تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في إعادة إحياء اسم “القوزاق”، الذي رقد واستقر في كتب تراث شرق أوروبا، حتى ظننا جميعًا أنه لن يخرج مجددًا بعد طول موات.
على الجانب الآخر، ظل اسم “القوقاز” مشتعلًا طيلة العقود الماضية منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، وبزوغ أزمة جمهورية الشيشان التي تصنف بأنها أخطر جمهوريات القوقاز.
ودعنا نحاول في أبسط كلمات فك الاشتباك بين الاثنين، خاصة أن الهجاء اللاتيني سهل وواضح لا خلط فيه بين القوقاز Caucasus والقوزاق Cossacks.
القوقاز
“القوقاز Caucasus ” اسم سلسلة جبلية بين البحر الأسود وبحر قزوين، يعرف الجزء الواقع في جنوب روسيا منها باسم القوقاز الشمالي، في حين تتقاسم ثلاث جمهوريات (جورجيا- أرمينيا- أذربيجان) المنحدرات الجنوبية لهذه الجبال، وتعرف باسم دول القوقاز الجنوبي.
قبل أن يشيع اسم “القوقاز” في العصر الحديث، كانت التسمية العربية “القفقاس” أكثر وضوحًا، وهي نقل حرفي من الجغرافيين اليونان الذين ذهبوا إلى أن الاسم يعني “الجبل”، أو “الجبل الذي يومض بالثلج”، ثم أعطى بعض الجغرافيين المسلمين للإقليم اسمًا تعريفيًّا بليغًا فأسموه “جبل الألسن”؛ لوجود عشرات اللغات والقوميات.
ولا يوجد مصدر عربي أو إسلامي في العصر الوسيط إلا ويشير إلى “القفقاس”؛ وذلك للعلاقات الوثيقة بينه وبين المشرق العربي، بل إن المماليك الذين وصلوا إلى حكم مصر في قرون كثيرة، جاءوا من هذا الإقليم، ولعل أشهر منطقة في القوقاز الشمالي تلك التي تسكن فيها شعوب “الشركس”، التي ينتسب إليها المماليك “الچراكسة”.
القوزاق
في المقابل، لا نعرف في تراثنا العربي القديم والحديث تقريبًا أي إشارة إلى “القوزاق Cossacks ” الذين صعد ذكرهم من مرقده في حرب روسيا وأوكرانيا في عامي 2022-2023.
والقوزاق Cossacks، أو القازاقQazaq – وفق الرسم التركي- اسم يطلق على شعب كان يعيش في شمال البحر الأسود وغرب آسيا، والأرجح أن معناه “الرجال الأحرار”، أو “الغزاة/الفاتحون”، ويعود إليهم الفضل في تكوين دولة أوكرانيا الحديثة.
بذل هذا الشعب جهودًا مضنية لصياغة استقلاله عن القوى المجاورة. ومن الطريف أن روسيا وأوكرانيا تتنازعان حاليًا على وصف بطولات القوزاق منذ منتصف القرن السابع عشر؛ إذ يزعم قادة الفكر الأوكراني أن القوزاق هم من أعطوا للقومية الأوكرانية هويتها وتميزها عن روسيا، في حين يزعم القوميون الروس أن القوزاق هم من قاوموا الغزو البولندي الكاثوليكي، وحفظوا لأوكرانيا هويتها “الروسية الأرثوذكسية”.
وسعى القوزاق في أوكرانيا وجنوب روسيا إلى الحفاظ على حريتهم، ورفض التسلط الروسي واستعباد الفلاحين، وهو ما قوبل بحملات روسية، وحروب بينية، مما خلق الهوية المميزة بين الطرفين، حتى جاءت الثورة الشيوعية وفككت ذلك كله، وأخضعت الجميع للسلطة السوفيتية العليا، وأخمدت التميزات القومية حين اعتبرت نفسها عقيدة فوق القوميات، وأسقطت الدولة التي أسسها القوزاق في أوكرانيا.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.