مقالات المركز

10 تداعيات للهجوم الإسرائيلي على دولة قطر


  • 14 سبتمبر 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: cnn

تنطلق القرارات والتصرفات الإسرائيلية من قناعة راسخة بأنها “دولة فوق القانون”، وخارج نطاق أي حساب، خصوصًا من المؤسسات الدولية، حيث عجز مجلس الأمن عن إدانة إسرائيل طوال 23 شهرًا من الحرب على قطاع غزة. وقبل قيام إسرائيل، ارتكبت العصابات الصهيونية جرائم بشعة دفعت الفلسطينيين إلى القيام بثورات، مثل ثورة البراق، والثورة الفلسطينية الكبرى، ولم تتوقف الحكومات الإسرائيلية عن ارتكاب الجرائم بعد قيام دولة إسرائيل، حيث ارتكبت تل أبيب جرائم يصعب إحصاؤها أو حصرها، ومع ذلك لم نشهد أي عقاب أو ردع يمكن أن يلجم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عن ارتكاب مزيد من الجرائم، ويعود سبب ذلك إلى اعتماد إسرائيل في الوقت الحالي على “مظلة حماية متكاملة” لحمايتها سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا، فمنذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 حتى الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي، قدمت الولايات المتحدة نحو 500 ألف طن من الأسلحة والذخيرة لإسرائيل، ومنذ تأسيسها حصل الجيش الإسرائيلي على مساعدات عسكرية أمريكية بنحو 170 مليار دولار، وإذا أضفنا إليها قيمة التضخم فإنها تتجاوز في الوقت الحالي نحو 320 مليار دولار، ومع الدعم الاقتصادي غير المحدود، وبرامج المساعدات غير المباشرة، تكون إسرائيل أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية والاقتصادية في التاريخ، فضلًا عن “الغطاء الدبلوماسي” عن طريق استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) لحماية إسرائيل من أي إدانة في مجلس الأمن حتى لو كان القرار بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، وليس الفصل السابع. وليس الولايات المتحدة وحدها من دعمت إسرائيل؛ فجميع الدول الأوروبية -بلا استثناء- قدمت دعمًا ومساعدات لإسرائيل التي نجحت في ابتزاز العالم طوال العقود الثمانية الماضية، هذا “الدعم المطلق وغير المشروط” دفع إسرائيل إلى الاستهانة بكل شيء، وأي شيء، دون أي حساب للعواقب أو النتائج.

لكن التدقيق في ردود الفعل على العدوان الإسرائيلي على قطر -وهي دولة ذات سيادة، وعضو في الجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، والأمم المتحدة- بهدف اغتيال قادة حركة حماس، يقول إن هناك شيئًا مختلفًا هذه المرة، وأن هناك كثيرًا من الارتدادات والتداعيات السلبية سوف تنعكس على إسرائيل نتيجة لهذا الهجوم الذي فشل في تحقيق أي نتيجة، لكن تداعياته لن تتوقف عند حسابات المنطقة والإقليم؛ بل يمكن أن تصل إلى أبعاد بعيدة. وهناك 10 تداعيات رئيسة لهذا الهجوم على إسرائيل، وهي:

 أولًا- المفاوضات:

رغم نجاة فريق المفاوضات التابع لحركة حماس، فإن الحالة الصحية غير معروفة عن أعضائه، هل أصيبوا؟ وما مدى إصابتهم؟ وهل يمكن أن يعودوا إلى المفاوضات بعد كل ما حدث؟ وحتى إذا عاد وفد حماس إلى التفاوض، ماذا عن الوسيط القطري الذي أعلن بالفعل خروجه من الوساطة؟ وهل يمكن أن يثق أو يصدق الوسيط المصري أن إسرائيل جادة في أي مفاوضات قادمة بعد كل ما حدث؟ كل ذلك يضع مستقبل المفاوضات في مهب الريح، ويترك الساحة فقط للغة البندقية والرصاص، وقد تتوقف المفاوضات نهائيًّا، فالتجارب التاريخية تقول -بوضوح- إن التفاوض تحت النار أو قصف المتفاوضين يمكن أن يقود إلى كارثة، كما جرى في الحرب العالمية الثانية عندما قصفت الطائرات اليابانية قاعدة بيرل هاربر في 7 ديسمبر (كانون الأول) عام 1941 في أثناء التفاوض بين فريقين من الولايات المتحدة واليابان، وهو ما دفع الولايات المتحدة في النهاية إلى دخول الحرب العالمية الثانية، وتجرعت اليابان خسائر وهزيمة فادحة.

 ثانيًا- الرهائن:

 أظهر الهجوم على قادة حماس وهم يناقشون المقترح الأمريكي لوقف إطلاق النار أن الحكومة الإسرائيلية لا يعنيها الرهائن من قريب أو بعيد، وأن تل أبيب تستفيد من وجود الرهائن لدى حماس لتعبئة الرأي العام الإسرائيلي والدولي لعملياتها العسكرية ليس فقط ضد غزة والضفة الغربية؛ بل لتحقيق نزواتها العسكرية ضد لبنان وسوريا واليمن وإيران، وبالأمس القريب ضد دولة قطر التي كانت تستضيف الوفود التفاوضية الإسرائيلية كما تستضيف وفود حماس، بل سبق لقطر أن استضافت وفودًا من عائلات الرهائن الإسرائيليين الذين زاروا الدوحة من أجل مطالبة حماس بالإفراج عن الرهائن، وكل ذلك لم يشفع لقطر لدى حكومة إسرائيل اليمينية، وكل هذا قد يدفع “وحدة الظل” في حماس التي تحرس الرهائن إلى قتلهم، أو التخلص منهم ردًا على العملية الإسرائيلية في قطر، وهذا يوضح بجلاء أن الرهائن الإسرائيليين لم ولن يكونوا ضمن الحسابات الإستراتيجية للحكومة الإسرائيلية في أي قرارات ميدانية أو مفاوضات قادمة.

 ثالثًا- إنهاك الجيش والاقتصاد:

النتيجة المباشرة لغياب المفاوضات هي العودة مرة أخرى إلى العنف، وهذا هو هدف نتنياهو، فالحكومة الإسرائيلية عندما قررت أن تهاجم حماس على الأراضي القطرية كانت تدرك تمامًا أنها تقضي على المسار التفاوضي قبل أن تقتل أو تغتال قادة حماس في الدوحة؛ ولهذا بات إطلاق عملية “عربات جدعون 2” مسألة وقت ليس أكثر، وهذا يؤكد أن خيار العمليات العسكرية هو الخيار المفضل للحكومة الإسرائيلية، وليس خيار التفاوض لإنهاء الحرب، لكن هذا لن يكون سهلًا على الجيش الإسرائيلي المنهك، والاقتصاد الذي يعاني، والجنود الذين باتوا يرفضون القتال لاقتناعهم بأن هذه الحرب غير أخلاقية، وتدور فقط لأهداف سياسية شخصية؛ ولهذا فمعدلات الاستجابة لاستدعاء الاحتياطي في أدنى استجاباتها منذ قيام إسرائيل في 14 مايو (أيار) 1948.

رابعًا- إغلاق قناة التفاوض:

عندما تعرضت قطر لهجوم إعلامي في عهد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، ردت الدوحة على هذه الحملة بأن افتتاح مكتب حماس السياسي في الدوحة كان بطلب من الولايات المتحدة الأمريكية حتى يكون هناك “قناة تواصل” بين واشنطن وتل أبيب من جانب وحماس من جانب آخر، لكن الهجوم الإسرائيلي على قطر يغلق هذه القناة، وقد يدفع حماس إلى الذهاب إلى وجهات أخرى لن تتعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة كما تعاونت قطر من أجل وقف إطلاق النار، وإنهاء الحرب، ودعم مسار الوساطة والمفاوضات.

خامسًا- إطالة زمن الحرب:

كان الإطار الزمني لنهاية الحرب يدور حول 7 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل بمناسبة مرور عامين على أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لكن الهجوم الإسرائيلي على الأراضي القطرية، وتوقف مسار المفاوضات، والعودة مرة أخرى إلى “عربات جدعون 2” أمور تؤكد أن الحرب سوف تطول إلى أكتوبر (تشرين الأول) 2026، وهو موعد نهاية ولاية حكومة نتنياهو وبن غفير وسموترتش، وهنا لن تكون الخطورة فقط في إطالة زمن الحرب؛ بل في توسع دائرة الحرب التي وصلت إلى 8 جبهات بعد استهداف الدوحة، وكلما طال زمن الحرب زاد عدد المنتقدين لإسرائيل، ليس فقط في العالمين العربي والإسلامي، بل في أوروبا وأمريكا اللاتينية، بل داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، حيث باتت حركة “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” (ماجا) منقسمة على نفسها، وبات جزء كبير منها يضغط على الرئيس ترمب لوقف الحرب.

سادسًا- الاتفاقيات الإبراهيمية:

كان الرئيس ترمب قبل الهجوم الإسرائيلي على الأراضي القطرية يأمل في نهاية الحرب وتوسيع مسار التطبيع بين إسرائيل والدول العربية وخصوصًا الدول الخليجية، لكن بعد هذا الهجوم تراجعت الثقة بأي جهد أمريكي لتحقيق مزيد من التطبيع، أو توسيع “الاتفاقيات الإبراهيمية”، وهي خسارة كبيرة للرئيس ترمب ولنتنياهو الذي تفاخر عندما كان يائير لابيد رئيسًا للحكومة أنه هو من نجح في توقيع اتفاقيات السلام الإبراهيمي في 15 سبتمبر (أيلول) 2020.

سابعًا- حل الدولتين:

 الهجوم على قطر زاد قناعة الدول التي كانت تدرس قرار الاعتراف بحل الدولتين بضرورة القيام بهذه الخطوة عندما يعقد الاجتماع الرفيع المستوى في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 سبتمبر (أيلول) الجاري، وتشير كل التقديرات إلى أن نحو 15 دولة جديدة سوف تعترف بدولة فلسطين على حدود 4 يونيو (حزيران) 1967، وعاصمتها القدس الشرقية؛ ردًا على التوحش والانفلات الإسرائيلي الذي تجسدت آخر صوره في العدوان على دولة عربية ذات سيادة.

ثامنًا- دائرة النأي بالنفس تتسع:

 كشف الهجوم الإسرائيلي على مقار حركة حماس في الدوحة عن اتساع دائرة “النأي بالنفس عن قرارات نتنياهو”، وكان هذا واضحًا في تأكيد رفض الرئيس ترمب العملية، وأنه أُبلغ بها بعد فوات الأوان، ورفض كبار داعمي الرئيس ترمب اعتداء إسرائيل على الأراضي القطرية، مثل ستيف بانون، الذي قال في برنامجه الشهير “غرفة الحرب”، على البودكاست، إن هجوم إسرائيل على وفد حماس التفاوضي في قطر لا يتفق مع المصالح الأمريكية. وهناك من طالب بوقف تصدير السلاح إلى إسرائيل، مثل السيناتور المستقل بيرني ساندرز.

تاسعًا- صورة نمطية سلبية:

 منذ قيام إسرائيل على حساب الأراضي الفلسطينية، حاولت الدعاية الصهيونية تصوير إسرائيل على أنها “واحة الديمقراطية” في الشرق الأوسط، وأنها تحترم القانون الدولي، وعندما اعتدت إسرائيل على لبنان وسوريا واليمن والعراق وإيران كان التبرير الإسرائيلي بأن هناك اعتداءات تقوم بها تلك الدول على إسرائيل، لكن هذه الرواية الإسرائيلية الزائفة لم تجد قبولًا عند العدوان على قطر، حيث تنخرط قطر بقوة في الوساطة، واستضافت أكثر من مرة وفودًا أمنية وسياسية إسرائيلية، وهو ما دفع كل دول العالم -باستثناء الولايات المتحدةـ إلى إدانة إسرائيل، واعتبارها الدولة التي تزعزع السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وأنها لا تحترم القانون الدولي، ولا تحترم سيادة الدول.

عاشرًا- المترددون:

 منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ثم توسيع تل أبيب دائرة توحشها وانفلاتها في الجبهات الأخرى، كان هناك فريق من المترددين، سواء على مستوى الدول أو الشعوب، بذريعة أن هجوم حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) هو السبب الرئيس وراء كل ما تقوم به إسرائيل، لكن بعد الهجوم الإسرائيلي في الدوحة شاهدنا انتقال هؤلاء من “دائرة التردد” إلى “مربع الإدانة الواضحة”، و”الرفض الكامل للسلوك الإسرائيلي”، وتجلى ذلك في حديث رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين عن ضرورة تجميد اتفاقية الشراكة مع إسرائيل بعد أن كان هذا التوجه ضد إسرائيل موجودًا فقط في دائرة البرلمان الأوروبي، كما أن دولًا أخرى في الاتحاد الأوروبي بدأت تناقش قضية وقف تصدير السلاح، ووقف التصنيع العسكري مع إسرائيل، مع أن خطوات هذه الدول في السابق كانت أقل من ذلك بكثير.

الواضح أن إسرائيل ارتكبت خطأً كبيرًا بالهجوم على قادة حماس في حي كتارا في العاصمة القطرية الدوحة، وأنها سوف تدفع ثمنًا باهظًا لهذا العدوان بعد اعتقاد تل أبيب أنها سوف تفلت من العقاب كما كانت تفلت من كل الجرائم السابقة.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع