تقدير موقف

مَن الخليفة المنتظر لفلاديمير بوتين؟


  • 24 يونيو 2024

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: runews24

لطالما كانت مسألة نقل السلطة من زعيم دولة إلى شخص آخر محل اهتمام كبير لعلماء السياسة. منذ ما يقرب من عام، تتصاعد هذه المناقشات عن التغيير المحتمل لرئيس الدولة، على نحو دوري تقريبًا. وفي روسيا الحديثة، نوقش هذا الأمر لأول مرة على مستوى واسع في عام 2007، عندما أثيرت تكهنات عمن سيشغل المنصب الرئاسي المقبل. بحلول صيف عام 2007، أصبح من الواضح أن المنافسة الرئيسة سوف تدور حول شخصين: النائب الأول لرئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف، ووزير الدفاع سيرغي إيفانوف. مع أن فلاديمير بوتين نفسه نفى حتى اللحظة الأخيرة مفهوم “الخليفة” عندما تحدث عن المرشحين للرئاسة، فإنه في اللحظة الأخيرة تحدث علنًا عن دعمه لديمتري ميدفيديف. أدى هذا القرار إلى خيبة أمل قوية لسيرغي إيفانوف، الذي كان يعتبر مسألة فوزه في الانتخابات أمرًا محسومًا.

من الضروري هنا إجراء استطراد صغير، وشرح سبب اختيار بوتين لميدفيديف. في الواقع، غباء سيرغي إيفانوف هو ما دفع بوتين إلى هذا القرار، وذلك حين استجاب بتفاؤل لاقتراح الهند بشأن أمر بناء عدة سفن حربية، لكن الحقيقة هي أن أحواض بناء السفن التي كان من المقرر قيامها بهذه المهمة لم تكن لديها القدرة اللازمة. وفي اجتماع مع رئيس الدولة ورئيس مؤسسة بناء السفن، اقترح إيفانوف الحلول التي لا يمكن تنفيذها في الممارسة العملية؛ ولهذا السبب، خلص فلاديمير بوتين إلى أن الشخص الذي لا يستطيع فهم هذه التفاصيل الدقيقة التي يمكن إثباتها بسهولة من جانب الخبراء، وفي الوقت نفسه لا يعترف بالخطأ، وبدلًا من ذلك يقفز نحو حلول غير واقعية وغريبة جدًّا، لا يمكنه إدارة الدولة.

في وقت لاحق، عندما بقي نحو عام قبل الانتخابات المقبلة، شعر علماء السياسة أيضًا بإغراء التحدث عن رئيس جديد محتمل للدولة. حدث ذلك أيضًا قبل انتخابات 2012، وقبل انتخابات 2018، لكن بعد إدخال تعديلات على الدستور عام 2020، عندما حدث ما يسمى بـ”إعادة ضبط” الفترات الرئاسية، لم يشك أحد في احتفاظ فلاديمير بوتين بالسلطة العليا، لكن بعد انتخابات 2024، برز سؤال طبيعي: ماذا سيحدث في 2030؟

هناك رأي مفاده أن أليكسي ديومين قد يتولى منصب رئيس الدولة. وفي عام 2017، اعتُبر بالفعل خليفة محتملًا، مع أن هذه الفرضية كانت في ذلك الوقت محصورة على مستوى الشائعات الشعبية.

خدم أليكسي ديومين، المساعد الشخصي لفلاديمير بوتين، في جهاز الأمن التابع لرئيس جهاز الأمن الفيدرالي في روسيا. وفي عام 2014، كان قائدًا لقوات العمليات الخاصة التي اضطلعت بدور رئيس في دعم الاستفتاء في شبه جزيرة القرم، وعودتها إلى روسيا. في الواقع، بفضل العملية المدروسة جيدًا التي قام بها، تم تجنب إراقة الدماء- اضطرت القوات الأوكرانية التي كانت في شبه جزيرة القرم إلى مغادرة شبه الجزيرة. ثم شغل منصب رئيس الأركان العامة للقوات البرية، ونائب وزير الدفاع الروسي. ولكن منذ فبراير (شباط) 2016، كان في الخدمة المدنية، حاكمًا لمنطقة تولا. بعد هذا التعيين تصاعدت التوقعات بأن أليكسي ديومين هو خليفة محتمل لفلاديمير بوتين. ويُزعم أنه انتقل إلى هذا المنصب لاكتساب الخبرة اللازمة في الإدارة المدنية محافظًا، بجانب خدمته مرتين في هيئة رئاسة مجلس الدولة في الاتحاد الروسي.

وفي 29 مايو (أيار) 2024، بموجب مرسوم أصدره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عُينَ أمينًا لمجلس الدولة في الاتحاد الروسي، وهو منصب رفيع جدًّا. وبفضل القرب الشخصي، وثقة الرئيس، وُضع في الدائرة الداخلية. ولا تترك مزاياه العسكرية مجالًا للشك في أن لديه موقفًا واضحًا مناهضًا للغرب، وهو أمر مهم جدًّا في الوضع الحالي للمواجهة الجيوسياسية. ومن الأمور التي تصب في صالحه أيضًا حقيقة أن أليكسي ديومين لا يزال صغيرًا جدًّا بالمقارنة بعمر السياسيين المنافسين، فقد ولد عام 1972. وبحلول الانتخابات الرئاسية الجديدة، سيكون فلاديمير بوتين قد بلغ من العمر 77 عامًا. ومع أن بوتين أصغر من جو بايدن بعشر سنوات، وأصغر من دونالد ترمب بست سنوات، ولياقته البدنية وقدراته العقلية أصبحت الآن في مستوى عالٍ، فإنه لا يزال يتعين على المرء أن يأخذ في الحسبان مسألة الشرعية الدستورية؛ ومن ثم يعتقد بوتين أن أي إصلاحات يجب أن تكون مبررة دستوريًّا. وحتى الآن لا توجد دلائل تشير إلى أن الدستور الروسي سيخضع لتغييرات مرة أخرى، على الأقل فيما يتعلق بفترات ولاية الرئيس وتناوبها.

من هذا المنظور، فإن أليكسي ديومين لديه فرصة حقيقية ليصبح رئيس الدولة القادم. ومع ذلك، بالإضافة إلى هذه المزايا، يجب أن يتمتع بعدة مزايا أخرى، ويتجنب كثيرًا من الأخطاء؛ أولًا: لا ينبغي له أن يرتكب أخطاء مماثلة، كما فعل سيرغي إيفانوف. ثانيًا: يجب عليه إظهار صفات إضافية، منها الصفات الكاريزمية. ثالثًا: يجب أن يكون هناك استقرار نسبي لتعزيز المسار الحالي في روسيا. وبأقصى العبارات تطرفًا، لا ينبغي لنا أن نشهد حربًا عالمية ثالثة، من المؤسف أن شروطها المسبقة تتجلى في التصرفات الاستفزازية التي تقوم بها دول حلف شمال الأطلسي، وخاصة الولايات المتحدة. وبالطبع، لا يمكننا استبعاد بعض الحوادث بمنافسين جدد قد يظهرون على الساحة، ويُصَعَّدون إلى المستويات الأولى من السلطة في روسيا.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع