إن أي عمل يؤدي إلى قتل مدنيين، وغير ذلك من الكوارث الإنسانية، يشكل عملًا شريرًا، والولايات المتحدة، بانغماسها المتعمد في الشر، يمكنها أن تعيد تأجيج المشاعر المعادية لأمريكا في الشرق الأوسط، بل ربما تضر نفسها مرة أخرى.
في 18 أكتوبر (تشرين الأول) استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار الذي يدعو إلى وقف إنساني للحرب بين إسرائيل وحماس، للمرة الثانية، في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وكما يظهر على الموقع الرسمي للأمم المتحدة، فإن النص الذي صاغته البرازيل يدعو إلى “هدنة إنسانية للسماح بالوصول الكامل والآمن، ودون عوائق”. وامتنعت روسيا والمملكة المتحدة عن التصويت، وصوتت الصين و12 دولة أخرى من أعضاء مجلس الأمن لصالحه، في حين استخدمت الولايات المتحدة حق النقض، مما أحبط مرة أخرى جهود المجتمع الدولي لإقرار السلام وتعزيزه، وتخفيف الأزمة، وتهدئة الوضع في بلدان الشرق الأوسط. وفي وقت سابق، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد القرار المتعلق بوقف إطلاق النار الإنساني الذي اقترحته روسيا.
إن إصرار الولايات المتحدة على إحباط جميع المحاولات الرامية إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار، في تحدٍّ للإرادة السائدة لدى المجتمع الدولي، يظهر أن واشنطن ستواصل مفاقمة الأزمة الإنسانية في غزة؛ من خلال تمكين إسرائيل من الانتقام بما يتجاوز ما هو ضروري للدفاع عن النفس. تعود الولايات المتحدة- مرة أخرى- إلى ربط نفسها- بشكل وثيق- بإسرائيل، على نحو يتعارض مع إستراتيجيتها المتمثلة في تقليص ارتباطها بالشرق الأوسط، ودفع تطبيع العلاقات الإسرائيلية العربية إلى الأمام.
بعد اندلاع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، قدمت الولايات المتحدة دعمًا شعبيًّا ودبلوماسيًّا وعسكريًّا غير مسبوق لإسرائيل. ففي مواجهة قوات مسلحة غير نظامية مثل حماس، أرسلت الولايات المتحدة حاملتي طائرات، و2200 جندي من مشاة البحرية، وخططت لتزويد إسرائيل بعشرة مليارات دولار، في هيئة مساعدات عسكرية. بالإضافة إلى ذلك، قام وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن، ورئيس القيادة المركزية الجنرال مايكل إريك كوريلا، والرئيس الأمريكي جو بايدن، بزيارة إسرائيل، الواحد تلو الآخر، وهذا أمر نادر الحدوث، بل إنه- على الأقل في الوقت الحالي- يضع الأزمة في أوكرانيا في مرتبة متأخرة.
ومع أن إسرائيل تُعد الحليف الأكبر للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإن حماس ليست وحدها، ولحماس أنصار في اليمن، ولبنان، والعراق، وسوريا، وإيران، على سبيل المثال لا الحصر.
إن الدروس التي تعلمتها الولايات المتحدة قبل 22 عامًا، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، أصبحت الآن في طي النسيان، وترتكب الأخطاء نفسها، فتخلق أعداء في كل مكان، في حين تعمل على تغذية معاداة أمريكا. وقد تلاعبت الولايات المتحدة بتقسيم فلسطين قبل 76 عامًا، ومنذ ذلك الحين حتى عام 1982، باستثناء أزمة السويس، كانت الولايات المتحدة هي الحامي والداعم لبقاء إسرائيل في كل الصراعات.
إن هزائم الدول العربية أمام إسرائيل قد حفزت- بشكل خطير- التطرف، والعنف، والإرهاب في الشرق الأوسط. وقد تصاعدت الكراهية تجاه إسرائيل في نهاية المطاف، وتحولت إلى معاداة أمريكا، ومعاداة للغرب؛ مما جعل الولايات المتحدة العدو الرئيس للقوى المتطرفة في الشرق الأوسط.
إن قضية فلسطين مسألة قانون وعقل، وصوابها وباطلها معروف للجميع. لقد أدى احتلال إسرائيل غير القانوني، الطويل الأمد، لفلسطين، وتعديها المستمر على مساحة العيش فيها، إلى شرور عدة، فضلًا عن آلام دائمة ومفاجئة. إن تشجيع إسرائيل ودعمها في مفاقمة معاناة الفلسطينيين، لن يجر الولايات المتحدة مرة أخرى إلى مستنقع الشرق الأوسط، ويجعلها عدوًّا للقوى المتطرفة فحسب؛ بل سيوقع إسرائيل أيضًا في نهاية المطاف في حلقة مفرغة من العنف، ويجعل من الصعب على إسرائيل كسرها.
المصدر: جريدة غلوبال تايمز الصينية