لم تُغير الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط وجهة نظر واشنطن بشأن استعراض قوتها العسكرية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. ومن خلال تدريبات تلو الأخرى، تعمل الولايات المتحدة على إرغام دول المنطقة على الوقوف إلى جانبها، مما يزيد حدة الصراعات الإقليمية، وتحويل منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى مكان أكثر خطورة.
وفي الفترة من الأربعاء إلى الخميس، أجرت السفن الحربية الأمريكية والأسترالية واليابانية عملية مشتركة ثلاثية في بحر الصين الجنوبي؛ “لتعزيز سيادة القانون، وحرية الملاحة، وجميع المبادئ التي تؤكد الأمن والازدهار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ”. وفي يوم الاثنين، كجزء من التدريبات الجوية المتعددة الجنسيات المستمرة (Cope North) 2024، شاركت أكثر من (80) طائرة عسكرية، ونحو (3000) جندي من الولايات المتحدة، واليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، وكندا، وفرنسا، في التشكيلات الجوية العسكرية في قاعدة غوام؛ للتفاخر بتآزر القوات الجوية للدول الست في الجو.
وقال الخبراء لصحيفة جلوبال تايمز إن هذه التدريبات العسكرية، بوصفها جزءًا مهمًّا من استراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، تهدف إلى تعزيز التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وحلفائها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لكن الدافع الحقيقي هو الاستعداد لاشتباك محتمل مع بكين، العدو العسكري المتخيل لواشنطن. وتتخذ الولايات المتحدة خطوات أكبر لتمهيد الطريق لتخطيطها الأمني المتصور في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث إنها عازمة الآن على احتواء الصين من خلال إستراتيجيتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، واحتجاز الدول الأخرى رهينة لمصالحها الأنانية وحماية مصالحها الخاصة.
أما دول المنطقة، فإن الرسالة التي تحاول الولايات المتحدة إيصالها إليها من خلال التدريبات الجوية والبحرية واضحة جدًّا: يتعين عليها الاختيار بين الوقوف مع الولايات المتحدة وحلفائها أو ضدهما، ولا يمكن أن يكون هناك طريق وسط. ونتيجة لهذا قد يُحفَّز سباق تسلح جديد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ويجر بلدان المنطقة بعيدًا عن مسار التنمية، ويدفعها إلى الأزمات. كما تخلق هذه التدريبات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة اضطرابات وانقسامات، بل صراعات محتملة في المنطقة، مما يدل على أن الولايات المتحدة لا تريد سوى رؤية الفوضى في جميع أنحاء العالم.
وليس من قبيل الخطاب المثير للقلق أن نزعم أن واشنطن قد زرعت بالفعل مخاطر خفية، من شأنها أن تقوض الاستقرار الإقليمي المستدام. ما عليك سوى إلقاء نظرة على الفلبين، وكيف كثفت عملها العسكري: وفقًا لتقارير وسائل الإعلام المحلية، قال وزير الدفاع الفلبيني جيلبرتو تيودورو جونيور يوم الثلاثاء، خلال زيارة إلى القاعدة البحرية الفلبينية في جزيرة مافوليس في باتانيس، إن البلاد ستضع “نسقًا عملياتيًّا أعلى للقوات المسلحة الفلبينية” يبدأ هذا العام.
وإلى حد ما، تعززت هذه الخطة بفضل التدريبات العسكرية التي تجريها الولايات المتحدة في المنطقة، وهي الحليف الوثيق للفلبين. بالإضافة إلى ذلك، هناك اعتقاد أن واشنطن تدعمها، وهو ما يجعل مانيلا تجرؤ على القيام بمزيد من التحركات الاستفزازية لتحدي الصين في بحر الصين الجنوبي. ومع ذلك، فإن الفلبين تضحي بسيادتها الوطنية من أجل الامتثال لاحتياجات إستراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لتصبح دمية وبيدقًا في يد واشنطن في المنطقة.
ومن الجدير بالذكر أيضًا أن التدريبين العسكريين اللذين أجريا هذا الأسبوع شاركت فيهما الولايات المتحدة، واليابان، وأستراليا، وجميعها أعضاء في الرباعية، لكن الهند، العضو الرابع في هذه الشراكة الرباعية، لم تُشارك. ومن المؤكد أن الهند، بوصفها دولة غير حليفة لدول الرباعية الثلاث الأخرى، لها الحق في اختيار نوع التعاون الذي ستشارك فيه مع الولايات المتحدة وحلفائها على أساس مصالحها الوطنية. ومقارنة بطوكيو وكانبيرا، تتبع نيودلهي سياسة خارجية وإستراتيجية عسكرية أكثر استقلالية بدلًا من اتباع واشنطن عن كثب. ويبدو أن غياب الهند يثبت- مرة أخرى- أن البلاد ليست متحالفة تحالفًا كاملًا مع دول الرباعية الأخرى، وهو ما يخفف من تأثيرات هذه الشراكة كسلاح للولايات المتحدة لمحاصرة الصين في المنطقة.
ومع أن الأزمة الأوكرانية وقضية الشرق الأوسط قد استهلكتا بعض طاقة واشنطن ومواردها، فمن منظور مصالحها العامة، ستواصل الولايات المتحدة التركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والمضي قدمًا بأهدافها الإستراتيجية القائمة على معاملة الصين بوصفها خصمًا. ولقد أشعلت واشنطن بالفعل النار في أوكرانيا، وأدت إلى استمرار التوترات في الشرق الأوسط، ولكن لا ينبغي أبدًا لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ أن تصبح ضحيتها التالية، ما يعني أن أي تحرك خطير من جانب الولايات المتحدة قد يؤدي إلى تفاقم الوضع الإقليمي؛ لذا لا بد أن يواجه معارضة مشتركة من جانب دول آسيا والمحيط الهادئ.
الكاتب: شيا وين-شين (Xia Wenxin)
المصدر: صحيفة غلوبال تايمز الصينية