مقالات المركز

10 معادلات عربية في الحسابات السورية المعقدة


  • 8 ديسمبر 2024

شارك الموضوع

يتابع أكثر من 400 مليون عربي من المحيط الأطلنطي إلى الخليج العربي -بقلق شديد- التفاعلات السياسية والميدانية في سوريا، التي بدأت في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، والتي أفضت إلى سيطرة مجموعة من الفصائل المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا) على إدلب وحلب وحماة، والاقتراب من أكبر محافظة سورية هي حمص، مع سيطرة جزئية لهذه الفصائل على درعا والسويداء في الجنوب، وهو ما بات يهدد الدولة السورية التي انتصرت على هذه الجماعات التي كانت أحد إفرازات ما يسمى الربيع العربي.

ونظرًا إلى ما حلّ بدول الإقليم العربي منذ عام 2011 من جراء هذا “الربيع المزعوم”، خاصة في ليبيا وسوريا، فإن هناك تخوفات عربية من “إعادة تدوير” هذه الجماعات الإرهابية والظلامية والتكفيرية وإحيائها مرة أخرى من أجل تهديد وحدة النسيج الوطني وتماسكه داخل “الدولة الوطنية العربية”، خاصة في ظل التأكيدات التي تشير إلى دعم واشنطن وتل أبيب وأنقرة لهذه المجموعة بهدف تحقيق مجموعة من الأهداف الأمريكية والإسرائيلية والتركية، يأتي في مقدمتها تفكيك دول المنطقة وتقسيمها، وتمكين الجماعات ذات الأيديولوجيا المتشددة والمرتبطة بالأجندة الغربية من السيطرة على الحكم في البلدان العربية.

ويعزز هذه الفرضية مصادر الأسلحة التي حصلت منها هذه الفصائل المسلحة على السلاح والذخيرة، خاصة المدرعات والصواريخ المتقدمة، والطائرات المسيرة الانتحارية، والتدريب العالي، والتكتيكات الجديدة التي استخدمتها في حماة وحلب وشمال حمص، فكل الدلائل تقول إن ما جرى من هجوم ليس من بنات أفكار “أبي محمد الجولاني”، الذي عاد إلى اسمه الحقيقي أحمد الشرع، فأوكرانيا ودول حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة حاضرة بقوة في المشهد السوري من خلال تدريب هذه المجموعات المسلحة على اختراق التحصينات، واستخدام الطائرات المسيرة “الدرونز” بهدف إضعاف روسيا وتشتيتها، وتحذر روسيا دائمًا من وجود مجموعات متطرفة روسية جاءت من الشيشان ومناطق شمال القوقاز ضمن هذه الفصائل، فضلًا عن انضمام الآلاف من مقاتلي إقليم شينغيانغ الصيني ضمن هذه الفصائل المسلحة، وهو ما ساعد على سرعة الحركة، والتفاف تلك الفصائل على مواقع الجيش السوري، وتحقيق مفاجآت عسكرية كبيرة خلال أيام معدودة.

وسارع كثير من الدول العربية إلى تأكيد دعمها للمؤسسات والدولة السورية، ورفضها أي محاولة لتقسيم سوريا ودول المنطقة، وهو خطر ليس بجديد، حيث دعا بعض مُنظري السياسة الغربية، مثل برنارد لويس، ورالف بيتزز، إلى تفتيت الخرائط العربية وتقسيمها؛ حتى تكون إسرائيل هي أكبر دولة في المنطقة، وتنظر الدول العربية إلى ما يجري في سوريا بقلق شديد.

 وتقوم “الحسابات العربية” في “المعادلة السورية الجديدة” على 10 محددات رئيسة؛ هي:

أولًا- تنظيمات عابرة للحدود

التنظيمات الإرهابية لا تعرف الحدود، وتوصف دائمًا بأنها عناصر عابرة للحدود الدولية؛ ولهذا فالتعاون بين الدول ينبغي أن يكون في إطار القانون الدولي لوقف تمدد هذه التنظيمات حتى يمكن الحفاظ على الهوية العربية، ولإجهاض سعي هذه التنظيمات والفصائل إلى اختطاف الهوية العربية، فهذه التنظيمات تضم مقاتلين من شتى بقاع الأرض، ولا تعرف أو تعترف بالهوية العربية.

ثانيًا- أهداف أبعد من سوريا

ترى غالبية الدول العربية أن هدف الجماعات والفصائل المسلحة التي اجتاحت حلب وإدلب وحماة لن يتوقف عند سوريا والعراق. هذا المشروع -من وجهة نظر كثير من العرب- مشروع غربي مدعوم من إسرائيل والولايات المتحدة، ومرتبط بما يسمى “الربيع العربي”، وهدفه واضح جدًّا؛ وهو تقسيم النسيج السياسي للعالم العربي وتفتيته من خلال توسيع الخلافات العرقية والدينية والجهوية، وقد يكون التأثير المباشر لما يحدث في سوريا على دول الجوار المباشر، مثل العراق والأردن؛ لأنه فور تجدد الحرب شمال غرب سوريا بدأت المجموعات نفسها بالتحرك في درعا والسويداء جنوب سوريا بالقرب من الأردن، كما أن مناطق شمال غرب العراق تخشى عودة هذه المجموعات، وهو ما يعيد العراق من جديد إلى سيناريو 2014 عندما سيطر داعش على الموصل وعدد من كبريات المدن العراقية في شمال العراق وشمال غربه، واحتاج تحرير هذه المدن  إلى التضحية بالآلاف من الشباب والجيش العراقي.

ثالثًا- الجماعات الأيديولوجية لا تتغير

هناك شكوك عربية كبيرة أن تتغير أيديولوجيات ومنطلقات الفصائل المسلحة وهيئة تحرير الشام، التي كانت تسمى “جبهة النصرة”، وتعمل كوكيل سوري لتنظيم القاعدة سنوات طويلة، وجاء خلافها مع القاعدة بشأن النفوذ والسلطة، وليس المنهج والتفكير؛ ولهذا باركت القاعدة وهنأت هيئة تحرير الشام، وأبا محمد الجولاني بانتصاراته الأخيرة في المحافظات السورية الثلاث، ولهذا لا تصدق غالبية الدولة العربية أن تغيير اسم القاعدة يمكن أن يعني أي تغيير في الفكر أو العقيدة أو السياسة، وخلال الشهور الأخيرة فقط كانت هذه الفصائل المسلحة يقاتل بعضها بعضًا، وتكفر كل من يختلف معها، وأحمد الشرع “أبو محمد الجولاني”، الذي قاتل مع أبي مصعب الزرقاوي وأبي بكر البغدادي، وأسس جبهة النصرة (فرع القاعدة في سوريا) لا يمكن أن يكون “رجل إصلاح اجتماعي وسياسي”، يبني دولة مؤسسات حقيقية كما يزعم في سوريا، وتعتبر كثير من الدول العربية أن تمكين هذه الفصائل من حكم سوريا يمكن أن يشجع الخلايا المشابهة والنائمة في الدول العربية لتحذو حذو الجولاني؛ لأنه عندما أفرزت المجموعات الإرهابية في سوريا تنظيم داعش، لم يتوقف نشاطه على سوريا والعراق؛ بل حاول تأسيس ولايات له في دول عربية وإسلامية كثيرة؛ ولهذا فإن إحياء التنظيمات الإرهابية على هذا النحو يقلق الدول العربية، ويمثل من وجهة نظرها محاولة “إعادة إنتاج وتدوير” هذه المجموعات الشديدة التطرف في كل المنطقة.

رابعًا- دعم الجماعات المشابهة

 تراقب الدول العربية ما يجري داخلها من دعم وسعادة واحتفاء قطاعات عربية من المحسوبين على التنظيم الدولي للإخوان، وبعض جماعات السلفية الجهادية، التي اعتبرت ما جرى في سوريا نصرًا إلهيًّا يمهد لمزيد من الانتصارات في باقي الدول العربية الأخرى، وسوف يشكل هذا من الآن عبئًا أمنيًّا جديدًا على الأجهزة الأمنية العربية، التي كانت تتمنى نهاية حقبة الجماعات الإرهابية بلا رجعة.

خامسًا- تكرار السيناريو التركي في ليبيا

تخشى الدول العربية أن يتكرر سيناريو سوريا في ليبيا؛ لأن مهندس هذه العملية في الأساس هو تركيا، بدعم واضح من إسرائيل والولايات المتحدة، وتخشى الدول العربية أن تقنع تركيا الولايات المتحدة بتكرار السيناريو نفسه في ليبيا تحت عنوان “طرد النفوذ الروسي من شرق ليبيا”، وهو ما سيشكل معضلة سياسية وأمنية وعسكرية لكل مناطق شمال إفريقيا إذا حاولت المجموعات المسلحة في طرابلس وغرب ليبيا، المدعومة من تركيا، عبر قاعدتي الوطية ومصراتة، أن تتجه شرقًا ناحية بنغازي، والجنوب ناحية سبها، وهو ما سيكون له تداعيات أمنية خطيرة، ليس على الدول العربية في الجناح الإفريقي فقط؛ بل على الدول الإفريقية في منطقة الساحل والصحراء، التي تكافح من أجل دحر المجموعات المتطرفة لديها.

سادسًا- غياب الاستقرار في شرق المتوسط

تداعيات سيطرة الفصائل المسلحة على حلب سوف تكون خطيرة جدًّا على شرق المتوسط من وجهة النظر العربية، خاصة إذا واصلت هذه الفصائل طريقها نحو الساحل السوري، فهذه التنظيمات لها هدف معلن؛ هو السيطرة على مساحات واسعة من شرق المتوسط من حلب غربًا حتى الحدود الإيرانية شرقًا، وهو ما يمكن أن يؤسس “لمعادلات جديدة” ليست في مصلحة الدول العربية شرق المتوسط؛ لأن دعم تركيا لهذه المجموعات قد يغير الحسابات التركية أيضًا في شرق المتوسط.

سابعًا- خروج دولة عربية من معادلة الردع العربي

يرى كثير من الشعوب العربية في الدولة السورية عنصرًا رئيسًا في معادلة الأمن القومي العربي، وأن انهيارها سوف يغير كل التوازنات القائمة، ففي تلك الحالة سيكون المحور الذي رأسه الولايات المتحدة، وقاعدته تركيا وإسرائيل، هو المهيمن بالكامل على المنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط، وقد يفرض هذه الأمر ضغوطًا على النظام العربي، سواء في الأبعاد الأمنية أو الاقتصادية؛ لأن ما يُسوّق من تقسيم لسوريا يمكن ألا يتوقف عند حدود سوريا فقط؛ فالخرائط التي يتم الحديث عن تقسيمها كثيرة؛ فهناك من يقول في الغرب إن ليبيا حتى السودان يجب تقسيمها، وفي سوريا يتحدثون عن دولة للجولاني، ودولة للعلويين في اللاذقية والساحل، ودولة للأكراد في شرق الفرات وشمال شرقه.

ثامنًا- تطبيق القرار 2254

تسعى الدبلوماسية العربية بكل قوتها إلى وقف زخم العمليات العسكرية، والاحتكام إلى لغة الدبلوماسية؛ من خلال تنفيذ القرار 2254، الذي صدر بالإجماع في مجلس الأمن في ديسمبر (كانون الأول) عام 2015، والذي يرسم طريق الحل السياسي في سوريا، وترى أن تنفيذ هذا القرار قد يكون الحل السحري الذي يحقق مصالح الجميع، سواء الحكومة السورية أو المعارضون لها؛ ولهذا تدعو الدول العربية -بوضوح- إلى الاستجابة لتطلعات الشعب السوري في الاستقرار والحرية، وعودة النازحين والمهاجرين.

تاسعًا- تفعيل اتفاقية أضنة

وهي الاتفاقية التي تم توقيعها في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1998 بين سوريا وتركيا، والتي يمكن أن تشكل استجابة للطموحات التركية؛ لأن هذه الاتفاقية تسمح لأنقرة بالتوغل في الشمال السوري لمسافة 5 كيلومترات لملاحقة الأكراد.

عاشرًا- خروج كل الميليشيات

بعد تحقيق الاستقرار، ووقف الحرب، تخرج جميع الميليشيات بجميع أسمائها من كل الأراضي السورية؛ لأن جزءًا من الخلافات العربية السورية السابقة عام 2011، وقبل عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، كان بسبب هذه الميليشيات التي يرفضها بعض السوريين.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع