إن العالم اليوم هو شبكة معقدة من التفاعلات الاقتصادية والسياسية المتداخلة مع الخطابات المتبادلة والمتعددة الطبقات. هذه البيئة المتعددة الأبعاد تدعونا إلى إعادة التفكير بعمق في مجالي الدبلوماسية والسياسة الخارجية؛ هل يجب على الدول أن تكتفي بالرد على الأحداث والتغيرات الدولية فقط؟ أم من الممكن تبني سياسة نشطة وذكية للتوسع في التأثير بالمستوى العالمي؟
ردود الفعل العاطفية والتسلطية البحتة، بدون فهم عميق للتطورات العالمية، تظل في الغالب محدودة بعروض داخلية، ولا تجد مكانًا حقيقيًّا في العلاقات الدولية. استنادًا إلى هذا، نحن بحاجة إلى دبلوماسية علمية وإستراتيجية، تأخذ في الحسبان مبادئنا ومصالحنا الخاصة، بهدف توسيع حدود نفوذ الدولة، وشرفها الوطني وقوتها.
أحد المفاهيم الأساسية في السياسة الخارجية الحديثة هو “فعل الكلام”، الذي يؤدي دورًا حيويًّا في الدبلوماسية الدولية. في تحليله، أشار الدكتور محمد رضا تاجيك إلى هذا المفهوم بوصفه أداة لقياس فاعلية السياسات الكلامية والرسائل الدبلوماسية. يمكن أن يكون “فعل الكلام” أداة قوية لدفع إستراتيجيات السياسة الخارجية، شريطة أن يُستخدم بذكاء، ومع تحليل دقيق للعواقب. يجب على السياسي أن يقيس التأثير في الرأي العام العالمي والمواقف الدولية قبل التعبير عن أي كلمات.
يتحقق “فعل الكلام” الناجح في الدبلوماسية عندما يستفيد من السلطة الناعمة ومن اقتصاد المعرفة في الوقت نفسه. يمكن لهاتين الأداتين أن تؤديا دورًا مهمًّا في تشكيل الصورة الدولية للبلد. بدلًا من الاعتماد على الشعارات الفارغة، يجب على السياسة الخارجية البحث عن اتصالات ذات معنى وإستراتيجية يمكنها أن تخلق صورة إيجابية ومستقرة للبلد في العالم من خلال هذه التحركات الذكية.
نظرًا إلى الضغوط الاقتصادية والعقوبات الدولية على بعض الدول، مثل إيران وروسيا وفنزويلا، وغيرها من البلدان، تزداد الحاجة إلى الدبلوماسية العلمية والتكنولوجية أكثر من أي وقت مضى؛ فالدبلوماسية العلمية، بوصفها إحدى الأدوات الفعّالة في الدبلوماسية الحديثة، يمكن أن تساعد الدولة على استغلال قدراتها التكنولوجية، وإظهار مقاومة أكبر للضغوط الخارجية. الدبلوماسية العلمية لا تعزز الروابط العلمية مع الدول الأخرى فحسب؛ بل توفر أيضًا أساسًا لتطوير التعاون الاقتصادي والتكنولوجي.
يشكّل اقتصاد المقاومة والدبلوماسية العلمية تآزرًا يمكنه مساعدة البلاد على تجاوز تحديات العقوبات والعزلة. الدول الناجحة استطاعت الاستفادة من الدبلوماسية العلمية كجسر لتوسيع التعاون، وتعزيز موقعها الاقتصادي والسياسي من خلال الاستثمار في الأبحاث والتكنولوجيا، وتطوير البنية التحتية العلمية. تطوير الدبلوماسية العلمية، وتوسيع التعاون التكنولوجي مع الدول الصديقة، يمكنهما أن يقرّبانا من تحقيق إنجازات جديدة في مجالات الدبلوماسية العلمية، واقتصاد المقاومة.
لبناء سياسة خارجية قوية، من الضروري الابتعاد عن السياسات التفاعلية، والتوجه نحو دبلوماسية متعددة الأبعاد تستند إلى المبادئ الاقتصادية والعلمية والثقافية للبلاد. يجب أن تتجنب هذه الدبلوماسية الأساليب اللحظية، وأن تركز على منهج مستدام ومعرفي، حيث تركز الدبلوماسية الذكية على البحث عن الفرص الإستراتيجية الطويلة الأمد بدلًا من الاستجابة للأحداث اللحظية فقط؛ مما يضمن تحقيق المصالح الوطنية على المدى الطويل.
ما ورد في التقرير يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير