القضايا الاقتصاديةمقالات المركز

مودي في ناميبيا 2025.. تعزيز الشراكة الهندية- الناميبية


  • 12 يوليو 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: newindianexpress

خلال يوليو (تموز) 2025، قام رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بزيارة رسمية إلى ناميبيا، ضمن جولة دبلوماسية شملت خمس دول هي غانا، وترينيداد وتوباغو، والأرجنتين، والبرازيل، وناميبيا. تُعد هذه الزيارة حدثًا بارزًا في العلاقات الهندية- الناميبية، حيث سعت إلى تعزيز التعاون الثنائي في مجالات متعددة، مع التركيز على التجارة، والتكنولوجيا، والدفاع، والتنمية المستدامة. شهدت الزيارة استقبالًا حافلًا لمودي في ويندهوك، عكسَ الروابط التاريخية والثقافية العميقة بين البلدين.

خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى ناميبيا في 9 يوليو (تموز) 2025، شهدت العلاقات الثنائية بين البلدين تقدمًا ملموسًا من خلال توقيع أربع اتفاقيات رئيسة في حضور مودي والرئيسة الناميبية الدكتورة نيتومبو ناندي- ندايتوا. جاءت هذه الاتفاقيات لتعزز التعاون في مجالات حيوية تشمل ريادة الأعمال، والتعدين، والثقافة، والتنمية المستدامة؛ مما يعكس التزام الدولتين بتعميق شراكتهما الإستراتيجية. تمثل هذه الاتفاقيات خطوة نوعية نحو تحقيق أهداف مشتركة تتمحور حول النمو الاقتصادي، والابتكار، وتعزيز الروابط الثقافية.

تُعد هذه الاتفاقيات خطوة إستراتيجية تعكس رؤية مشتركة لتعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي بين الهند وناميبيا. من خلال التركيز على قطاعات مثل ريادة الأعمال، والتعدين، والثقافة، والتنمية المستدامة، تسعى الدولتان إلى بناء شراكة متينة تخدم مصالحهما المتبادلة. تُظهر هذه الخطوة التزام الهند بدعم تنمية إفريقيا على نحو تعاوني، في حين تعزز مكانة ناميبيا بوصفها شريكًا إستراتيجيًّا في المنطقة. مع تنفيذ هذه الاتفاقيات، يُتوقع أن تشهد العلاقات الثنائية زخمًا متجددًا يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لكلا البلدين.

تعود جذور العلاقات بين الهند وناميبيا إلى فترة النضال ضد الاستعمار في القرن العشرين. كانت الهند، التي نالت استقلالها عام 1947، من أوائل الدول التي دعمت حركات التحرر في إفريقيا، بما في ذلك نضال ناميبيا ضد الحكم الاستعماري الجنوب إفريقي. لقد ألهمت حركة اللا عنف، التي قادها مهاتما غاندي، كثيرًا من القادة الأفارقة، ومنهم أولئك الذين قادوا منظمة شعب جنوب غرب إفريقيا (سوابو)، التي أدت دورًا محوريًّا في تحقيق استقلال ناميبيا عام 1990. كما قدمت الهند دعمًا دبلوماسيًّا ومعنويًّا من خلال منصات دولية، مثل الأمم المتحدة، وحركة عدم الانحياز، حيث أدانت سياسات الفصل العنصري، ودعت إلى منح ناميبيا الحرية. هذا الدعم عزز مكانة الهند بوصفها شريكًا موثوقًا به في نظر الشعب الناميبي، وأرسى أسسًا متينة للعلاقات الثنائية.

بعد استقلال ناميبيا، أقامت الهند علاقات دبلوماسية رسمية معها، وفتحت سفارة في ويندهوك لتعزيز التواصل بين البلدين. على مر السنين، شهدت العلاقات السياسية زخمًا متزايدًا، حيث تبادلت الدولتان زيارات رفيعة المستوى. على سبيل المثال، زار رؤساء ووزراء ومسؤولون هنود ناميبيا لمناقشة سبل تعزيز التعاون، في حين شارك قادة ناميبيون في قمم إفريقيا- الهند التي تنظمها نيودلهي. تتمحور العلاقات السياسية حول دعم القضايا المشتركة، مثل إصلاح الأمم المتحدة، ومكافحة تغير المناخ، والدفاع عن مصالح الدول النامية. كما تشارك الدولتان في عضوية منظمات دولية، مثل الكومنولث، وحركة عدم الانحياز؛ مما يعزز التنسيق بينهما في القضايا العالمية.

تشكل العلاقات الاقتصادية ركيزة أساسية في الشراكة بين الهند وناميبيا. تعتمد ناميبيا اعتمادًا كبيرًا على قطاع التعدين، خاصة استخراج الألماس واليورانيوم، وهو ما يمثل نحو (25%) من إيراداتها. الهند -بصفتها واحدة من أكبر الأسواق العالمية للألماس المصقول- تستورد كميات كبيرة من الألماس الخام من ناميبيا. هذا التعاون في قطاع التعدين لا يقتصر على التجارة فحسب؛ بل يمتد إلى الاستثمارات، حيث تسعى الشركات الهندية إلى تطوير البنية التحتية للتعدين في ناميبيا. بالإضافة إلى ذلك، تشهد التجارة الثنائية نموًّا مطردًا، حيث تصدر الهند إلى ناميبيا منتجات متنوعة مثل الأدوية، الآلات، والمنتجات الزراعية، في حين تستورد منها المعادن والمنتجات الخام.

القطاع الزراعي هو مجال آخر للتعاون، حيث تواجه ناميبيا تحديات مثل الجفاف ومحدودية الأراضي الصالحة للزراعة. تقدم الهند خبراتها في مجال الزراعة المستدامة وتكنولوجيا الري لدعم ناميبيا في تحقيق الأمن الغذائي. على سبيل المثال، تقدم الهند برامج تدريبية للمزارعين الناميبيين من خلال مبادرات مثل التعاون الفني والاقتصادي الهندي (ITEC)، التي تتيح للكوادر الناميبية اكتساب مهارات متقدمة في الزراعة والتكنولوجيا.

يضطلع التعليم بدور حيوي في تعزيز العلاقات بين البلدين. تقدم الهند منحًا دراسية للطلاب الناميبيين للدراسة في جامعاتها المرموقة؛ مما يسهم في بناء جيل من المحترفين الذين يسهمون في تنمية ناميبيا. كما تدعم الهند تطوير التكنولوجيا في ناميبيا من خلال مشروعات، مثل مراكز التدريب التقني، ومبادرات التحول الرقمي. على سبيل المثال، أسهمت الشركات الهندية في إنشاء شبكات اتصالات وتكنولوجيا معلومات في ناميبيا؛ مما يعزز الربط الرقمي في البلاد.

على الرغم من الإمكانات الكبيرة، تواجه العلاقات الهندية- الناميبية تحديات كثيرة؛ أولًا: يظل حجم التجارة الثنائية محدودًا مقارنة بالإمكانات الاقتصادية لكلا البلدين. يُعزى ذلك -جزئيًّا- إلى البعد الجغرافي، وارتفاع تكاليف النقل. ثانيًا: تعاني ناميبيا تحديات اقتصادية داخلية، مثل ارتفاع معدلات البطالة والفقر؛ مما يحدّ قدرتها على استيعاب استثمارات أجنبية كبيرة. ثالثًا: تواجه الهند منافسة من قوى دولية أخرى، مثل الصين، التي تستثمر بكثافة في قطاعات التعدين والبنية التحتية في ناميبيا. هذه المنافسة تتطلب من الهند تبني إستراتيجيات مبتكرة لتعزيز وجودها الاقتصادي.

تتيح التطورات الأخيرة فرصًا واعدة لتعزيز العلاقات بين الهند وناميبيا. على سبيل المثال، يمكن للهند الاستفادة من طموحات ناميبيا في تطوير قطاع الطاقة المتجددة، خاصة مشروع الهيدروجين الأخضر، الذي يُعد الأكبر من نوعه في إفريقيا. تمتلك الهند خبرة كبيرة في مجال الطاقة الشمسية والهيدروجين؛ مما يجعلها شريكًا مثاليًّا لهذا المشروع. كما يمكن تعزيز التعاون في مجال الصحة، حيث تُعد الهند مصدرًا رئيسًا للأدوية بأسعار معقولة، وهو ما يمكن أن يساعد ناميبيا على تحسين خدماتها الصحية. وعلى الصعيد الثقافي، يمكن للهند تعزيز التبادل الثقافي من خلال فعاليات مثل مهرجانات الأفلام الهندية، أو برامج التبادل الطلابي؛ مما يعزز التفاهم المتبادل بين الشعبين. كما أن عضوية ناميبيا في مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي (SADC) توفر للهند فرصة لتوسيع نفوذها في المنطقة من خلال الشراكة مع ناميبيا.

تمثل العلاقات الهندية- الناميبية نموذجًا للتعاون بين دولتين تجمع بينهما قيم مشتركة، وتطلعات لتحقيق التنمية المستدامة. من النضال المشترك ضد الاستعمار إلى الشراكة الاقتصادية الواعدة، نجحت الهند وناميبيا في بناء علاقة متينة قائمة على الثقة والاحترام. ورغم التحديات، فإن الفرص المتاحة، خاصة في مجالات التعدين، والطاقة المتجددة، والتعليم، تجعل هذه الشراكة واحدة من أكثر العلاقات الثنائية ديناميكية في إفريقيا. مع استمرار التعاون وتكثيف الجهود لتجاوز العوائق، يبدو المستقبل مشرقًا لهذه العلاقة التي تجمع بين قوتين صاعدتين في عالم متغير.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع