
أسفر الهجوم الذي وقع في تدمر يوم السبت الماضي عن مقتل ثلاثة أمريكيين -جنديين اثنين ومترجم مدني- وإصابة ثلاثة أفراد أمريكيين آخرين. وقد أدانت الحكومة السورية العملية باعتبارها “هجومًا إرهابيًا”.
لا يزال أفراد من القوات الأمريكية موجودين اليوم في شمال شرق سوريا، وفي قاعدة التنف قرب الحدود الأردنية، حيث يركزون على احتواء تنظيم داعش، ودعم الشركاء المحليين.
تُعد تدمر -المسجلة على لائحة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1980- من المواقع التاريخية التي سقطت بيد داعش عام 2015 قبل أن تستعيدها قوات الحكومة والتحالف عام 2019. ورغم خسارته السيطرة الميدانية، لا يزال التنظيم يحتفظ بوجود صحراوي، ويشن هجمات متقطعة.
العلاقات الأمريكية- السورية: إدانات وتعازٍ وحساسيات سياسية
صرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أن الرئيس السوري أحمد الشرع عبّر عن أسفه الشديد إزاء هجوم تدمر، رغم تأكيده أن الهجوم وقع خارج المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الانتقالية في سوريا:
ترمب، الذي استضاف الشرع في البيت الأبيض في نوفمبر (تشرين الثاني)، حمّل داعش المسؤولية مباشرة، وتوعّد بالرد. وقد أرسل الشرع برقية تعزية رسمية إلى ترامب، مؤكدًا أنّ سوريا تقف متضامنة مع أسر الضحايا، وأنها ملتزمة بالأمن والاستقرار.
سوريا تعتقل مشتبهين مرتبطين بالهجوم
أفادت وزارة الداخلية السورية بأن منفّذ الهجوم هو عنصر من قوات الأمن الانتقالية يُشتبه في تبنّيه أفكارًا متطرفة. كما أُلقي القبض على خمسة مشتبهين آخرين ذوي صلة محتملة بالهجوم بعد عملية مشتركة بين الاستخبارات السورية والتحالف الدولي.
وقالت الوزارة إن المهاجم خضع قبل أيام لتقييم بشأن توجهات متشددة، وكان ينتظر اتخاذ إجراءات تأديبية داخلية بحقه.
توسيع مكافحة التمرد على مستوى البلاد
أعلنت سوريا أيضًا حملة أمنية شاملة، بالتنسيق مع عمليات جوية وبرية مشتركة مع التحالف، اعتُقل خلالها أكثر من 70 شخصًا يشتبه في ارتباطهم بتنظيم داعش.
وفي بيان آخر، أعلنت وزارة الداخلية تفكيك خلية مسؤولة عن هجمات في إدلب وحلب، من بينها اعتداءات على دوريات الطرق وقوات الدفاع. وقد اعتُقل ثمانية أشخاص مشتبه فيهم، و”حُيِّد” آخرون، مع مصادرة أحزمة ناسفة، وكواتم للصوت، وصواريخ M-DAL وبنادق M4.
وتعهّد المسؤولون بالاستمرار في تأمين الطرقات والمرافق العامة، وإحالة جميع المعتقلين إلى الجهات القضائية.
تغطية الإعلام الأمريكي.. “نيويورك تايمز” و”فوربس” تحذّران من عدم استقرار أعمق
ركز الإعلام الأمريكي على تبعات سياسية أوسع. ورأت صحيفة نيويورك تايمز أن هجوم تدمر يكشف هشاشة حكومة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، ويعقّد علاقاتها مع التحالف الدولي.
وحددت الصحيفة حاجة ملحّة إلى معالجة وضع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)؛ الشريك الرئيس لواشنطن ضد داعش، والمسؤولة عن المخيمات والسجون التي تضم مقاتلي التنظيم.
وقالت الصحيفة إن الانتهاكات الطائفية التي ارتكبها فاعلون مسلحون مرتبطون بالحكومة الانتقالية خلال العام الماضي عرقلت جهود المصالحة، وأضعفت مبادرات الاستقرار.
وخلص المحلل السياسي بسام باراباندي إلى القول:
وحذّرت مجلة “فوربس” من التسرع في دمج قوات قسد (الحليف الأمريكي الراسخ في مواجهة داعش) ضمن الهياكل العسكرية الجديدة من دون ضمانات، ولا سيما بعد مقتل أمريكيين كانوا يعملون جنبًا إلى جنب مع قوات الأمن الداخلية الانتقالية.
وجود داعش قرب منبج ودير الزور
أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بإقامة مسلحين من داعش نقاط تفتيش مؤقتة في ريف حلب ودير الزور. وذكرت التقارير أن مسلحين يرتدون شارات التنظيم فحصوا الهويات بحثًا عن عناصر عسكرية أو أمنية على الطرق الصحراوية.
ووُثّقت نقاط التفتيش قرب العريمة (غرب منبج) وفي الميادين، مع نقطة أخرى على “الطريق الصحراوي الثاني” بعد منتصف الليل.
الصحافة الإقليمية.. اتفاقات مجمّدة وقلق لدى قسد
أبرزت الصحافة العربية تعثر تنفيذ اتفاق 10 مارس (آذار) بين قسد والحكومة الانتقالية.
وذكرت صحيفة الأخبار اللبنانية أن قسد كثّفت اتصالاتها مع زعماء قبليين ومحليين لتعزيز أوراق تفاوضها وسط توترات ميدانية.
وأشارت الصحيفة إلى أن هجوم تدمر يعزز تحذيرات قسد من احتمال وجود متسللين من داعش داخل القوات الانتقالية؛ مما يقوّض الثقة بالحكومة بوصفها شريكًا فعّالًا في مكافحة الإرهاب.
ورغم الانتقادات العلنية من مبعوث أمريكي، أكدت مصادر في قسد للصحيفة أن جزءًا من التحالف الدولي لا يزال ينظر إليهم على أنهم الأداة الأمنية الأكثر فاعلية ضد التنظيم، ويواصل تزويدهم بالدعم العسكري.
مشهد أمني متغيّر
بعد عشر سنوات من اجتياح داعش لسوريا والعراق، يذكّر هجوم تدمر بوضوح أن التنظيم ما زال نشطًا في الصحراء، وأن الخلايا النائمة تستغل حالة الانتقال السياسي.
لا تزال القوات الأمريكية والسورية تفتقر إلى هيكل قيادة موحد، فيما يعود الشريط الحدودي بين العراق وسوريا ليصبح نقطة اشتعال إستراتيجية، ويهدد التشرذم السياسي مكاسب مكافحة الإرهاب.
لقد أصبحت تدمر جرس إنذار: الحرب ضد داعش لم تنتهِ بعد
أثار الهجوم الأخير مخاوف أمنية جدية في العراق المجاور، وأعاد إلى الواجهة التخوف من قدرة التنظيم على استغلال عدم الاستقرار على طول الحدود المشتركة. ويحذر نواب عراقيون ومحللون أمنيون من احتمال انتقال هجمات مماثلة إلى الأراضي العراقية -خصوصًا في المناطق الصحراوية النائية- إذا تراجع مستوى المراقبة أو التنسيق.
وقد مدّد العراق حاجز الأمن المحصّن على حدوده مع سوريا بمسافة إضافية تبلغ 83 كيلومترًا، ما يعكس قلق بغداد المستمر من تداعيات انهيار نظام الأسد. ويصف مسؤولون أمنيون عراقيون مستوى ضبط الحدود اليوم بأنه غير مسبوق منذ عام 2003.
العراق يعزز حدوده الغربية
منذ سقوط حكومة الأسد، اعتمد العراق إستراتيجية هجومية لإغلاق حدوده، ونشر تشكيلات قتالية كبيرة، وتشديد إجراءات مكافحة التسلل.
وقال النائب العراقي علّاوي نيّمة من لجنة الأمن والدفاع البرلمانية إن هناك قلقًا متزايدًا بعد نشاط متجدد لداعش قرب الصحراء السورية:
وشدّد على أن التطورات داخل سوريا لا يمكن فصلها عن الأمن الداخلي للعراق؛ بسبب المساحات الصحراوية الشاسعة، وحركة المسلحين، ودعا إلى توسيع التنسيق الاستخباراتي والعملياتي بين بغداد ودمشق ودول المنطقة والشركاء الدوليين، مؤكدًا أن الإرهابيين يبحثون عن “أي ثغرة أمنية” للعودة إلى العراق.
محللون عسكريون يحذرون من إعادة بناء إستراتيجية لداعش
وصف اللواء العراقي المتقاعد جواد الدهلكي هجوم تدمر بأنه “مؤشر خطير” يدل على استعادة داعش القدرة على إعادة تنظيم خلاياه، وتنفيذ هجمات إستراتيجية متعددة المستويات:
وحثّ على زيادة عمليات الاستطلاع والمراقبة بالطائرات المسيّرة وأجهزة الاستشعار الحديثة، ومتابعة الحركة في عمق الصحراء، وقال إن داعش لطالما استغل التضاريس الوعرة لشن غارات صغيرة، أو استعراض للقوة، وهو ما قد يمهّد لمحاولات إعادة بناء شبكات لوجستية وعملياتية.
وحذّر من أن غياب التعاون الاستخباراتي قد يسمح لداعش بالعودة إلى نموذج التمرد التقليدي.
العراق يعلن مكاسب عملياتية ضد داعش
خلال الأشهر الثلاثة الماضية، تراجعت أنشطة داعش في العراق تراجعًا حادًا، فقد عطّلت الضربات الجوية ممرات الإمداد في محافظات نينوى، وديالى، وكركوك، وصلاح الدين، والأنبار، إضافة إلى المناطق الوعرة بين كركوك والسليمانية، مثل وادي زغيتون، ووادي الشاي، وجبل شيخ يونس، ووادي حوران.
وتقول السلطات العراقية إن ما تبقى من المسلحين “تحت المراقبة”، وإن القوة الجوية تستهدف باستمرار طرق التهريب والمخابئ.
وقد أمر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بمراجعة تكتيكية كاملة، مطالبًا باستخدام أساليب غير تقليدية للحد من حركة الجماعات المسلحة.
أما فيما يتعلق بالرئيس الشرع، فإن الحكم وسط توترات طائفية وتحالفات هشة وتصاعد التمرد قد يحدد ما إذا كانت سوريا ستتجه نحو الاستقرار، أم ستنزلق مجددًا إلى التمرد.
إسرائيل المستفيد الأكبر من عدم الاستقرار في سوريا
لا يُعرف -على وجه الدقة- حجم الارتباط بين وحدات الاستخبارات الإسرائيلية وعناصر من داعش، لكن في غياب معاهدة سلام بين سوريا وإسرائيل تتضمن ترتيبات أمنية، ستظل إسرائيل تستفيد من الفوضى، وانعدام الأمن في سوريا.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير