أعلنت باكستان، في يونيو (حزيران) 2025، موقفًا داعمًا قويًا لإيران في ظل التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، حيث دعا وزير الدفاع الباكستاني، خواجة آصف، إلى وحدة الأمة الإسلامية ضد ما وصفه بـ”العدوان الإسرائيلي”. هذا الموقف، الذي يعكس مزيجًا من الاعتبارات الإستراتيجية والشعبية، يحمل تداعيات كبيرة على الصراع الباكستاني- الهندي؛ نظرًا إلى التحالف الوثيق بين الهند وإسرائيل، كما يؤثر في العلاقات الباكستانية- الأمريكية في ظل التوترات الإقليمية والدولية.
السياق الإستراتيجي لدعم باكستان لإيران
يأتي موقف باكستان المؤيد لإيران في سياق إستراتيجي معقد. إيران، بوصفها جارة غربية لباكستان، تشكل شريكًا اقتصاديًّا وأمنيًّا مهمًّا، رغم فترات التوتر السابقة، مثل الضربات الجوية المتبادلة في يناير (كانون الثاني) 2024 بسبب قضايا الحدود في بلوشستان. ومع ذلك، تعززت العلاقات بين البلدين بعد زيارة الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي إلى إسلام آباد في أبريل (نيسان) 2024، التي ركزت على تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني. دعم باكستان لإيران في مواجهة إسرائيل يعكس أيضًا مخاوف إسلام آباد من أن أي تغيير في النظام الإيراني قد يعزز نفوذ إسرائيل في المنطقة، مما يهدد مصالح باكستان، خاصة في ظل التحالف الإسرائيلي- الهندي المتين.
من منظور داخلي، يحظى الموقف المؤيد لإيران بدعم شعبي واسع في باكستان، حيث ينظر الكثيرون إلى إسرائيل بوصفها خصمًا أيديولوجيًّا. هذا الدعم الشعبي يعزز شرعية الحكومة والجيش في وقت تعاني فيه البلاد تحديات اقتصادية وسياسية، منها أزمات الديون، والاستقطاب السياسي الداخلي؛ ومن ثم يمثل هذا الموقف أداة لتعبئة الرأي العام، وتعزيز صورة المؤسسة العسكرية بوصفها حامية للمصالح الوطنية.
تأثير الموقف في الصراع الباكستاني- الهندي
يفاقم موقف باكستان المؤيد لإيران التوترات مع الهند، التي تربطها علاقات إستراتيجية وثيقة مع إسرائيل. الهند، التي عززت تعاونها العسكري والتكنولوجي مع إسرائيل منذ تسعينيات القرن الماضي، تعدّ إسرائيل موردًا رئيسًا للأسلحة المتطورة، ومنها الطائرات المسيرة، وأنظمة الدفاع الصاروخي. في المقابل، ترى باكستان أن دعمها لإيران يوازن النفوذ الهندي- الإسرائيلي، خاصة في ضوء الصراع المستمر بشأن كشمير.
في مايو (أيار) 2025، تصاعدت التوترات بين الهند وباكستان بعد هجوم إرهابي في كشمير الخاضعة للهند، أسفر عن مقتل 26 شخصًا، واتهمت الهند باكستان بالوقوف وراءه. ردت الهند بضربات عسكرية على أهداف في باكستان، مما أدى إلى تبادل هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ. موقف باكستان المؤيد لإيران يضيف بُعدًا جديدًا لهذا الصراع، حيث قد يُنظر إليه في نيودلهي على أنه محاولة لتشكيل محور إقليمي معادٍ للهند، يضم إيران وباكستان، وربما الصين، التي تدعم باكستان عسكريًّا وسياسيًّا.
من ناحية أخرى، قد يؤدي هذا الموقف إلى تعزيز التعاون بين الهند وإسرائيل، خاصة في مجالات الاستخبارات والتكنولوجيا العسكرية، لمواجهة ما يُنظر إليه على أنه تهديد مشترك من إيران وباكستان. هذا التصعيد قد يزيد احتمالية المواجهات العسكرية المستقبلية بين الهند وباكستان، خاصة في ظل ترسانتيهما النوويتين؛ مما يجعل المنطقة أكثر تقلبًا.
تأثير الموقف في العلاقات الباكستانية- الأمريكية
تُعد العلاقات الباكستانية- الأمريكية معقدة، حيث تعتمد باكستان على الدعم الاقتصادي والعسكري الأمريكي، في حين تحافظ على علاقات وثيقة مع الصين، وتسعى إلى تحسين علاقاتها مع إيران. موقف باكستان المؤيد لإيران يضعها في موقف صعب أمام الولايات المتحدة، التي ترى إيران خصمًا رئيسًا، وتدعم إسرائيل بقوة. الولايات المتحدة، التي توسطت في وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان في مايو (أيار) 2025، قد ترى في موقف باكستان تحديًا لمصالحها الإقليمية؛ مما قد يؤدي إلى تقليص الدعم الاقتصادي أو فرض عقوبات.
ومع ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى باكستان شريكًا في مكافحة الإرهاب وتأمين استقرار أفغانستان، مما يحد قدرتها على الضغط على نحو مفرط على إسلام آباد. باكستان، من جانبها، تسعى إلى تحقيق توازن دقيق، حيث تحافظ على قنوات التواصل مع واشنطن، في حين تعزز علاقاتها مع إيران والصين. هذا التوازن قد يصبح أكثر صعوبة إذا تصاعدت التوترات بين إيران وإسرائيل، مما يضع باكستان أمام خيارات إستراتيجية صعبة.
تقدير الموقف عن التداعيات المحتملة
في المدى القريب، من المرجح أن يعزز موقف باكستان المؤيد لإيران تماسكها الداخلي، حيث يحظى بدعم شعبي واسع، ويعزز صورة الجيش بوصفه حاميًا للمصالح الوطنية. ومع ذلك، فإن هذا الموقف يحمل مخاطر كبيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي؛ فعلى الصعيد الإقليمي، قد يؤدي إلى تصعيد الصراع مع الهند، خاصة إذا استمرت التوترات بشأن كشمير أو إذا تعزز التعاون الهندي- الإسرائيلي. وعلى الصعيد الدولي، قد يؤدي إلى تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة، مما يهدد الدعم الاقتصادي الذي تحتاج إليه باكستان بشدة.
في المدى الطويل، يعتمد نجاح باكستان في إدارة هذا الموقف على قدرتها على تحقيق توازن بين مصالحها الإقليمية والدولية. تعزيز التعاون الاقتصادي مع إيران، مثل مشروعات التجارة الحرة عبر الحدود، قد يساعد على تثبيت العلاقات الثنائية دون استعداء الولايات المتحدة. كما أن الاعتماد على وساطة دول، مثل الصين والسعودية، قد يساعد على تخفيف التوترات مع الهند والولايات المتحدة.
يمثل موقف باكستان المؤيد لإيران في الحرب الإيرانية- الإسرائيلية تحولًا إستراتيجيًّا يعكس حسابات جيوسياسية معقدة؛ ففي حين أنه يعزز التماسك الداخلي، ويقوي العلاقات مع إيران، فإنه يزيد التوترات مع الهند، ويضع العلاقات مع الولايات المتحدة تحت الضغط. تداعيات هذا الموقف تعتمد على قدرة باكستان على إدارة التوازن بين مصالحها الإقليمية والدولية، مع تجنب التصعيد العسكري مع الهند، أو العزلة الدبلوماسية عن الغرب. في النهاية، يبرز هذا الموقف تعقيدات السياسة الخارجية الباكستانية في منطقة مشتعلة بالصراعات.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.