أبحاث ودراسات

القبرصي وفرساي ومينسك والذهبي

4 سيناريوهات لحل الأزمة الأوكرانية


  • 24 مارس 2025

شارك الموضوع

منذ عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي إلى البيت الأبيض، تجددت الآمال بشأن وقف الحرب في أوكرانيا، وزاد هذه الزخم باللقاء الرفيع الذي جمع بين وفدين من روسيا الاتحادية والولايات المتحدة في العاصمة السعودية الرياض، لكن الطرح الذي قدمه البيت الأبيض عبر ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس دونالد تامب، الذي يقوم على وقف الحرب وقفًا شاملًا -برًّا وبحرًا وجوًّا- 30 يومًا، “لا يطرح إطارًا شاملًا للحل”، وترك تحديد هذا الإطار والحل النهائي للمفاوضات المقبلة، وربما كان هذا مضمون تعليق الرئيس الروسي فلاديمير بويتن على هدنة الثلاثين يومًا، عندما قبل الفكرة من حيث المبدأ، لكنه طرح أسئلة كثيرة بشأنها، ومن يقرأ الطرح الأمريكي، والترحيب الأوكراني الأوروبي، والتأني الروسي في التعامل مع هذا المقترح سوف يكشف سلسلة من الحقائق، منها:

1- فشل الجيش الأوكراني في استعادة نحو 20 % من الأراضي التي كانت تحت سلطة كييف قبل عام 2014، وضُمَّت هذه الأراضي إلى روسيا، وبعد استعادة روسيا هذه الأراضي يصعب على موسكو في أي مفاوضات مقبلة التخلي عن كل هذه الأراضي.

2- الفشل في هزيمة روسيا “إستراتيجيًّا”: فبعد 3 سنوات من الحرب الضروس، فشل الغرب بقيادة الولايات المتحدة، ومعهم 32 دولة أعضاء في حلف دول شمال الأطلسي (الناتو)، و27 دولة في الاتحاد الأوروبي، و50 دولة تطلق على نفسها “أصدقاء أوكرانيا”، منها دول آسيوية كبيرة، مثل اليابان وأستراليا، فشلت كل هذه الدول في هزيمة روسيا “إستراتيجيًّا”، وهو الهدف الذي عملت عليه إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، ومعها كل هذه الدول، واليوم يتخلى الرئيس ترمب عمليًّا عن هذا الهدف غير الواقعي؛ من خلال سعيه إلى وقف الحرب في أوكرانيا.

3- التقدم الروسي الميداني ثابت على الجبهة التي يصل طولها إلى نحو 2000 كم، خاصةً بعد أن تحول دخول الجيش الأوكراني إلى كورسك في أغسطس (آب) الماضي من “ورقة إستراتيجية” كانت أوكرانيا تراهن عليها للمساومة في المفاوضات إلى “نكسة ميدانية” يسعى الرئيس ترمب إلى إنقاذ كييف منها من خلال نداء خاص للرئيس بوتين يدعوه فيه إلى الرحمة بهؤلاء المحاصرين في كورسك، وعدم القضاء على آلاف الجنود الأوكرانيين الذين لا تملك كييف أي خيارات لهم سوى الاستسلام.

4- لا تستطيع الدول الأوروبية أن تعوض أوكرانيا عن السلاح والمساعدات الأمريكية، ولا تستطيع أوروبا ملء الفراغ الذي أعلنه الرئيس الأمريكي ترمب من خلال رفضه تخصيص مزيد من الأموال والأسلحة للرئيس الأوكراني، فلا يمكن تصور أن تستطيع أوروبا تقديم 250 ألف قذيفة شهريًّا من الذخيرة، وهي كمية تعادل ما كان حلف (الناتو) يستهكله في 6 أشهر كاملة في أثناء ذروة العمليات العسكرية للحلف في أفغانستان والعراق، وبعد تفريغ مخازن السلاح الأوروبية لدعم الجبهة الأوكرانية طوال السنوات الثلاث الماضية بات من المستحيل أن تعوض أوروبا السلاح والذخيرة الأمريكية التي كانت تذهب إلى أوكرانيا منذ 24 فبراير (شباط) 2022.

5- تهاوي كل الخطوط الحمراء الأوكرانية والأوروبية التي كانت تطالب بالعودة إلى حدود 1991 بين روسيا وأوكرانيا، وباتت هناك قناعة ضمنية أوروبية بأن روسيا لا يمكنها أن تنسحب من شبه جزيرة القرم، كما أن مايك والتز، مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي، قال أكثر من مرة لقناة “سي إن إن” الأمريكية، إن على أوكرانيا أن تفقد جزءًا من أراضيها من أجل الحصول على ضمانات أمنية، وحدود أمنية بعد نهاية الحرب.

6- حاجة طرفي الحرب إلى “ضمانات أمنية”؛ لأن أوكرانيا تحتاج -بعد إقرار السلام الكامل- أن تعيش كدولة مزدهرة ضمن حدود متفق عليها، وتعيش بسلام مع روسيا، ولا تمانع موسكو في ذلك، وفي مقدمة المطالب الأمنية الروسية أن تظل أوكرانيا على الحياد، وتكون خارج حلف “الناتو”، وتقليص عدد الجيش الأوكراني وعُدّته، وأن تكون أي قوات لحفظ السلام في أوكرانيا من خارج حلف “الناتو”، وليس من الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف الأطلسي.

7- كل الشواهد تؤكد أن الغرب بقيادة أوروبا والولايات المتحدة هم من كانوا يرفضون السلام خلال السنوات الثلاث الماضية، وخير شاهد على هذا أن تغيير ساكن البيت الأبيض، ورغبته في وقف الحرب هي التي حركت المياه الراكدة، وتأكد للجميع من خلال التصريحات الأوروبية المختلفة أن هناك في أوروبا من كان يريد استمرار الحرب حتى آخر جندي أوكراني، وقالوا بصراحة أن استمرار الحرب أطول فترة ممكنة هو في مصلحة أوروبا؛ لأنه سوف يضعف روسيا وفق حسابات بعض المسؤوليين الألمان والفرنسيين.

8- أوكرانيا السبب في الحرب: وفق تصريحات الإدارة الأمريكية الجديدة، فإن المتسبب في اندلاع الحرب هي أوكرانيا وليس روسيا، وذلك من خلال الخطوات الكثيرة التي بدأت مع ما تُسمى “الثورة البرتقالية” عام 2005، وفي عام 2014 عُزِلَ الرئيس الأوكراني المنتخب من الشعب فيكتور يانوكوفيتش، ثم بدأت الحرب على سكان دونباس في لوغانسك ودونيتسك في مارس (آذار) 2014.

9- بلورة المصالح الأمريكية في وقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وهذه المصالح تتلخص في وقف تقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية إلى أوكرانيا، والحصول على المعادن النادرة من كييف، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا في بيئة من السلام والاستقرار، لكن الأهم للبيت الأبيض هو إبعاد روسيا عن الصين حتى تستطيع الولايات المتحدة مواجهة الصين، أو عقد صفقة معها.

4 سيناريوهات

وفق المعطيات على الأرض، وتوجهات القيادتين الروسية والأمريكية، ومحاولة العرقلة التي تمارسها بعض الأطراف الأوروبية، يمكن رسم 4 سيناريوهات لحل القضية الأوكرانية، وهي:

الأول: السيناريو القبرصي

ويقوم على “تجميد الحرب”، وتحويل الحدود الميدانية بين الجيشين الروسي والأوكراني إلى حدود دائمة، لكن دون الاعتراف بذلك رسميًّا، على غرار الحدود بين شمال قبرص التي تسكنها أغلبية من أصول تركية، وجنوب قبرص التي تسكنها غالبية من أصول يونانية، وفي 20 يوليو (تموز) عام 1974 دخلت قوات تركية إلى شمال قبرص بحجة حماية القبارصة الأتراك، وسيطرت على نحو 3% فقط من الجزيرة، لكن في 20 أغسطس (آب) من العام نفسه، قامت تركيا بغزو جديد لقبرص، سيطرت فيه على 37% من مساحة الجزيرة، بنحو 46 ألف جندي تركي، وتحول خط وقف إطلاق النار بين الشمال والجنوب منذ أغسطس (آب) 1974 إلى خط فاصل بين دولة شمال قبرص التركية، التي لا يعترف بها أحد سوى تركيا، وجمهورية قبرص، العضو في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. ورغم مرور 50 عامًا على الغزو التركي لشمال قبرص، فإن الدول الأوروبية والولايات المتحدة لم تعترف بالسيطرة التركية على 37% من الأرضي القبرصية؛ ولهذا يمكن أن تتحول هدنة الـ30 يومًا التي يقترحها الرئيس ترمب في أوكرانيا إلى هدنة دائمة، وتجميد كامل للصراع حتى دون اعتراف الدول الأوروبية رسميًّا بالاعتراف والسيادة والسيطرة الروسية على نحو 20% من أراضي أوكرانيا.

الثاني: سيناريو فرساي

وهو سيناريو يتشابه مع سيناريو “معاهدة فرساي” التي وقعها الحلفاء المنتصرون في 28 يونيو (حزيران) 1919 مع ألمانيا المهزومة في نهايات الحرب العالمية الأولى. ولأن ألمانيا كانت مهزومة فُرِضَ عليها كل شروط الحلفاء، وفي حال رفض أوكرانيا، ومن ورائها بعض القوى الأوروبية، يمكن للولايات المتحدة وروسيا فرض شروط التسوية على أوكرانيا، التي تقوم -وفق التصور الأمريكي غير الكامل في الوقت الحالي- على تخلي أوكرانيا عن شبه جزيرة القرم وجزء من أراضي دونباس، وعدم الدخول في حلف “الناتو”، مقابل بقاء الدولة الأوكرانية على باقي الأراضي.

الثالث: سيناريو مينسك

هناك دول في الاتحاد الأوروبي، وخاصة تلك التي اجتمع رؤساؤها مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في لندن عقب المشادة الكلامية مع ترمب، تفضل “سيناريو اتفاقيات مينسك”، التي يمكن أن توفر فرصة لأوكرانيا لاستعادة قوتها العسكرية واستئناف القتال مرة أخرى ضد روسيا. واتفاقيات مينسك وُقِّعَت في عامي 2014 و2015، وكان الهدف منها وقف الحرب في منطقة دونباس شرق أوكرانيا، وهي الحرب التي بدأت بعد انقلاب الموالين للغرب على الرئيس يانوكوفيتش في مارس (آذار) 2014، لكن بعد سنوات تكشف السبب الحقيقي وراء موافقة الدول الغربية على هذه الاتفاقيات، فعلى لسان أكثر من مسؤول أوروبي قال إن هدف اتفاقيات مينسك كان فقط منح أوكرانيا الفرصة لشراء السلاح والتدريب استعدادًا للقتال.

الرابع: إنهاء الحرب.. والسلام المستدام

وهو السيناريو الذهبي القائم على إنهاء الحرب تمامًا، وتعهد “الناتو” بعدم التوسع شرقًا، وحياد أوكرانيا، واحتفاظ روسيا بالمناطق التي فيها أغلبية روسية، ويعيش الجميع جنبًا إلى جنب بسلام، مع وجود ضمانات للطرفين بعدم خرق هذا الاتفاق.

ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع