مقالات المركز

2025.. عام التحولات الكبرى في الشرق الأوسط وتحديات بناء المستقبل


  • 31 ديسمبر 2024

شارك الموضوع

في أواخر عام 2024، باتت منطقة الشرق الأوسط على أعتاب مرحلة جديدة من التحولات السياسية والاجتماعية، التي تحمل في ثناياها تحديات وفرصًا غير مسبوقة. الأحداث التي شهدتها المنطقة خلال العقد الماضي، ومنها سقوط نظام بشار الأس،د وتراجع النفوذ الإيراني، أعادت تشكيل خريطة التحالفات والصراعات بطريقة تجعل من الصعب التنبؤ بمسارها المستقبلي. في هذا السياق، تظهر تساؤلات ملحّة عن مستقبل سوريا، واستقرار المنطقة، وتأثير هذه التطورات في العلاقات الدولية، ودور القوى العظمى، لا سيما الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترمب، وروسيا المنخرطة عميقًا في الملفات الإقليمية.

سوريا ما بعد سقوط الأسد

كان سقوط نظام بشار الأسد حدثًا مفصليًّا في تاريخ الشرق الأوسط. بعد عقود من الحكم الذي اتسم بالاستبداد والصراعات الداخلية، جاء انهيار النظام نتاجًا لتراكمات داخلية وخارجية. نجحت المعارضة السورية -بدعم من بعض القوى الإقليمية والدولية- في تحقيق تقدم عسكري وإستراتيجي أدى إلى سيطرتها على دمشق في أواخر عام 2024، ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو: هل سيكون هذا السقوط بداية لمرحلة استقرار، أم أن البلاد ستنزلق نحو حرب أهلية جديدة؟

تحديات بناء الدولة

تواجه سوريا ما بعد الأسد تحديات جمة في إعادة بناء الدولة، وتتراوح هذه التحديات بين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتشمل:

– إعادة بناء الهوية الوطنية

بعد سنوات من الحرب والانقسامات، تواجه سوريا أزمة هوية وطنية. تحقيق التوافق بين مختلف المكونات العرقية والدينية، مثل العرب والأكراد والآشوريين، يتطلب بناء هوية وطنية جامعة تعزز الانتماء الوطني، وتقلل تأثير الهويات الفرعية، ولا بد من اعتماد برامج تعليمية وتوعوية تعزز الشعور بالانتماء إلى الوطن الواحد.

– تحديات الحكم المحلي

يفرض غياب سلطة مركزية قوية تحديات كبيرة على إدارة المناطق المختلفة في سوريا. بعض المناطق تخضع لسيطرة جماعات محلية أو دولية، مما يستدعي وضع آلية فعالة لإعادة دمج هذه المناطق تحت إطار الدولة، ويمكن تعزيز ذلك من خلال تطبيق نظام اللامركزية الإدارية الذي يمنح السلطات المحلية صلاحيات محددة تحت إشراف الدولة.

– خلايا النظام السابق والأجهزة الأمنية

واحد من أكبر التحديات التي تواجه القيادة الجديدة هو التعامل مع خلايا النظام السابق، وأجهزة المخابرات التي قد تعوق عملية التحول الديمقراطي. هذه الخلايا ما زالت قادرة على التأثير من خلال شبكاتها داخل المؤسسات والأجهزة الأمنية، وتعد إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وضمان مهنيتها واحترامها لحقوق الإنسان، ضرورة لضمان الانتقال السلمي.

– إعادة الإعمار

الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية والمؤسسات يتطلب استثمارات ضخمة لإعادة الإعمار، وسيكون جذب الاستثمارات الدولية، وتحفيز الشركات المحلية، أمرين أساسيين لتحقيق الانتعاش الاقتصادي، ويُمكن في هذا الصدد تطوير مشروعات تنموية بالشراكة مع القطاع الخاص، والمجتمع الدولي.

– عودة اللاجئين

ملايين اللاجئين السوريين في الخارج يمثلون تحديًا إضافيًّا؛ فعودتهم تتطلب توفير بيئة آمنة ومستقرة، بالإضافة إلى توفير مساكن وفرص عمل، ولا بد من وضع خطط لاستيعاب اللاجئين من خلال برامج إسكان، ودعم اقتصادي واجتماعي.

– إصلاح القطاع الأمني

تحتاج الأجهزة الأمنية، التي كانت أداة للقمع في ظل النظام السابق، إلى إعادة هيكلة لضمان مهنيتها واحترامها لحقوق الإنسان، وهذه العملية قد تواجه مقاومة داخلية، لكنها ضرورية لتحقيق الثقة بين الدولة والمجتمع، ويمكن تأسيس جهاز أمني جديد يعتمد على معايير دولية.

– تعزيز سيادة القانون

يمثل بناء مؤسسات قانونية وقضائية مستقلة وفعالة أولوية لضمان العدالة والمساواة، وسيكون القضاء على الفساد، وتعزيز الشفافية في إدارة الموارد الحكومية، محورين رئيسين، ويجب أن تكون هناك هيئة مستقلة لمراقبة النزاهة.

– المصالحة الوطنية

بعد سنوات من الصراع والانقسام، تحتاج سوريا إلى عملية مصالحة وطنية شاملة، وهذه العملية يجب أن تشمل تقديم تعويضات للضحايا، وضمان عدم الإفلات من العقاب، والعمل على بناء ثقة جديدة بين مختلف الأطراف، ويُمكن هنا أن تُشكل لجان مصالحة مجتمعية، تضم ممثلين عن مختلف الفئات.

– دور المجتمع الدولي

سيكون لدعم المجتمع الدولي في توفير التمويل والمساعدة الفنية، وضمان وجود آلية رقابة فعالة لتجنب استخدام الموارد بطرائق غير مشروعة، دور كبير في إعادة بناء الدولة، ويمكن عقد مؤتمرات دولية للمانحين تركز على دعم سوريا.

– التحديات الاقتصادية

تعتمد سوريا على الزراعة والصناعة، لكن الحرب أضعفت هذين القطاعين، ويجب وضع خطة اقتصادية شاملة تشمل تطوير القطاعات الإنتاجية، وجذب الاستثمارات، وتوفير فرص عمل للشباب، ويجب أن تكون هناك سياسات واضحة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

– إعادة الثقة بين المواطنين والدولة

بعد عقود من الحكم الاستبدادي، تحتاج الدولة إلى بناء جسور الثقة مع المواطنين، وهذا يتطلب شفافية في الإدارة، واستعدادًا من الحكومة للاستماع إلى مخاوف الشعب، والاستجابة لها.

– التعليم وإعادة التأهيل

يعاني نظام التعليم في سوريا تداعيات الحرب؛ مما يتطلب إصلاحًا جذريًّا يشمل تحديث المناهج، وإعادة بناء المدارس، وتوفير فرص تعليمية للجميع، ومنهم الأطفال الذين انقطعوا عن الدراسة خلال الحرب.

تعد هذه التحديات متشابكة ومعقدة، مما يجعل تجاوزها يتطلب رؤية إستراتيجية شاملة، وتعاونًا بين جميع الأطراف المحلية والدولية.

دور القوى الإقليمية

تُعد القوى الإقليمية، مثل تركيا والسعودية وقطر، لاعبين أساسيين في تشكيل مستقبل سوريا؛ فتركيا، التي لها مصالح أمنية وسياسية في شمال سوريا، قد تسعى إلى تعزيز نفوذها من خلال دعم الحكومة السورية الجديدة والاقتصاد السوري، والسعودية، التي لطالما انتقدت النفوذ الإيراني في سوريا، قد ترى في سقوط الأسد فرصة لتعزيز مكانتها الإقليمية. أما إيران، التي فقدت حليفًا إستراتيجيًّا، فقد تسعى إلى الحفاظ على نفوذها من خلال دعم الجماعات الشيعية في المنطقة.

إيران.. تراجع النفوذ الإقليمي

شهدت إيران خلال السنوات الأخيرة ضغوطًا متزايدة نتيجة العقوبات الاقتصادية والسياسات الأمريكية الحازمة، ومع سقوط نظام الأسد، فقدت أحد أهم حلفائها في المنطقة، مما يضعف قدرتها على التأثير في الملفات الإقليمية. الدعم الإيراني للجماعات المسلحة، مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، قد يصبح أكثر صعوبة؛ مما يفرض عليها إعادة تقييم إستراتيجياتها.

إعادة ترتيب الأولويات

في مواجهة هذه التحديات، قد تسعى إيران إلى التركيز على الداخل لتعزيز استقرارها الاقتصادي والسياسي. ومع ذلك، فإن هذا التحول قد لا يكون كافيًا لتجنب الضغوط الخارجية، لا سيما مع تصاعد التوترات مع دول الخليج وإسرائيل. الدعم الروسي والصيني لإيران قد يوفر لها بعض الزخم، ولكنه لن يكون بديلًا عن النفوذ الإقليمي الذي فقدته.

العلاقات الدولية.. روسيا وأوكرانيا

مع تراجع الدور الروسي في سوريا نتيجة سقوط الأسد، قد تجد موسكو نفسها مضطرة إلى إعادة توجيه اهتمامها نحو الملف الأوكراني؛ فالحرب المستمرة مع أوكرانيا تستنزف الموارد الروسية، وتضع ضغوطًا على القيادة في الكرملين. قد يُنظر إلى الانسحاب الجزئي من الشرق الأوسط على أنه إشارة إلى ضعف الموقف الروسي؛ مما يفتح المجال أمام قوى أخرى، مثل الولايات المتحدة والصين، لتعزيز نفوذها في المنطقة.

التحديات أمام موسكو

تواجه روسيا تحديات متعددة على الجبهتين الداخلية والخارجية؛ فداخليًّا: يتعين على القيادة التعامل مع تداعيات العقوبات الغربية والتوترات الاقتصادية، وخارجيًّا: يتطلب الملف الأوكراني إستراتيجية طويلة الأمد للحفاظ على المصالح الروسية. التحالفات الجديدة، مثل الشراكة مع الصين وإيران، قد توفر بعض الدعم، ولكنها ليست كافية لمواجهة الضغط الغربي.

الولايات المتحدة.. سياسات دونالد ترمب

عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض قد تُحدث تغييرات كبيرة في السياسة الخارجية الأمريكية؛ فترامب، المعروف بمواقفه الحازمة تجاه إيران والصين، قد يسعى إلى تعزيز التحالفات التقليدية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وسيكون دعم إسرائيل ودول الخليج، بالإضافة إلى الضغط على إيران، على رأس أولوياته.

إستراتيجية مواجهة النفوذ الإيراني

سياسة ترمب تجاه إيران قد تشمل فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية، وتعزيز الدعم العسكري لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، قد تسعى الإدارة إلى توسيع اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية لتعزيز الاستقرار الإقليمي.

غزة: هل تنتهي الحرب؟

يبقى الصراع في غزة من أكثر القضايا تعقيدًا في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من الجهود الدولية لتحقيق تهدئة، فإن التوترات المستمرة بين إسرائيل وحماس تجعل من الصعب التوصل إلى حل نهائي. سقوط نظام الأسد، وتراجع النفوذ الإيراني، قد يؤثران في دعم حماس؛ مما يضعها في موقف أضعف، ومع ذلك، فإن الوصول إلى حل دائم يتطلب تغييرًا جذريًّا في المواقف والسياسات من كلا الجانبين.

دور المجتمع الدولي

المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، لديه دور حاسم في دفع عملية السلام. قد يكون توفير الدعم الاقتصادي، وإعادة الإعمار، عاملين محفزين لتحقيق الاستقرار، ولكن ذلك يعتمد على التزام الأطراف المعنية بالتفاوض.

استنتاجات

شهدت منطقة الشرق الأوسط تحولات عميقة مع نهاية عام 2024، حيث شكّل سقوط نظام بشار الأسد منعطفًا تاريخيًّا أعاد رسم ملامح الصراعات والتحالفات الإقليمية. هذه التغيرات تضع المنطقة أمام تحديات غير مسبوقة، تتطلب رؤى إستراتيجية متكاملة لبناء مستقبل مستقر.

في سوريا، تبرز إعادة بناء الدولة اختبارًا حاسمًا للقيادة الجديدة، مع الحاجة إلى إدارة الانقسامات العرقية والدينية، وإصلاح الأجهزة الأمنية، وتعزيز الهوية الوطنية. إعادة الإعمار الاقتصادي والاجتماعي ليست مجرد ضرورة محلية؛ بل هي اختبار للتعاون الدولي، وتحديد الأولويات الإقليمية.

أما إيران، فتواجه أزمة تراجع نفوذها الإقليمي نتيجة المتغيرات الجديدة؛ مما يفرض عليها إعادة ترتيب أوراقها داخليًّا وخارجيًّا. في المقابل، ترى قوى مثل تركيا والسعودية فرصًا لتعزيز مكانتها الإقليمية وسط التحولات الجارية.

الولايات المتحدة، تحت إدارة ترمب، تبدو مستعدة لاستغلال هذه التغييرات لتعزيز تحالفاتها التقليدية، وتقليص النفوذ الإيراني، في حين تعيد روسيا حساباتها في ظل ضغوط داخلية وخارجية، من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط.

أخيرًا، يظل استقرار غزة رهينًا بتغييرات جذرية في ديناميات الصراع، ومواقف الأطراف الفاعلة؛ مما يجعل دور المجتمع الدولي ضروريًّا لتحقيق سلام مستدام. هذه الأحداث تؤكد أن عام 2025 سيشكل اختبارًا حاسمًا لقدرة الشرق الأوسط على التكيف مع تحولات غير مسبوقة، وتحقيق التوازن بين تحديات الحاضر وفرص المستقبل.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع