مختارات أوراسية

هل يمكن للقصف الجوي أن يخفف التوترات في البحر الأحمر؟


  • 13 مارس 2024

شارك الموضوع

يشهد البحر الأحمر، وهو أحد أكثر طرق شحن التجارة العالمية ازدحامًا بالتجارة، اضطرابًا منذ نهاية العام الماضي. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، وفي إظهار للدعم للفلسطينيين، شن الحوثيون في اليمن هجمات على السفن “المرتبطة بإسرائيل” التي تمر عبر البحر الأحمر. وفي الأشهر التالية، نفذت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة غارات جوية واسعة النطاق ضد أهداف عسكرية وبنية تحتية في اليمن؛ مما أدى إلى تصاعد التوترات في المنطقة.

لا يقتصر تأثير التوترات في البحر الأحمر على هذه المنطقة فحسب؛ بل امتد إلى جميع أنحاء العالم، حيث يعد طريق البحر الأحمر- قناة السويس حاسمًا للشحن الدولي للسلع والطاقة، حيث تسلكه أكثر من 20 ألف سفينة شحن كبيرة سنويًّا. ولقد أدت استهدافات الحوثيين للسفن المدنية، والرد العنيف من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إلى تعريض أمن ممرات الشحن للخطر الشديد؛ ومن ثم زعزعة استقرار الإنتاج العالمي وسلاسل التوريد. وتظهر إحصاءات (ING) أنه في أوائل يناير (كانون الثاني) 2024، اضطرت 90 في المئة من سفن الحاويات على هذا الطريق إلى تغيير مسارها؛ مما تسبب في تأخير الإمدادات عبر المحيط عدة أسابيع، وارتفاع حاد في أسعار الشحن. ومن غير المستغرب أن تعاني السوق العالمية صدمة، إن لم يكن شللًا طويل الأمد، عندما “يتعطل” شريان الشحن الرئيس.

إن مضايقة السفن المدنية في المياه الدولية أمر خطأ، ولكن قصف دولة ذات سيادة، دون الحصول على إذن من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يعد أيضًا انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. إن الهجمات التي تشنها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تتعارض مع روح “ممارسة الحكمة وضبط النفس” التي تتجلى في كثير من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن النزاعات الدولية والإقليمية. كما أن وضع الولايات المتحدة طرفًا في الصراع مع الحوثيين يحرمها أيضًا من ذريعة “الدفاع عن النفس”. ولكن مع ذلك، لجأت الولايات المتحدة إلى طريقتها النموذجية في حل الصراعات: العنف.

وأي شخص عاقل يعرف أن العمل العسكري المتهور لا يساعد أبدًا في حماية سلامة السفن التجارية، أو حرية الملاحة، أو حقوق الإنسان. إن الضربات العسكرية التي تختبر الخط الأحمر الذي رسمه الطرف الآخر لن تجلب السلام أو الرخاء أبدًا، بل إنها لن تؤدي إلا إلى سقوط مزيد من الضحايا بين المدنيين، وتفاقم المعضلة الأمنية. إن استخدام العنف قد يكون أمرًا قاسيًا، ولكنه فعال في العلاقات الدولية، في نظر الساسة الأمريكيين. وربما من وجهة نظر الولايات المتحدة، فإن العالم عبارة عن غابة كبيرة، ويمكن “للأفيال” أن تصل إلى الفاكهة بالطريقة التي تراها مناسبة، حتى لو عن طريق دهس عدد لا يحصى من “النمل”.

إذا راجعت العمليات الخارجية للولايات المتحدة بعناية، فستجد أن القصف الأحادي الجانب هو رد فعل أمريكي معتاد على “المتاعب” التي واجهتها. وفي مارس (آذار) 1999، قُتل أكثر من 2000 مدني بريء، وشُرد ما يقرب من مليون شخص نتيجة لقصف حلف شمال الأطلسي في البلقان، حيث ألقيت أكثر من 31 ألف قنبلة من اليورانيوم المنضب، وقد حدث ذلك تنفيذه دون تفويض من الأمم المتحدة.

وفي الفترة من عام 2016 إلى عام 2019، قُتل 3833 مدنيًّا في سوريا بشكل مباشر من جرّاء قصف التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وكان نصف الضحايا من النساء والأطفال. ووفقًا لهيئة الإذاعة العامة الأمريكية، فإن ما تُسمى “الضربات الجوية الأكثر دقة في التاريخ” على مدينة الرقة وحدها أسفرت عن مقتل 1600 مدني سوري. ومن المفارقات أن كل هذه الجهود الرامية إلى “منع حدوث الأزمات الإنسانية” انتهت إلى خلق كوارث إنسانية. وقالت صحيفة نيويورك تايمز، نقلًا عن أكثر من 1300 وثيقة سرية من وثائق البنتاغون، إن جزءًا كبيرًا من الغارات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة منذ عام 2014 كانت به “عيوب استخباراتية خطيرة”، مثل الاستطلاع المتسرع والمهمل، والأهداف غير الواضحة، ومقتل عدد لا يحصى من المدنيين الأبرياء، من بينهم أطفال.

هل لدينا طريقة للخروج من هذه الحلقة المفرغة؟ نعم، إذا تخلينا عن النهج الأمريكي، وعدنا إلى المسار الصحيح.

أولًا: معالجة السبب الجذري للتوتر. تهدئة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال دفع حل الدولتين، والتنفيذ الفعال لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

ثانيًا: يجب على من عقد العقدة أن يفكها. ويتعين على الأطراف المعنية بشكل مباشر، أي إسرائيل وحماس، والحوثيين، ممارسة ضبط النفس، والتفكير بعقلانية. إن تهجير الشعب الفلسطيني وإجباره على الهجرة أمر خاطئ أخلاقيًّا، والابتزاز الإستراتيجي الذي لا نهاية له لن يؤدي إلا إلى جر الوضع إلى الهاوية.

ثالثًا: يتعين على القوى الكبرى أن تضطلع بدور مسؤول، ويتعين على دول مثل الولايات المتحدة أن تغير عقليتها، وأن تسعى جاهدة إلى تحويل الأجندة العالمية من “الحرب والسلام” إلى “التنمية والرخاء”، بدلًا من استغلال الفوضى من أجل المصلحة الذاتية.

وفي الواقع، ليس من الصعب على الولايات المتحدة أن تسهم في هذا الأمر، فهي لا تحتاج إلا إلى وضع جشعها وهوسها جانبًا، وترجمة خطابها عن حماية حقوق الإنسان وما إلى ذلك إلى أفعال.

المصدر: صحيفة غلوبال تايمز الصينية


شارك الموضوع