مقالات المركز

معادلة جديدة في شبه الجزيرة الكورية


  • 1 أبريل 2024

شارك الموضوع

رسمت روسيا ملامح “معادلة سياسية جديدة” في شبه الجزيرة الكورية عندما استخدمت حق النقض (الفيتو) يوم 28 مارس (آذار) الجاري ضد مشروع قرار أمريكي- غربي كان يهدف إلى تمديد عمل خبراء لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن ضد كوريا الشمالية، ولم تكتفِ روسيا بهذا؛ بل وجّه فاسيلي نيبينزيا، ممثل روسيا لدى الأمم المتحدة، اتهامات إلى الولايات المتحدة الأمريكية بأنها تقف وراء التوتر وعدم الاستقرار الإقليمي في شبه الجزيرة الكورية.

كلام مندوب روسيا تعبير وترجمة حقيقية لاعتراض كثير من الدول على نظام “العقوبات الفاشل” الذي أسهم في المعاناة الإنسانية التي يعانيها بعض قطاعات الشعب في كوريا الشمالية؛ لأن لجنة العقوبات الأممية على كوريا الشمالية، التي يطلق عليها لجنة “مجموعة الخبراء 1718″، أصبحت أداة أممية في يد واشنطن وحلفائها الغربيين للضغط على الشعب في كوريا الشمالية، مع أن الفلسفة التي انطلقت منها لجنة “1718” كانت تهدف إلى تطبيق العقوبات دون أن تمس بحياة الشعب في كوريا الشمالية، لكن ما حدث بعد ذلك- وفق الرؤية الروسية والصينية- هو عكس الجوهر والمبدأ الذي تأسست عليه مجموعة “1718”، كل هذا دفع روسيا إلى استخدام حق النقض (الفيتو) ضد هذا القرار الذي امتنعت الصين عن التصويت عليه.

لكن المدقق في الموقفين الروسي والصيني خلال الآونة الأخيرة، يتكشف له أن روسيا بالتعاون مع الصين يحرزان تقدمًا كبيرًا في بناء “معادلة جديدة في شبه الجزيرة الكورية”، من خلال تعظيم علاقة موسكو وبيجين مع بيونغ يانغ، ويتجلى ذلك في مشاهد كثيرة، لعل أبرزها الزيارات الأربع للزعيم الكوري الشمالي إلى بيجين منذ عام 2018، وزيارته التاريخية العام الماضي إلى روسيا، والاستقبال الحافل له من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مركز فوستوشني للفضاء في أقصى شرق روسيا في 14 سبتمبر (أيلول) الماضي، فضلًا عن الحضور الروسي والصيني الرفيع لاحتفالات كوريا الشمالية بالذكرى السبعين للهدنة بين الكوريتين، التي احتفلت بها بيونغ يانغ في 27 يوليو (تموز) الماضي.

لكن على الجانب الآخر، تعمل إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن على مزيد من “عسكرة” شبه الجزيرة الكورية، ليس فقط بنشر نحو 29500 جندي أمريكي في كوريا الجنوبية، بل بنشر أسلحة وأنظمة صواريخ باتت مرفوضة، ليس فقط من كوريا الشمالية والصين وروسيا، بل من المواطنين في كوريا الجنوبية نفسها، حيث تظاهر كثير من سكان كوريا الجنوبية ضد نشر واشنطن منظومة الدفاع الصاروخية “ثاد”، كما ترى بيونغ يانغ في المناورات التي تنفذها واشنطن وطوكيو وسيئول استفزازًا دائمًا للجانب الكوري الشمالي الذي أبدى استعداده لإنهاء الصراع، والتوصل إلى اتفاقية سلام عندما التقى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون 3 مرات مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، الأولى كانت في سنغافورة في 10 يونيو (حزيران) 2018، والثانية في هانوي عاصمة فيتنام في فبراير (شباط) 2019، والثالثة كانت في 30 يونيو (حزيران) 2019 في “المنطقة العازلة” بين الكوريتين، فما ملامح “المرحلة الجديدة” التي تنتظر شبه الجزيرة الكورية؟ وما خيارات روسيا والصين والولايات المتحدة لتجنب الصدام شمال غرب المحيط الهادئ؟ وهل هناك فرصة جديدة لصناعة السلام في شبه الجزيرة الكورية التي خاضت حربًا منذ عام 1950 حتى 1953، وفتكت بنحو 5 ملايين شخص من الكوريتين، والولايات المتحدة، والصين، والاتحاد السوفيتي السابق؟

بوادر تحالف روسي كوري شمالي

تقوم الحسابات الروسية على أن موسكو سوف تواصل العمل مع كوريا الشمالية انطلاقًا من المصالح المشتركة، بما يتماشى مع القانون الدولي، وتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة؛ ولهذا تتبنى موسكو سلسلة من المواقف تقوم على مجموعة من الحسابات، منها:

  • تدعو روسيا إلى “الوقف الفوري” للأنشطة العسكرية الخطرة للولايات المتحدة وحلفائها قرب شبه الجزيرة الكورية، وضرورة العودة إلى البحث عن حل سياسي ودبلوماسي للمشكلات القائمة، وهو ما يمكن أن يقود إلى إنهاء “حالة الحرب الحالية” بين الكوريتين، بل يمكن التوصل إلى التطبيع الكامل بين الشعب الكوري في الشمال والجنوب.
  • تفسير موسكو للادعاءات الأمريكية بأن كوريا الشمالية تزود روسيا بالسلاح والذخيرة والطائرات المسيرة إنما هو ادعاء هدفه دفع كوريا الجنوبية إلى تزويد أوكرانيا بالسلاح والذخيرة، لكن التقديرات الروسية تقول إن الدعم الكوري الجنوبي لأوكرانيا أقل بكثير من المطالب الأمريكية.
  • بدوافع إنسانية، وحتى لا يتفاقم تأثير العقوبات على الشعب في كوريا الشمالية، أوقفت روسيا “تجميد بعض الأموال الكورية الشمالية”.
  • استئناف الرحلات الجوية المنتظمة بين كوريا الشمالية وروسيا، فموسكو لا ترى سببًا في استمرار وقف الرحلات بين البلدين.
  • تكثيف وتيرة الزيارات الرفيعة مع كوريا الشمالية لاكتشاف مزيد من “المساحات المشتركة”، و”فرص التعاون الجديدة”؛ ولهذا زار سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، بيونغ يانغ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لتحويل الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في القمة الروسية الكورية الشمالية في 14 سبتمبر (أيلول) الماضي إلى واقع، وكذلك مشاركة وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو في احتفالات كوريا الشمالية بمرور 70 عامًا على “يوم النصر” في يوليو (تموز) 2023، التي تمخض عنها سلسلة من اتفاقيات التعاون التي يستفيد منها البلدان.
  • “الدعم المتبادل” بين روسيا وكوريا الشمالية، فقبل استخدام روسيا حق النقض (الفيتو) في 28 مارس (آذار) الجاري ضد تجديد عمل لجنة العقوبات ضد كوريا، قامت روسيا بسلسلة من الخطوات الأخرى لدعم كوريا الشمالية، ومنها رفض موسكو إدانة مجلس الأمن لإطلاق كوريا الشمالية صواريخ باليستية عابرة للقارات في مايو (أيار) 2022، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، استخدمت موسكو حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار قدمته واشنطن لتعزيز العقوبات على كوريا الشمالية، كما أن موسكو تقدم مساعدات ومعونات غذائية لكوريا الشمالية، خاصة في الأوقات التي يكون فيها أزمات في كوريا الشمالية، وتدعم موسكو بيونغ يانغ عسكريًّا بشكل غير مباشر من خلال المناورات البحرية المشتركة مع الصين لحماية الممرات البحرية القريبة من كوريا الشمالية.

 في المقابل، دعمت كوريا الشمالية روسيا منذ أن بدأت العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) 2024، ورفضت التصويت على قرار في 2 مارس (آذار) 2022 في الجمعية العامة للأمم المتحدة يدين العملية الروسية في أوكرانيا، كما أن الموقف الكوري الشمالي كان واضحًا بالوقوف الكامل إلى جانب الكرملين في أثناء أزمة تمرد قوات فاغنر العام الماضي.

الرؤية الصينية

أرسلت الصين في أثناء سنوات الحرب الكورية نحو 250 ألف صيني للدفاع عن النظام في كوريا الشمالية لمواجهة القوات التي كانت تقودها الولايات المتحدة ودول غربية أخرى مع الجيش الكوري الجنوبي، كما ارتبطت الصين مع كوريا الشمالية باتفاقية “للدعم والمساندة”، فضلًا عن أن حدود كوريا الشمالية مع الصين تصل إلى نحو 1146 كم، وزار الرئيس الصيني شي جين بينغ دولة لكوريا الشمالية يومي 20 و21 يونيو (حزيران) عام 2019، وحاليًا تعتمد العلاقة بين الصين وحليفتها كوريا الشمالية على أكثر من مسار، منها:

  • “كسر لحلقة النار”.. ترى الصين في علاقتها مع كوريا الشمالي جزءًا من رؤيتها وردها على السياسة الأمريكية التي تسعى إلى فرض “حلقة من النار والعداء الإقليمي” ضد الصين، وفي ظل الخلافات الصينية مع كوريا الجنوبية واليابان والفلبين وفيتنام وأستراليا والهند، تظل العلاقة بين الصين وكوريا الشمالية في غاية الفاعلية للرد على الخطوات الأمريكية العدائية بحق بيجين.
  • “زعزعة الاستقرار الإقليمي”، فلا يخلو الخطاب الرسمي والإعلامي الصيني من اتهام واشنطن بأنها وراء “زعزعة الاستقرار الإقليمي” من خلال استفزازاتها لكوريا الشمالية، وإرسال الأسلحة النووية إلى كوريا الجنوبية، ويقوم الموقف الصيني على ضرورة تعزيز الدبلوماسية والحوار من أجل حل الصراع في شبه الجزيرة الكورية.
  • الشريك التجاري الأول، فالصين هي الشريك التجاري الأول لكوريا الشمالية، بعد أن وصل حجم حجم صادرات الصين إلى كوريا الشمالية في مايو (أيار) ٢٠٢٣ إلى نحو ١٦٦ مليون دولار، والواردات نحو ٢٣.٩ مليون دولار.
  • تدريب وتسليح.. فالصين تدعم مبدأ الانفتاح الروسي الصيني على كوريا الشمالية لتخفيف الضغط على الشعب الكوري الشمالي، ويأخذ هذا الدعم أشكالًا أخرى بخلاف الدعم الاقتصادي، مثل التدريب والتسليح، وتبادل المعلومات، وتعميق الانفتاح بين بكين وبيونغ يانغ، بالإضافة إلى تخفيف القيود الحدودية.
  • “عنصر فاعل في الإستراتيجية الإقليمية ضد واشنطن”.. تنظر الصين إلى كوريا الشمالية بوصفها “عنصرًا فاعلًا في الإستراتيجية الإقليمية” لمقاومة النفوذ والتدخل الأمريكي في كوريا الشمالية وشمال شرق آسيا، كما ترى بيجين أن حماية كوريا الشمالية من أي هجوم غربي جزء من إستراتيجيتها الوطنية وأمنها القومي ورؤيتها لسياسة “الصين الواحدة”، وكثيرًا ما يتحدث الصينيون على أن صمود كوريا الشمالية هو صمود للرؤية الصينية بشأن كل ما يجري في شرق آسيا، وشمال غرب المحيط الهادئ.
  • عالم متعدد الأقطاب.. تعتقد الرؤية الصينية أن التقارب الروسي الصيني مع كوريا الشمالية يعجل بعالم “متعدد الأقطاب”، وينهي سريعًا عالم القطب الواحد، وما يسمى “بالنظام القائم على القواعد”، وهي القواعد الجيوسياسية والاقتصادية الموروثة منذ الحرب العالمية الثانية.
  • “عام الصداقة الصيني الكوري الشمالي”.. يعد تخصيص الصين وكوريا الشمالية عام 2024 “عامًا للصداقة الصينية الكورية الشمالية”، رسالة صينية إلى الولايات المتحدة وأعداء كوريا الشمالية في شرق آسيا بأن بيجين لا يمكن أن تتخلى عن حليفتها كوريا الشمالية، ولهذا كتب الرئيس الصيني شي جين بينغ في بداية العام الجاري إلى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون قائلًا إنه “مستعد لتعزيز التعاون وتعميق الثقة الإستراتيجية المتبادلة مع كوريا الشمالية”.

مقاربة أمريكية وغربية رسلت

مقاربة أمريكية وغربية

دائمًا ما تنتقد الولايات المتحدة أي تقارب بين كوريا الشمالية من جانب، والصين وروسيا من جانب أخرى، وخالفت إدارة الرئيس جو بايدن التوقعات منذ وصولها إلى البيت الأبيض في 20 يناير (كانون الثاني) 2021، حيث توقع الكثيرون أن تبني الإدارة الديمقراطية الجديدة على ما تحقق في القمم الأمريكية الكورية الشمالية الثلاث، لكن فوجئ الجميع بأن إدارة الرئيس جو بايدن تتنصل من كل الأجواء الإيجابية التي أحاطت بالقمم الثلاث التي جمعت المرشح الجمهوري الحالي دونالد ترمب مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، وظلت إدارة جو بايدن تدفع نحو “توتر جيوسياسي” غير مسبوق عبر سلسلة من الخطوات، كان في مقدمتها رعاية الولايات المتحدة للتقارب الياباني الكوري الجنوبي بهدف وحيد هو ضمان فاعلية أكبر ضد كوريا الشمالية، بالإضافة إلى سلسلة من الخطوات التي استفزت كوريا الشمالية، ومنها:

  • “نزع السلاح دون ضمانات”، فالولايات المتحدة تدعو إلى إخلاء كوريا الشمالية من كل أسلحة الدمار الشامل، وخاصة الأسلحة النووية، بالإضافة إلى ضرورة تخلص كوريا الشمالية من برنامجها الصاروخي، لكن دون أي ضمانات للحفاظ على أمن كوريا الشمالية وسلامتها، وهو أمر غير مسبوق في مجال حل النزاعات الدولية، فواشنطن تريد من بيونغ يانغ التوقيع على “اتفاقية استسلام”، وليس “اتفاقية سلام” كما يقول الكوريون الشماليون.
  • “الردع الموسع”، فالولايات المتحدة تهدد كوريا الشمالية- ليل نهار- بأنها سوف “تسقط نظامها السياسي” إذا ما قررت بيونغ يانغ استخدام الأسلحة النووية ضد الولايات المتحدة أو حلفائها في المنطقة، وهما كوريا الجنوبية واليابان.
  • “الرسائل الخشنة”.. اعتادت إدارة الرئيس جو بايدن أن ترسل مجموعة من “الرسائل الخشنة” إلى كوريا الشمالية ردًا على إطلاق بيونغ يانغ أي صواريخ في بحر اليابان، أو في البحر الأصفر، ومنها على سبيل المثال إرسال أكبر غواصة نووية أمريكية إلى ميناء بوسان الكوري الجنوبي في 18 يونيو (حزيران) 2023، وهي الغواصة “يو أس أس ميشيغان”، المسلحة بصواريخ “توماهوك”، كما أرسلت واشنطن من قبل الغواصة النووية “أوهايو” قرب المياه الإقليمية لكوريا الشمالية.
  • “نهج الحرب”، فالولايات المتحدة، خلال السنوات الثلاث الماضية، ظلت تبني “نهجًا متصاعدًا” في المنطقة من خلال تسليح كوريا الجنوبية واليابان بأسلحة متقدمة جدًّا قد تتجاوز فكرة الدفاع عن النفس، وهو ما فرض على سيئول وطوكيو إنفاق مزيد من الأموال لشراء الأسلحة الأمريكية.
  • “استحضار الناتو”، فجزء من الإستراتيجة الأمريكية في شبه الجزيرة الكورية هو استحضار حلف دول شمال الأطلسي (الناتو) عبر المكتب الجديد الذي افتُتح العام الماضي في اليابان، والذي تنظر إليه بيونغ يانغ على أنه يهدف إلى تشكيل “ناتو آسيوي” ضد كل من كوريا الشمالية والصين.

معادلة للسلام

خلال عامي 2018 و2019، كان العالم قريبًا من إنهاء حالة الحرب بين الكوريتين عندما كان الرئيس دونالد ترمب في البيت الأبيض، وهو ما يدعو إلى التساؤل: هل إذا عاد دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في 20 يناير (كانون الثاني) القادم سوف تعود رياح السلام من جديد إلى شبه الجزيرة الكورية؟

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع