تقدير موقف

مرتزقة أوكرانيا في حرب إسرائيل على غزة


  • 5 نوفمبر 2023

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: https://www.elmundo.es/cronica/2023/11/03/6543e588e4d4d897198b45f7.html

بعد عدة أسابيع من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ظهر بيدرو دياز فلوريس، وهو مرتزق إسباني، يتقاسم المهام مع ثلاثة إسبان آخرين، تعاقدت معه شركتا (Raven)، و(Global CST)، وهما شركتان عسكريتان خاصتان تدعمان القوات الإسرائيلية، حيث يعمل المُرتزقة على تأمين قوافل الأسلحة، أو مجموعات من الجيش الإسرائيلي البري الموجود في غزة، دون القتال المباشر ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حتى الآن، كما لا يُشارك المُرتزقة في أي عمليات تطهير وتأمين لغلاف غزة بعد هجمات حماس في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) التي نتج عنها قتلى وأسرى بالمئات، وهم محصورون في تأمين نقاط التفتيش، والسيطرة على المداخل على حدود غزة والأردن. هناك كثير من النشاط للشركات العسكرية الخاصة يتصاعد في النقاط الحدودية بين إيلات والعقبة.

وسبق أن اشتهر المُرتزق بيدرو دياز في الحرب الروسية- الأوكرانية قبل أن يُعلَن مقتله، الذي ثبت كذبه بعد ظهور ادعاءات تُفيد أنه ارتكب جرائم حرب، من ضمنها التعذيب، وقتل الأسرى الروس. وقد قيل إنه يتقاضى 10 آلاف دولار نظير مُشاركته في صفوف “النازيين الجُدد” في هذه الحرب، وإن دياز ينتمي إلى اليمين المُتطرف الأوروبي بالأساس، ولكن مشاركته في الحرب على غزة تبدو بلا أي أُسس أيديولوجية، وتأتي بحثًا عن المال؛ حيث يتقاضى المُرتزق من 4000 إلى 8000 يورو، وتوفر إسرائيل كُل الأسلحة وسبل الحياة.

ورُصِدَ مقاولون عسكريون فرنسيون، وألمان، وأستراليون، وأعضاء من مشاة البحرية الأمريكية أو القوى الخاصة التي تنفذ مهامها في العراق، وأفغانستان، ومالي، وكوسوفو، في تل أبيب، حيث يشكلون نوعًا خاصًا من الفرق التي تقدم تدريبات للاستعداد للحرب. وتتولى إدارة خاصة في وزارة الدفاع الإسرائيلية التعاقد مع هؤلاء المقاولين العسكريين، وتوضيح طبيعة المهام المنوط بهم إنجازها.

لكن ما معنى هذا الظهور السريع لشركات المقاولات العسكرية في إسرائيل؟ وماذا يعني تحديدًا نقل مُرتزقة الحرب الروسية- الأوكرانية إلى معارك الشرق الأوسط؟

في البداية، يجب التنويه أن الجيش الإسرائيلي يعتمد على تفوقه التكنولوجي والعسكري، خاصةً في قواته الجوية؛ ما يعني أن قراره الدخول في حرب برية يُحيد هذه القوة، ويجعل استخدامها في حدها الأدنى مُقابل الاعتماد على قوات المشاة، والمدفعية، والمدرعات لمحاولة السيطرة على أرض قطاع غزة، وتتبع عناصر حماس، ومحاولة تحرير الرهائن. وعلى الرغم من رقم الاحتياطي العسكري الكبير الذي استُدعِيَ إلى الجيش، حيث يفوق (300) ألف، فإن أغلبهم لم يسبق له الاشتراك في حرب برية غير مُتكافئة في المدن، وغير مُحددة زمنيًّا؛ ما يعني أن هُناك قصورًا كبيرًا في التكتيك البري استدعى الاستعانة بشركات المقاولات العسكرية لمحاولة معالجة هذه المشكلة.

على صعيد آخر، هُناك وجهة نظر عربية تتحدث دائمًا عن عدم تحمل إسرائيل حربًا طويلة. قد تكون هذه النظرة صحيحة، لكن في ظل تغير طبيعة الحروب، الآن، فإن خسائر إسرائيل البشرية والعسكرية يُمكن تعويضها من خارجها، وتل أبيب تملك من النفوذ والقدرة ما يمكنها من جلب دعم بشري عسكري دائم يسمح لها بالإبقاء على حربها البرية في غزة “حرب أهداف”، وليست “حرب توقيت”، حيث تُريد الحكومة الإسرائيلية غلق ملف التهديد الأمني بصورة كبيرة على مدى زمني طويل، كما تُريد الإدارة الأمريكية أن تضع حدًّا لاستنزاف الموارد في الشرق الأوسط نتيجة تجدد الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.

 أما نقل مُقاولي ساحة الحرب الروسية- الأوكرانية، فهو يحمل دلالتين:

عسكريًّا، كانت ساحة حرب برية واسعة استخدمت فيها كُل تكتيكات المُشاة، والمدفعية، والمُدرعات، ما يعني أن مقاولي الحرب فيها اكتسبوا خبرة يمكن نقلها إلى جنود الاحتياط الإسرائيليين، وإمدادهم بما توصلوا إليه خلال حربهم في تلك الجبهة، كما أن نوع الأسلحة المُستخدم من الطرف الأوكراني يشابه الطرف الإسرائيلي؛ لأن المورد الأمريكي واحد؛ ما يعني أن حتى هؤلاء المرتزقة يمكنهم تدريب قوات الاحتياط الإسرائيلية على الأسلحة، ولا يواجهون هم أنفسهم مشكلة في استخدامها.

جيوسياسيًّا، تُحاول واشنطن خفض التصعيد العسكري على الجبهة الاوكرانية بعدما حققت أهدافها وأوصلت الحرب إلى نقطة لا يمكن أن تتطور فيها، حيث أصبحت روسيا عاجزة عن السيطرة على أوكرانيا، ولا تشكل تهديدًا حقيقيًّا على الأمن الأوروبي، وقد توسع حلف الناتو ليشمل جميع الحدود الروسية ما عدا كييف، وأصبحت الجبهة الأوروبية موحدة بما يكفي لعقد صفقة تفاوض مع روسيا تحفظ هذه الخطوط الحمراء المُتعلقة بحدود الاتحاد الأوروبي، وبعدم التفكير مرة أخرى في جدوى التهديد بسلاح الطاقة.

ما ورد في المقالة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع