إستراتيجيات عسكريةمقالات المركز

هل هناك علاقة بين الساحتين الشرق أوسطية والأوكرانية؟


  • 20 أبريل 2024

شارك الموضوع

توطئة

 على الأقل من باب الافتراض، سنقول وندعي أن هناك علاقة بين ما يحدث بين إيران وإسرائيل من جهة، وما يحدث من صراع وقتال في أوكرانيا، وعليها، من جهة أخرى، على الأقل من ناحية السياق الزمني.

فدعك الآن من هذه الفرضية، وتعالَ بنا ننظر في هذه الأحداث؛ لعلنا نجد ما يمكن أن يثبتها، أو نتحصل منها على ما يقودنا إلى نفيها.

اللاعب الرئيس في الشرق الأوسط

شاء من شاء، وأبى من أبى، فإنه إلى يوم الناس هذا، تعد الولايات المتحدة هي اللاعب الأصلي والمتحكم الوحيد في الذي يحدث من أحداث، في منطقة الشرق الأوسط، وإلى الآن لم نر لها شريكًا ينافسها ويقاسمها هذا الدور، غير محاولات خجولة من روسيا والصين، اللتين تحاول كل واحدة منهما أن تجد لها موضع قدم، وتكون لها كلمة، لكن محاولاتهما تبقى خجولة، وعلى استحياء، لكن مع أول قلق في المنطقة، تجد الأبصار تتجه نحو الولايات المتحدة، وتنتظر رأيها، وتصبو إلى حكمها، وهذا ليس من كيسي، أو تحليلي؛ وإنما هذا واقع نعيشه.

والولايات المتحدة تعمل في الشرق عمل القوى الدولية، من خلق للمشكلات، وحل للمشكلات، وما حدث من إرسال إيران عشرات الطائرات المسيرة، وما يقاربها من الصواريخ الباليستية وغيرها، لقصف إسرائيل، لا يمكن أن يتم دون الضوء الأخضر الأمريكي، باعتبار الولايات المتحدة اللاعب الأصلي والوحيد في المنطقة.

إيران.. الذراع اليسرى للولايات المتحدة

قبل شهرين كتبت مقالًا، لمركز الدراسات العربية الأوراسية، تحت عنوان: “إيران.. اليد اليسرى للولايات المتحدة في المنطقة”، عن إيران، وكيف تخدم الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وقدمت فيه أدلتي على ما تبنيته من رأي، وما باح به لساني من قول، وأن الولايات المتحدة لها من الأوراق التي تخضع بها إيران وتكبح بها جماحها الكثير، ولكنها تأبى ذلك، وتترك لإيران مساحات للعب والمناورة، وذلك لأغراض سآتي على ذكرها في هذا المقال.

ومن الأدلة التي يثبت بها أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تبدل جهدًا لكبح جماح إيران، مع أن لها القوة لفعل ذلك، أنه كان يمكن للولايات المتحدة أن تقمع المشروع النووي الإيراني عسكريًّا، لكن على غير عادتها، فضلت الدخول في مجال المفاوضات الدبلوماسية، والضغوط السياسية، والعقوبات الاقتصادية، مع بيان فشلها منذ البداية، وحرصت على تمديد المفاوضات بشأن الأمر، وإطالتها، ولا يمكن للولايات المتحدة  أن تكون على هذا القدر من الصبر، وسعة الصدر، والنفس الطويل، إلا في حالتين؛ أما الأولى فأن تكون بإزاء دولة قوية لها وزن عالمي، وقوة ردع كبيرة، وإيران ليست من هذا الضرب من الدول، وأما الثانية فأن تكون أمام حليف، ولو في غير إعلان، وهذا ما ينطبق على إيران باعتبار أنها ليست من الضرب الأول من الدول.

ومما يزيد هذا الرأي قوة، ما حدث في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، حين اغتالت الولايات المتحدة قائد فيلق القدس “قاسم سليماني”، وردت بعد ذلك إيران بأيام بقصف قاعدة بلد، التي كانت خاوية على عروشها!! ولم يكن فيها أي جندي أمريكي، مما يستدل به على وجود  اتفاق خفي مسبق بين الطرفين أولًا  (وقد صرح دونالد ترمب بذلك قبل أيام من إنشائي هذه الكلمات)، ويستدل به ثانيًا على أن إيران ليست من الضرب الأول من الدول التي قد تهاب الولايات المتحدة الحرب معها.

وأزيدك بيانًا، أنه في الأيام الأخيرة لدونالد ترمب في البيت الأبيض، لم يكد يعلن تحريك أسطول جوي إلى الشرق الأوسط حتى تهافتت أصوات إيران، واختفت تلك النبرة المتحدية، والتعبيرات الهجومية.

فهذا، وغيره كثير، مما يستدل به على إمكانية إخضاع الولايات المتحدة لإيران بالقوة، ولكنها تتجاهل ذلك، وتهمل إلجامها، تحت ذريعة المفاوضات الدبلوماسية، والضغوط السياسية، والعقوبات الاقتصادية، وما كل ذلك إلا لأنها الذراع اليسرى لها في المنطقة.

ما الهدف من عدم إلجام الولايات المتحدة لإيران؟

وسنجيب عن هذا السؤال من ثلاثة وجوه:

الوجه الأول: هو أن الولايات المتحدة تحتاج أحيانًا إلى ورقة تضغط بها على إسرائيل، حين تخرج هذه الأخيرة عن طوعها، وتعمل وفق مزاجها الخاص في غير ما يخدم المصالح الأمريكية، فلا تجد الولايات المتحدة للضغط على إسرائيل، وكبح جماحها، غير ورقة إيران، ومشروعها النووي.

لهذا، دائمًا ما تعارض إسرائيل اتفاقًا بخصوص البرنامج النووي الإيراني، وتحاول دفع الولايات المتحدة إلى الحل العسكري، وهذا الذي لم يحصل حتى في عهد دونالد ترمب، مع أنه كثيرًا ما شاغب الدولة العميقة في الولايات المتحدة، وذهب عكس توجهاتها، لكنه في هذا الموضوع لم يفعل شيئًا، واكتفى بالانسحاب من الاتفاق النووي.

الوجه الثاني: من الأمور التي تجعل الولايات المتحدة تبقي على إيران، هو أنها تستعملها ورقة ضغط مع الدول العربية، التي هي مستعدة لدفع الغالي والنفيس لتوقي شر إيران، والولايات المتحدة تستغل هذا أحسن استغلال.

 الوجه الثالث: الولايات المتحدة دائمًا ما تدعم الميليشيات من وراء ستار، ومن خلف الحجب المسدلة، من غير أن يكون لها تورط مباشر في ذلك، وهي تستغل إيران لتحريك والتحكم في مجموعة من الميليشيات والحركات العسكرية في المنطقة، وعلى رأسها حزب الله، وجماعة أنصار الله الحوثي.

ما علاقة قصف إيران لإسرائيل بالحرب في أوكرانيا؟

من الأمور التي عوّلت عليها الولايات المتحدة الأمريكية لحسم الصراع مع روسيا في أوكرانيا، هي الدول العربية، وخاصة الخليجية، التي تتحكم في رفع أسعار الغاز والنفط في العالم وخفضها.

 ولكن الدول العربية، والخليجية منها، سولت لها نفسها ألا تنصاع وراء ما تتمناه الولايات المتحدة، وقررت الإبقاء على علاقاتها الجيدة مع روسيا، وأبقت على المعاملات معها، وامتنعت عن رفع الإنتاج، وكل هذا مكّن روسيا من الالتفاف على العقوبات، وإيجاد أسواق جديدة تحت سياسة ملء الفراغ، وهذا كله جعل روسيا تحافظ على توازنها الداخلي، واستقرارها الاقتصادي، مما مكنها من الاستمرار في حربها على أوكرانيا، وبدل أن تُستَنزَف، أصبحت تَستنزِف الغرب.

ونحن قلنا إن من الأسباب وراء الإبقاء على إيران وتركها على عواهنها، هو أن الولايات المتحدة تستعملها ورقة ضغط مع الدول العربية، التي هي مستعدة لدفع الغالي والنفيس لتوقي شر إيران، والولايات المتحدة تستغل هذا أحسن استغلال.

وإيران قالت إن الهدف من وراء القصف هو الثأر والقصاص ، ولكن مَن نظر في ذلك القصف سيجد أنه عبارة عن قصف استعراضي لإظهار القوة، وليس قصفًا لأخذ الثأر، ومن المعقول الذي لا تخطئه العقول، أن إظهار القوة واستعراضها شيء، والانتقام وأخذ الثأر شيء آخر.

الاستنتاج

إن الغرض من وراء ذلك القصف هو الاستعراض، وبيان قوة إيران للدول العربية والخليجية، حتى تعود عن غيها وترجع عن ضلالها، وتعلم حقًّا أنه لا قدرة لها على مواجهة إيران، وأن الحل الوحيد هو العودة إلى الحضن الأمريكي.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع