إستراتيجيات عسكرية

نظرة مختلفة لتصريحات قادة الناتو عن الحرب الشاملة مع روسيا


  • 28 يناير 2024

شارك الموضوع

توطئة

أعادت الحرب الروسية الأوكرانية إلى الساحة الدولية فكرة وتوجس قيام حرب عالمية ثالثة، لا تبقي ولا تذر، وعاد معها العمل على التسلح، وزيادة عدد القوات، والقيام بالمناورات، خاصة من جانب الناتو ودوله، في تحضير مسبق لحرب شاملة مع روسيا، والصين، وكوريا الشمالية.

مظاهر الاستعداد للحرب الشاملة

“مع أن الحلف الدفاعي أكد مرارًا أنه ليس طرفًا مباشرًا في هذه الحرب، فإن مسؤولًا عسكريًّا رفيعًا فيه فجّر قنبلة من العيار الثقيل، تزامنت مع استعداد الناتو لمناورات عسكرية هي الأضخم على الإطلاق، وتحاكي حربًا عالمية ثالثة”.

فكلما اتسع مدى هذه الحرب الروسية الأوكرانية، وطال زمنها، بدأت مظاهر الاستعداد لحرب شاملة مع روسيا تزداد وضوحًا، سواء على مستوى تصريحات قادة الناتو وخططهم، أو من خلال توجههم العام.

ومن مظاهر هذا التوجه وتلكم التصريحات، ما جاء على لسان “روب باور”، رئيس اللجنة العسكرية للحلف، من قوله: “بينما تستعد الجيوش لإمكانية اندلاع الحرب، فإنه يجب على المدنيين العاديين أن يكونوا مستعدين أيضًا للصراع الذي يتطلب تغييرًا شاملًا في حياتهم”.

وقال أيضًا: “علينا أن ندرك أن فكرة كوننا في سلام الآن هي أمر غير مُسَلَم به، ولهذا السبب تستعد قوات الناتو للصراع مع روسيا، ولكن نطاق هذا الاستعداد أوسع من ذلك بكثير، فهو يشمل أيضًا القاعدة الصناعية، والأشخاص العاديين الذين يجب أن يدركوا أنهم يؤدون دورًا في هذا أيضًا”.

“وأشاد رئيس اللجنة العسكرية لحلف شمال الأطلسي بما قامت به السويد؛ إذ طلبت من جميع مواطنيها الاستعداد للحرب قبل انضمام البلاد رسميًّا إلى الحلف، وأدت خطوة استوكهولم، التي أُعلنت في وقت سابق من يناير (كانون الثاني) الجاري، إلى زيادة عدد المتطوعين لمنظمة الدفاع المدني في البلاد، وارتفاع حاد في مبيعات الكشافات، وأجهزة الراديو التي تعمل بالبطاريات”.

ومن كلام رئيس اللجنة العسكرية للحلف يظهر أن الناتو يتجه نحو التصعيد والاستعداد للحرب الثالثة الشاملة، بزيادة عدد الجيوش، ورفع مستوى الصناعة الحربية، وتحضير الشعوب لتغيير نمط عيشها وأسلوب حياتها قصد التأقلم مع الوضع الجديد الذي تفرضه الحرب العالمية الثالثة.

ومن مظاهر هذا الاستعداد للحرب الشاملة المحتملة مع روسيا وحدها، أو مع روسيا والصين وكوريا الشمالية، ما أعلنه من توجه الولايات المتحدة الأمريكية إلى نقل أسلحة نووية إلى بريطانيا.

نظرة في كلام روب باور

لا بد لنا من إطالة النظر مرتين، وإعادة البصر كرتين في تصريحات رئيس اللجنة العسكرية في حلف الناتو، لعلنا نجد في ثنايا كلامه وما ينطوي عليه ما يفهم منه غير الذي نطق به، من أن الناتو وروسيا يقفان على حافة حرب عالمية ثالثة.

 وقبل الرجوع إلى كلامه، لا بد أن نضع قاعدة مهمة أمام أعيننا، نسير وفقها في فهمنا لكلامه، وهي أن الحرب بين القوى النووية، وإن فرضنا على سبيل الجدل لا التسليم أنها لن تبدأ نووية؛ وإنما ستبدأ تقليدية، فإن نهاياتها ستكون نووية، فمهما كان، فإن الطرف الخاسر فيها سيضغط على الزناد النووي، ولهذا فنحن بعيدون عن حرب عالمية ثالثة، ووجود سلاح نووي عند الأطراف المتنازعة يضمن عدم قيام حرب ثالثة.

ولهذا فإن الحرب الشاملة مع روسيا ومن يقف بحانبها ويساندها، لن تحتاج إلى “زيادة عدد الجيوش”، و”رفع مستوى الصناعة الحربية”، وهذا ما يعطي كلام رئيس اللجنة توجيهًا آخر؛ وهو أن الترويج لهذه الحرب المحتملة، الغاية منه الأرباح الاقتصادية الناتجة عنه، من أرباح للمجمع الصناعي العسكري الغربي، والفوائد العائدة على كبار ضباط الجيش وسماسرة الحروب، فلم تكد السويد تعلن رغبة في زيادة عدد المتطوعين حتى حدث “ارتفاع حاد في مبيعات الكشافات، وأجهزة الراديو التي تعمل بالبطاريات”.

كما أن الحرب الروسية الأوكرانية نتج عنها أزمة اقتصادية في الدول الغربية، يصعب الخروج منها، وأدت إلى قلق القاعدة الشعبية وخروجها إلى الشارع؛ مما جعل الحكومات الغربية تحت الضغط؛ ولهذا فإن جزءًا من كلام رئيس اللجنة العسكرية للحلف كان موجهًا إلى الشعوب، وأن عليها التحمل والعمل على تغيير نمط حياتها وأسلوب عيشها؛ لعلة تفرضها  الاستعدادات للحرب الشاملة مع روسيا، وهو الأمر نفسه الذي قامت به السويد.

 فهذا الترويج للحرب الشاملة المحتملة مع روسيا، إنما سببه الحقيقي وعلته الواضحة، امتصاص الغضب الشعبي الحاصل في الدول الغربية نتيجة الأزمة الاقتصادية، ودفع المجمع الصناعي العسكري الغربي للعمل، حتى تستفيد بعض الجهات، من ضباط للجيش، وأصحاب الشركات المختصة في الصناعة العسكرية، من عائدات الحرب المحتملة والأزمة المفتعلة.

استنتاج

الحرب العالمية الثالثة لن تكون حربًا تقليدية، ولن يُرجَأ استعمال الأسلحة النووية فيها؛ وذلك أن كل طرف من أطرافها سيسعى إلى الحصول على الضربة الاستباقية؛ ولهذا فإن ما يصدر عن قادة الناتو من دعوات لزيادة عدد الجنود، ودعوة المجمعات الصناعة العسكرية إلى رفع الإنتاج الحربي، إنما تقف وراءه مصالح اقتصادية يُرجى تحقيقها.

وهذه الدعوات لها هدف آخر؛ هو احتواء القاعدة الشعبية، عن طريق سياسة تصدير الأزمات، ومنع نزولها إلى الميادين.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع