وفّرت الدبلوماسية المباشرة بين رئيسي الدولتين توجيهًا حاسمًا لمسار تطور العلاقات الصينية- الأمريكية، فقد مكنت المحادثة الهاتفية بين الرئيس شي جين بينغ ونظيره الأمريكي، في الخامس من يونيو (حزيران)، البلدين من الحفاظ على علاقاتهما التجارية في المسار الصحيح، من خلال المحادثات التي جرت في لندن، إلى جانب جهود أخرى.
وقد التزمت الصين -بأمانة- بتنفيذ ما يخصها من مخرجات الإطار المتفق عليه خلال محادثات لندن، وهو ما أسّس لقاعدة متينة لمحادثاتهما المرتقبة في ستوكهولم، التي تنعقد بين الأحد والأربعاء.
ومع ذلك، ينبغي التعامل مع التفاؤل بحذر؛ فبعد التقدم الأولي الذي تحقق في مفاوضاتهما في جنيف ولندن، يُرجَّح أن تواجه المحادثات في العاصمة السويدية بعض الملفات الشائكة، فضلًا عن أن الولايات المتحدة قد هددت بفرض ما يسمى “العقوبات الثانوية” على اقتصادات تتعامل تجاريًّا مع روسيا، مستندة إلى أزمة أوكرانيا. كما تدّعي واشنطن أنها أبرمت اتفاقيات مع بعض الاقتصادات تتضمن -حسبما ورد- بنودًا تستهدف الصين، في محاولة واضحة لتمكين نفسها من أوراق تفاوضية إضافية في محادثاتها التجارية المقبلة مع بكين.
قد لا يكون من الممكن تجنب هذه القضايا في محادثات ستوكهولم، لكنها لا ينبغي أن تمثل عوائق لا يمكن تجاوزها إذا ما أراد الطرفان المضي قدمًا نحو الهدف المشترك المتمثل في تصحيح علاقاتهما الاقتصادية والتجارية.
ولتهيئة الظروف اللازمة لضمان بقاء المحادثات المقبلة مركزة على الحلول، ينبغي لفريقي التفاوض تنفيذ التفاهم المشترك الذي توصل إليه الزعيمان، وهو أمر ضروري لضمان أن تتركز النقاشات على القضايا الجوهرية في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.
كما أشار الرئيس شي في محادثاته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الشهر الماضي، فإن ضمان سلاسة العلاقات الصينية- الأمريكية يتطلب -على نحو خاص، أن يتجنب الطرفان كل ما من شأنه التسبب في اضطرابات وتشويش.
ونظرًا إلى أن البلدين قد أحرزا بعض التقدم في محادثاتهما السابقة، ينبغي لهما مواصلة الاستفادة من آلية التشاور الاقتصادي والتجاري القائمة بالفعل، والسعي إلى تحقيق نتائج مربحة للطرفين بروح من المساواة واحترام شواغل كل طرف، كما اتفق الزعيمان.
لطالما ركزت الصين على أداء مهامها الداخلية بكفاءة، في سعيها نحو تنمية عالية الجودة، وانفتاح بمعايير رفيعة، ونمو قائم على الابتكار.
ويخلق هذا بدوره فرصًا جديدة للشركات والمستثمرين الأجانب، بما في ذلك الشركات الأمريكية، فقد أشار تقرير حديث لمجلس الأعمال الأمريكي- الصيني إلى أن 82% من الشركات الأمريكية في الصين قد أبلغت عن تحقيق أرباح خلال العام الماضي، وهو ما يبرز المصالح المشتركة والإمكانات الكبيرة للتعاون القائم بين البلدين.
كما أن ارتفاع إجمالي الواردات والصادرات السلعية في الصين -محسوبة باليوان- إلى 21.79 تريليون يوان (ما يعادل 3.05 تريليون دولار أمريكي) في النصف الأول من عام 2025، بزيادة قدرها 2.9% على أساس سنوي، رغم الركود العام في التجارة العالمية، يبيّن بوضوح أن الصين تعزز قدرتها على مقاومة رياح الحماية الاقتصادية والنزعة الأحادية.
لذا، وفي إطار إعادة ضبط العلاقات التجارية الثنائية، ينبغي للجانب الأمريكي أن ينظر إلى تنمية الصين بعين العقل، وأن يدرك الطبيعة التعاونية للعلاقات الثنائية، وعليه أن يلتقي مع الصين في منتصف الطريق خلال المفاوضات باتجاه هذا الهدف.
ومن أجل ذلك، يجب بذل المزيد من الجهود للتحصن ضد الاضطرابات المحتملة التي قد تظهر بين الحين والآخر، للحيلولة دون خروج التعاون المتبادل المنفعة بين البلدين عن مساره.
تُبدي الصين جدية والتزامًا مبدئيًّا في تعاونها مع الولايات المتحدة، وهي دائمًا ما تفي بالتزاماتها وتعهداتها.
ومن أجل المصلحة العامة للعلاقات الصينية- الأمريكية، يتعين على الطرفين الالتزام بالاتفاقيات التي تم التوصل إليها في جنيف ولندن، والمضي قدمًا في الزخم العملي من خلال تعزيز التواصل في مجالات الشؤون الخارجية والاقتصاد والتجارة وتطبيق القانون؛ بهدف ترسيخ التوافق، وتبديد سوء الفهم، وتعزيز التعاون.
المصدر: صحيفة الصين اليومية (China Daily) الصينية