الأمن السيبراني وتكنولوجيا المعلومات

من كوتون إلى بيلوسي.. صعود المكارثية الجديدة في السياسة الأمريكية


  • 17 فبراير 2024

شارك الموضوع

قد تظن أن جلسة الاستماع التي سيعقدها مجلس الشيوخ الأمريكي بشأن “سلامة الأطفال عبر الإنترنت”، ستكون عن حماية الأطفال من التنمر عبر الإنترنت، أو المحتالين، أو المعلومات المضللة. لكنها كانت فرصة للسيناتور توم كوتون لإطلاق العنان لأجندته المناهضة للصين على الرئيس التنفيذي لشركة تيك توك (TikTok) شو زي تشيو.

في الأسبوع الماضي، استجوب كوتون، تشيو بشأن جنسيته، وعلاقاته المحتملة بالحزب الشيوعي الصيني. وكان تشيو، وهو مواطن سنغافوري، يؤكد لكوتون مرارًا وتكرارًا، في عرض واضح لإحباطه، أنه لا علاقة له بالصين، أو حزبها الحاكم، لكن كوتون لم يستمع. لقد كان مظهرًا نموذجيًّا للعنصرية. الطريقة التي اختار بها كوتون معاملة تشيو كانت مختلفة عن أقرانه الأمريكيين، وجعلت كثيرًا من الأمريكيين الآسيويين غير مرتاحين. كان تشيو هو الرئيس التنفيذي الوحيد الذي خضع لهذا التدقيق والشك من بين الخمسة الذين أدلوا بشهاداتهم في جلسة الاستماع، حيث أُعفِيَ الرؤساء التنفيذيون الأمريكيون الأربعة الآخرون من تحقيقات كوتون بشأن جنسيتهم أو انتماءاتهم السياسية، ولم يتم التعامل معهم باعتبارهم تهديدًا محتملًا للأمن القومي الأمريكي، أو الديمقراطية، بل باعتبارهم رجال أعمال أمريكيين يستحقون الاحترام والتقدير لإنجازاتهم. تلقى تشيو معاملة خاصة من السيناتور فقط لأنه كان الوحيد ذا الوجه الآسيوي، وهذا مظهر نموذجي من الغطرسة والجهل.

أظهر سلوك كوتون أيضًا تجاهلًا تامًا لسيادة سنغافورة وهويتها. وصحيح أن نحو (75 %) من السنغافوريين هم من أصل صيني، لكن سنغافورة والصين دولتان مختلفتان، لكل منهما سيادة، والسنغافوريون فخورون بهويتهم الخاصة. إن الافتراض بأن تشيو، أو أي سنغافوري، مواطن صيني، أو عضو في الحزب الشيوعي الصيني، يدل على الافتقار إلى الحس السليم، وعدم الاحترام لتاريخ سنغافورة، وثقافتها، وسياساتها. وقد استخدم الملايين من الأمريكيين الآسيويين والسنغافوريين وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن غضبهم بعد جلسة الاستماع، وأشار الكثيرون إلى أنَّ لدى ولاية أركنساس، موطن كوتون، تاريخًا من العبودية، والفصل العنصري، والعنصرية، وأنه يجب أن يكون أكثر حذرًا بشأن رمي الحجارة من منزله الزجاجي.

إن هذا العرض الرديء الذي يقدمه سيناتور ضيق الأفق، لا ينبغي أن يثير القلق؛ فهو ليس أكثر من مجرد عرض للتسلية يقدمه مهرج. ويعكس استجواب كوتون لتشيو العصر المظلم والخطير للمكارثية في التاريخ الأمريكي. في أثناء جلسة الاستماع السخيفة، استمر كوتون في الضغط على تشيو؛ لأنه لم يصدق أن الشخص ذا الأصل الصيني ليس بيدقًا في بكين. ومن خلال سؤاله عن وجهة نظر تشيو بشأن شينجيانغ، أشار كوتون ضمنًا إلى أن تشيو كان عليه أن يثبت ولاءه للولايات المتحدة من خلال إدانة الصين. السيناتور كوتون رجل عنيد، ولا يدع الحقائق أو المنطق يعوق تحيزه، وهذه هي الحسابات النموذجية لكثير من الساسة الأمريكيين.

لسوء الحظ، كوتون ليس وحده؛ فقد التقطت الكاميرا مؤخرًا رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي وهي تصرخ، بغضب ووقاحة، “عودوا إلى الصين”، في وجه مجموعة من المتظاهرين السلميين المؤيدين للفلسطينيين الذين كانوا يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة، خارج مقر إقامتها، وكان جميع المتظاهرين من مجموعة (Code Pink)، وهي مجموعة ناشطة أمريكية مناهضة للحرب، تتحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان في غزة، وليس لها أي صلة بالصين على الإطلاق. لكن بسبب استيائها من الصين، افترضت بيلوسي أن كل الانتقادات الموجهة إليها يجب أن تكون بدافع من الصين، ويجب أن تدفع الحكومة الصينية الأموال إلى المتظاهرين. ولم تكشف تصريحاتها العنصرية سوى تحيزها ضد الصين، وخوفها من الحقيقة، ولم تهتم بما كان يتوسل إليه مواطنوها الأمريكيون، تمامًا كما لم تكلف نفسها عناء إظهار أي تعاطف مع الشعب الفلسطيني في معاناته ومحنته. إن التحدث باسم الشعب في غزة لن يجلب لها أي مكافآت، لكن مهاجمة الصين ستجلب لها أي مكافآت، فلماذا لا تلعب بورقة الصين؟

لقد عمل كل من كوتون وبيلوسي على تغذية التحيز العنصري والأيديولوجي العميق، والعداء تجاه الصين وشعبها، ولم يتعلما شيئًا من الماضي، ولم يُظهرا شيئًا سوى الازدراء للحاضر، ولم يقدما شيئًا سوى الخوف من المستقبل. إن هجوم كوتون على تيك توك، وانفجار بيلوسي في وجه المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين، فضلًا عن دعمهما للعقوبات والتعريفات الجمركية والتدخلات العسكرية ضد الصين، هو جزء من نمط أكبر من الخطاب والسياسات المناهضة للصين التي اعتمدها الصقور الأمريكيون ضد الصين. وفى السنوات الاخيرة، يلوم هؤلاء الساسة الصين على جائحة كوفيد- 19، والحرب التجارية، وأزمة المناخ، وغير ذلك من المشكلات العالمية، ولا يقدمون شيئًا بناء؛ بل يضعون عددًا لا يحصى من العقبات أمام العلاقات الصينية الأمريكية.

ولكن هل هذا هو ما انتخب الناخبون الأمريكيون أعضاء مجلس الشيوخ ورؤساء مجلس النواب للقيام به؟ ألا ينبغي أن يمثل كوتون وبيلوسي قيم الشعب الأمريكي ومصالحه، وهو الشعب الذي يستحق علاقات سليمة ومستقرة بين الصين والولايات المتحدة، والذي سئم الحرب والعنف، والذي يريد عالمًا أكثر سلامًا وعدالة، تمامًا مثل معظم الناس في العالم؟

الكاتب: شين بينغ (Xin Ping)

المصدر: صحيفة غلوبال تايمز الصينية


شارك الموضوع