تقدير موقف

مستقبل النظام السياسي الإيراني ما بعد خامنئي


  • 27 ديسمبر 2023

شارك الموضوع

توطئة

لا يزال مستقبل النظام الإسلامي في إيران محل تكهنات ومناقشات مستمرة، خاصة مع تزايد الاهتمام بتدهور صحة المرشد الأعلى علي خامنئي. ورغم الجدل الدائر بشدة في الأوساط المحلية والعالمية بشأن مستقبل المنطقة بعد خامنئي، فإنه لا يبدو أن هناك خطة شاملة ومتماسكة للتعامل مع المشهد الإيراني في حال رحيل خامنئي. وفي حين تراقب أجهزة الاستخبارات الأمريكية والأوروبية الصراع على السلطة في طهران، يظل الاختبار الأكبر أمامها هو ما إذا كانت لديها القدرة على إعداد خطة طوارئ لرفع مستوى شخصيات سياسية مختارة في طهران في حقبة ما بعد خامنئي أم لا؟ حيث تمر الدولة الإيرانية بمرحلة حاسمة، قد تكون الأهم منذ عام 1979؛ ما يستوجب ترتيبات للمشهد السياسي الإيراني بعده، وضرورة استشراف سيناريوهات كثيرة لخلافته، ولن تنحصر التغييرات في رأس السلطة في إيران، بل ربما تمتد لتشمل الجوانب الدينية، والاجتماعية، والاقتصادية في المجتمع الإيراني.

يطرح الوقوف على طبيعة النظام السياسي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية  ومستقبله بعد خامنئي، عددًا من التساؤلات، منها: هل ستتفق فصائل النظام المختلفة على اختيار خليفة خامنئي ودعمه فور وصوله إلى السلطة؟ وهل هناك إمكانية لأن تتبنى إيران اتجاهًا جديدًا للسياسة الخارجية في ظل زعيم جديد؟ وكيف يمكن التعامل مع احتمال تحول سياسات النظام الإيراني بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة؟ وكيف يمكن النظر إلى سيناريوهات الخلافة المختلفة، ومنها احتمال حدوث فراغ في السلطة في طهران؟

آفاق الانتخابات الإيرانية لعام 2024

تدرك طهران أن شرعية النظام قد تراجعت بشدة، خاصة منذ القمع الوحشي للمظاهرات في جميع أنحاء البلاد، التي أثارتها وفاة “مهسا أميني” في أثناء احتجازها لدى الشرطة عام 2022، وتريد الحكومة تجنب أي بؤر توتر قد تدفع الإيرانيين إلى النزول إلى الشوارع مرة أخرى، لكن في الأول من مارس (آذار) المقبل، سيُطلب من الإيرانيين التصويت لانتخاب برلمان جديد للبلاد، مؤلف من 290 مقعدًا، فضلًا عن انتخاب مجلس الخبراء، وهو هيئة تتألف من 88 مقعدًا، ومن المرجح أن تحدد المرشد الأعلى القادم بعد وفاة آية الله علي خامنئي، البالغ من العمر 84 عامًا.

وفي ضوء هذا، من المقرر أن يشكّل فصيلان من المحافظين السياسة الإيرانية في الانتخابات البرلمانية المقبلة؛ الأول هو جبهة الصمود، التي تتبنى وجهات نظر متشددة، ويفضل أعضاؤها الاقتصاد الذي تسيطر عليه الدولة، ويعلنون التزامهم بالعدالة الاجتماعية، وخاصة القضاء على الفساد، وجعل الحكومة أكثر كفاءة، وهم أكثر تشددًا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ويريدون أن تقترب إيران من القوى غير الغربية، وتحديدًا الصين وروسيا، ويتحالف كثير من أعضاء حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي مع الجبهة.

أما الفصيل الثاني فيضم المحافظين التقليديين، أو التيار الرئيس، بقيادة محمد باقر قاليباف، الذي يتمتع بخلفية مخضرمة، منها الخدمة العسكرية خلال الحرب مع العراق في الفترة من 1980 إلى 198، حيث كان قائدًا للقوات الجوية للحرس الثوري من 1996 إلى 1999، ورئيس الشرطة الوطنية من 2000 إلى 2005، ورئيس بلدية طهران من 2005 إلى 2017، ورئيس البرلمان الحالي من 2020 إلى 2024. بخلاف هذين التيارين، لم يسجل للترشح سوى عدد قليل جدًّا من الإصلاحيين أو الوسطيين الذين يتمتعون بأسماء معروفة على المستوى الوطني، وهو ما ينبئ بصراع حاد في الداخل المحافظ.

لكن المقلق في هذه الانتخابات هو نسبة المشاركة السياسية فيها، فبالمقارنة بنسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية لعام 2020، البالغة 42%، وهي الأدنى منذ ثورة 1979، فإن احتمالات زيادة الإقبال في عام 2024 قاتمة، حيث يبدو الإيرانيون غير مبالين بشأن الانتخابات، ففي السنوات السابقة، كانت فترة التسجيل والمناقشات بشأن فحص المرشحين من جانب مجلس صيانة الدستور، من شأنها أن تولد الإثارة والجدل في الداخل الإيراني، لكن هذا الزخم لم يحدث هذه المرة، وأعلن ثلاثة رؤساء سابقين، وثلاثة رؤساء برلمانيين سابقين، ممن ربما كانوا لاعبين رئيسين، أنهم لن يترشحوا في تلك الانتخابات، يدلل على هذا  استطلاعات الرأي المبكرة التي تشير إلى نسبة إقبال منخفضة انخفاضًا قياسيّا، حيث أظهر استطلاع أجرته وكالة استطلاعات الرأي للطلاب الإيرانيين أن 27.9% فقط من المشاركين في الاستطلاع سيشاركون في الانتخابات، في حين سيمتنع 36%، فيما بلغت نسبة المشاركة بين الشباب الحضري المتعلم- وفقًا للاستطلاع- أقل من 7%. على مدى 45 عامًا، ربطت الجمهورية الإسلامية شرعيتها بمعدلات المشاركة في الانتخابات؛ لذا ستؤدى نسبة الإقبال المنخفضة في الانتخابات المقبلة إلى تآكل النظام السياسي في الجمهورية الإسلامية، وقد يمتد هذا التأكل ليشمل رئيسي نفسه، عندما يأتي موسم الانتخابات الرئاسية عام 2025.

وفضلًا عن الصراع الانتخابي الذي ستشهده طهران خلال الشهور المقبلة، تستعد الفصائل السياسية لتحدي الخلافة، مع أن هذا الموضوع نادرًا ما يُناقَش علنًا، إذ سيكون لبيروقراطية الدولة، وخاصة مكتب المرشد الأعلى، تأثير كبير في الخلافة. وفي المقابل، فإن مراكز القوى الأخرى، وخاصة الحرس الثوري، والفصائل السياسية، ستحاول توجيه العملية أيضًا، حيث ستجري إيران انتخابات لمجلس الخبراء، وهو هيئة مكونة من 88 عضوًا من الفقهاء الإسلاميين، مكلفة بتعيين المرشد الأعلى والإشراف عليه، ومن الممكن أن يأتي المرشد الأعلى القادم من صفوفه. استنادًا إلى هذا، فإن انتخابات مجلس الخبراء المقبلة مهمة- بشكل رئيس- بسبب الخلافة التي تلوح في الأفق، وعادة ما يكون معظم المرشحين من كبار السن، ورجال الدين المحافظين الذين لا يتمتعون بأسمائهم الوطنية، لكن هذا العام قد يكون مختلفًا، خاصة إذا كان مجلس صيانة الدستور أكثر تساهلًا بشأن تأهيل مجموعة أكثر تنوعًا من المرشحين المسجلين، البالغ عددهم 510.

الجدير بالاهتمام أن أحد المتنافسين الذين يجب مراقبتهم هو الرئيس السابق حسن روحاني، حيث انتُخِبَ روحاني لأول مرة لعضوية المجلس عام 2000، ثم أعيد انتخابه عامي 2007 و2016، وقد شغل عدة مناصب رفيعة، منها أمين المجلس الأعلى للأمن القومي (1989- 2005)، وخلال فترة رئاسته للجمهورية الإسلامية، حاول توسيع الحريات في الصحافة، والتعبير، والتعليم، والحقوق الفردية، وكان يفضل التعامل مع العالم الخارجي، بما في ذلك الغرب؛ ما شكّل نهجًا مختلفًا عن النهج الإيراني المتشدد؛ لذا فإن فوز روحاني بعضوية المجلس قد يثير الجدل بشأن توجهات خليفة خامنئي القادم.

من سيخلف خامنئي؟

تمثل نهاية عهد خامنئي نهاية لجيل المؤسسين، الذين أسهموا في استمرار النظام الإيراني، وكانت لهم فلسفة خاصة، ورؤية محددة في العلاقات الخارجية، ونظرية سياسية متكاملة، إذ لن يوجد شخصية دينية قيادية تكون محل توافق لدى جميع مؤسسات النظام الإيراني، على غرار جيل المرشدين المؤسسين؛ ومن ثم فإن الأسماء المرشحة لخلافة المرشد آية الله خامنئي، لن تكون بنفس القوة والمقدرة على السيطرة الكاملة على النخب الدينية، والسياسية، والعسكرية، على الأقل في المراحل الأولى. ومن بين أبرز تلك الأسماء:

1- إبراهيم رئيسي: رئيس الجمهورية الإيرانية الحالي، ويعد من أبرز المرشحين لخلافة خامنئي، ومع أنه لم ينل درجة الاجتهاد اللازمة لتوليه منصب المرشد الأعلى، فإن وسائل الإعلام الإيرانية المحافظة تطلق عليه لقب آية الله، منذ أن تولى منصب رئيس السلطة القضائية، لا سيما أن مجلس صيانة الدستور اعترف به مجتهدًا عام 2006، وتمت الموافقة عليه لانتخابات مجلس الخبراء. ويعزز خلافة رئيسي العلاقة الوطيدة بينه وبين الحرس الثوري، فعندما كان رئيسًا للسلطة القضائية تعامل بالقبضة الحديدية مع الناشطين، وخصوم النظام ومعارضيه؛ بغية تقديم نفسه للمرشد والحرس الثوري بأنه الخيار المطروح في المرحلة القادمة، وأنه على النهج الثوري نفسه لجيل الآباء.

فضلًا عن هذا، يدعم موقف رئيسي أنه من المحافظين من مدرسة مصباح يزدي، وهو أحد متشددي المراجع الولائيين؛ ومن ثم فإنه طرح مقبول عند عموم المحافظين من الفقهاء والمؤسسات، ومن ثم أيضًا، في حال حدوث فراغ مفاجئ في منصب المرشد، ستكون الأجواء مهيأة له لخلافة خامنئي، وتكرار تجربة عام 1989، عندما كان خامنئي نفسه رئيسًا لإيران، وخلف الخميني سريعًا بعد وفاته.

2- مجتبى خامنئي: من أبرز المرشحين لخلافة خامنئي ابنه مجتبى، خاصة بعد أن بات سيناريو التوريث يتصاعد في الآونة الأخيرة بعد أن كان مستحيلًا بعد الثورة الإسلامية، وضد مبادئها، غير أن طول بقاء آية الله خامنئي في منصبه، ساعد على ترسيخ نفوذ ابنه مجتبى، ونسج علاقات متشابكة وقوية مع الأجهزة الأمنية، والمؤسسات الفاعلة في البلاد، وفي الوقت نفسه استطاع أن يصدر نفسه بوصفه رجل دين مؤهلًا من الناحيتين الفقهية والسياسية، مدعومًا بالنفوذ الكبير لوالده، وقد درس في مدرسة مصباح يزدي، أحد أكثر رجال الدين المتشددين في إيران، لكن اللافت أن مجتبى لم يحصل بعد على رتبة آية الله. ورغم قوة نفوذ مجتبى فإن خلافته لوالده محل جدل كبير داخل دوائر صنع القرار الإيرانية، وقد تفتح الباب أمام صراعات كبيرة بين الأجهزة والمؤسسات ورجال الدين، خاصة أن مجتبى لا يتمتع بشعبية كبيرة في الشارع الإيراني، وهو أيضًا صاحب خبرات محدودة؛ لعدم توليه أي منصب رسمي، كذلك فهو لم يصل بعد إلى درجة الاجتهاد، وعلاقته بالجماعة الحوزوية ليست قوية بالقدر الذي يُمكنها أن تدعمه على حساب غيره، ومن هذا يتضح أن سيناريو التوريث صعب؛ لأنه لن يكون فقط إخفاقًا أيديولوجيًّا لنظرية ولاية الفقيه؛ بل سيُثبت أيضًا عقمها، وعدم فعاليتها سياسيًّا.

3- صادق لاريجاني: يعد صادق لاريجاني من أبرز رجال الدين المتشددين، انتُخب عضوًا في مجلس خبراء القيادة عام 1988، ثم اختير في مجلس صيانة الدستور عام 2001، وفي عام 2009 اختير رئيسًا للسلطة القضائية، ثم عُين رئيسًا لمصلحة تشخيص النظام 2018 خلفًا لمحمود شاهرودي، واتسم صادق لاريجاني بالتشدد، حيث سبق أن صرح أنه ليس من حق مجلس الخبراء أن يشرف على عمل المرشد، وأكد في تصريح آخر أن الحكومة لا تستمد شرعيتها من انتخاب الأمة؛ لذا فإن حظ لاريجاني في خلافة المرشد الحالي علي خامنئي ضعيفة؛ لعدة أسباب، أهمها أنه ليس فقيهًا مجتهدًا على نمط الفقهاء الحوزويين المجتهدين، إلى جانب وجود توترات وخلافات بينه وبين أركان النظام ومؤسساته، فقد انتقد الأجهزة الأمنية بعد استبعاد أخيه من الترشح لرئاسة الجمهورية، كما اتُّهِم بالفساد في الفترة التي كان فيها رئيسًا للسلطة القضائية.

4- شخصية جديدة: من الاحتمالات الواردة أن يأتي مجلس الخبراء بشخصية محافظة لم تتورط في التجاذب السياسي الضاغط في البلاد، كأحد أعضاء مجلس الخبراء، أو أحد رجال الدين البارزين والمستوفين لجل الشروط الدستورية، ويمتاز بعلاقة جيدة في الوقت نفسه مع النخب الدينية، والمؤسسات الأمنية، لكن ما يجعل هذا السيناريو مستبعدًا أنه إذا لم يدخل في مناقشات سياسية، فلن يتوافر فيه شرط الكفاءة والمعرفة بالواقع الفقهي والسياسي، كذلك فلن يُسمح بشخص من خارج الجماعة المحافظة؛ حفاظًا على المسار الثوري، وضمانًا لمصالحهم الشخصية، وتوجههم الفكري.

وبناءً على هذا، فإن شخصية المرشد القادمة لن تكون بعيدة عن التيار الأصولي، ومؤسساته الداعمة؛ ومن ثم فلن نشهد تغييرًا كبيرًا في إستراتيجية المؤسسات الإيرانية؛ لأن أي خليفة جديد سيعمل على تعزيز شرعيته الدينية والمذهبية والسياسية من خلال الارتكاز على ولاية الفقيه، وجماعات المصالح الدينية والعسكرية، على الأقل في بداية خلافته.

مستقبل النظام السياسي ما بعد خامنئي

يُطرح عدد من السيناريوهات لمستقبل النظام السياسي ما بعد المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي، تتمثل أبرزها في:

  • الانتقال السلمي للسلطة: يفترض هذا السيناريو انتقالًا طبيعيًّا للسلطة، حيث يُعلَن المرشد الجديد، وذلك بإسراع مجلس الخبراء في عقد جلسة طارئة، واختيار خليفة لخامنئي، ويعتمد هذا السيناريو على عدم حدوث أي تغيرات داخلية في النظام تؤدي إلى تحييد اتباع الدستور في تعيين مرشد جديد، ويتم الاختيار بعد مناقشات ومداولات حقيقية فيمن تتوافر فيه الصفات الشرعية والسياسية لتولي المنصب.

2- توصية خامنئي بمَن يخلفه: وفي هذا السيناريو، سيجتمع مجلس الخبراء لإعلان المرشد الجديد، لكن هذا الاحتمال قد تواجهه بعض التحديات، فقد يتغير توجه المؤسسات ذات النفوذ في النظام الإيراني، كالحرس الثوري، الذي قد يلجأ إلى فرض مرشح معين، فيما قد يرى مجلس الخبراء كذلك أن من حقه ممارسة صلاحياته الدستورية في اختيار المرشد دون الرجوع إلى توصية المرشد علي خامنئي، أو الاستجابة لضغوط الحرس الثوري؛ ومن ثم يفترض هذا السيناريو مناقشات أقرب إلى النقاشات الصورية لتنفيذ وصية المرشد فقط.

3- الانقلاب العسكري: فمرحلة ما بعد خامنئي قد تشهد نزول ملايين الإيرانيين إلى الشوارع؛ للمطالبة بإنهاء نظام ولاية الفقيه، وإقرار نظام آخر بدلًا منه، خاصةً في ظل الغضب الشعبي من سياسات النظام الإيراني، الذي انعكست حدته خلال الاحتجاجات التي شهدتها إيران السنوات الأخيرة. وإذا حدث هذا السيناريو، فإن الحرس الثوري قد يلجأ إلى تنفيذ انقلاب عسكري يُسيطر بموجبه على الحكم، يدلل على هذا تصريحات وزير الدفاع السابق ومستشار علي خامنئي للصناعات الدفاعية حسين دهقان، الذي لوّح بلجوء العسكريين إلى تنفيذ انقلاب عسكري في إيران، إذا حدث انهيار للنظام الإيراني.

4- تجميد منصب المرشد الأعلى: يظل منصب المرشد فارغًا مدة من الزمن وفقًا لهذا السيناريو، إما بسبب نشوب خلاف بين مجلس الخبراء والحرس الثوري وعدم توافقهما، وإما بسبب نشوب خلاف داخل مجلس الخبراء نفسه بشأن مسألة توريث المنصب لمجتبى خامنئي. وحتى وصول جميع الأطراف إلى صيغة توافقية بشأن منصب المرشد، يمكن أن يتولى صلاحيات المرشد مجلس شورى يضم عددًا من الفقهاء، وفقًا للمادة الحادية عشرة بعد المئة من الدستور.

الخاتمة

محصلة القول أن إيران ستشهد تغييرات كبيرة في مرحلة ما بعد خامنئي، على مستوى المعتقدات والسياسات، بحكم تبدل نخب الحكم، وانتقال الإدارة من يد الجيل الأول، فستحاول النخب الجديدة التعامل ببراغماتية أكثر في الإقليم، وتقليل الصراع الإيراني في المنطقة، ومحاولة إرضاء الداخل الإيراني والفئات المهمشة، مثل النساء، والشباب، والأقليات من المذاهب المختلفة، لكن في أغلب الظن ستكون تلك السياسات براغماتية ومصلحية، محدودة بتوقيت معين؛ لترتيب الوضع داخليًّا وخارجيًّا للخليفة الجديد.

ومع أن السيناريوهات الثاني والثالث والرابع ليست مستبعدة بشأن مستقبل النظام السياسي الإيراني بعد خامنئي، يظل السيناريو الأول هو الأكثر احتمالًا، ويعود هذا إلى التقاء مصالح المؤسسات الفاعلة في الداخل الإيراني، وإدراكها أن أي تهديد للنظام القائم منذ 1979 يؤثر بالتبعية في مصالح المؤسسات الأخرى، كذلك يؤدي التوافق الكبير بين المحافظين إلى إبقاء المسار الأصولي، ودوره في إبقاء مركزية الأيديولوجيا الإيرانية، غير أن هذا لا يمنع الخطر المباشر الذي سيستهدف النظام بعد خامنئي؛ لأنه ظل في السلطة 34 عامًا، ما يجعل  الفترة الانتقالية ملأى بالتهديدات للنظام الإيراني على المستويين المحلي والدولي؛ لأن فتح هذه الثغرة الأمنية قد يمكّن الدول المعارضة لسياسات الجمهورية الإسلامية وتوجهاتها من استغلالها في صراع النفوذ في المنطقة، خاصة في ظل الوضع السياسي والاقتصادي المتدني في البلاد.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع