مقالات المركز

8 مفاتيح لفهم إستراتيجيات ترمب


  • 16 فبراير 2025

شارك الموضوع

فوجئ البعض بالأسلوب والطريقة التي يبدو عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، سواء في الحديث، أو التفكير، أو التعامل مع المشكلات الداخلية و الخارجية. ومع أن جزءًا من هذه الشخصية كان واضحًا في ولايته الأولى التي استمرت من 20 يناير (كانون الثاني) 2017 حتى 20 يناير (كانون الثاني) 2021 فإن الفوز الكاسح في المجمع الانتخابي، والتصويت الشعبي، والحصول على الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ وحكام الولايات والمحكمة العليا، دفعت الرئيس الأمريكي إلى رفع السقوف في طرح الأفكار والحلول اعتمادًا على هذا الرصيد الشعبي من جانب، ورغبته في صناعة التاريخ من جانب آخر؛ لأن كل رئيس أمريكي يحاول في الولاية الثانية والأخيرة أن يصنع التاريخ، ويخلد نفسه في سجل الرؤساء الأمريكيين العظماء.

لكن تاريخ الرئيس دونالد ترمب، والمحطات الرئيسة التي مر بها في الحياة الشخصية والعملية، يدفعانه إلى التفكير بطريقة ومنهج مختلفين تمامًا عن كل الرؤساء الأمريكيين السابقين، ومنهم إبراهام لينكولن، ورونالد ريغان، اللذين ينظر إليهما ترمب بإجلال واحترام شديدين، وهنا يمكن الحديث عن 8 مفاتيح رئيسة في شخصية ترمب، وربما تساعد معرفة هذه المفاتيح الثمانية على التعامل معه تعاملًا يعظم المغانم، ويتجنب المغارم. وأبرز هذه المفاتيح هي:

أولًا- الإطراء ومتلازمة الطفولة

عانى الرئيس ترمب وهو طفل “صغر النفس العائلي”، وهو مصطلح يعنى أن الآخرين كانوا لا يثقون به وهو طفل، بما يجعل “تقديره لذاته” أقل من المستوى الطبيعي لأقرانه الأطفال في ذلك الوقت؛ فترمب هو الطفل الرابع في الأسرة، ولم تتحدث أمه عنه قط، وعندما تحدثت كان حديثها عنه سلبيًّا جدًّا؛ لذلك لم يتحدث عنها ترمب، لكن الأهم هو “رؤية الأب” لدونالد ترمب؛ فقد كان لدى ترمب أخ أكبر يسمى فريد جونيور، وكان الأب فريد ترمب يتمنى من ابنه فريد جونيور أن يسلك نفس مسار العائلة للعمل في العقارات، لكن فريد جونيور كان له رأى آخر، وأراد أن يكون طيارًا. ومع أنه تلقى دروسًا في الطيران فإنه فشل في أن يكون طيارًا ناجحًا وماهرًا، ونتيجة لتعاطي الكحوليات بإفراط مات فريد جونيور؛ لذلك حزن الأب فريد ترمب حزنًا شديدًا، وكان يعنّف دونالد على أي شيء، ويقلل من إمكانية نجاحه في مجال العقارات. بسبب ذلك كله، كان ترمب طوال الوقت في هذه المرحلة في حالة دائمة من محاولات “إثبات الذات”، وكان ينجذب بشدة إلى أي إطراء أو مديح. هذه الحالة مستمرة معه حتى اليوم؛ فهو يعشق الإطراء والاستعراض، حتى نجاحه المهني في العقارات يرجعه البعض إلى سبب واحد فقط؛ هو رغبته في إثبات الذات أمام والده الذي كان يعتقد في البداية أن دونالد ترمب يمكن أن يسلك مسارًا فاشلًا مثل أخيه فريد جونيور؛ لذلك فإن المفتاح الأول لكسب عقل ترمب وقلبه هو مديحه، والثناء على الدعم الجماهيري الكبير الذي حصل عليه في الانتخابات، حيث حصل على أصوات أكثر من 75 مليون ناخب في 5 نوفمبر (تشرين الأول) الماضي.

ثانيًا- إستراتيجية المشاعر

دائمًا ما يستخدم الرئيس ترمب مصطلحات وألفاظًا لها علاقة بالمشاعر، فهو على سبيل المثال يقول إنه “يحترم” الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جين بينغ، ويتحدث عن تطبيق تيك توك ويقول: “له مكان في قلبي”؛ ولهذا قرر عدم إغلاقه، ويقول إنه “يحب” شعب غرينلاند؛ لذلك يريد ضمها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ويصف زوجة الأمير البريطاني هاري بأنها “شنيعة”؛ لأنها كانت ضد الملكة الراحلة إليزابيث التي كان ترمب “يحبها كثيرًا ويحترمها”. حتى أوصافه لفريقه الرئاسي من الوزراء والمبعوثين والسفراء كلها تنطوي على مشاعر مثل “المحبوب”، أو “المحبوبة”، “الوسيم”، أو “الجميلة”، وكانت كل مشكلة جو بايدن مع ترمب أن بايدن لا “يحترمه” أحد، ومن هنا سيكون للتعبير بمشاعر إيجابية، وبكلمات فيها مستوى عالٍ من المجاملة تجاه الرئيس الأمريكي “تأثير فعال” في تغيير توجهات ترمب السياسية، لا سيما أن ترمب مستعد دائمًا لتغيير موقفه، وخير دليل على ذلك “صفقة القرن” التي استمر يعمل عليها مع صهره جارد كوشنر 3 سنوات، وفي النهاية استجاب للواقع الرافض لهذه المبادرة أو الصفقة.

ثالثًا- الإلحاح والمطاردة

من يقرأ كتاب “الصفقة” The Art of Deal“، الذي أصدره ترمب عام 1987، ويتحدث فيه بالتفصيل كيف يعقد صفقاته، حيث يقول إن الصفقة في نظره ليست فقط كسب المال؛ وإنما هي “عمل فني وذهني”، وتعتمد على الذكاء، لكنه أكد في هذا الكتاب “مبدأ الإلحاح والتكرار”، وعدم الرضوخ لرفض الآخرين، وهو ما نراه الآن في ملفات مثل ملف تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، فمع أن الرفض الفلسطيني والعربي والاسلامي والدولي واضح تمامًا فإنه يكرر نفس الموقف نفسه، بالكلمات نفسها تقريبًا. ويشرح ترمب في كتابه “فن الصفقة”، الذي أصدره بالتعاون مع الصحفي الاستقصائي الشهير توني شوارتز، أن عقد الصفقة يحتاج إلى نوع من “التشويق والإثارة”؛ ولذلك يعلن مواقفه من القضايا الحيوية فجرًا، وليس في أثناء ساعات النهار والعمل العادية، كنوع من أنواع التشويق والإثارة.

رابعًا- العروض الافتتاحية والسقوف العالية

يعتقد ترمب أن نجاح الصفقة أو أي خطة يعتمد على ردة الفعل على ما يسمى في المفاوضات “العرض الافتتاحي”، وغالبًا ما يقوم العرض الافتتاحي في المفاوضات على “سقف المطالب العالية جدًّا جدًّا”، التي يعلم ترمب أن الطرف الآخر لا يمكن قبولها، لكن العرض التشويقي والسقف العالي يدفعان دائمًا إلى تحقيق المستوي والسقف الحقيقي الذي خطط له ترمب مع فريقه في العقارات، ولاحقًا فريقه الرئاسي، فعلى سبيل المثال، تحدث عن استرجاع قناة بنما التي كانت الولايات المتحدة تديرها حتى عام 1999 “بالقوة العسكرية”، هذا السقف العالي من “العرض الافتتاحي” أسهم بقوة في نجاح مهمة وزير الخارجية مارك روبيو عندما توجه الى بنما، وحصل على ما يريده ترمب، وهو خروج بنما من مبادرة الحزام والطريق الصينية، وطرد الشركة الصينية التي تدير مدخل قناة بنما ومخرجها على المحيطين الأطلسي والهادئ؛ ولهذا رفع “سقف المطالب” في البداية “العرض الافتتاحي” هو “مجرد أداة” لتحقيق هدف أقل بكثير، وتكرر الأمر نفسه مع جزيرة غرينلاند، فالرئيس ترمب يعلم منذ ولايته الأولى أن الدنمارك ترفض بيع أكبر جزيرة في العالم؛ لذلك طرح سقفًا عاليًا بأنه سوف يسيطر عليها بأي طريقة، لكن في النهاية حصل على ما يريده، وهو إعلان الدنمارك استعدادها لمنح الولايات المتحدة مزيدًا من الحضور العسكري على الجزيرة، ووقف جميع أشكال التعاون الاقتصادي مع الصين.

خامسًا- سائق التاكسي والاستطلاعات

خلال كل محاولات ترمب للفوز بترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية، أو حتى تقديره لمن سيدعمه من مرشحي الكونغرس، يعتمد ترمب على “المعلومات الشخصية” التي يجمعها بنفسه، ويعود هذا الأمر إلى قصة برج ترمب في نيويورك، فالأرض التي اشتراها ليبني عليها برج ترمب، قال له الجميع عنها “إنها لن تصلح لهذا المشروع، وإن البرج في هذا المكان سوف يفشل فشلًا ذريعًا”، فماذا فعل ترمب؟ استأجر طائرة مروحية، وكان كل يوم يطوف فوق المكان بنفسه، ويدرس كل المشكلات والمكاسب التي يمكن أن تترتب على قراره هذا، وبالفعل اشترى هذه الأرض بثمن بخس جدًّا؛ لسمعتها بأنها غير صالحة لمشروع كبير، وجنى منها مكاسب ضخمة، بل إن برج ترمب في نيويورك كان قيمة مضافة لهذه المنطقة، ومنذ ذلك الوقت لا يثق ترمب باستطلاعات الرأي، أو خبراء الرأي العام، لكنه يفضل “إستراتيجية الاتصال المباشر”، ويقول في كتابه “فن الصفقة” إن أفضل معلومات هي تلك التي يسمعها بأذنيه، وإنه دائمًا ما يلجأ إلى سائق التاكسي ليسأله عن المكان، وطبيعة السكان، والقوة الشرائية للمدينة، والرضا عن الخدمات، ومعدل الجريمة، قبل أن يأخذ قراره بالاستثمار. وخلال انتخابات 2016 و2024 اتهم ترمب استطلاعات الرأي بأنها كاذبة؛ لأنها كانت ترجح كفة هيلاري كلينتون وكامالا هاريس، وثبت أن كلامه وتقديره صحيحان.

سادسًا- التضخيم الإيجابي

يعترف ترمب في أحاديثه التليفزيونية، وفي كتابه “فن الصفقة” أنه يعتمد على ما سمّاه Positive” amplification“، وهو تكتيك تفاوضي يقوم على إظهار وإبراز أهم ما يريده على نحو مبالغ فيه، دون ذكر للجوانب السلبية الأخرى في الصفقة أو القضية؛ ففي قضية تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة يضخّم ترمب السعادة والراحة والنعيم الذي سوف يجده سكان غزة في المكان الجديد الذي سيُهجّرون إليه، كما يضخم رغبته في إنهاء معاناة الفلسطينيين، وعدم تكرار الحرب.

سابعًا- إغراق الساحة

وهو تكتيك معروف عند علماء النفس، ويقوم على “تشتيت الانتباه” بالعمل في اتجاهات مختلفة، وتقديم “معلومات غير مكتملة” و”غير متسقة” بعضها مع بعض، ومن شأن إغراق الساحة أن ينزع من الطرف الآخر أي قدرة على الرد، وحتى لو رد فلن يجد من يستمع إليه وسط زخم ما يقدمه ترمب من أفكار ومقترحات وقرارات متلاحقة؛ لأنه قبل أن يرد يكون ترمب قد أغرق القضية أو الملف الذي يعمل عليه بمزيد من المواقف؛ فعلى سبيل المثال، في أثناء المؤتمر الصحفي مع الملك عبد الله، ملك الأردن، في البيت الأبيض، لم يكتفِ ترمب بالحديث عن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، لكنه تحدث عن أمر خطير آخر يهم الأردن، عندما قال إنه مستعد للموافقة على ضم أراضٍ من الضفة الغربية إلى إسرائيل. وعندما كان يتحدث عن السلام بين أوكرانيا وروسيا لم يكتفِ بأنه لن يدعم أوكرانيا، وأنه يريد الحصول على معادنها النادرة، لكنه زاد على كل ذلك بأن أوكرانيا قد تصبح يومًا ما روسية، وهو أمر جعل الأوكرانيين يركزون على الجزء الأخير الخاص بتحولهم الى السيطرة الروسية بعد أن كان شاغلهم السابق هو كيفية تأمين المساعدات العسكرية، أو كيفية التفاوض مع واشنطن على المواد النادرة. ويساعد ترمب على الانتقال من فكرة إلى فكرة جديدة في القضية نفسها (إغراق الساحة) حدس ترمب نفسه الذي يقول له إن الطرف الآخر “يريد” ما يعرضه ترمب، أو “يحتاج إليه بشدة”، وصولًا إلى أن الطرف الآخر “لن يستغني” عما يقدمه ترمب على الطاولة، ويشكل الانتقال من مرحلة “رغبة الطرف الآخر” إلى حاجته إلى الأمر، وصولًا إلى “عدم الاستغناء”، تكتيكًا تفاوضيًّا ثبت كثيرًا في أثناء المفاوضات التجارية مع الصين في اتفاق يناير (كانون الثاني) 2020، فترمب كان يعلم أن الصين تصدر إلى أمريكا بـ650 مليار دولار، وتستورد بضائع أمريكية بـ250 مليارًا فقط؛ لذلك طرح أن تستورد من بلاده بـ350 مليار دولار، وإلا الدخول في حرب تجارية لا تنتهي، وفي النهاية تم التوصل إلى تصدير منتجات أمريكية إلى الصين بقيمة 200 مليار دولار إضافية؛ لأنه كان يدرك “رغبة” الصين في البقاء في السوق الأمريكية، وأنها “تحتاج” إلى التعاون مع أمريكي، ولا تستطيع أن “تستغني” عن المعاملات التجارية مع واشنطن.

ثامنًا- الخيارات الاحتياطية

لم يثبت أن ترمب تمسك بفكرة واحدة على الدوام، كما أنه لا ينتظر النجاح في كل ما يطرحه، لكنه مستعد دائمًا “للخيارات البديلة”، وهذا ما يعطيه مساحة كبيرة من المناورة، وفريقه الرئاسي يعرف ذلك؛ لذلك فإنه وهو يطرح فكرة طرد 20 مليون لاجئ غير شرعي من بلاده، يعلم أن هذا مستحيل، لكن إذا نجح في طرد 7 أو 8 ملايين في أثناء سنواته الأربع، وأغلق الحدود مع المكسيك، سيكون بذلك قد حقق الكثير لأنصاره في هذا الملف؛ لذلك يقول في كتابه “فن الصفقة”: “لا أتعلق أبدًا بصفقة واحدة، أو نهج واحد؛ بل أتوصل دائمًا إلى كثير من الأساليب لجعل الصفقة ناجحة؛ لأن أي شيء يمكن أن يحدث، حتى لأفضل الخطط الموضوعة”، وهو ما يؤكد أن ما يقوله بشأن تهجير الفلسطينيين ليس قناعة كاملة لدى ترمب نفسه؛ فغالبية مستشاريه يعرفون التعقيدات جيدًا، وخطورة التهجير القسري في القانون الدولي؛ لذلك يحاول تسويق الفكرة وكأنها بحث عن سعادة الفلسطينيين، وخير مثال على ذلك هو طرحه “صفقة القرن” عام 2018، لكن في الولاية الجديدة يطرح “خطة بديلة”؛ وهي التهجير من غزة، وهي فكرة كتبها للجمهوريين الأستاذ في جامعة جورج تاون جوزيف بلزمان، وقدمها للرئيس ترمب في أغسطس (آب) 2024، ونشرت أول مرة على الإنترنت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي قبل فوز ترمب بشهر واحد، وهو ما يعني أن ترمب سوف يقبل فكرة بديلة عن التهجير حال تأكده من استحالة تنفيذها.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع