مقالات المركز

6 ضمانات لنجاح اتفاق شرم الشيخ


  • 13 أكتوبر 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: skynewsarabia

بعد موافقة حماس وإسرائيل على المرحلة الأولى من مبادرة الرئيس دونالد ترمب، وفي ظل الخبرات السابقة بالألاعيب الإسرائيلية والخداع، تتجه كل المخاوف والأسئلة عن “الضمانات” التي يمكن أن “تحصّن” اتفاق وقف إطلاق النار، وعدم عودة إسرائيل إلى الحرب في ظل تذكر الجميع كيف عادت إسرائيل إلى الحرب بعد هدنتين، الأولى كانت في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، والثانية في 18 مارس (آذار) هذا العام.

الحديث عن “الضمانات السياسية والميدانية” زاد كثيرًا في ظل تغيير “الآلية الجديدة” لتسليم الرهائن الإسرائيليين، فالحكومة المتطرفة في تل أبيب عادت إلى الحرب مع أن آليات تسليم الرهائن في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، وفي الفترة من 19 يناير (كانون الثاني) حتى 18 مارس (آذار) هذا العام كانت تقوم على “التزامات متبادلة”، وخطوات تتم “بالتوازي”، وليس “بالتتالي”، كما هي الحال في “اتفاق شرم الشيخ” الذي ينص على تسليم حماس كل الرهائن الأحياء والأموات لديها قبل الساعة الثانية عشرة بحلول الاثنين 13 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، وبعد ذلك تفرج إسرائيل عن 250 من أصحاب المؤبدات والمحكوميات العالية في ظل سيطرة إسرائيلية على نحو 53% من مساحة القطاع، وتأكيد الجيش الإسرائيلي بقاء سيطرته الأمنية على غزة إلى حين نزع سلاح الفصائل الفلسطينية، وتفكيك ما يسميه “البنية التحتية للإرهابية”، والمقصود بها شبكة الأنفاق، وورش تصنيع السلاح، وما تبقى من أسلحة هجومية لدى حماس، وباقي فصائل القطاع.

هذه المخاوف دفعت الجميع إلى البحث عن “الضمانات” التي يمكن أن تساعد على نجاح هذا الاتفاق وعدم انهياره من جديد. وعند سؤال الرئيس ترمب عن خداع نتنياهو، وإمكانية خروجه من الاتفاق بعد المرحلة الأولى، قال: “اتركوا نتنياهو لي”، لكن كل هذا لا يضمن أن يضغط شركاء نتنياهو في الحكومة، أمثال إيتمار بن غفير، وبتسئيل سموتريتش، لاستئناف الحرب مرة ثالثة، خصوصًا أن سموتريتش طالب بإعادة احتلال غزة، وتدمير حماس بالقوة فور الحصول على الرهائن، وهو ما يجعل وجود هذه “الضمانات” أمرًا حيويًّا لتنفيذ كل مراحل الاتفاق، وليس “المرحلة الأولى” فقط. ومن يدقق يكتشف أن هناك 6 ضمانات حقيقية على الطاولة وفي الميدان، وهذه الضمانات هي:

أولًا- انخراط عسكري أمريكي

وذلك من خلال قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إرسال 200 عسكري أمريكي إلى قاعدة عسكرية إسرائيلية في “أشدود” لمراقبة وقف إطلاق النار ضمن مهمة “مركز التنسيق المدني- العسكري”، الذي سوف يشرف أيضًا على يسر وسهولة دخول المساعدات إلى قطاع غزة، وبعد ذلك سوف يراقب مدى تقدم مراحل إعادة الإعمار، وهذا الانخراط الأمريكي المباشر، ومن خلال قوات عسكرية، يقطع الطريق على نتنياهو أو المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية للعودة مرة أخرى إلى الحرب، وكان لافتًا أن الرئيس ترمب سمح لمبعوثه الشخصي ستيف ويتكوف، وصهره جاريد كوشنر، بحضور اجتماع الحكومة الإسرائيلية الذي صدّق على اتفاق “شرم الشيخ” لوقف الحرب؛ حتى لا تكون هناك فرصة للمتطرفين في الحكومة الإسرائيلية لعرقلة الاتفاق أو تأخيره.

ثانيًا- شهود شرم الشيخ

حضور أكثر من 20 زعيم دولة عربية وإسلامية وأوروبية، بالإضافة إلى الرئيس ترمب، قمة شرم الشيخ للسلام سوف يحوّل كل هؤلاء إلى شهود على الاتفاق، وسوف يعمل الجميع كعناصر ضغط على الحكومة الإسرائيلية حتى لا تعود مرة إلى الحرب.

ثالثًا- الخسائر الإسرائيلية

وقف الحرب سوف يسمح للمجتمع الإسرائيلي بتقييم خسائره العسكرية والسياسية والاقتصادية، فعلى الجانب العسكري قُتل نحو 1000 من الجنود والضباط الإسرائيليين، بالإضافة إلى إصابة وتشوه نحو 20 ألف جندي وضابط آخرين، فضلًا عن الآلاف الذين يترددون إلى المصحات النفسية، وتفكك النسيج الأسري لعائلات الضباط والجنود بسبب غياب هؤلاء فترات طويلة على جبهات القتال، وخسارة الاقتصاد الإسرائيلي نحو 100 مليار دولار خلال عامي الحرب، ناهيك بالعزلة السياسية والدولية التي تعانيها إسرائيل بعد تضرر صورتها في العالم أجمع، بما فيه المجتمع الأمريكي؛ ولهذا لا يمكن تصور عودة إسرائيل إلى الحرب مرة أخرى في ظل كل هذه الخسائر والجروح التي لحقت بالجسد والمجتمع الإسرائيلي.

رابعًا- بيئة حاضنة للاتفاق

ليس من السهل الانقلاب على اتفاق وقف إطلاق النار في ظل الإجماع العربي والإسلامي والدولي، فكل الفلسطينيين وغالبية الإسرائيليين مع الاتفاق، وهذا يوفر ضمانة كبيرة، حيث وقعت حماس ومعها الجهاد والجبهة الشعبية على الاتفاق، والسلطة الفلسطينية أيدت الاتفاق بدون أي تحفظات أو شروط، وأكثر من 88% من الإسرائيليين قالوا إنهم مع مبادرة الرئيس ترمب، وإنهم مستعدون للعمل لحماية هذا الاتفاق وتحصينه، ولا يمكن تجاهل كل هؤلاء والعودة مرة أخرى إلى الحرب، ويشكل كل هؤلاء “بيئة حاضنة” للاتفاق.

خامسًا- ضمانات الأمر الواقع

تنفيذ المرحلة الأولى في ذاتها سوف يخلق واقعًا جديدًا؛ فقد انسحب الجيش الإسرائيلي بالفعل إلى مناطق بعيدة عن المدن، و3 فرق عسكرية أعادت انتشارها في القطاع، وأكثر من 5000 فلسطيني عادوا إلى شمل محور نتساريم في غزة والشمال، والمساعدات بدأت بالتدفق، وجميع هذه الخطوات سوف تكون مراقبة ضد أي طرف يحاول تعطيل الاتفاق، فعلى سبيل المثال سوف تساعد فرق تركية حماس في تجميع جثث الرهائن الإسرائيليين، نظرًا لعدم وجود أدوات وجرافات كبيرة لدى حماس لاستعادة جثث الرهائن من تحت الركام بعد تدمير البنى الشاهقة التي يمكن أن يكون تحت أنقاضها جثث إسرائيلية مدفونة، وهذا يقول للعالم إن أي تأخير في تسليم الجثث سوف يكون برقابة إقليمية واضحة. وعمليًّا، إذا توقفت الحرب 60 يومًا فإن إسرائيل ستحتاج إلى نحو 6 أشهر لاستكمال التجهيزات لأي عمل عسكري جديد، وهو ما يعطي الوسطاء الوقت لاحتواء أي خلاف يظهر في أثناء تطبيق الخطة.

سادسًا- فشل العمل العسكري

هذا الاتفاق هو إعلان كامل وعلني عن فشل الخيار العسكري الإسرائيلي، فكيف تعود إسرائيل إلى خيار أثبت أنه فشل في كل شيء، فنزع سلاح حماس، واستعادة الرهائن الأحياء والأموات يتم من خلال “الاتفاق السياسي والدبلوماسية” وليس البندقية؛ ومن ثم فليس من المنطقي العودة إلى الحرب التي أثبتت فشلها في تحقيق أي نتيجة لإسرائيل، خصوصًا أن عودة الرهائن إلى إسرائيل من شأنها أن تنزع من يدها أي “شرعية للحرب”، حيث قامت الرواية الإسرائيلية لتسويق الحرب على أنها تهدف إلى استعادة أبنائها، وعدم تكرار أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 مرة أخرى.

سابعًا- ترمب

أكثر الضمانات التي يمكن أن “تحصن” اتفاق شرم الشيخ هي المصالح الشخصية والحزبية والوطنية التي يمكن أن يحصل عليها الرئيس ترمب والولايات المتحدة الأمريكية، نعم هناك من يخشى أن يتراجع الرئيس ترمب عن هذا الاتفاق، بدعوى أنه شخص نرجسي ومتقلب المزاج، لكن التدقيق في المشهد الأمريكي يكشف أن دعم ترمب للاتفاق ليس حالة أو لحظة عاطفية؛ وإنما منهج وسياسة تتفق تمامًا مع المصالح الأمريكية، حيث لا تستطيع الولايات المتحدة مواصلة “تحمل الأعباء بدلًا من إسرائيل”؛ لأن عامين من الحرب غيّرا مواقف النخبة السياسية الأمريكية. ودوافع الرئيس ترمب لوقف الحرب تتجسد في مجموعة من المسارات، منها:

1- الإطار 

استمرار الحرب على قطاع غزة يتعارض مع خطة الرئيس ترمب لإعادة صياغة الوجود العسكري الأمريكي في إقليم الشرق الأوسط؛ إذ يريد الرئيس الأمريكي -وفق الخطة التي يعمل عليها الجنرال براد كوبر، وتسمى “الإطار”- إلى تخفيض عدد القوات الأمريكية من 42 ألف جندي إلى نحو 5 أو 10 آلاف جندي، وسحب المنظومات الدفاعية الكبيرة، مثل “ثاد”، و”باتريوت” من الشرق الأوسط، ووضعها بالقرب من بحر الصين الجنوبي، وبحر الصين الشرقي، واستمرار الحرب الإسرائيلية على غزة يتعارض تمامًا مع هذه الإستراتيجية التي بدأت الولايات المتحدة تتحدث بالفعل عنها إلى الدول التي تستضيف قواعد عسكرية أمريكية في إقليم الشرق الأوسط.

2- ميراث الولاية الثانية

كل رئيس أمريكي يسعى في الولاية الثانية إلى ترك ميراث وتاريخ خاص به، وتحقيق السلام في الشرق الأوسط قد يكون من أبرز الثمار أو الإرث التاريخي الذي يسعى الرئيس ترمب أن يتركه في ولايته الثانية والأخيرة.

3- القاعدة الانتخابية

نحن على أبواب شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، وبعد عام تمامًا سوف تُعقد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، وحركة “لنجعل أمريكا عظيمة أولًا” (ماجا) منقسمة على ذاتها بشأن حرب الإبادة في غزة، وجزء كبير من “ماجا” مع وقف الحرب على غزة، ومن أجل الحفاظ على تماسك تلك الكتلة وعدم تفككها يعمل الرئيس ترمب على وقف الحرب في غزة.

4- تكاليف باهظة

لا يتعلق الأمر فقط بنحو 21 مليار دولار من المساعدات العسكرية قدمتها واشنطن لتل أبيب في الحرب على غزة؛ لكن أيضًا بالتكاليف السياسية، حيث باتت الولايات المتحدة مرادفًا لسياسة إسرائيل ونتنياهو، وهو أمر ترفضه النخبة الأمريكية التي ترفع شعار “لسنا واحد” مع إسرائيل، بالإضافة إلى إرسال سفراء الولايات المتحدة الأمريكية من المنطقة العربية رسائل للرئيس ترمب تقول إن صورة الولايات المتحدة تضررت بشدة من جرّاء دعمها المطلق والانحياز الكامل إلى إسرائيل، وهذا أمر يحتاج الرئيس ترمب أن يتخلص منه حيث لا يفضل ترمب مواصلة دفع أموال دافعي الضرائب لإسرائيل حتى نهاية ولايته. ليس هذا فقط؛ بل كشف وزير الخارجية الأمريكي، مارك روبيو، عن جانب آخر من هذه التكاليف عندما قال إن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض (الفيتو) 6 مرات آخر عامين من أجل الدفاع عن إسرائيل، في مقابل 14 دولة في مجلس الأمن، وهذا يجعل الولايات المتحدة تعمل وحدها بعيدًا عن أقرب حلفائها، مثل بريطانيا وفرنسا، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تواصل الدفاع عن إسرائيل بهذه الطريقة عامًا أو عامين آخرين.

كل الأماني أن تتوقف الحرب نهائيًّا، ويعود السلام والازدهار إلى شعب غزة الذي عانى أكثر من أي شعب على وجه الأرض.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع