الطاقة والبيئةتقارير

هل تقف البيئة في وجه الحرب بأذربيجان؟


  • 17 ديسمبر 2023

شارك الموضوع

في الثامن عشر من يناير (كانون الثاني) 2023، أعلنت أذربيجان أنها رفعت ضد أرمينيا دعوى مشتركة بموجب بند تسوية المنازعات في اتفاقية برن عام 1979، بشأن الحفاظ على الحياة البرية، والموائل الطبيعية في أوروبا. نقل هذا الحرب الدائرة في إقليم كاراباخ المتنازع عليه بين البلدين من الصعيد العسكري إلى الصعيد البيئي، حيث اتهمت وزارة الخارجية الأذربيجانية أرمينيا بتهمة التدمير البيئي خلال الثلاثين عامًا التي كانت تسيطر فيها على الإقليم سابقًا، من خلال إزالة الغابات على نطاق عريض، وقطع الأشجار بشكل غير مستدام، والتلوث من خلال أعمال البناء والتعدين الواسعة النطاق التي قامت بها أرمينيا.

لم تشكل القضية التي طرحتها أذربيجان بشأن صراع كاراباخ المثير للجدل على مر السنوات الماضية فصلًا جديدًا في المعركة القانونية بين البلدين فحسب؛ بل شكلت زخمًا أكبر لكونها تتعلق بالأضرار البيئية الناجمة عن الصراع المسلح، حيث سعت أذربيجان إلى إصدار أمر يلزم أرمينيا بالتوقف عن جميع الانتهاكات المستمرة لاتفاقية برن، ودفع تعويضات كاملة عن الدمار البيئي في الأراضي المحتلة سابقًا. وتعد هذه هي المرة الأولى التي يُفَعّل فيها بند تسوية المنازعات بين الدول بموجب اتفاقية برن، ويطرح هذا السياق تساؤلات جديرة بالدراسة، خاصة بعد إعلان دولة أذربيجان استضافتها قمة المناخ Cop 29 لعام 2024، يتمثل أبرزها في: هل تضمن استضافة أذربيجان (Cop 29) حماية أمنها البيئي في إقليم كاراباخ؟

الأثر البيئي للحرب في إقليم ناغورنو كاراباخ

لقد تقاتلت أرمينيا وأذربيجان داخل البلاد وخارجها، أكثر من 100 عام خلال الحقبة السوفيتية،  حيث كانت منطقة ناغورنو كاراباخ تتمتع بالحكم الذاتي داخل أذربيجان، وكانت أغلبية سكانها من العرق الأرميني، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي تولت أرمينيا السلطة، وتجدد الصراع عام 2020، وتخلت أرمينياعن السيطرة لأذربيجان، وقوات حفظ السلام الروسية، غير أن المحادثات بشأن تسوية طويلة الأمد لا تزال قائمة بين الطرفين، كان أحدث خطواتها صفقة تبادل الأسرى منذ أيام.

أثار استمرار الاستغلال غير القانوني للموارد الطبيعية لأذربيجان، وتأثيره البيئي القاسي، الاستياء العميق في جمهورية أذربيجان، فمن بين 151 راسبًا معدنيًّا حُدِّدَ في الأراضي قبل الاحتلال، تم استغلال 52 موقعًا لأول مرة في الفترة من عام 1993 إلى عام 2020، فضلًا عن توسيع كثير من عمليات التعدين قبل الصراع وتكثيفها، حيث أُجريت عمليات التعدين واستغلال المحاجر دون إشراف بيئي، ومن ذلك عدم معالجة النفايات السائلة، وقد أدى ذلك إلى آثار بيئية سلبية، من بينها إزالة الغابات، وتدهور الأراضي، وتلوث الرواسب العالقة في الأنهار، إلى جانب التلوث الكيميائي للمياه، والتربة، والكائنات الحية.

لمعالجة المخاوف بشأن الاستغلال غير القانوني للموارد الطبيعية الأذربيجانية في منطقة كارباخ، اعتمدت أذربيجان على الحوار مع السلطات الأرمينية، فخلال العام الماضي، أُجريت كثير من التبادلات الرسمية وغير الرسمية من خلال قوات حفظ السلام الروسية، وفي 22 ديسمبر (كانون الأول) 2022- بناءً على طلب المؤسسات الحكومية الأذربيجانية- بدأت المشاورات مع قوات حفظ السلام بشأن طرق الزيارة الميدانية، ومراقبة الرواسب المعدنية التي تُستغَل استغلالًا غير قانوني، كما حضر المشاوراتِ ممثلو الأرمن المحليين.

وبعد الاتفاق الذي تم التوصل إليه من خلال قوات حفظ السلام في 10 ديسمبر (كانون الأول) 2022، حاولت مجموعة من الخبراء الأذربيجانيين، برفقة جنود حفظ السلام، زيارة الرواسب المعدنية المثيرة للقلق في منطقة كاراباخ، ولكن أرمينيا أحبطت عمل المجموعة، وشنت حملة تلاعب وتضليل دولية ضد جمهورية أذربيجان، حيث وجهت إليها اتهامات بفرض حصار على سكان منطقة كاراباخ ، وتنفيذ سياسة تطهير عرقي ضد الأصل الأرميني، وامتدت حملة التشهير هذه إلى الدول الأجنبية، والمنظمات الدولية؛ لتحويل انتباه المجتمع الدولي عن الاستغلال غير القانوني للموارد الطبيعية في أراضي أذربيجان، والمشكلات البيئية الحادة الناشئة عنها، بما في ذلك محاولات استخدامها في أنشطة غير قانونية، وليس لأغراض إنسانية بحتة كما ادعت أرمينيا.

هل ينتصر القانون الدولي لقضايا البيئة؟

كانت منطقة ناغورنو كاراباخ تحت الاحتلال الأرميني بين عامي 1994 و2020 استنادًا إلى القواعد التي تحكم الأراضي المحتلة العرفية بطبيعتها، وقد دُوَّنَت- بشكل أساسي- بموجب لوائح لاهاي عام 1907، واتفاقية جنيف الرابعة عام 1949، والبروتوكول الإضافي الأول عام 1977، وعلى النقيض من قانون سير الأعمال العدائية، الذي يوفر بعض الحماية للبيئة، فإن قانون الاحتلال لا يتضمن إشارة صريحة إلى حماية البيئة.

إن الحماية المحدودة التي يوفرها قانون الاحتلال للبيئة محدودة، وغير مباشرة، فعلى سبيل المثال، بموجب المادة الـ43 من حقوق الإنسان، يجب على سلطة الاحتلال أن تتخذ جميع التدابير لاستعادة وضمان النظام العام والحياة المدنية، مع احترام القوانين المنفذة في البلاد، ما يعني أن هناك علاقة متبادلة بين مسؤولية المحتل، بموجب الجزء الأول من المادة الـ43، في الحفاظ على النظام العام والحياة المدنية من جهة، وحماية البيئة في الأراضي المحتلة من جهة أخرى، فكلما حُمِيَت البيئة بشكل أكبر؛ ضُمِنَت الحياة المدنية للمواطنين. بالإضافة إلى ذلك، فإن واجب احترام القوانين المطبقة في البلاد يشمل واجب احترام التشريعات البيئية المحلية.

وفي ضوء ذلك، يمكن توفير الحماية غير المباشرة للبيئة بموجب قانون الاحتلال، حيث تركز القواعد المتعلقة بالممتلكات العامة والخاصة في قانون الاحتلال على عدم قانونية جوانب من سلوك قوة الاحتلال، مثل التدمير غير المبرر، ونهب الممتلكات في الأراضي المحتلة، ومع ذلك، ليست جميع مكونات البيئة ملكية عامة أو خاصة.

 ومن أجل اعتماد نهج أكثر شمولًا لحماية البيئة في النزاعات المسلحة، منذ عام 2013، قامت لجنة القانون الدولي على تدوين قواعد حماية البيئة فيما يتعلق بالنزاعات المسلحة، مع إيلاء اهتمام كبير للأراضي المحتلة. وانطلاقًا من تزايد القلق بشأن الدمار البيئي في زمن الحرب، وفهم آثاره المعقدة في حالة إقليم كاراباخ، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على 27 مبدأ قانونيًّا لحماية البيئة في أثناء النزاعات المسلحة والاحتلال في ديسمبر (كانون الأول) 2022، ومنها سلوك الشركات، واستخدام الموارد الطبيعية.

عقبات تطبيق اتفاقية برن في كاراباخ

على الرغم من الجدل التاريخي بشأن إمكانية تطبيق المعاهدات البيئية الدولية على النزاعات المسلحة والأراضي المحتلة، لم تقدم أي محكمة دولية إجابة عما إذا كانت هذه الاتفاقيات تنطبق على الأراضي المحتلة أم لا، وبناءً على ذلك، إذا أدت الإجراءات التي اتخذتها أذربيجان ضد أرمينيا إلى صدور قرار تحكيم بشأن موضوع القضية، فإن ذلك سيكون سابقة مهمة ذات مكتسبات كبيرة في تلك القضية، خاصة أن أذربيجان تطالب أرمينيا بالتعويض، ووقف الأنشطة الجارية في الإقليم؛ لكونها تلحق الضرر بالبيئة، إذ استندت باكو في دعواها إلى تحليل نهر أوختشوتشاي في عام 2021 الذي كشف عن تركيزات عالية جدًّا من المعادن الثقيلة، ومنها الكادميوم، والرصاص، والنيكل، والحديد، والموليبدينوم، والزنك في الماء والرواسب، فضلًا عن تعرض كثير من أنواع الأسماك والبرمائيات المحمية للانقراض، وتزعم باكو أن المشكلة ناجمة عن مياه الصرف الصحي الناتجة عن مناجم النحاس والموليبدينوم في أرمينيا، بالإضافة إلى النفايات السائلة المنزلية.

الجدير بالذكر أن اتفاقية برن لا يتضمن أي حكم يتعلق بتطبيقها على حالات النزاع المسلح والاحتلال، كما أنها لا تتناول نطاق تطبيقها خارج الحدود الإقليمية، لكن هذا لا يعني أن الاتفاقية لا تنطبق على حالات الاحتلال؛ إذ يمكن مقارنة مدى انطباق اتفاقية برن على الأراضي المحتلة مع انطباق العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966، الذي لا يتضمن- بالمثل- أي بند بشأن تطبيقه في النزاعات المسلحة، وبشأن تطبيقه خارج الحدود الإقليمية؛ ومن ثم، لا يوجد سبب يمنع استخدام هذا القياس من جانب محكمة التحكيم المنشأة بموجب اتفاقية برن، فيما يتعلق بتطبيق اتفاقية برن على إقليم ناغورنو كاراباخ، فلا يوجد في اتفاقية برن ما يستبعد إمكانية تطبيقها في أثناء النزاع المسلح، وإمكانية تطبيقها لحالات الولاية القضائية خارج الإقليم.

إلى جانب الجدل بشأن إمكانية تطبيق الاتفاقية على النزاع، قد تكون هناك عقبة قضائية أخرى تتمثل في ما إذا كان اللجوء المسبق إلى التفاوض، أو دور التسوية الودية للجنة الدائمة التابعة للاتفاقية، يشكل شرطًا أساسيًّا لبدء إجراءات التحكيم بموجب المادة الـ18 من اتفاقية برن؛ ففي حالة إنشاء هيئة التحكيم، هناك كثير من الأمثلة على قواعد التحكيم بين الدول التي قد تعتمد عليها المحكمة، ومنها تلك التي أنشأتها الاتفاقيات البيئية المتعددة الأطراف الأخرى، والقواعد الاختيارية التي نشرتها المحكمة الدائمة للتحكيم، والتي تتضمن قواعد محددة للتحكيم في المنازعات بين الدول، وقواعد التحكيم في المنازعات المتعلقة بالموارد الطبيعية والبيئة، وأي استخدام أو تعديل لهذه القواعد سيتم- بشكل عام- بالتشاور مع أطراف النزاع.

ونظرًا إلى طبيعة مطالبات أذربيجان، فمن المرجح أن تكون القواعد المتعلقة بالأدلة العلمية وإمكانية تعيين خبراء فيما يتعلق بتحديد الأضرار البيئية وإسنادها وتقييمها ذات أهمية خاصة، بيد أن هذه القضايا أثبتت أنها تشكل تحديًا للمحاكم الدولية في القضايا الأخيرة التي تنطوي على تعويض عن الأضرار التي لحقت بالبيئة، خاصةً في سياق النزاع المسلح. وبموجب المادة الـ18، يجوز اتخاذ قرارات هيئة التحكيم بأغلبية الأصوات، ويكون قرار التحكيم نهائيًّا وملزمًا، حيث يتحمل الطرفان نفقات المحكم المعين، ويتقاسمان نفقات المحكم الثالث، والتكاليف الأخرى التي يترتب عليها التحكيم. كما أنه لم يتم تناول تعيين السجل والأحكام الخاصة بإدارة التحكيم في المادة الـ18، وقد اختيرت محكمة التحكيم الدائمة لتكون السجل لمعظم إجراءات التحكيم بين الدول في السنوات الأخيرة.

ماذا يعني استضافة أذربيجان (Cop 29)؟

لقد أدت المواجهة الطويلة الأمد إلى تحويل خيار محادثات المناخ، التي ستعقدها الأمم المتحدة في العام المقبل، إلى جزء من تسوية صفقة تبادل الأسرى بين أذربيجان وأرمينيا. لقد فازت العاصمة باكو- حيث طُوِّرَ أحد حقول النفط الأولى في العالم منذ 1200 عام- باستضافة محادثات المناخ (COP 29) لعام 2024، وهذا يعني أيضًا أنه لسنوات متتالية، ستستضيف إحدى الدول النفطية محادثات المناخ، حيث يكون التركيز غالبًا على التخلص من الوقود الأحفوري.

جاءت الموافقة على استضافة أذربيجان محادثات المناخ (Cop 29) في سياق اتفاقيات السلام  بين حكومتي أرمينيا وأذربيجان بشأن إقليم كاراباخ، فقد أعلنت الحكومتان- منذ أيام- تبادلًا للأسرى، لحق هذا دعم جمهورية أرمينيا لطلب جمهورية أذربيجان بشأن استضافة الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف، وسحبت أرمينيا ترشيحها لاستضافة الدورة لتسمح لأذربيجان بالفوز، حيث إن العام المقبل هو دور أوروبا الشرقية، ويجب أن يكون القرار بشأن مكان إجراء المحادثات بالإجماع في المنطقة؛ لذا استخدمت روسيا حق النقض ضد أعضاء الاتحاد الأوروبي، وفي البداية استخدمت أذربيجان وأرمينيا حق النقض إحداهما ضد الأخرى.

أصدرت الدولتان القوقازيتان اللتان خاضتا حربهما الأخيرة عام 2020، وما زالت حدودهما تشهد حوادث مسلحة، بيانًا مشتركًا في السابع من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، أعلنتا فيه أن أرمينيا تسحب ترشيحها لتنظيم مؤتمر الأطراف المقبل، وتؤيد ترشيح أذربيجان، بعد أن عطل ترشح البلدين التقدم في العملية، غير أن استضافة أذربيجان تلك القمة يحمل تهديدًا مقلقًا لمسار حماية البيئة على الصعيد الدولي، حيث تعتمد دولة أذربيجان، التي يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة، وتقع على حدود أوروبا الشرقية وغرب آسيا، على الوقود الأحفوري اقتصاديًّا، إذ يشكل إنتاج النفط والغاز ما يقرب من نصف الناتج المحلي الإجمالي لأذربيجان، وأكثر من 92.5% من عائدات صادراتها في العام الماضي، وهذا يثير تخوفًا من استخدام الوقود الأحفوري سلاحًا ضد الإنسانية.

الخاتمة

تشير إمكانية تقديم إجراءات التحكيم المعلقة بين أذربيجان وأرمينيا بموجب اتفاقية برن توضيحًا رسميًّا بشأن ما إذا كانت اتفاقيات المعاهدات البيئية المتعددة الأطراف تنطبق على الأراضي المحتلة أم لا، ويخلف هذا النزاع أيضًا آثارًا على تطور النهج الذي يتبناه مجلس أوروبا في التعامل مع حماية البيئة في النزاعات المسلحة، حيث اعتمدت الجمعية البرلمانية قرارًا بالنظر في اتخاذ تدابير إضافية بموجب اتفاقية برن، بموجب صك قانوني إقليمي منفصل بشأن حماية البيئة في أثناء النزاعات المسلحة.

ومن هذا يتضح أن منطقة جنوب القوقاز تواجه أزمة بيئية كبيرة ناجمة عن النفايات والمخلفات الكيميائية السامة التي تلقي بها شركات التعدين الأرمينية. وتشير التقارير إلى أن هذه النفايات والمخلفات الكيميائية تسببت في أضرار جسيمة في موارد المياه في المناطق الحدودية في أذربيجان، بالإضافة إلى الألغام التي زرعها الأرمن على مدار ثلاثة عقود من احتلالهم إقليم كاراباخ، والتشغيل الخاطئ لمحطة بتسامور النووية، وهو ما يعرض حياة الملايين لخطر كبير يمتد أثره إلى المنطقة بأسرها.

لذا فإن محصلة القول هي أن تكليف أذربيجان باستضافة (Cop 29) يعني أن تستضيف دولة أخرى غنية بالنفط مؤتمر الأطراف؛ إذ يعتمد اقتصادها بنسبة 90% على النفط والغاز، وهو ما يثير انتقادات إقليمية ودولية من جرّاء هذا التكليف، لكن في المقابل، من المرجح أن تشكل استضافة أذربيجان (Cop 29) نجاحًا جديدًا لباكو في إدانة أرمينيا دوليًّا، وعرض قضية الإرهاب البيئي الذي يتعرض له إقليم كاراباخ أمام القوى الفاعلة في مؤتمر الأطراف، ما قد يحول الصراع الحدودي على إقليم كارباخ إلى صراع دولي.

ما ورد في التقرير يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع