تقدير موقف

لماذا تواصل إسرائيل قصف سوريا بعد سقوط الأسد؟

هل سوريا دولة فاشلة؟


  • 3 مايو 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: bbc.com

عادت إسرائيل إلى قصف سوريا مجددًا، هذه المرة في 2 مايو (أيار) 2025، حيث قصفت قرب القصر الرئاسي في دمشق، مع أن ساكنه الآن ليس بشار الأسد؛ بل أحمد الشرع؛ ما يعني أنه بانهيار النظام السوري وهروب بشار الأسد، وخروجه من المشهد، لم تضع الحرب أوزارها؛ بل دخلت في طور أكثر تعقيدًا. فكما نشاهد، تتصاعد الضربات الجوية الإسرائيلية بوتيرة غير مسبوقة، والأخطر أنها شملت مناطق حيوية في عمق سوريا، بما في ذلك العاصمة دمشق. هذا السلوك العسكري لا يمكن فهمه في سياق أمني محض، بل ينبغي تفكيكه ضمن رؤية جيوبوليتيكية أشمل، ترسم من خلالها إسرائيل ملامح واقع إقليمي جديد في ظل فراغ القوة بسوريا، وإعادة تموضع اللاعبين الإقليميين والدوليين.

أولًا- الفراغ السوري بوصفه فرصة إستراتيجية لإسرائيل

الفراغ السياسي والعسكري الناتج عن انهيار الدولة السورية أعاد تعريف الجغرافيا السورية في المخيال الأمني الإسرائيل، فلم تعد سوريا جارًا مزعجًا يجب احتواؤه؛ بل تحولت إلى هامش جغرافي مفتوح يصلح لإعادة التشكيل وفق ما تقتضيه ضرورات الأمن القومي الإسرائيلي؛ ففي ظل غياب سلطة مركزية موحدة تمسك بمفاصل الدولة، وتفكيك الجيش السوري، وانقسام الأرض بين فصائل متنازعة، صارت سوريا ميدانًا قابلًا للتدخل المفتوح، دون تكلفة سياسية، أو ردع دولي فعال.

ثانيًا- إعادة رسم المجال الحيوي الإسرائيلي.. من الجولان إلى قلب بلاد الشام

القراءة الجيوبوليتيكية تقول إن إسرائيل لا تتحرك فقط لحماية حدودها، كما كان يبدو في السابق، قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول) مثلًا، بل تعمل على توسيع مجالها الحيوي شمالًا، إلى ما وراء الجولان؛ لخلق ما يشبه الحيز العازل الجيو- أمني. هذا التمدد الإسرائيلي لا يتجلى فقط في السيطرة العسكرية المباشرة على بعض المناطق السورية، بل الأهم -حسب فهمي بالطبع- في بناء شبكة نفوذ داخلية من خلال تحالفات محلية (خاصةً مع الدروز جنوبًا، وفي عمليات إجلاء الجرحى اليوم 3 مايو (أيار) 2025 خير مثال، ومع بعض التشكيلات الكردية شرقًا).

الهدف الأساسي من هذه التحركات -في اعتقادي- هو سعي إسرائيل إلى تحصين نفسها أمام أي تحولات مستقبلية قد تُعيد توحيد سوريا، أو تطلق موجة تهديدات من الجنوب اللبناني، أو من الداخل السوري نفسه.

ثالثًا- التوازن بين القوى الإقليمية.. كبح إيران وتطويق تركيا

من الواضح أن إسرائيل تسعى إلى احتواء محورين إقليميين متصارعين، وليس مجرد متنافسين، على الأرض السورية:

1- المحور الإيراني: ورغم تراجع حضوره المباشر بعد سقوط الأسد المدوي، فإن تل أبيب تخشى إعادة تموضعه من خلال حزب الله، أو المليشيات الشيعية في الشرق السوري؛ لذلك فإنها تكثف الضربات على مخازن الأسلحة والممرات اللوجيستية بين العراق وسوريا.

2- المحور التركي: إسرائيل ترى في التحالف بين أنقرة والفصائل الإسلامية المسلحة، خاصةً في الشمال السوري، تهديدًا هيكليًّا طويل المدى، خاصة إذا تحول هذا التحالف إلى نظام حكم بديل في دمشق؛ لذلك تسعى إلى احتواء النفوذ التركي عبر تحالفات مضادة في الجنوب، وضرب خطوط الإمداد والاتصال بين المناطق التي يسيطر عليها حلفاء أنقرة.

رابعًا- سوريا بوصفها منصة اختبار لمعادلة ما بعد السيادة

من الزاوية الأمنية والقانونية، من الواضح تمامًا أن إسرائيل تتعامل مع سوريا بوصفها حالة نموذجية للدولة الفاشلة التي لم تعد تُطبق عليها قواعد السيادة التقليدية. وهذا التصور يسمح لتل أبيب ويمكنها من تبرير تدخلها عسكريًّا متى شاءت، بحجة ما يعرف بـ”الأمن الوقائي”، دون العودة إلى مجلس الأمن، أو التقيد باتفقيات فك الاشتباك القديمة. بعبارة أخرى، ترى إسرائيل في المشهد السوري الحالي فرصة لتكريس نموذج أمني جديد في الشرق الأوسط، لا يستند إلى التوازن بين الدول؛ بل إلى هندسة شبكات نفوذ محلية، تُدار وتضبط من خلال القوة الجوية، والتفوق الاستخباراتي.

خامسًا- استباق سيناريوهات الدولة البديلة

مرَّ على سقوط الأسد خمسة أشهر تقريبًا، وإسرائيل لا تستهدف فقط الأعداء التقليديين (إيران، وحزب الله) داخل سوريا؛ بل تسعى بكل جهد إلى استباق تشكل أي نظام سوري جديد قد يعيد إنتاج العداء لإسرائيل، ولو بلغة سياسية جديدة.. والضربات على القصر الرئاسي في دمشق ليست مجرد رسالة ردع؛ بل تعكس إستراتيجية تعرف بإستراتيجية “كسر الرموز”، وتعطيل أي محاولة لبناء هيكل سيادي قادر على فرض إرادته داخل حدود سوريا، أو على حدود الجولان.

وفي الختام.. هل يجب أن نرى إسرائيل صانعًا جديدًا للخرائط الأمنية؟

الضربات الإسرائيلية ليست عَرَضًا جانبيًّا للحرب في سوريا؛ بل هي تعبير مباشر عن تحول إسرائيل إلى فاعل جيوبوليتيكي نشط في تحديد شكل النظام الإقليمي القادم في المشرق العربي.. هي لا تكتفي بالدفاع -كما نرى- بل تسعى بقوة، وبدعم أمريكي مفتوح، إلى إعادة تشكيل المجال الأمني على مقاس مصالحها الإستراتيجية، بما يشمل تفكيك الجغرافيا السورية، وتوجيه ديناميات الصراع الداخلي بما يمنع تشكيل أي تهديد مستقبلي لها.

وفي هذا السياق، يمكنني القول إن ما تفعله إسرائيل في سوريا اليوم لا يختلف كثيرًا عما قامت به الولايات المتحدة في العراق بعد 2003، إي بعد إسقاط صدام، لكن بأسلوب أكثر براغماتية، وأدوات أقل تكلفة، في ظل نظام إقليمي أكثر هشاشة.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع