في بيانه- يوم الخميس- عن أخطار الأمن القومي التي تواجه صناعة السيارات الأمريكية، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه لا ينبغي السماح للسيارات القادمة من الصين بالعمل في الولايات المتحدة دون ضمانات. وقال إن السيارات الصينية الصنع لا يجب رؤيتها في شوارع الولايات المتحدة، في حين أن السيارات ذات العلامات التجارية الأمريكية موجودة في كل مكان على الطرق الصينية. فهل يأتي هذا “الشعور بالأزمة” المتطلع إلى المستقبل حقًّا من السيناريو الذي تمثل فيه السيارات الصينية “خطرًا على الأمن القومي” للولايات المتحدة؟ لو كان لدى واشنطن أنف بينوكيو، لرآه الناس ينمو أطول بكثير.
يبدو أن حكومة الولايات المتحدة تتخذ موقفًا للتحقيق في “أخطار الأمن القومي” التي تفرضها “السيارات المتصلة – Connected car” الصينية الصنع، ولكن ماذا تفعل إذا لم تتمكن من العثور على أي شيء للتحقيق فيه في الولايات المتحدة؟ وعلى الفور، اعتقد الرأي العام الأمريكي أن التحقيق قد يؤدي إلى تقييد الولايات المتحدة لاستخدام المكونات الصينية الصنع في السيارات، وهو ما يشكل استجابة انعكاسية لا واعية.
إن شركات صناعة السيارات الأمريكية تشعر بقلق حقيقي إزاء هذا الأمر، وطالبت- بشكل جماعي- وزارة التجارة الأمريكية “بالعمل- على نحو وثيق- مع صناعة السيارات لتحديد نطاق أي إجراء”، وحثت الوزارة على استهداف المعاملات التي تشكل “خطرًا لا مبرر له على الاقتصاد الأمريكي والأمن القومي”، ولكن ليس “الاستيلاء على” المعاملات المنخفضة المخاطر التي يمكن أن يكون لها تأثيرات غير مقصودة على المدى القريب في تقنيات سلامة المركبات المتقدمة.
قد تكون الكلمات معقدة قليلًا، ولكن ليس من الصعب فهمها. ونظرًا إلى أسلوب تصرفات واشنطن الأخير، فمن الممكن أن تُفكَّك السيارات الأمريكية الصنع، وتُستخدَم عدسة مكبرة لمعرفة الأجزاء المصنوعة في الصين، ثم تُزال، وهو أمر سخيف. وإذا حدث ذلك، فإن شركات صناعة السيارات الأمريكية ستكون أول من يعاني الاضطرابات التي تلي ذلك؛ لذلك طالبت بمناقشة “نطاق العمل” معها.
“خطر الأمن القومي” هو ذريعة، والغرض الحقيقي من تصرفات واشنطن- هذه المرة- ليس مضايقة شركات صناعة السيارات الأمريكية. بدأ بيان البيت الأبيض بالتفاخر بالسيارات الأمريكية، مدعيًا أن “صانعي السيارات والعاملين في صناعة السيارات الأمريكيين هم الأفضل في العالم، فالشركات الثلاث الكبرى الشهيرة، وعمال السيارات الأمريكيون يقودون العالم من حيث الجودة والابتكار. إن صناعة السيارات الديناميكية أمر حيوي للاقتصاد الأمريكي”، وكان البيت الأبيض يتطلع إلى رفع الروح المعنوية، لكنه كشف أيضًا عن حقيقة غير معلنة.
في الواقع، نحن نفضل أن يكون تصور البيت الأبيض لصناعة السيارات الأمريكية صحيحًا. وإذا كان الأمر جيدًا بالفعل، فهل من الضروري التعامل مع السيارات الكهربائية الصينية، التي لم تدخل السوق الأمريكية بعد، باعتبارها تهديدًا كبيرًا؟ لقد أقامت الولايات المتحدة بالفعل حواجز جمركية عالية ضد السيارات الكهربائية الصينية، ولكن ما النتائج؟
أشارت كثير من وسائل الإعلام الأمريكية إلى أن واشنطن اكتشفت أن الرسوم الجمركية وحدها قد لا تستبعد دائمًا السيارات الكهربائية ذات العلامة التجارية الصينية من السوق الأمريكية. وبعبارة أخرى، لم تعد الحواجز الجمركية الأمريكية قادرة على إيقاف موجة شركات السيارات الصينية التي تتجه إلى الخارج، ولا تستطيع واشنطن سوى بناء حواجز أعلى.
وأشار بعض المحللين إلى أن الولايات المتحدة، باعتبارها دولة تسير على عجلات، لا تنظر إلى صناعة السيارات باعتبارها قضية اقتصادية فحسب؛ بل قضية سياسية أيضًا. وتعد ميشيغان وأوهايو وبنسلفانيا، حيث يوجد كثير من العمال ذوي الياقات الزرقاء، ولايات متأرجحة، وهي محور الخلاف بين الحزبين السياسيين الأمريكيين خلال عام الانتخابات هذا. في هذا الوقت فقط، قرر البيت الأبيض بدء تحقيق في السيارات الكهربائية في الصين؛ ولهذا السبب، أصبحت عبارة “السيارات الكهربائية الصينية ستضرب ديترويت مثل كرة مدمرة” موضوعًا للضجيج.
وبطبيعة الحال، هناك أيضًا أناس عقلاء في الولايات المتحدة يفهمون الأمر. على سبيل المثال، في 27 فبراير (شباط)، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالًا يذكر حكومة الولايات المتحدة بضرورة التصرف بحذر، وعدم عزل سوق السيارات الأمريكية عن بقية العالم، وتحويل الولايات المتحدة إلى دولة ملأى بصناعة السيارات المتخلفة، وبسيارات كبيرة ومكلفة، ومستهلكة للوقود. وفي الواقع، اكتسبت السيارات الكهربائية في الصين مكانتها من خلال المنافسة الكاملة والعادلة.
تم تقديم شركة “Tesla”، وهي شركة أمريكية للمركبات الكهربائية، إلى الصين في وقت مبكر، وأنشأت مصنعًا في شنغهاي. وتعمل شركات صناعة السيارات الأمريكية الثلاث الكبرى في السوق الصينية منذ سنوات كثيرة، ولم تعتبرها الصين قط “تهديدًا”. وتأتي المركبات التي تسير على الطرق الصينية من اقتصادات من جميع أنحاء العالم، وهي أكثر تنوعًا في نطاقها من أي منطقة أخرى، ومنها الولايات المتحدة، واليابان، وأوروبا، وكوريا الجنوبية. وحتى في بيئة يكثر فيها المنافسون الأقوياء، ازدهرت صناعة السيارات الكهربائية في الصين.
ولكن في اليوم التالي بعد نشر مقال صحيفة نيويورك تايمز، أصدر البيت الأبيض بيانًا يدّعي فيه التحقيق في “أخطار الأمن القومي” التي تشكلها “المركبات المتصلة” الصينية. يا لها من مفارقة مريرة: بناء جدار مرتفع جدًّا، مع الشعور بعدم الأمان، ثم حفر خندق آخر.
المصدر: صحيفة غلوبال تايمز الصينية