أبحاث ودراساتمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة

هجوم موسكو.. هل ينعش الجماعات الإرهابية في آسيا الوسطى؟


  • 23 أبريل 2024

شارك الموضوع

أشعل التورط المفترض لأربعة أشخاص من طاجيكستان في هجوم موسكو الدموي، المشهد في آسيا الوسطى، ليسلط الضوء على مخاطر الإرث المتطرف لتلك المنطقة المنسية، حيث نشطت الحركة الإسلامية والمجموعات الأصولية المتطرفة في طاجكستان منذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتي عام 1991، أي قبل تأسيس تنظيم داعش بسنوات، وبدأ نشاط خلايا الحركة الإسلامية في منطقة أسفرة المتاخمة لأوزبكستان، ثم انتشر بقوة إلى باقي أقاليم ومحافظات طاجكستان وامتد إلى خارج آسيا الوسطى.

لكن بتبني تنظيم داعش خراسان لهذا الهجوم الدامي معتبرةً أن روسيا هي الداعم الرئيسي لأسوأ أعدائها؛ النظامين التركي والإيراني، أثار المخاوف الأمنية من إحياء الجماعات الإرهابية في آسيا الوسطى، لاسيما في ظل تنامي مشاركة عناصر تلك الجماعات في القتال إلى جانب الجماعات الجهادية، مثل تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة في المنطقة، فضلًا عن ضلوعهم في هجمات إرهابية داخل بلدانهم، ليُطرح التساؤل الأبرز المتمثل في؛ هل ستشكل الجمهوريات الخمس معقلاً جديدًا لداعش خراسان وفرصة لترسيخ نفوذه خارج مجاله التقليدي في جنوب القارة الآسيوية؟.

محفزات تمدد الإرهاب في آسيا الوسطى:

تنامت ظاهرة الإرهاب في دول آسيا الوسطى الخمس بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، حيث سعت مجموعة من الحركات الإرهابية إلى أسلمة الجمهوريات الخمس معتمدةً على رؤى متضاربة للإسلام، وتفسيرات مختلفة عن مفهوم الجهاد، جاء من أبرزها؛ حزب النهضة الإسلامي وحركة أوزبكستان الإسلامية، وجماعة جند الخلافة في كازخستان، وارتبط نشاط تلك الحركات بوادي فرغانة الذي تتقاسمه كل من أوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، ويطلق عليه مركزًا للنشاط الإرهابي في آسيا الوسطى، ولم يقتصر خطر تلك الجماعات على حدود بلدان آسيا الوسطى، بل سعت الجماعات الإرهابية إلى مهاجمة مصالح الحلفاء الإقليميين والدوليين لآسيا الوسطى، كورقة ضغط ضد الحكومات، ولإثبات فشلها في احتواء الحركات المسلحة في المنطقة.

ولعل ما وفر البيئة الخصبة لتصاعد وتيرة الحركات المتطرفة، وغذى العمل الجهادي ضد الأنظمة السياسية القائمة في تلك البلدان؛ التنافس الشرس بين القوى الإقليمية والدولية على ثروات المنطقة، الأمر الذي دفع بعض القوى المتصارعة لاستخدام الحركات المتطرفة لمصلحتها، ولترسيخ نفوذها في هذا الإقليم الاستراتيجي، فضلاً عن هذا، ارتبط المستوى المتنامي من التطرف في جميع أنحاء منطقة آسيا الوسطى بتدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي لتلك الشعوب، ما شكل فرصة للتنظيمات الجهادية الكبرى وفي مقدمتها القاعدة وداعش وطالبان لتوظيف هذا الوهن الاجتماعي وتجنيد أبناء تلك البلدان لتنفيذ مخططاتهم الإرهابية.

ومنذ نشأة تنظيم داعش الإرهابي، استغل التنظيم من خلال فرعه في خراسان نقاط الضعف في دول آسيا الوسطى للتطرف والتجنيد، وشكل الطاجيك العرقيون جزءًا كبيرًا من قائمة المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى داعش في سوريا والعراق، وتمثل الانضمام الأخطر لقائد القوات المسلحة الخاصة في طاجيكستان إلى صفوف داعش العسكرية بعدما انشق عن القوات المسلحة الطاجيكية في عام 2015، وخلال السنوات القليلة الماضية، تم اعتقال معظم المشتبه في تورطهم في الجماعات الإسلامية المحظورة في شمال البلاد، وتباعاً تم حظر العشرات من الأحزاب والحركات الدينية في طاجكستان، بما في ذلك حزب التحرير والسلفية والحركة الإسلامية في أوزبكستان المجاورة، التي تم الاعتراف بها كمنظمة إرهابية في آسيا الوسطى تهدف إلى الاستيلاء على السلطة بالعنف وإقامة نظام ثيوقراطي في أوزبكستان، لكن كل هذا لم يقضى على جذور الفكر الإرهابي في الجمهوريات الخمس.

شواهد تورط طاجيكستان في هجوم موسكو:

جعلت طاجيكستان البلد ذات 9,7 ملايين نسمة من مكافحة الإرهاب أولوية، بعدما شهدت حربا أهلية بين العامين 1992 و1997 انخرط فيها مقاتلون إسلاميون، وما زالت الدولة الجبلية تشهد مواجهات عبر الحدود مع مقاتلين قادمين من أفغانستان، زادت حدتها بعد عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان عام 2021، حيث كان النظام الطاجيكي من بين أشد منتقدي نظام الحركة خشية احتمال انتشار فكرها الإرهابي في طاجيكستان ومنها إلى بلدان آسيا الوسطى، ولطالما سلطت العاصمة الطاجيكية دوشنبه الضوء على تصاعد النشاط المتطرف على طول حدودها الممتدة على 1375 كيلومترًا مع أفغانستان، ونظمت تدريبات لمكافحة الإرهاب مع الجيشين الروسي والصيني خاصة في السنوات القليلة الماضية.

وفي هذا السياق، تعترف المحكمة العليا في طاجكستان بأنه منذ بدء السلطات ملاحقة الجماعات الأصولية المتطرفة، كان جميع المتهمين بالانضمام إلى حركات أصولية متطرفة في البلاد من مواطني طاجكستان، التي وجهت إليهم تهم بتنظيم جماعات متطرفة محظورة في البلاد والمشاركة فيها، غير أن تشديد السلطات الطاجيكية الإجراءات الأمنية لم يسفر عن التعرف على القيادات التي تقف وراء هذه الجماعات وتنظيمها وتمويلها.

ولعل أخر المشاهد التي تكشف تمدد خطر الحركات الإرهابية في آسيا الوسطى، كان مساء يوم 22 مارس المنصرم، حينما اقتحم أربعة مسلحين مجمع كروكوس في العاصمة الروسية وفتحوا النار على الناس وأضرموا النار في المبنى، وبحسب آخر البيانات بلغ عدد ضحايا الهجوم الإرهابي 144 شخصاً ونحو 200 جريح لا يزال 80 منهم في المستشفيات، في اليوم التالي للهجوم الإرهابي أعلن مدير جهاز الأمن الفيدرالي الروسي ألكسندر بورتنيكوف اعتقال 11 شخصاً غالبيتهم يحملون جوازات سفر طاجيكية، من بينهم أربعة مشاركين بشكل مباشر في الهجوم.

وغداة العملية الإرهابية الدموية في موسكو، أعلن مصدر أمني طاجيكي أنه في إطار التعاون مع الأمن الفيدرالي الروسي اعتقل تسعة أشخاص في إحدى ضواحي العاصمة دوشنبه، بتهمة ارتباطهم بمنفذي هجوم كروكوس الإرهابي، مشيرًا إلى إن المعتقلين يواجهون أيضاً تهماً تتعلق بصلتهم بتنظيم داعش الإرهابي، ونتيجة لهذا أرسلت موسكو محققين إلى طاجيكستان لاستجواب أُسر المتهمين بتنفيذ الهجوم الدامي.

تشير الدلائل في هذا السياق، إلى أن العلاقة التي جمعت تنظيم داعش خراسان بالمتطرفين في طاجيكستان وثيقة وقديمة فبحسب تصريحات الرئيس الطاجيكي إمام على رحمون، انضم ما يقرب من 2300 طاجيكي إلى صفوف تنظيم داعش منذ عام 2015، حيث استخدم التنظيم هجماته الكبيرة أداةً لاستقطاب الطاجيك في أنحاء آسيا الوسطى، لتوسيع رقعة نشاطه الإرهابي في المنطقة.

آسيا الوسطى.. الفرصة الذهبية لداعش خراسان:

أدى ظهور تنظيم داعش خراسان في الماضي القريب إلى زيادة المخاطر الأمنية على دول آسيا الوسطى بعدة أضعاف، حيث اجتذبت المنظمة الإرهابية العديد من المسلحين السابقين الساخطين من تنظيم القاعدة وحركة طالبان الأفغانية وحركة طالبان الباكستانية، وازداد الوضع سوءًا مع سيطرة طالبان على أفغانستان في عام 2021، واشتد الصراع الدائر بين داعش خراسان وطالبان الذي لم يقتصر أثره على الداخل الأفغاني، بل طمحت داعش خراسان إلى زيادة نشاطها في الأقاليم المجاورة، ومن أهمها آسيا الوسطى للتفوق على طالبان التي نجحت في حكم أفغانستان.

 لذا هدفت داعش خراسان من خلال تجنيدها لأبناء آسيا الوسطى خاصة من طاجيكستان -الدولة الحدودية مع أفغانستان- إلى محاربة طالبان في مجال نفوذها، خاصة في ظل التوترات التي وقعت بين طالبان وعناصر الطاجيك في الشهور القليلة الماضية، حيث أشارت تقارير إلى أن التوتر بين قيادة طالبان وعناصر الحركة الطاجيكية في الشمال الشرقي لأفغانستان كان يتزايد بسرعة في أواخر عام 2023 وأوائل عام 2024، ووصل حدة هذا التوتر إلى احتجاز حركة طالبان لأعضاء طاجيك بتهمة وجود صلات مع تنظيم داعش خراسان، ومن ثم فإن حالة السخط المتنامية داخل العناصر الطاجيكية، يمكن أن يفتح المجال أمام داعش لترسيخ نفوذها في الجمهوريات الخمس عبر بوابة طاجيكستان.

لقد كانت طاجكستان ولا تزال وجهة مهمة للإسلاميين الأفغان، بغض النظر من سيحكم تحت الأرض سواء طالبان أو داعش، حيث توفر الحدود الطويلة ضعيفة الحراسة فرصاً كبيرة لتهريب المخدرات، وهو ما يدر دخلاً ثابتاً للإرهابين، ومجال لنقل المسلحين من وإلى آسيا الوسطى، وبناءً على هذا، وبعد تورط العناصر الطاجيكية في الهجوم الأخير على موسكو، من المرجح أن يؤدي تزايد حضور الطاجيك في صفوف تنظيم داعش إلى تزايد الضغوط على النظام الحاكم في طاجيكستان، وخاصةً من جانب دول الجوار، أو حتى من جانب الدول الغربية، ويرجح في هذا الإطار أن تعمل روسيا، عقب هجوم موسكو، على الضغط على دوشنبه من أجل تشديد إجراءات تقويض الأنشطة الإرهابية وتجفيف منابع التطرف.

وتأسيساً على هذا، يكشف الهجوم الإرهابي الأخير في موسكو عن تحول محوري في تركيز تنظيم داعش الإرهابي، وظهور منطقة آسيا الوسطى معقلاً جديداً له، في سياق استراتيجية التنظيم الإقليمة بعد خسارته معاقله في العراق وسوريا، حيث تم تسهيل عملية إعادة الهيكلة هذه، نتيجة لعدم الاستقرار في المنطقة الحدودية الأفغانية الباكستانية.

خاتمة:

يشكل انتشار الحركات الإسلامية في آسيا الوسطى خطرًا كبيرًا، ليس على دول تلك المنطقة فقط، بل قد يمتد تأثيره إلى أبعد من ذلك، في ظل اتساع مصادر تمويل هذه التنظيمات، وارتباطها ارتباطًا وثيقًا بـالحركات الإرهابية في المنطقة، كطالبان، والقاعدة، وداعش، إلى جانب ظاهرة تجنيد المقاتلين الإرهابيين الأجانب من دول آسيا الوسطى، ما يخلق من ظاهرة الإرهاب في آسيا الوسطى ظاهرة عابرة للحدود، إذ يبرز مقاتلو آسيا الوسطى كقوة لا يُستهان بها بين المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق، حيث كشفت الأرقام أن عدد المقاتلين الإرهابيين من آسيا الوسطى الملتحقين بجبهات القتال في سوريا يتخطى 5000 مقاتل، غالبيتهم من عناصر الحركات الإسلامية في أوزبكستان وطاجيكستان، وهو ما يمثل محفزًا لتمدد الإرهاب في الإقليم، خاصة بعد صراع داعش وطالبان في أفغانستان، والرغبة في انتقال الصراع إلى جبهات جديدة في آسيا الوسطى.

ومن هذا يمكن القول أن تنامي وتيرة انضمام المواطنين الطاجيك إلى تنظيم داعش خراسان يُنذر بالعديد من التداعيات السلبية، سواءً على مستوى ثقل القدرات التنظيمية لداعش خراسان، أو على مستوى تصاعد وتيرة التهديدات الإرهابية في المنطقة الآسيوية، فضلاً عن تهديدات أخرى مرتبطة باحتمالية توسع أنشطة التنظيم على المستوى الدولي عبر استراتيجية داعش المفضلة؛ المجموعات الصغيرة والذئاب المنفردة، ولعل المؤشر الأخطر أن مذبحة كروكوس ألقت بظلالها على المجتمع الطاجيكي بأكمله في روسيا، الأمر الذي أثار عداءً كبيراً تجاههم، ومن ثم تهيئة أرض مفتوحة على نحو متزايد لحرب الجميع ضد الجميع.

ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع