تقدير موقف

نافذة للدبلوماسية في سلطنة عُمان


  • 13 أبريل 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: tabnak

أكثر التحديات التي تواجه بداية المفاوضات بين أي طرفين هي ما يُسمى “العروض الافتتاحية”؛ ففي العروض الافتتاحية تكون “السقوف التفاوضية” في أعلى مستوياتها، فكل طرف يريد في عرضه الافتتاحي الحصول على “كل شيء”، وينكر على الطرف الآخر “أي شيء”، ويكون تجاوز مرحلة العروض الافتتاحية إلى “المساحات المشتركة” نجاحًا كبيرًا للمفاوضين والوسطاء.

وتشكل “العروض الافتتاحية” التي طرحتها الولايات المتحدة وإيران “المعضلة الكبرى” التي سوف تواجه الوفد الأمريكي برئاسة ستيفن ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، والوفد الإيراني برئاسة عباس عراقجي، نائب وزير الخارجية وصاحب الخبرة الطويلة في التفاوض مع الأمريكيين. فالولايات المتحدة تدخل هذه المفاوضات -التي تستضيفها سلطنة السلام “سلطنة عُمان”- وعينها على 3 ملفات رئيسة، وهي:

1- تفكيك البرنامج النووي الإيراني تفكيكًا كاملًا على غرار ما جرى من تفكيك للبرنامج النووي الليبي في ديسمبر (كانون الأول) 2003، وهو ما تراه طهران خطًا أحمر لا يجوز الاقتراب منه، أو التفاوض عليه.

2- وضع حد للبرنامج الصاروخي الإيراني، الذي يضم الآلاف من صواريخ كروز، والصواريخ البالستية، والطائرات المسيرة، التي استخدمتها إيران مرتين في الهجوم المباشر على إسرائيل؛ الأول كان في 13 أبريل (نيسان) 2024، والثاني جرى في الأول من أكتوبر (تشرين الأول).

3- فك الارتباط بين إيران وحلفائها في المنطقة العربية، خاصة في اليمن والعراق ولبنان.

على الجانب الآخر، رفعت طهران سقف مطالبها بالدعوة إلى رفع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون على الاقتصاد والصادرات الإيرانية خلال فترة المفاوضات، اعتمادًا على أن الولايات المتحدة هي التي انسحبت على نحو منفرد عام 2018 من اتفاق (5+1)، وترفض إيران أي حديث عن تفكيك برنامجها النووي السلمي، أو إزالة خطوط إنتاج صواريخها وطائراتها المسيرة، وتنظر إلى علاقتها بحلفائها في المنطقة بوصفها أحد أهم المكتسبات التي حققتها منذ عام 1979.

أمام كل هذه التحديات، بدأ كل طرف يلوح بما لديه من أوراق ضغط وتهديد؛ إذ يصر الرئيس ترمب على أن البديل للاتفاق هو قصف المنشآت النووية الإيرانية، وسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال زيارته الأخيرة لواشنطن إلى”رسم خط أحمر” لإيران، يقوم على تحديد جدول زمني للمفاوضات بين الأمريكيين والإيرانيين؛ حتى لا تستغل طهران الوقت، وتتقدم أكثر في برنامجها النووي وفق الحسابات الإسرائيلية.

بالتزامن مع ذلك، تشير صور الأقمار الصناعية التي نشرتها صحف أمريكية إلى أن إيران بدأت في تسليم حلفائها في العراق صواريخ بقدرات جديدة من حيث المدى ودقة التصويب. وتهدد إيران أيضًا بأنها سوف تحول المنطقة إلى “كتلة من النار” رغم تعهد دول الجوار بأنها لن تكون جزءًا من أي هجوم أمريكي أو إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية. وتصل التهديدات الإيرانية إلى طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية، وعدم الكشف عن أماكن الوقود المخصب وكمياته.

فما آفاق نجاح المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة؟ وهل ينجح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في “تفخيخ المفاوضات” ودفعها إلى طريق مسدود؛ تمهيدًا للخيار العسكري الذي يفضله اليمين الإسرائيلي المتطرف؟ 

الجميع رابحون

لا شك أن التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن ملف طهران النووي سوف يُعد اختراقًا كبيرًا في سبيل ترسيخ السلام والاستقرار في غرب آسيا، وكل منطقة الشرق الأوسط، فالحرب ليست الخيار الأمثل لكل أطراف المعادلة، سواء في الإقليم أو الخارج، ويمكن أن تأخذ أرباح الجميع المسارات التالية:

أولًا- مكاسب إيرانية

سوف تجني إيران مكاسب كبيرة من أي اتفاق، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي؛ فمن شأن التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة أن يسهم في رفع العقوبات الأمريكية والغربية عن إيران. ومع الموارد الاقتصادية الضخمة، يمكن لإيران أن تتغلب على مشكلاتها الاقتصادية في غضون أشهر قليلة في حالة رفع العقوبات، وفتح الطريق أمام الاستثمارات الغربية، خاصة في مجالات النفط والغاز والبتروكيماويات.

وسياسيًّا، سوف تكون الساحة مفتوحة لمزيد من الانخراط الإيراني مع الدول الخليجية وباقي الدول العربية. كما أنها سوف تجني مكاسب كبيرة على المستويين الإقليمي والدولي؛ إذ إن أي اتفاق سينهي عزلة إيران مع الدول الغربية، ويعزز عودتها إلى المحيطين الإقليمي والدولي. وسوف يسهم تحسن الوضع الاقتصادي في تحقيق مزيد من الاستقرار الداخلي، وتفويت أي فرصة على الأطراف الخارجية للتلاعب بالقضايا الداخلية، خاصة التي تتعلق بالاقتصاد الإيراني.

ثانيًا- أرباح أمريكية

نجاح مفاوضات مسقط -التي سوف يديرها صاحب المهارات الدبلوماسية الرفيعة، وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي- سوف يحقق لواشنطن مكاسب تاريخية؛ فالسلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وفي الممرات المائية العالمية، مثل مضيق هرمز، وباب المندب، والبحر الأحمر، سوف يعززان الحضور والانخراط الأمريكي السلمي في المنطقة من خلال زيادة معدلات التعاون مع دول المنطقة، بعيدًا عن التوترات السياسية التي رافقت إقليم الشرق الأوسط منذ عام 1979.

لكن المكسب الإستراتيجي الأكبر الذي يمكن أن تحصل عليه واشنطن هو “تحييد الجبهة الإيرانية” في صراع واشنطن مع الصين؛ إذ تستطيع الولايات المتحدة أن تخفف مسؤولياتها السياسية والأمنية والعسكرية في منطقة الخليج والشرق الأوسط لتعيد التركيز على التنافس الأكبر مع القوة الصاعدة للصين. وحال وقوع مواجهة عسكرية، سيكون نحو 42 ألف جندي أمريكي في إقليم الشرق الأوسط في مرمى المواجهات مع طهران.

أيضًا، لا يمكن لأي طرف أن يضمن نتيجة أي مواجهة عسكرية؛ لأن قرار الدخول في حرب قد يكون في يد البيت الأبيض وتل أبيب، لكن الخروج من الحرب لن يكون كذلك.

ثالثًا- المنطقة العربية

يقع مفاعل بوشهر الإيراني على الخليج العربي على بُعد نحو 50 كم فقط من دول الخليج العربي؛ ولهذا فإن أي استهداف للمفاعلات النووية الإيرانية وتدميرها، وخروج الإشعاع منها على نحو غير محسوب، يمكن أن يشكل أضرارًا كارثية على الشعوب والدول الخليجية، ويمكن أن يمتد أثره إلى كل الدول العربية الأخرى. والمعروف أنه لا توجد حدود برية مشتركة بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة؛ ولهذا فإن أي مواجهة عسكرية سوف تؤثر سلبًا في الأمن القومي العربي.

فالبديل عن الاتفاق الدبلوماسي هو العمل العسكري بين إيران من جانب، والولايات المتحدة وإسرائيل من جانب آخر، وسوف يكون لهذا العمل أضرار لا تُحصى على دول المنطقة؛ لأنه عمليًّا سوف تكون المعركة على الأراضي العربية، أو بالقرب منها، أو في الممرات الملاحية التي تمر منها تجارة النفط، وحركة السلع بين الشرق والغرب.

محفزات النجاح

1- لا للقنبلة النووية

هناك أرضية مشتركة يمكن البناء عليها في الجولة الأولى من المفاوضات، وهي اتفاق الولايات المتحدة وإيران على عدم امتلاك إيران “القنبلة النووية”؛ فبمُوجب فتوى صريحة من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، فإن امتلاك القنبلة النووية “حرام شرعًا”، وسبق للمرشد أن أوقف البرنامج النووي العسكري منذ عام 2003. فإيران تعلن -ليل نهارـ أنها لا تنوي امتلاك القنبلة النووية، وآخر تحديث لرئيسة المخابرات الوطنية الأمريكية تولسي جابرد قالت فيه إن إيران لا تنوي تصنيع قنبلة نووية، مع أن إيران رفعت بالفعل مستوى تخصيب اليورانيوم من 3.7%، الذي نص عليه الاتفاق النووي عام 2015، إلى نحو 60%، لكن مع ذلك، لا تزال طهران بعيدة عن مستوى التخصيب المطلوب لتصنيع القنبلة النووية، وهو التخصيب إلى نسبة 90%.

2ـ ضمانات من الكونغرس 

أدى انسحاب الرئيس ترمب من الاتفاق النووي مع إيران، في 8 مايو (أيّار) 2018، إلى عدم ثقة وشك كبير من جانب الإيرانيين في تنفيذ الرئيس الأمريكي لأي اتفاق جديد؛ ولهذا تشترط طهران أن تكون هناك ضمانات من الكونغرس الأمريكي لأي اتفاق مع إيران، وهذا لم يعد مستحيلًا في ظل تمتع الرئيس ترمب بالأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، كما أن هناك عددًا كبيرًا من الديمقراطيين لا يمانعون في التصويت لصالح أي اتفاق مع إيران، وهي مساحة جديدة لم تكن موجودة في ظل إدارة جو بايدن السابقة.

 3 سيناريوهات

في ظل التحديات والفرص المتاحة أمام مفاوضات مسقط، يمكن توقع 3 سيناريوهات، وهي:

الأول- اتفاق مؤقت

ويقوم على تحجيم البرنامج النووي الإيراني، وتشديد الرقابة على المنشآت النووية الإيرانية من جانب الوكالة الدولية للطاقة النووية، مع وضع إطار زمني لهذا الاتفاق كما كان في اتفاق 2015 بنحو 10 أو 15 عامًا، يقابله تخفيف جزئي للعقوبات الاقتصادية الأمريكية والغربية على إيران، بما ينزع المخاوف الغربية التي تقول إن مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60% يمكن أن يتسارع بقوة إلى 90%، ويجعل إيران قريبة من صنع قنبلة نووية،

على أن تُترك الملفات الأخرى، مثل البرامج الصاروخية، وعلاقة إيران بحلفائها في المنطقة، إلى مرحلة لاحقة، ويمكن التوصل إلى هذا الاتفاق المؤقت أو الجزئي لتجنب الحرب، واستجابةً للإطار الزمني الذي رسمه الرئيس ترمب للمفاوضات، وهو شهران فقط

الثاني- السيناريو الليبي

ويعني الاستجابة لكل ما تريده إسرائيل والولايات المتحدة بتفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل، وإغلاق خطوط إنتاجها من الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب، وتخلي طهران عن حلفائها الإقليميين في اليمن والعراق ولبنان. ويبدو تحقيق هذا السيناريو صعبًا جدًّا في غضون شهرين فقط.

الثالث- صراع مسلح 

ويقوم على فشل مفاوضات مسقط، وفشل الاتفاق على أرضية يمكن العمل عليها خلال الشهرين المقبلين، بما يدفع نحو صدام عسكري في ظل الحشد العسكري الأمريكي بنقل حاملات الطائرات التي تحمل طائرات “إف-35” من شرق آسيا إلى الشرق الأوسط، ونقل منظومة الدفاع الصاروخية “باتريوت” من كوريا الجنوبية إلى المنطقة المحيطة بإيران، فضلًا عن إرسال نحو ثلث القاذفات الإستراتيجية الأمريكية لقاعدة دييجو غارسيا في المحيط الهندي.

خاتمة 

المؤكد أن الدبلوماسية والحلول السياسية كانت دائمًا هي الخيار الأفضل لحل الصراعات والنزاعات بين الدول؛ لأن البديل عن فشل الدبلوماسية هو الخراب والدمار. وبناءً على المكان والمكانة اللذين تحظى بهما سلطنة عُمان لدى الولايات المتحدة وإيران، فإن هناك ثقة كبيرة في نجاح وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي في إنجاح المفاوضات، حتى تعود المنطقة من جديد إلى السلام والاستقرار، والتركيز على التنمية والرفاهية والازدهار.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع