أبحاث ودراسات

هل يتحول السودان إلى مسرح جديد لنفوذ إيران؟


  • 25 أغسطس 2024

شارك الموضوع

مقدمة

تكشف القراءة الأولية لعودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسودان أن هذا التطور يحمل أكثر من بُعد جيو- إستراتيجي، خاصة لإيران التي تقوم رؤيتها الإستراتيجية في المنطقة على توسيع نفوذها البحري، وتعزيز وجودها العسكري، سواء من خلال القواعد، أو من خلال الجماعات والميليشيات العسكرية المرتبطة بها، إذ تسعى طهران إلى استعادة توازن القوى العسكرية في الداخل السوداني، والبحث عن ظهير إقليمي جديد، وطي صفحة أزمة توتر العلاقات عام 2016، وتعزيز الحضور بمنطقة البحر الأحمر.

غير أن بحث إيران الدائم عن موطئ قدم في البحر الأحمر من خلال نيتها بناء قاعدة بحرية في بورتسودان، والتغلغل في القرن والساحل الإفريقي انطلاقًا من السودان، قد يسفر عن تصعيد حدة التوتر في العلاقات بين الجيش السوداني وكثير من القوى الإقليمية والدولية، مثل مصر، والسعودية، وإسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية، كما يثير المخاوف من شكل المكاسب الإستراتيجية التي ستحصل عليها إيران إثر توسيع دائرة نفوذها في القارة الإفريقية.

ملامح تحول العلاقات بين إيران والسودان

اتخذت العلاقات بين طهران والخرطوم منحى جديدًا منذ منتصف العام الماضي، من خلال سلسلة من اللقاءات الرسمية الرفيعة المستوى لمسؤولين سودانيين مع نظرائهم الإيرانيين، أبرزها لقاء وزير الخارجية السوداني علي الصادق ونظيره الإيراني آنذاك حسين أمير عبد اللهيان، على هامش اجتماع اللجنة الوزارية لحركة عدم الانحياز الذي استضافته العاصمة الأذربيجانية باكو في يوليو (تموز) 2023، في خطوة حملت مبادئ لعودة العلاقات، التي ترتب عليها إعلان السودان استئناف علاقاته الدبلوماسية مع إيران رسميًّا في 9 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وبعد مرور عام على استئناف العلاقات، تسلم رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، أوراق اعتماد السفير الإيراني، حسن شاه حسيني، سفيرًا ومفوضًا فوق العادة لبلاده لدى السودان في 21 يوليو (تموز) الماضي.

كان إعلان إيران والسودان، في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، استئناف العلاقات الدبلوماسية التي قطعت من جانب الخرطوم، مثيرًا للتساؤلات عن دلالة التوقيت والهدف، إذ جاء في خضم تصاعد حدة الصراع المسلح بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، على نحو يوحي بأن هذا القرار لا ينفصل عن محاولات الجيش تعزيز مواقعه في مواجهة قوات الدعم السريع، من خلال البحث عن ظهير إقليمي جديد، كما جاء بالتزامن مع ارتفاع حدة التوتر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية؛ بسبب تعثر المفاوضات التي أُجريت بشأن الاتفاق النووي، واستمرار العقوبات الأمريكية بسبب التدخل الإيراني في أزمات المنطقة، ولعل التساؤل الأبرز يتعلق بأن إعلان استئناف العلاقات بين إيران والسودان جاء بعد يومين من اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، عقب عملية طوفان الأقصى، وما تلاها من تصعيد إسرائيل ضد إيران وحلفائها في لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن.

وبهذا، أنهى الخرطوم قطيعة ما يقرب من 8 سنوات مع إيران، إثر اقتحام السفارة السعودية في طهران في يناير (كانون الثاني) 2016، وهو ما وجده السودان سببًا لقطع العلاقات مع إيران؛ تضامنًا مع الحليف الأهم، وهو السعودية، غير أن اتفاق السعودية وإيران، بوساطة صينية، رفع الحرج عن الخرطوم باستئناف علاقتها مع طهران، لا سيما في ظل الحاجة الملحة للحكومة الموالية للجيش إلى إيجاد حلفاء في حربها مع قوات الدعم السريع، لتتشكل بهذا ملامح مرحلة جديدة في تاريخ البلدين.

أبعاد الدور الإيراني في حرب السودان

بعد ما يقرب من عام ونصف العام على بداية الحرب الأهلية في السودان، تظهر تطورات جديدة في المشهد العسكري تفصح عن الدور الإيراني الذي مثّل نقطة تحول رئيسة في المعركة، لدعم الجيش السوداني في استعادة السيطرة على مناطق إستراتيجية في البلاد ضد قوات الدعم السريع؛ ما يهدف إلى تعزيز العلاقات مع الدولة ذات الموقع الإستراتيجي.

ولتحقيق هذا الهدف، انتهجت طهران دبلوماسية المسيرات في دعمها لقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان؛ فوفقًا للوكالات الدولية، قدمت طهران للجيش السوداني طائرات دون طيار تصنعها شركات تعمل تحت إشراف وزارة الدفاع الإيرانية خلال الأشهر القليلة الماضية، وهو ما أسهم في تعزيز قدراته العسكرية، وتغيير مسار الصراع، وشملت إستراتيجية التسليح الإيراني الطائرات من دون طيار، من طراز “مهاجر 6″، لاستخدامها في إدارة العمليات العسكرية ضد قوات الدعم السريع، حيث يمكن استخدامها في عمليات الاستطلاع، والضربات الجوية.

وتكتسب هذه الطائرة تحديدًا أهمية خاصة؛ لأنها قادرة على تنفيذ هجمات جو- أرض، والحرب الإلكترونية، والاستهداف المباشر في ساحة المعركة، كما تعد آلية أساسية تستخدمها إيران باستمرار في تطوير علاقاتها مع بعض الدول والمؤسسات، على غرار روسيا، التي سبق أن استعانت بالطائرة نفسها في إدارة عملياتها العسكرية في أوكرانيا.

فضلًا عن هذا، كشفت الوكالات الدولية نقل طائرات مسيرة إيرانية من طراز “مهاجر” و”أبابيل”، عن طريق “قشم فارس إير” الجوية الإيرانية عدة مرات منذ نهاية العام الماضي، ونُقلت تلك الطائرات من إيران إلى بورتسودان، وهي قاعدة مهمة للجيش منذ أن استولت قوات الدعم السريع على مواقع إستراتيجية في الخرطوم، ودلل على هذا التعاون العسكري بين إيران والسودان تصريحات قوات الدعم السريع بأن الجيش يتلقى شحنات مرتين أسبوعيًّا من طائرات إيرانية بدون طيار، وأسلحة أخرى من إيران، عززت قدرته العسكرية في مواجهة قوات الدعم السريع في البلاد.

مكاسب إيران من عودة علاقاتها بالسودان

تتعدد المصالح الإيرانية في السودان لتشمل مصالح جيوسياسية، وأيديولوجية، واقتصادية؛ حيث تهدف إيران إلى تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال تأسيس وجود إستراتيجي في السودان، لمواجهة منافسيها، ودعم حلفائها، وتأمين الوصول إلى الموارد والأسواق المحورية؛ لذا تنبع محورية السودان في العقيدة الإيرانية من مجموعة من العوامل المهمة، أبرزها:

 1- الموقع الإستراتيجي للسودان المطل على البحر الأحمر: يجعل من السودان دولة مركزية ومفتاحية مهمة للتأثير الإقليمي في منطقة البحر الأحمر؛ ما يمثل فرصة ذهبية لإيران للتأثير والسيطرة على المنطقة بمداخلها ومخارجها الحاكمة، وتحديدًا مضيق باب المندب، وقناة السويس؛ ومن ثم فإن إنشاء ميناء إيراني، أو قاعدة بحرية بمدينة بورتسودان، من شأنه أن يسمح لإيران بمراقبة حركة المرور البحرية في البحر، ومراقبة البضائع القادمة إلى إيلات وقناة السويس.

2- السيطرة على مضيق باب المندب: يعزز الوجود الإيراني في البحر الأحمر، من خلال جماعة الحوثي، السيطرة الإيرانية على هذا المضيق الإستراتيجي الذي يشكل أحد أهم شرايين التجارة البحرية العالمية؛ وهو ما يعطي إيران السبق في المحيط الحيوي للمصالح والأمن الإسرائيلي، كما يعطيها أفضلية عسكرية وأمنية تسمح لها باستخدام السودان كورقة ضغط وأداة لمحاصرة الخصم الإسرائيلي في إطار صراع النفوذ القائم بينهما، وكشفت عن هذا العمليات العسكرية البحرية التي تقوم بها جماعة الحوثي منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، واستهدافها السفن الإسرائيلية والأمريكية في المضيق ومياه البحرين العربي والأحمر؛ ومن ثم فإن النفوذ الإيراني في السودان يجعل طهران تضطلع بدور فاعل في العمق الإفريقي، خاصة في ظل الحرب الاستخباراتية التي تخوضها إيران وإسرائيل في المجال الإفريقي.

3- المصالح الدينية والثقافية الإيرانية في السودان: يعد السودان منصة لتأسيس النفوذ الثقافي في القرن الإفريقي من خلال نشر التشيع، لا سيما أن هذا النهج كان نشطًا في السودان في الفترة التي سبقت قطع العلاقات بين الدولتين عام 2016، من خلال المركز الثقافي الإيراني في الخرطوم، ومكتبة الإمام جعفر الصادق، والمؤسسات التعليمية الشيعية، كمؤسسة الإمام علي بن أبي طالب التعليمية، ومدرسة فاطمة الزهراء، وعدد كبير من الحسينيات والجمعيات الخيرية التي هدفت إلى استقطاب الفقراء، واستغلال حاجاتهم لتشييعهم.

4- دعم الشبكات المتحالفة: يعمل السودان كمركز إستراتيجي لإيران لتقديم الدعم اللوجستي لحلفائها ووكلائها في المنطقة، ومنهم الحوثيون في اليمن، وحزب الله في لبنان، والمليشيا الشيعية في سوريا والعراق، من خلال توفير الأسلحة والتدريب والمساعدات المالية. فضلًا عن هذا، فإن قرب السودان من مناطق الصراع في القرن الإفريقي ومنطقة الساحل يعزز قيمته كقاعدة لبسط النفوذ وتعزيز أجندة إيران الإرهابية في البحر الأحمر.

5- المكاسب الاقتصادية: يتمتع السودان بموارد ضخمة غير مستغلة، منها الأراضي الزراعية، والرواسب المعدنية، واحتياطيات النفط، وتدرك إيران إمكانية التعاون الاقتصادي المتبادل المنفعة مع السودان، سواء كمصدر للمواد الخام لصناعاتها المحلية، أو كسوق لسلعها المصنعة، ويمكن للخبرة الإيرانية في قطاعات مثل الطاقة، والبناء، وتطوير البنية التحتية، أن تكون مصدر دخل مربحًا للاقتصاد الإيراني.

الخاتمة

تعد استعادة العلاقات مع السودان جزءًا من حملة سياسة خارجية منسقة تقوم بها الإدارة الإيرانية لإصلاح علاقات إيران مع حلفائها السابقين، وخاصة الدول التي قطعت علاقاتها مع طهران عام 2016، وفقًا لرؤية الخارجية الإيرانية “التوجه شرقًا”، التي تستند إلى تعزيز العلاقات مع الجنوب العالمي؛ لذا يعد السودان ذا أهمية إستراتيجية لإيران، التي اعتادت توظيف التدخل في مناطق الصراع لتعزيز أهدافها الجيوسياسية.

ومع أن عودة العلاقات الدبلوماسية تعد المدخل الرئيس لتعزيز العلاقات بين طهران والخرطوم، فإنه من الصعب أن تذهب الخرطوم بعيدًا في تعزيز علاقاتها مع إيران، خشية عودة العقوبات والضغوط الدولية من الولايات المتحدة وحلفائها، خاصة في ظل الحديث عن بناء قاعدة إيرانية على البحر الأحمر، ما قد يجعل السودان في مرمى هجمات القوى الغربية للانتقام من إيران، فعندما أرست طهران قطعًا بحرية في المواني السودانية قبل عقد من الزمان، تعرض السودان لضربات جوية أجنبية تحت ذريعة استهداف الحرس الثوري الإيراني.

فضلًا عن هذا، فلئن ظفرت إيران بقاعدة بحرية في السودان، فسوف تصبح القوات الإيرانية على بعد 320 كيلومترًا من السعودية، المنافس الإقليمي لإيران على النفوذ في العالم الإسلامي؛ ما يجعل من نية طهران بناء القاعدة البحرية المزعومة تحديًا مباشرًا للسعودية، وهدمًا للتوافقات الأخيرة بين الرياض وطهران؛ لذا يظل مستقبل العلاقات السودانية الإيرانية مرهونًا بالتطورات الإقليمية، وحسابات النظام الإيراني الإستراتيجية في منطقة البحر الأحمر.

ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع