الأمريكي. وتستفيد نيودلهي من التعاون الثنائي مع طهران، وسوف تستفيد إذا توصلت الأطراف المعنية إلى شكل من أشكال المصالحة أو التهدئة؛ لأن التوترات المتزايدة بين واشنطن وتل أبيب من جهة، وطهران من جهة أخرى، أدت إلى إضعاف تعاون الأخيرة مع الهند، فقد استسلمت نيودلهي للضغوط الأمريكية من خلال وقف وارداتها من النفط الإيراني. بالإضافة إلى ذلك، تسببت حالة عدم اليقين المحيطة بإيران نتيجة لهذه التوترات في الإضرار بآفاق ميناء تشابهار، الذي تعمل الهند وإيران معًا على تطويره.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.