مقالات المركز

قراءة في الموقف الروسي من وقف الإمدادات الأمريكية لأوكرانيا

هل بدأت ذخائر الغرب تنفد؟


  • 4 يوليو 2025

شارك الموضوع

تلقف الكرملين التقارير التي أوردتها صحيفة بوليتيكو الأمريكية، 2 يوليو (تموز) 2025 مع، عن وقف مؤقت لشحنات الذخيرة الأمريكية المتجهة إلى كييف برد فعل محسوب، وإن كان لا يخلو من بعض الانتشاء.

فالمتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، حرص في تعليقه على هذه الأنباء، التي تأتي في خضم تطورات ميدانية دقيقة على جبهة الحرب الأوكرانية وما يرافقها من تعقيدات إستراتيجية في المواقف الغربية، على أن يشير -تعليقًا عليها- إلى فراغ المخازن الأمريكية ونقص الذخائر بوصفهما السبب الرئيس وراء هذا القرار الأمريكي.

وتنطلق موسكو في تحليلها للموقف الأمريكي -من وجهة نظري- من زاوية تآكل القدرة الغربية على الاستمرار  في الدعم المفتوح لأوكرانيا دون حدوث أي تغير فعلي على الأرض في قدرتها على كسر الآلة العسكرية الروسية التي تدمر كل ما يظهر أمامها من أسلحة الغرب في ساحات القتال.

كما أن الكرملين ينطلق في هذا الموقف، -حسب فهمي له- من أن وقف الإمدادات الأمريكية لا يعكس تحولًا تكتيكيًّا عابرًا -كما يقول البعض- لرغبة ترمب في الحصول على أموال الأوروبيين مقابل هذا السلاح، على الرغم من وجاهة هذا التحليل -في رأيي- لكن الروس يرون هذا القرار الأمريكي إشارة إلى أن واشنطن بلغت حدودها اللوجستية والإستراتيجية في تمويل هذا النزاع وإمداده.

ويأتي هذا التفسير متسقًا مع قراءة روسية شاملة للوضع، ترى أن الغرب يقترب تدريجيًّا مما يمكن وصفه بـ”لحظة الإنهاك الإستراتيجي”، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الداخلية، والتوترات السياسية المرتبطة بانتخابات التجديد النصفي الأمريكية المرتقبة.

ففي تصريحها لقناة “إن بي سي”، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، آنا كيلي، إن وقف الإمدادات مؤقت… وإنه جاء بدافع إعادة ترتيب الأولويات الوطنية الأمريكية… هذا التصريح فسره الروس بوصفه مؤشرًا على تصاعد النزعة الانعزالية داخل واشنطن بالإضافة إلى تراجع الزخم السياسي الشعبي والرسمي تجاه دعم أوكرانيا.

موسكو تقارن هذا الموقف بتجارب سابقة، كانت البداية فيها بالتباطؤ اللوجستي، ثم ما لبثت أن تحولت إلى إعادة نظر شاملة في الانخراط السياسي والعسكري.

فضلًا عن ذلك، يأتي هذا التطور في سياق موقف روسي راسخ يرى أن استمرار تدفق السلاح الغربي إلى أوكرانيا هو الذي يعوق تسوية هذا النزاع. وقد أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في تصريحات متكررة بأن أي شحنات عسكرية غربية تُرصَد وهي متجهة إلى كييف تعدّ أهدافًا مشروعة للجيش الروسي.

كما ترى موسكو أن هذا الدعم العسكري الغربي يغذي أوهام الحسم العسكري لدى القيادة الأوكرانية،  وترسيخ اعتقادها إمكانية هزيمة روسيا، وهو ما يسهم في إطالة أمد الصراع دون أفق سياسي واضح.

ولكل هذه الأسباب تتعامل روسيا -وفقًا لما أتابعه- مع كل هذه التطورات في لحظة تشهد تآكل التوافق داخل المعسكر الغربي، سواء في أوروبا، أو الولايات المتحدة.

فعلى الجانب الأمريكي، واجه الكونغرس صعوبات في تمرير مساعدات جديدة لكييف، وذلك مع تصاعد الأصوات الجمهورية المعارضة، لا سيما من شخصيات قوية، وتشغل مناصب مهمة، مثل إلبريدج كولبي، الذي يحاول الأوكران ومن يناصرهم وصفه بـ”حليف بوتن الأمريكي في الحرب ضد أوكرانيا”.

أما في أوروبا، فتواجه بعض الحكومات، مثل ألمانيا وفرنسا، ضغوطًا شعبية متزايدة تطالب بوقف الانخراط العسكري، والدفع نحو مفاوضات.

وإذا أضفنا إلى كل ما تقدم تباطؤ القدرة التصنيعية الغربية في الذخائر، وهو ما تشير إليه تقارير مراكز غربية محترمة وموضوعية، وليس من بنات أفكاري، خاصةً ضعف القدرة على إنتاج الذخائر من عيار 155 ملم، فإن الصورة تبدو -من المنظور الروسي بالطبع- أقرب إلى تحول إستراتيجي.. وليس تكتيكيًّا.. لا يمكن تجاهله؛ بل يلزم استغلاله.

في رأيي، ينطلق الكرملين في اللحظة الراهنة من اقتناع بأن التوقف المؤقت في إمدادات السلاح الأمريكية إلى أوكرانيا قد يتحول إلى أزمة في سلسلة الدعم الغربي العسكري لأوكرانيا، خاصةً إذا ما ترافق مع تغييرات في القيادة السياسية الأمريكية بعد انتخابات التجديد النصفي.

ويبدو لي -من واقع ما أتابعه من تصريحات رسمية، أو ما يتناوله الإعلام الرسمي وطريقة تعامله مع هذه المستجدات- يبدو لي أن موسكو تهيئ خطابها الدبلوماسي والإعلامي حاليًا لإبراز وإظهار أن “لحظة الحقيقة” تقترب.. وأن المعادلة الدولية بدأت تميل إلى صالح الحل السياسي، لكن بشروط أكثر قربًا من الرؤية الروسية، خاصة مع تراجع الزخم الغربي، وازدياد الضغط على كييف.

ويبقى السؤال: هل تقرأ العواصم الغربية هذا التحول بالعمق نفسه الذي تقرؤه به موسكو؟

أم أن العمى الإستراتيجي سيقود قادة هذه العواصم ليفعلوا كل شيء حتى يدفعوا باستمرار الحرب إلى الانهيار الكامل لأحد الطرفين؟

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع