إستراتيجيات عسكريةوحدة الدراسات الصينية

هل تهزم الصين الجيش الأمريكي؟


  • 13 ديسمبر 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: chinausfocus.com

لم يصدّق غالبية الأمريكيين التقرير السري الذي كشفت عنه صحف مثل “نيويورك تايمز” الأمريكية، و”الديلي ميل” البريطانية، الذي يقول بوضوح إن الولايات المتحدة سوف تتعرض لـ”هزيمة ساحقة” أمام الجيش الصيني في أي صراع بشأن تايوان، بعد تسويق وسائل إعلام ومراكز أبحاث أمريكية أن الصين قد تسعى إلى استعادة جزيرة تايوان بالقوة عام 2027.

ووفق الوثيقة السرية، فإن الصين تتفوق في عوامل وعناصر قتالية مذهلة على الولايات المتحدة، منها امتلاك نحو 600 صاروخ صيني “فائق الصوت”، وأكثر من 2.3 مليون مقاتل نشط في الوحدات العسكرية، ونحو 5 ملايين مقاتل في الاحتياط، في حين عانت وزارة الدفاع الأمريكية خلال السنوات الخمس الماضية من تجنيد مزيد من العناصر للجيش الأمريكي الذي لا يزيد عدد جنوده في الوقت الحالي على 1.3 مليون مقاتل، ونحو 800 ألف فقط في الاحتياط.

لكن التقرير السري الذي جاء بعنوان “ملخص التفوق” أو (Overmatch Brief)

صدم خبراء التخطيط الإستراتيجي الأمريكي عندما كشف أن صاروخًا واحدًا من الصواريخ الصينية فائقة الصوت يمكن أن يدمر أكبر وأغلى حاملة طائرات في العالم، وهي “غيرالد فورد”، التي بلغت تكلفة بنائها نحو 13 مليار دولار، لكن أكثر ما يلفت النظر في هذا التقرير الذي كان سريًا أن التفوق الصيني لا يقتصر على العدد والكم فقط؛ بل في محاور نوعية يمكن أن تحسم أي صراع في منطقة “الإندو-باسيفيك”. فبعد ترديد الأوساط الأمريكية والغربية طوال 4 عقود بأن الصين “أمة مقلدة وليست مبتكرة”، جاء هذا التقرير ليكشف تفوق الصين في مجالات حساسة، منها الذكاء الصناعي، وتنقية المعادن النادرة، والسفن العسكرية الانزلاقية، والصواريخ العابرة للقارات، والتجسس السيبراني والأقمار الصناعية، فضلًا عن تفوق كاسح في “القاعدة الصناعية العسكرية” التي تستطيع أن تعوض الخسائر بسرعة؛ فوفق التقديرات الغربية، فإن الصين يمكن أن تنتج أسلحة تقليدية، وحتى نووية، أسرع بنحو 100 مرة من شركات التصنيع العسكري الأمريكية التي تعاني مشكلات واضحة، منها ارتفاع أسعار المدخلات الخام، والبيروقراطية المتجذرة، وأسلحة معقدة. فعلى سبيل المثال، نجحت الصين في إنتاج نحو 100 سلاح نووي عام 2024، وهو أمر لا تستطيع القاعدة الصناعية النووية الأمريكية أن تحققه.

على الجانب الآخر، لا يمكن إغفال نقاط القوة التي لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بها، منها الإنفاق العسكري الضخم، وكفاءة التشغيل، والخبرة القتالية، ومخازن السلاح التي تنتشر فيما يسمى “الصف الأول للجزر”، وهي الجزر القريبة من الصين، مثل اليابان، وتايوان، والفلبين، وأستراليا، وفيتنام، فضلًا عن امتلاك الولايات المتحدة نحو 800 قاعدة عسكرية حول العالم، في حين لا تملك الصين إلا قاعدة وحيدة في جيبوتي. فما نقاط القوة التي دفعت هذا التقرير لاستخلاص نتيجة كبيرة بهذا الحجم، وهي أن الولايات المتحدة ينتظرها “هزيمة ساحقة” في أي نزاع مع “التنين الصيني” بشأن تايوان؟ وكيف يمكن للصين أن تفهم هذا التقرير؟ وما السيناريوهات التي قد تلجأ إليها الولايات المتحدة لتفادي هذه الهزيمة؟

تواضع

لاحظ الجميع “لغة واقعية” تعتمد على التواضع، واللغة المنضبطة في “إستراتيجية الأمن القومي” التي أصدرها البيت الأبيض يوم 4 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، حيث كانت اللغة هادئة، لا تهدد ولا تتوعد، بل تبنت خطوات واضحة للانسحاب التدريجي من الشرق الأوسط، وتحميل الحلفاء والشركاء في أوروبا وشرق آسيا وجنوب شرقها أعباء إضافية، فيما يمكن وصفه بأنه نوع من “الاعتراف الضمني” بالتفوق الصيني؛ ولهذا أكدت هذه الإستراتيجية “عدم التفكير” في المواجهة العسكرية مع الصين، وأن التنافس فقط سوف يكون حول الذكاء الصناعي، والتجارة، والاستثمار، وهو أيضًا ما يفسر توقف البيت الأبيض عن إرسال السلاح والذخيرة إلى أوكرانيا، والعمل بقوة على وقف الحرب في غزة بعد استنزاف إسرائيل وأوكرانيا لمخزونات السلاح والذخيرة الأمريكية منذ فبراير (شباط) 2022، وهو ما يشكل إقرارًا أمريكيًا بأن الصين باتت “قوة عظمى” تستطيع أن تتحدى الهيمنة العسكرية التقليدية للولايات المتحدة. ومع أن الولايات المتحدة لا تزال تحتفظ “بتفوق نسبي” من حيث الجودة التشغيلية، والخبرة القتالية، وحجم الإنفاق العام، فإن الصين حققت تفوقًا واضحًا في الجودة والكم في عدد كبير من العناصر العسكرية الحاسمة، وهو ما يمهد إلى “إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي”، خصوصًا في منطقة بحر الصين الجنوبي، ومنطقة الإندو- باسيفيك. فما عناصر القوة العسكرية التي تتفوق فيها الصين ودفعت “البنتاغون” إلى إرسال هذه “الوثيقة السرية” إلى البيت الأبيض؟

أولًا- التفوق البحري

أدركت الصين منذ فترة طويلة أن معركتها مع الولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين هي معركة بحرية؛ لأن ميدان المعركة الأول والمحتمل سوف يكون حول تايوان، سواء عندما تحاول الصين استعادة تايوان بالقوة، أو في حالة تطور أي اشتباك بين البحرية الصينية والأمريكية في بحر الصين الجنوبي؛ ولهذا عملت الصين على أكثر من مسار لتقليل الفجوة ثم التفوق على الولايات المتحدة، ومن هذه المسارات امتلاك 3 حاملات طائرات، هي فوجيان، وشاندونغ، ولياونينغ. ولا تحتاج الصين في الوقت الحالي إلى أكثر من ذلك، مع أن الولايات المتحدة لديها 11 حاملة طائرات تعمل بالطاقة النووية، في حين تعمل حاملات الطائرات الصينية بالديزل والكهرباء. وتفسير ذلك أن الصين تعمل في منطقة مجاورة لها مباشرة، وتستطيع أن تعوض ذلك بالصواريخ القصيرة والمتوسطة. وتفوقت الصين منذ عام 2022 على الولايات المتحدة في عدد السفن الحربية، حيث تملك الصين نحو 400 سفينة عسكرية، منها 234 سفينة قتالية رئيسة، وباقي السفن تعمل سفنًا مساعدة للسفن الرئيسة، في حين تملك الولايات المتحدة 295 سفينة فقط، منها فقط 219 سفينة رئيسة.

ثانيًا- حالة حرب

تعاني الولايات المتحدة تراجعًا حقيقيًا في مجال التصنيع العسكري بعد أن جرفت الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط جزءًا كبيرًا من مخزونات السلاح والذخيرة الأمريكية، وفشلت الشركات الثماني الكبرى، أو ما يطلق عليها “المتعهدون الثمانية الكبار”، في تلبية حاجة القوات الأمريكية وحلفاء واشنطن من السلاح. وتعاني هذه الشركات الثماني، وهي لوكهيد مارتن، وأر تي إكس كوربوريشن، ونورثروب جرومان، وبوينج، وجنرال إلكتريك، وهاريس تكنولوجيز، وونشستر، وسميث سيستمز، من الوصول إلى القدرة القصوى من الإنتاج؛ حيث يعمل العاملون في تلك الشركات على مدار الأسبوع وطوال الأربع والعشرين ساعة. كما أن إنتاج مصنع جديد للسلاح أو الذخيرة يتكلف أرقامًا خيالية، وكل هذا عكس الإنتاج الصيني؛ حيث تتمتع الصين بغزارة في الإنتاج، مع تكلفة اقتصادية وتشغيلية أقل بكثير من الولايات المتحدة، وهذا يفسر أمرًا مهمًا يتعلق بالإنفاق العسكري، فبينما أنفقت الولايات المتحدة نحو 950 مليار دولار على الشؤون العسكرية في عام 2024، وأنفقت الصين نحو 290 مليار دولار، تسهم قلة التكاليف الاقتصادية والتشغيلية في إنتاج كميات من الأسلحة الصينية أكبر بكثير من تلك التي تنتجها الولايات المتحدة؛ حيث تعمل المصانع الصينية وكأنها في “حالة حرب”، في حين تواجه الولايات المتحدة تحديات في مواكبة بناء السفن الجديدة بسبب القيود الصناعية والبيروقراطية، حيث تستطيع الصين بناء السفن العسكرية أسرع من الولايات المتحدة التي اضطرت إلى التعاقد مع كوريا الجنوبية لبناء السفن العسكرية الأمريكية في أحواض السفن الكورية الجنوبية. وهذا الوضع يكشف أن الصين تستطيع أن تعوض الخسائر بسرعة في حالة نشوب صراع طويل الأمد.

ثالثًا- تفوق تكنولوجي

مع أن”الصورة النمطية” السائدة تقول إن الولايات المتحدة تتفوق على الصين في الجودة الحربية وتكنولوجيا الاستشعار العسكري، فإن جميع التقارير والدراسات الأمريكية نفسها عن القدرات الصينية كشفت تفوقًا صينيًا كاسحًا في 6 مجالات من أصل 7 مجالات تكنولوجية دفاعية، منها أنظمة الكشف والتتبع الفائقة الصوت، وقدرة الصين الصاروخية على ردع القوات الأمريكية في المحيط الهادئ، وقدرة هذه الصواريخ بوضوح على إغراق حاملات الطائرات الأمريكية، مثل غيرالد فورد، بل استهداف القواعد الأمريكية في الدول الحليفة لواشنطن في شرق آسيا وجنوب شرقها.

رابعًا- إستراتيجية “منع الوصول”

استطاع الجيش الصيني أن يطور أسلحة وإستراتيجية تحقق له”فرض السيطرة”، و”منع وصول” الدعم العسكري الأمريكي إلى تايوان من  سلسلة من الأدوات، أهمها “تحييد” التفوق التقليدي الأمريكي في المنطقة اعتمادًا على صواريخ “دي إف- 21″، التي يطلق عليها “قاتلة حاملات الطائرات”. وبينما لا تزال الولايات المتحدة في مرحلة التجريب فيما يتعلق بالصواريخ الفائقة الصوت، نجحت الصين في نشر هذه الصواريخ بالفعل في الميدان.

خامسًا- الذكاء الصناعي والدرونز

تتفوق الصين بوضوح في استخدام الذكاء الصناعي في الصناعات العسكرية، خصوصًا “الطائرات بدون طيار”، وهناك تفوق صيني في مجالات الفضاء السيبراني، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا المتقدمة. وتصدرت الصين التصنيف العالمي في مجالات الطائرات بدون طيار (الدرونز)، والروبوتات التعاونية، والأنظمة الذاتية، وهو ما يمنح الصين خيارات تشغيلية مرنة وفعالة من حيث التكلفة في النزاعات المستقبلية. وتحقق الصين تقدمًا كبيرًا عن طريق الاستثمار في تكنولوجيا الكم، والتجسس السيبراني، والفضاء.

سادسًا- تضييق الفجوة النووية

تعمل الصين على مدار الساعة لتقليل الفجوة النووية مع الولايات المتحدة بعد أن تجاوزت الصين 600 رأس حربي نووي في منتصف 2024، بزيادة 100 رأس نووي في عام واحد فقط. وتتوقع وزارة الدفاع الأمريكية أن يصل عدد الرؤوس النووية الصينية إلى نحو 1000 رأس نووي بحلول 2030، وهو ما يقلل الفجوة مع الولايات المتحدة التي تملك حاليًا نحو 3700 رأس نووي نشط.

سابعًا- سلاسل الإمداد والمعادن النادرة

تسيطر الصين سيطرة كاملة على سوق المعادن النادرة، حيث تملك نحو 90% من مخزونات هذه المعادن التي تحتاج إليها الصناعات العسكرية الحساسة، مثل الأقمار الصناعية، وأنظمة التجسس، والسفن الانزلاقية، والطائرات الحديثة المأهولة وغير المأهولة. وهذا النفوذ الاقتصادي يمنح بكين ورقة ضغط إستراتيجية قوية قد تؤثر في الصناعة العسكرية الأمريكية والأوروبية في أوقات الأزمات.

ليست نزهة

هناك من يعتقد أن هذا التقرير السري قد يدفع الصين إلى الإسراع بغزو تايوان واستعادتها بالقوة، لكن هذا التقرير ينبغي -في تقديري- أن يدفع الجميع إلى التحلي “بالواقعية العسكرية”، فأي حرب بين قوتين كبيرتين، مثل الولايات المتحدة والصين، يعني تدميرًا كبيرًا للمنتصر والمهزوم على السواء، وسوف يدفع ثمنه جميع سكان العالم، حيث تمر تجارة وسلع تقدر بنحو 50% من التجارة البحرية، وأكثر من 70% من تجارة الحاويات؛ ولهذا فإن أفضل سيناريو هو “إدارة التنافس” بين البلدين بعيدًا عن أي سيناريوهات للصدام العسكري.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع