مختارات أوراسية

«الملاذ الأخير».. دوافع عملية حماس في قلب إسرائيل ومآلاتها


  • 12 أكتوبر 2023

شارك الموضوع

في الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر، أو “حرب يوم الغفران” كما تسمى إسرائيليًّا، تواجه إسرائيل تهديدًا قديمًا- على ما يبدو- يتمثل في انتفاضة ضخمة ودموية تقوم بها قوى منظمة تنظيمًا جيدًا مناهضة لإسرائيل على أراضيها. إن أحداث الأيام القليلة الماضية لم تُعد القضية الفلسطينية إلى قمة جدول الأعمال الإقليمي فحسب؛ بل أزاحت القضية الأوكرانية مؤقتًا من قائمة المشكلات العالمية الرئيسة.

إن العملية التي قامت بها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والتي تمكنت عبرها- في أقصر وقت ممكن- من اختراق الخطوط الدفاعية لجيش الدفاع الإسرائيلي حول قطاع غزة، والاستيلاء على جزء من البلاد، وقتل وأسر مئات الأشخاص، ومنهم ضباط ومجندون من الجيش الإسرائيلي، رفعت معدلات التوتر إلى أعلى درجاته؛ مما أثار كثيرًا من التكهنات والتلميحات. وفي الوقت نفسه، وحتى الآن، وعلى الرغم من وابل الرسائل الإعلامية المستمر، والوضع المتغير باستمرار، فمن الممكن رؤية الأسباب الرئيسة لما حدث، وتحديد عواقب التصعيد المقبل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

الأسباب الرئيسة لتفجر الصراع

من بين الأسباب الرئيسة لتصعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كثيرًا ما تُذكَر القوى الخارجية، مثل إيران، والولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن هذه التطورات لا تصب في مصلحة إيران، أو الولايات المتحدة. نظرية تحميل طهران مسؤولية التخطيط واتخاذ القرار لا تتناسب- جيدًا- مع حجم ما يحدث، والذي كان من الممكن أن يكون أكبر (هجمات برية من لبنان وسوريا) لو أن القيادة الإيرانية خططت بالفعل، ودفعت حماس نحو تنفيذ هذه العملية، دون خوف من احتمال تورطها بشكل مكشوف. وفي الوقت الحاضر، فإن إيران، بالإضافة إلى الاتهامات المستمرة وغير المواتية لها بالمشاركة في التحضير للهجوم، تخاطر أيضًا بخسارة سيطرة حماس على القطاع، التي كانت منذ فترة طويلة رادعًا لإسرائيل. أما الولايات المتحدة، فمتورطة جدًّا في المسار الأوكراني، وليس من مصلحتها التورط في صراع إضافي.

إن عملية “طوفان الأقصى”، التي أطلقها الجناح العسكري لحركة حماس الفلسطينية ضد إسرائيل، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ترجع إلى ميراث سنوات طويلة من البحث عن صيغة مقبولة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بعدما وصل أخيرًا إلى طريق مسدود.

أولًا: أدى الصراع الطويل على السلطة داخل فلسطين إلى فك الارتباط، وظهور سلطتين بحكم الأمر الواقع، إحداهما في قطاع غزة تحت سيطرة حماس، والثانية في الضفة الغربية بقيادة فتح؛ مما أدى إلى انخفاض كبير في الإمكانات الإجمالية لكلتا السلطتين للتوحد لأجل ميلاد دولة فلسطين المستقلة.

ثانيًا: تغيرت الخلفية الإقليمية للعلاقات الدولية كثيرًا خلال السنوات القليلة الماضية. لقد أصبح العامل الفلسطيني، ببطء، ولكن بثبات، غير مناسب على نحو متزايد لواقع الشرق الأوسط الحديث، وأصبح عبئًا على قدرات السياسة الخارجية للجهات الفاعلة الإقليمية؛ ونتيجة لذلك، في بداية عام 2020، بدأت عملية تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية، وهو ما يعني في جوهره أن القضية الفلسطينية لم تعد شرطًا أساسيًّا لبدء علاقات مباشرة عربية إسرائيلية. ويمكننا أن نذكر أيضًا “اتفاقيات بكين”، عام 2023، التي فتحت فصلًا جديدًا في العلاقات بين إيران والسعودية. وبدأت هذه الدول- بنشاط- بالبحث عن طرق لحل خلافاتها الطويلة الأمد، ومنها الحد من خطاب طهران السلبي تجاه الرياض بسبب تقاربها مع القيادة الإسرائيلية.

ثالثًا: أدى دخول السياسيين اليمينيين المتطرفين إلى مجلس الوزراء الإسرائيلي بعد انتخابات 2022، وتصريحاتهم العدوانية بشأن مستقبل فلسطين دورًا. بعد انتخاب بنيامين نتنياهو بدأ بإجراء إصلاحات قضائية لم تكن تحظى بشعبية كبيرة في البلاد. لقد أثرت الأزمة السياسية الداخلية الحادة على جميع طبقات المجتمع الإسرائيلي. على سبيل المثال، أعرب بعض جنود الاحتياط عن استيائهم، ورفضوا إجراء التدريبات المعتادة؛ احتجاجًا على التغييرات المقترحة.

ربما يكون اجتماع هذه العوامل الثلاثة قد سمح لحماس باتخاذ قرارها بتنفيذ عملية طوفان الأقصى. ويمكن وصف منطق الحركة بأن دافعه “الملاذ الأخير”، في محاولة للتذكير بقوتها، ولوضع القضية الفلسطينية مرة أخرى على قائمة القضايا الرئيسة للعملية السياسية في الشرق الأوسط، وخلق حالة من الاستقطاب الإقليمي والدولي بخصوصها، وإثارة رد فعل حاد من العالم الإسلامي. كل هذا مهم، حتى مع العلم أن العملية من المرجح أن تكون مدمرة لحماس، وقطاع غزة.

ماذا بعد؟

ليس من الممكن حتى الآن وضع تنبؤات طويلة المدى بسبب شدة الأحداث، وتغيرها المستمر، ولكونها تمر بمرحلة أكثر حدة. ومع ذلك، يمكن استخلاص بعض الاستنتاجات عن تطور الأحداث في الشرق الأوسط في المستقبل المنظور.

أعلنت إسرائيل بالفعل أنها تسعى إلى القضاء على حركة حماس تمامًا؛ وعليه، فإن قطاع غزة، وغيره من الأراضي الفلسطينية، يواجه- على الأرجح- أوقاتًا صعبة عصيبة، وأزمة إنسانية قد تؤدي إلى موجة جديدة من نزوج ولجوء في الشرق الأوسط. كل هذا سيجعل- مرة أخرى- قضية السياسة الإسرائيلية تجاه فلسطين، والمسلمين بشكل عام، ذات صلة. تجري بالفعل احتجاجات حاشدة ضد إراقة دماء المدنيين في قطاع غزة، وبدأت الجماعات الإسلامية المتطرفة في جميع أنحاء العالم باستغلال الوضع في قطاع غزة. إن الدول العربية، على الرغم من تصريحاتها الدبلوماسية التقليدية (يجب أن نجلس إلى طاولة المفاوضات، ونوقف العنف!) تدرك أنها لا تستطيع أن تغض الطرف عن مطالب شعوبها، التي ترى- تقليديًّا- إسرائيل عدوًّا، وعملية حماس الأخيرة ورد الفعل الإسرائيلي عليها يعززان هذه الرؤية. سيؤدي كل هذا إلى مزيد من التعقيد في المشهد المعقد أصلًا، ويعطل جميع الخطط الرامية إلى صياغة مبادئ جديدة لنظام العلاقات الدولية في الشرق الأوسط، الذي كان يتحرك بثقة على غرار التطبيع العربي الإسرائيلي.

إن أوقاتًا صعبة جدًّا تنتظر إسرائيل، بغض النظر عن سرعة وفاعلية تصرفات أجهزة استخباراتها وجيش الدفاع الإسرائيلي، الذي كان نائمًا خلال هذه العملية العسكرية الواسعة النطاق. على هذه الخلفية، من الممكن تعزيز المواقف السياسية لقوى اليمين المتطرف في البلاد، وإزالة القيادة الإسرائيلية الحالية. على أي حال، سيتعين على السياسيين والعسكريين الإسرائيليين أن يعيدوا إثبات قوتهم، وهو ما لم يتم التشكيك فيه من قبل، وهذا يرتبط بأخطار كبيرة قد تؤدي إلى دخول إسرائيل في مرحلة طويلة من الأزمات السياسية الداخلية.

على الأرجح، سوف تستغل إيران الوضع، من خلال حزب الله، وستحافظ على مستوى ثابت من التوتر على الحدود الشمالية لإسرائيل. وقد تمتد الاضطرابات إلى الأردن، حيث يشكل الفلسطينيون أغلبية سكانية. كذلك ستكون مكانة المملكة العربية السعودية- أحد القادة الإقليميين الذين راهنوا على تراجع شعبية القضية الفلسطينية- محل شك كبير.

لا تصف هذه التوقعات سوى جزء من كومة التغيرات والتحديات الافتراضية التي قد تواجهها دول الشرق الأوسط في المستقبل القريب جدًا، بعدما فشلت في إيجاد مخرج وحل للقضية الفلسطينية، التي تفاقمت مرة أخرى بسبب تصرفات حماس. ربما كانت هذه هي الفكرة الإستراتيجية الرئيسة لعملية “طوفان الأقصى”، وهي تذكير الجميع بمستقبل فلسطين، على الرغم من النتيجة الكارثية المحتملة لمن قاموا بها.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع