لا أعرف متى، وكيف دخل هذا الكتاب مكتبتي؟ هل اشتريته من سور الكتب القديمة في القاهرة قبل خمس سنوات؟ هل حصلت عليه من روسيا قبل 20 سنة؟ أم أهداني إياه صديق شيوعي قديم؟
لقد صدر هذا الكتاب عن دار التقدم في موسكو مترجمًا إلى العربية عام 1969، وهو جمعٌ لمقالات نشرها فلاديمير لينين قبل نحو 60 سنة من طباعة هذا الكتاب.
الكتاب الرشيق، المؤلف من 200 صفحة، يعتني بموضوع واحد: “مسألة الأرض”.
والأرض التي يقصدها هنا هي الأرض الزراعية، وملكية الحيازات بين الأغنياء والفقراء، وحقوق الفلاحين، والصراع البرلماني على تنظيم مسألة الملكية الزراعية قبيل نشوب الثورة الاشتراكية عام 1917.
طيلة صفحات الكتاب وأنا أفكر: أين هي مسألة الأرض في مصر؟
لماذا تراجع – إلى حد الاختفاء – الحديث عن الأرض الزراعية، ومشكلاتها البنيوية، وسبل استعادة الأرض القديمة، والتوسع في الزراعات الحديثة؟.
لا يمكن فهم “مسألة الأرض” من دون فهم الاقتصاد الصناعي، والعلاقة بين الدولة الزراعية والدولة الصناعية.
لقد كان لينين مشغولًا في هذا الكتاب دومًا بمقارنة روسيا بأوروبا، وكيفية جبر الفجوة الاقتصادية بينهما. كما يقارن لينين- في بعض المقالات- الاقتصاد الروسي بنظيره الصيني، ويقارن الفجوة بين الاقتصاد الصيني ونظيره في اليابان، وأوروبا الغربية.
بمَن نقارن أنفسنا في مصر؟ هل ننظر إلى ليبيا النفطية، القليلة السكان في الغرب؟ أم ننظر إلى السعودية النفطية، المتوسطة السكان في الشرق؟
أين ذهبت مقارنات مصر بالعراق، وسوريا، وتركيا، واليونان، والسودان؟ هل فكرنا في التجربة البرازيلية، أو الهندية؟
من بين مقالات لينين في هذا الكتاب، مقال كتبه عام 1912، في صحيفة چـيزن (الحياة)، وحمل عنوان “طوبويتان”.
والعنوان يقصد وجود نوعين من اليوتوبيا أو الطوبوية، بمعنى المكان الخيالي المثالي الذي لن يتحقق الآن، ولا في المستقبل!
يقول لينين إننا أمام نوعين من هذه الطوبوية؛ الأولى هي “الطوبوية الليبرالية”، والثانية هي “الطوبوية الشعبية”.
تقوم الطوبوية الليبرالية على تحسين الحياة، وتحقق الرخاء بكل لطف وسلام، ومن دون أي إقصاء لطبقة الأثرياء، ومن دون أي صدام مجتمعي، ولا ضراوة الصراع الطبقي.
أما الطوبوية الشعبية فهي التي يفكر فيها الفلاح المثقف، الذي يعتقد أنه في الإمكان القضاء تمامًا على الرأسمالية، وتوزيع الأرض بالتساوي والعدل على جميع الفلاحين.
هذا المقال من أكثر مقالات الكتاب تشويقًا وجدلًا، يستشهد فيه لينين بأفكار ماركس، وإنجلس.
اللغة التي كتب بها لينين هذه المقالات نابضة بأوضاع اللا مساواة، وظلم الفلاحين في روسيا نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وهي تفسر الوقود الذي غَذَّى النظريات السياسية التي دفعت الثورة الشيوعية لاحقًا.
لكن الملحوظة الأكثر أهمية هي أن لينين يكتب هذه المقالات في أجواء حراك فكري، ونقاش وجدال أيديولوجي بين الأحزاب، ذلك النقاش والحراك الذي استمر نحو 20 سنة قبل ترجمة الأفكار إلى الصراع الكبير الذي شهدته روسيا بداية من عام 1917.
كان المبرر الأكبر في هذا الصراع الفكري مطلب “إعادة توزيع الثروة على الشعب”، وكانت الثروة الأساسية هنا هي “الأرض الزراعية”؛ ومن هنا جاء عنوان الكتاب “مسألة الأرض”.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.