تقدير موقف

10 ملفات تنتظرها روسيا من ترمب


  • 2 نوفمبر 2024

شارك الموضوع

تتباين مصالح الدول في مختلف أقاليم العالم وفق قناعات “الساكن الجديد” للبيت الأبيض وإستراتيجياته، فهناك أطراف، مثل إيران، وغالبية اليهود والعرب والمسلمين، يأملون أن تفوز المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، لكنّ هناك دولًا أخرى ترى فرصة للسلام والاستقرار العالمي إذا فاز المرشح الجمهوري دونالد ترمب، ومن بينها روسيا التي وصف رئيسها فلاديمير بوتين تصريحات دونالد ترمب عن نيته وقدرته على وقف الحروب بأنها “صادقة”. ومع أن أول إستراتيجية للأمن القومي الأمريكي التي نظرت إلى روسيا مع الصين باعتبارهما “منافستين إستراتيجيتين” لواشنطن صدرت في عهد الرئيس ترمب في 19 ديسمبر (كانون الأول) عام 2017، فإنه – أي دونالد ترمب- أدار العلاقة مع روسيا من منطلق “التنافس” وليس “الصراع”، وعقد قمة تاريخية مع الرئيس بوتين في هلنسكي، عاصمة فنلندا، في 16 يوليو (تموز) 2018، وأثمرت هذه القمة جولات كثيرة للحوار الإستراتيجي بين موسكو وواشنطن، حافظ من خلالها البلدان على السلام والاستقرار العالمي، خاصة في المناطق الملتهبة في شرق أوروبا، ومنطقة الإندو باسيفيك، والشرق الأوسط، بل يمكن القول إنه خلال ولاية دونالد ترمب الأولى كانت هناك أهداف مشتركة مع روسيا، حيث سعى ترمب إلى هزيمة تنظيم الدولة (داعش) في سوريا والعراق بعد أن قال الديمقراطيون بزعامة باراك أوباما إن القضاء على دولة “داعش” المزعومة في سوريا والعراق يحتاج إلى عقود طويلة.

وبعد نجاح ترمب في تعزيز حضوره في استطلاعات الرأي في الأسبوعين الثالث والرابع من شهر أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، وفي ظل زيادة احتمالية فوز ترمب في انتخابات الثلاثاء المقبل يكون السؤال الكبير: ماذا يمكن لترمب أن يقدم لروسيا؟ وكيف سيتعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟ وهل يمكن لترمب أن يعيد “دوائر العمل” و”الخطوط الساخنة” من جديد بين البيت الأبيض والكرملين؟

10 ملفات رئيسة

هناك اتفاق ليس في روسيا والولايات المتحدة فقط؛ بل في العالم كله، أن إعلان فوز ترمب في الانتخابات الأمريكية المقبلة كفيل بتغيير “سردية الحروب” التي رسخها الديمقراطيون في أوكرانيا، وغزة، وجنوب لبنان؛ ولهذا يمكن للمرشح الجمهوري -حال فوزه- أن يتعامل بإيجابية مع روسيا في 10 ملفات رئيسة، وهي:

أولًا- وقف تصدير السلاح لأوكرانيا

فموسكو ترى -بوضوح- أن التزام ترمب بوعده وقف توريد المساعدات العسكرية لأوكرانيا سوف يسهم في نهاية الحرب الروسية الأوكرانية التي قاربت على 3 سنوات، وسيكون وقف بيع السلاح الأمريكي لأوكرانيا، ووقف الحرب هو “البداية الصحيحة” لإعادة العلاقات الأمريكية الروسية إلى مسارها الطبيعي؛ ولهذا فإن هناك تقديرات بأن فوز ترمب ونائبه جي دي فانس سوف يمنع الكونغرس فورًا من إقرار أي صفقات عسكرية جديدة لأوكرانيا، وهو ما سيدفع أوكرانيا إلى القبول”بطاولة المفاوضات”، والتفاوض من باب “الواقعية السياسية والميدانية”، وليس من باب الضغوط التي مارستها إدارة بايدن على كييف لتحويل أوكرانيا إلى “ساحة غير مباشرة” للمواجهة بين الغرب وروسيا.

ثانيًا- التخلي عن سياسة “الأناكوندا”

منذ اليوم الأول لوصول جو بايدن إلى الحكم في 20 يناير 2021، حاول الديمقراطيون تطبيق “نظرية الأناكوندا” ضد روسيا، وهي السياسة التي استُخدمت في الحرب الأهلية الأمريكية من الشماليين ضد الجنوبيين، وتقوم على فرض حصار سياسي واقتصادي وعسكري على الخصوم دون الدخول في مواجهة مباشرة معهم حتى ينهاروا، وحاولت إدارة بايدن تطبيق هذه النظرية من خلال إشاعة أجواء من العداء والخلاف بين روسيا من جانب، وجيرانها الآسيويين والأوروبيين من جانب آخر، ويظهر هذا -بوضوح- في تأليب الديمقراطيين للحكومات والشعوب المجاورة لروسيا ضد موسكو، وهو ما نراه الآن في دول البلطيق الثلاث، وباقي دول مجموعة بودابيست التسع، وهي “ليتوانيا، وإستونيا، ولاتفيا، وبولندا، والمجر، وبلغاريا، والتشيك، وسلوفاكيا، ورومانيا “، كما تمتد هذه السياسة الأمريكية إلى دول البلقان، وكذلك دول جنوب القوقاز الثلاث “جورجيا، وأرمينيا، وأذربيجان”، ودول آسيا الوسطى، بالإضافة إلى كوريا الجنوبية واليابان.

ثالثًا- وقف سياسة التوسع شرقًا

هذه السياسة هي السبب الرئيس في اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير (شباط) 2022، وهناك اتفاق على أن استمرار سياسة “الباب المفتوح” في حلف دول شمال الأطلسي (الناتو)، خاصة في وجهة أوكرانيا، هو الذي تسبب في اندلاع هذه الحرب في أوكرانيا، كما أن بايدن سمح بدخول دولتين كانتا محايدتين، هما فنلندا والسويد، إلى الحلف، وإذا ما استجاب ترمب لمطالب موسكو بعدم توسيع “الناتو” شرقًا فستكون بداية جيدة للعلاقات الروسية الأمريكية، خاصة إذا نجح ترمب في تعطيل الخطوات التي يقوم بها الحلف الأطلسي في الوقت الحالي لتشجيع جورجيا ومولدوفا للالتحاق “بالناتو”.

رابعًا- فض الاشتباك في نقاط التماس

نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية، وما نتج عنها من استقطاب عالمي، باتت هناك دوائر يمكن أن تتحول في أي وقت إلى جبهات للصراع والقتال نتيجة لاقتراب “قوات الناتو” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على نحو غير مسبوق من الأراضي الروسية، وعلى سبيل المثال حولت السياسات الغربية البحر الأسود من بحيرة للسلام إلى إحدى الدوائر الجيوسياسية الساخنة التي يمكن أن تنفجر في أي وقت بعد نشر كميات كبيرة من السلاح والذخيرة التي حصلت عليها هذه الدول من الولايات المتحدة، مثل رومانيا وبلغاريا، والسيناريو نفسه يتكرر في “بحر البلطيق”، فبعد انضمام فنلندا والسويد إلى حلف “الناتو” أصبحت روسيا فقط هي الدولة الوحيدة في بحر البلطيق خارج منظومة “الناتو”، وهو ما يجعل مناطق إستراتيجية من روسيا، مثل مقاطعة كالينينغراد، وساحل سانت بطرسبورغ، قريبة جدًّا من “أسلحة الناتو”، وهو ما يفرض على الرئيس ترمب أن يبعد “أصول الناتو” العسكرية بعيدًا عن روسيا؛ حتى يعم السلام والاستقرار شرق أوروبا وشمالها.

خامسًا- وقف تشجيع الجماعات الإرهابية

هناك قناعة لدى الروس منذ أيام الاتحاد السوفيتي أن الولايات المتحدة “توظف” الجماعات الإرهابية، سواء داخل روسيا، أو في دول الجوار، للمساس بالأمن القومي الروسي، فلا يستطيع أحد في روسيا أن يصدق أن جماعة إرهابية، مثل “تنظيم خرسان” -التي نفذت عمليات إرهابية في موسكو- لا يصدق أنها يمكن أن تقوم بما تقوم به دون الدعم من المخابرات الغربية، وهنا يجب على دونالد ترمب أن يتعلم الدرس جيدًا، فعندما سمحت الولايات المتحدة بتمدد القاعدة في أفغانستان وآسيا الوسطى في تسعينيات القرن الماضي كانت النتيجة هي ذهاب القاعدة إلى تفجير برجي التجارة العالميين في 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001.

سادسًا- استئناف الحوار الإستراتيجي

أفضل طريقة يمكن أن يبدأ بها ترمب ولايته الثانية مع روسيا هو استئناف الحوار الإستراتيجي من جديد بين واشنطن وموسكو، فمن خلال هذا الحوار تتعزز الثقة بين الجانبين، ويتم بناء “الخطوط الساخنة” من جديد، وهو ما سيكون فرصة لشرح وجهات النظر مباشرة، بعيدًا عن “القناعات الخاطئة” التي تسوق لها حاليًا إدارة الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، وهذا الحوار يمكن أن يعالج قضايا جوهرية، مثل التنافس في “القطب الشمالي”، و”تسليح الفضاء”، والتجسس وسرقة المواد النووية، والأسلحة البيولوجية والكيمائية.

سابعًا- العودة إلى الاتفاقيات العسكرية

أبرز الاتفاقيات التي يجب أن يعود إليها الطرفان الروسي والأمريكي بهدف تعزيز الأمن والسلام العالمي هي “اتفاقية منع إنتاج ونشر الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى في أوروبا”، التي وقع عليها البلدان عام 1987، وانسحبت منها واشنطن وموسكو في أغسطس (آب) 2018، كما يجب استئناف المفاوضات بشأن معاهدة “ستارت 3” التي تنتهي عام 2026، بعد أن وقع عليها البلدان عام 2011، وكان يجب أن تُجدَّد 10 سنوات عام 2031، لكن واشنطن وافقت على تجديدها 5 سنوات فقط حتى عام 2026؛ وهنا يجب أن تؤخذ الترسانة النووية لكل من فرنسا وبريطانيا في الحسبان، مع ضرورة العودة إلى اتفاقية “معاهدة الحد من القوات المسلحة التقليدية في أوروبا”، وهي الاتفاقية التي وقعت عليها موسكو وواشنطن منذ عام 1990، وانسحبتا منها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

ثامنًا- المساحات الدولية المشتركة

أخطر ما يهدد الأمن والسلم الدولي هو تفريغ المضمون السياسي للمنظمات الدولية، وهي سابقة خطيرة قادت إلى انهيار “عصبة الأمم”، وبدء الحرب العالمية الثانية. وبداية من ولاية بايدن، شهد مجلس الأمن أعلى درجات الاستقطاب والغياب الكامل للمساحات الدولية المشتركة بين روسيا والصين من جانب، والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا من جانب آخر، وإذا أعاد ترمب التعاون مع روسيا في المنظمات الدولية، وخاصة في الأمم المتحدة، يمكن أن يعود “السلام المفقود” مرة أخرى إلى العالم.

تاسعًا- رفع العقوبات

لا يمكن أن تستقيم العلاقات الأمريكية الروسية دون رفع واشنطن للعقوبات الغربية عن روسيا بعد أن فرضت الولايات المتحدة وبريطانيا، ودول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب دول أخرى، مثل أستراليا، وكندا، واليابان، ما يزيد على 35 ألف عقوبة ضد روسيا شملت كل شيء، وفي المقدمة منها العقوبات الخاصة بالنفط، والغاز، واليورانيوم، والفحم الروسي، فضلًا عن تجميد احتياطيات وأصول تابعة للبنك المركزي الروسي تزيد قيمتها على 350 مليار دولار، ومن المهم لإعادة بناء الثقة من جديد ضرورة وقف “إرسال عائدات” تلك الأصول الروسية إلى أوكرانيا.

عاشرًا- عدم التدخل في الشؤون الداخلية

أكثر ما يزعج روسيا هو التدخل في شؤونها الداخلية، فموسكو كانت تدرك منذ البداية أن الغرب لن يكفيه تفكك الاتحاد السوفيتي السابق، بل سيسعي -بكل قوة- إلى تفكيك روسيا وتقسيمها، وهو الهدف الإستراتيجي الذي يعمل عليه الغرب منذ 3 عقود كاملة؛ ولهذا يشكل التدخل في الشؤون الداخلية الروسية “أكبر استفزاز” للكرملين. ونظرًا إلى أن سياسات الجمهوريين تقوم عادة على الانكفاء على الداخل؛ فإن التدخل في الشؤون الداخلية للمجتمعات الأخرى يهم الليبراليين في الحزب الديمقراطي أكثر من أي جناح في الحزب الجمهوري، وهو ما يعطي فرصة حقيقية لترمب ليصلح كل ما أفسده بايدن.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع