إستراتيجيات عسكرية

10 محاور لإستراتيجية “الناتو” الجديدة تجاه روسيا


  • 18 فبراير 2024

شارك الموضوع

” تسويق الخوف” من روسيا، وتصويرها على أنها “فزاعة” لجيرانها الأوروبيين والآسيويين، كانت ولا تزال إستراتيجية ثابتة لدى دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) منذ تأسيس الحلف في 4 أبريل (نيسان) 1949، لكن حملة الدعاية السوداء التي يشنها الناتو على موسكو في هذه الأيام حملة غير مسبوقة، وتعتمد على مسارات كثيرة، تارة عن طريق الاتهامات العلنية من جانب الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، للقيادة الروسية بأنها تستعد لهجوم عسكري على دول في التحالف الأطلسي (الناتو)، وتارة أخرى تُسَرَّب تسجيلات ألمانية فحواها أن روسيا سوف تهاجم ألمانيا عام 2025، وأن برلين يجب أن تستعد من الآن لتلك الحرب، كل ذلك رغم تأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين- عشرات المرات- أن روسيا لا تفكر في الحرب، أو الهجوم على أي دولة أخرى، وتأكيده أن التفكير الروسي ينصب على تحقيق التنمية والازدهار والسلام والاستقرار للشعب الروسي.

المدقق في إستراتيجية الناتو في الوقت الحالي يتأكد له أنها تقوم على “إدارة التوتر” مع روسيا، بمعنى أن الحلف يستفز روسيا بسلسلة من الخطوات، مثل ضم فنلندا والسويد إلى الحلف حتى تكون هناك “خطوت جوابية” من جانب موسكو، ثم “يسوّق” هذه الخطوات الجوابية وكأنها استعداد روسي للهجوم على دول بحر البلطيق الثلاث (ليتوانيا، ولاتفيا، وإستونيا)، أو الدخول في حرب مع بولندا، مع أن “التوصيف الحقيقي” لتلك الإجراءات الروسية “الجوابية” أنها “إجراءات وخطوات دفاعية” في المقام الأول.

ليس هذا فقط، فقد بدأ حلف الناتو باتخاذ سلسلة من الخطوات تهدف إلى “تطويق روسيا” إستراتيجيًّا، بعد أن تأكد فشل “الأطلسي” بقيادة واشنطن في تحقيق “هزيمة إستراتيجية” لروسيا خلال فصول الحرب الروسية الأوكرانية، فما محاور “الإستراتيجية الجديدة” التي سينفذها الناتو تجاه روسيا في الفترات المقبلة؟ وهل الهدف هو تحقيق السلام والاستقرار في أوروبا، أم أن لواشنطن مآرب وأهدافًا أخرى؟

أولًا: شد الأعصاب

تقوم الإستراتيجية الجديدة لحلف الناتو على “شد الأعصاب” لدى الحلفاء على جانبي الأطلسي، وذلك من خلال الادعاء أن هناك خطرًا روسيًّا يلوح في الأفق، وأن الجميع يجب أن يستعدوا بكل ما يملكون من قوة من أجل لجم الشهية الروسية في “التهام” مزيد من الحلفاء الأوروبيين. وبعد أن كان حديث الناتو في السابق يقول إن دائرة الخطر الروسية تستهدف فقط الدول التسع لمجموعة بودابيست (ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا والتشيك والمجر وبلغاريا ورومانيا وبولندا)، بدأت التسريبات التي نشرتها الصحف الألمانية تروج للحرب التي يمكن أن تندلع بين برلين وموسكو عام 2025، وهو ما يعيد إلى الأذهان كيف سعت واشنطن إلى إشعال الحرب بين أوكرانيا وروسيا حتى لا تتحالف روسيا مع ألمانيا؛ لأن التقارب الروسي الألماني الذي كان في عهد المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل أزعج- كثيرًا- البيت الأبيض، الذي يرى- في الوقت الحالي- أن أكبر استثمار يمكن أن يتحقق للولايات المتحدة هو بث مزيد من الخوف والرعب لدى حلفائه في الناتو من الدب الروسي، وهذا يضمن للبيت الأبيض استمرار الدعم العسكري من باقي أعضاء الحلف لأوكرانيا.

ثانيًا: زيادة الإنفاق العسكري

ساعد رفع منسوب العداء مع روسيا، وتصوير موسكو وكأنها تستعد لالتهام دول في شرق أوروبا ووسطها، ساعد الولايات المتحدة على إجبار دول الناتو على زيادة الاعتمادات المالية المخصصة للشؤون الدفاعية، فالميزانية العسكرية الألمانية بلغت نحو 50 مليار يورو سنويًّا، كما خُصِّص نحو 100 مليار يورو لتحديث الجيش الألماني، وبعد أن كانت دول كثيرة تماطل وتتردد في تخصيص نسبة 2 % من الناتج القومي لشراء السلاح والشؤون الدفاعية بحلول عام 2022- وفق ما اتُّفِقَ عليه في قمة الناتو في ويلز 2014- بات الجميع الآن مستعدًا لتلبية المطالب الأمريكية، خاصة مع حديث الرئيس السابق دونالد ترمب بأنه لن يحمي دولة في الناتو ما لم تدفع أموال الحماية. وبنهاية عام 2023 وصلت 18 دولة من دول الحلف إلى إنفاق ما يساوي 2 % من ناتجها القومي على الشؤون الدفاعية، وهو ما يزيد إنفاق الناتو بنحو 280 مليار دولار في السنوات المقبلة.

ثالثًا: تحديث ترسانة الناتو بالسلاح الأمريكي

تقوم إستراتيجية الناتو الجديدة على شراء الدول الأعضاء للأسلحة الأمريكية “الحديثة” بدلًا مما تسميه بالأسلحة السوفيتية والأوروبية القديمة. ونتيجة لهذا الضغط الأمريكي باتت هناك كميات غير مسبوقة من طلبات السلاح والذخيرة مقدمة من دول الناتو لشركات السلاح الأمريكية، وخاصة ما يتعلق بطائرات “إف- 35″، ومنظومتي الدفاع الجوية “باتريوت”، و”ثاد”، بالإضافة إلى دبابات “إبرامز”، ومدرعات مثل “سترايكر”، وكل هذا أسهم في زيادة الإنفاق العسكري على المستوى العالمي، الذي بلغ 2.2 تريليون دولار، وفق التقرير السنوي الـ65 للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن.

رابعًا: المناورات العملاقة

تحتاج الولايات المتحدة إلى استمرار الطلب على السلاح الذي يتطلب مزيدًا من الإنفاق المالي. ولضمان ديمومة كل هذا وضعت واشنطن برنامجًا مكثفًا لإجراء عدد من المناورات العسكرية، سواء تلك التي ستُجرى في بحر البلطيق، أو في الأجزاء الشمالية من أوروبا، أو المناورات في شرق القارة العجوز وجنوبها، ومنها “مناورات المدافع الصامد 2024″، التي تستمر من فبراير (شباط) الجاري حتى شهر مايو (أيار) المقبل، وهي أكبر مناورة عسكرية للناتو منذ نهاية الحرب الباردة، وتضم نحو 90 ألف جندي، منهم 20 ألف جندي بريطاني، ونحو 1200 آلية عسكرية من الدبابات وناقلات الجنود، بالإضافة إلى حاملات الطائرات والقاذفات الإستراتيجية، التي تقوم على تكتيك “الحركة السريعة” لنقل القوات من الولايات المتحدة وكندا إلى الضفة الشرقية للمحيط الأطلسي، مع سرعة نقل القوات والآليات من غرب أوروبا ووسطها إلى شمال أوروبا وشرقها.

خامسًا: ملء مستودعات السلاح والذخيرة

استنفدت الحرب الروسية الأوكرانية كميات ضخمة من السلاح والذخيرة الغربية، وتعرض المخزون الأمريكي والأوروبي لتجريف كبير نظرًا إلى استهلاك أوكرانيا نحو 250 ألف قذيفة مدفعية شهريًّا، وهو ما يوازي استهلاك الناتو في 6 شهور كاملة خلال ذروة الحرب في العراق وأفغانستان. ولتحقيق ذلك، اتفقت الولايات المتحدة مع باقي أعضاء الناتو على تجديد خطوط إنتاج السلاح والذخيرة في الدول التي كانت تنتمي إلى العالم السوفيتي، ثم أصبحت أعضاء في حلف الناتو، وتخصيص مليارات الدولارات لتسريع إنتاج السلاح والذخيرة، والتعاقد على عقود طويلة المدى مع شركات إنتاج السلاح حتى تشجع هذه الشركات على فتح خطوط إنتاج جديدة. ومثالًا على هذه الصفقات الكبيرة لملء مستودعات الناتو، أعلن حلف الأطلسي في الثالث من يناير (كانون الثاني) الماضي شراء 1000 صاروخ باتريوت أمريكي بنحو 5.5 مليار دولار أمريكي؛ لتعويض منظومات الباتريوت التي أرسلتها الولايات المتحدة وألمانيا وهولندا وإسبانيا إلى أوكرانيا.

سادسًا: الاعتمادية

تبني واشنطن إستراتيجية حلف الناتو الجديدة على بقاء دول الحلف معتمدة وخاضعة لواشنطن لأطول فترة ممكنة، ولا يمكن لهذا الهدف أن يتحقق بدون وجود “عدو” للناتو، وترى الولايات المتحدة أن استعداء روسيا هو أفضل وسيلة لبقاء اعتماد 30 دولة في حلف الناتو عليها، ليس فقط في الجوانب العسكرية والأمنية، بل في جميع الجوانب الاقتصادية، والسياسية، وحتى الثقافية، بما يضمن هيمنة الولايات المتحدة على الناتو عقودًا طويلة، وعدم تفكير البعض في أي نوع من “الاستقلالية”؛ ولهذا عارضت واشنطن أي فكرة أوروبية من فرنسا أو ألمانيا لتأسيس “جيش أوروبي موحد”، أو حتى بناء “قوة تدخل سريع أوروبية”، وتعزز- دائمًا- الخطاب السياسي والإعلامي الذي يقول إن الأوروبيين غير قادرين على مواجهة روسيا بمفردهم، وإن الجيش الأمريكي يجب أن يقود أي عملية عسكرية أوروبية لمواجهة روسيا.

 سابعًا: التوسع في نشر الجنود

بجانب التوسع في إنتاج السلاح والذخيرة وشرائها، يعمل حلف الناتو على نشر مزيد من الجنود في كل مكان وبقعة في أوروبا. ووفق تقرير نشرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” في 16 فبراير (شباط) الجاري، فإن القيادة اللوجستية المشتركة لحلف الناتو، ومركز قيادة الحلف في مدينة أولم الألمانية، يعدان خطة لنشر قوات الحلف في جميع أنحاء أوروبا، وضمان إمداد أي جبهة في أوروبا بالجنود حال اندلاع نزاع مع روسيا، وسوف يعتمد إعداد هذه الخطة على الدروس التي ستُستخلَص من مناورات “المدافع الصامد 2024 ” التي سوف تنتهي نهاية مايو (أيار) المقبل، وبلغ عدد الجنود الأمريكيين في جناح “الناتو” الأوروبي نحو 100 ألف جندي، كما زادت كل من بريطانيا وألمانيا نشر قواتهما في دول بحر البلطيق الثلاث.

ثامنًا: نشر قنابل نووية في بريطانيا

تستعد الولايات المتحدة لنقل “قنابل نووية” أمريكية إلى بريطانيا بعد أن سحبت واشنطن أسلحتها النووية منها عام 2008، وتعمل القوات الأمريكية الآن على تجهيز سلسلة من القواعد العسكرية في مدينة لكنهيث تتناسب مع القنابل النووية، وسبق للولايات المتحدة تخزين 110 قنابل ذرية حتى أُزيلت عام 2008. ومن شأن نشر نحو 50 قنبلة نووية أمريكية جديدة في أوروبا أن يزيد عدد الرؤوس النووية في أوروبا إلى نحو 630 قنبلة نووية، حيث كانت التقديرات السابقة تشير إلى أن لدى دول حلف الناتو نحو 630 قنبلة نووية.

تاسعًا: دمج الناتو في “أوكوس”

يستعد حلف الناتو لتنسيق العمليات مع تحالف “أوكوس” الذي أُسِّسَ في 15 سبتمبر (أيلول) 2021، ويضم مع الولايات المتحدة كلًا من أستراليا وبريطانيا، ويعمل بشكل رئيس في منطقة الإندو باسيفيك. ورغم ما يبدو من مسافة بعيدة بين المسرح العملياتي لحلف الناتو، وبيئة العمل لتحلف “أوكوس” فإن المدقق في تحركات الولايات المتحدة يتأكد له أن واشنطن ولندن تعملان على الضغط على موسكو، ليس فقط على الحدود الشرقية والجنوبية الشرقية لروسيا؛ بل على امتداد الجغرافيا الروسية في وسط آسيا، والقوقاز، وشرق آسيا، والقطب الشمالي، وهدف الناتو من الضغط على روسيا في كل الاتجاهات هو اكتشاف نقاط “الضعف الإستراتيجي” في الاستعدادات الروسية.

عاشرًا: تغيير حياة المدنيين الأوروبيين

في سبيل حشد مزيد من العناصر البشرية ضد روسيا، وإشاعة الرفض والكراهية لموسكو، بدأ قادة الناتو في الترويج لضرورة أن يستعد السكان المدنيون في دول الحلف، ليس فقط لتحمل تراجع مستوى الرفاهية نتيجة للأعباء المالية الجديدة على دول الناتو، بل الاستعداد لتغيير كامل في “نمط حياة” الأوروبيين. ودعا الجنرال روب باور، رئيس اللجنة العسكرية لحلف الناتو، الشعوب الأوروبية لتغيير نمط الحياة الحالي القائم على الاستقرار والرفاهية، وقال: “في الوقت الذي تستعد فيه جيوش الناتو لإمكانية اندلاع الحرب مع روسيا، فإنه يجب على المدنيين العاديين أن يكونوا مستعدين كذلك للصراع الذي يتطلب تغييرًا شاملًا في حياتهم؛ لأنه ستكون هناك حاجة إلى حشد أعداد كبيرة من المدنيين في حالة اندلاع الحرب، ويجب على الحكومات وضع أنظمة لإدارة هذه العملية. علينا أن ندرك أن كوننا في سلام الآن هو أمر غير مضمون؛ ولهذا السبب تستعد قوات الناتو للصراع مع روسيا، ولكن نطاق هذا الاستعداد أوسع من ذلك بكثير، يجب أن يشمل القاعدة الصناعية، والأشخاص العاديين الذين يجب أن يدركوا أنهم يجب أن يؤدوا دورًا في هذا أيضًا”.

 وسبق للسويد، التي لم تستكمل أوراق انضمامها إلى الناتو، أن طلبت من مواطنيها “المدنيين” الاستعداد للحرب على روسيا. وبداية من شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، زاد عدد المتطوعين للعمل مع “منظمة الدفاع المدني السويدية”، وهو ما أسهم في زيادة مبيعات الكشافات، وأجهزة الراديو التي تعمل بالبطاريات، التي يمكن أن يحتاج إليها السكان المدنيون حال اندلاع الحرب مع روسيا وفق خطة الناتو.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع