إستراتيجيات عسكريةمقالات المركز

مدينة الصواريخ الإيرانية.. استعراض للقوة أم تحايل على الضعف؟


  • 30 مارس 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: mehrnews

بعد أيام قليلة من بدء العام الإيراني الجديد، وتحديدًا في الخامس والعشرين من مارس (آذار) الجاري، نشرت القنوات الرسمية الإيرانية فيديو يستعرض مدينة الصواريخ التي تحتوي على مجموعة متنوعة من الصواريخ الباليستية  في منشأة عسكرية تحت الأرض، تمتلك -وفقًا للمسؤولين الإيرانيين- جميع الأبعاد الدفاعية المطلوبة لتوليد قدرة عسكرية أكبر بعشر مرات من تلك التي نُشرت خلال عملية “الوعد الحقيقي” الثانية، إذ يوحي الفيديو -الذي تبلغ مدته 85 ثانية فقط- أن إيران قادرة على الصمود في وجه أي هجوم، والرد على تحركات أعدائها استنادًا إلى قوتها العسكرية النوعية، غير أن الفيديو، الذي صُمم لإظهار قدرات إيران الهجومية عن بُعد، يُسلط الضوء -في المقابل- على ثغرات إيران الأمنية، ومخاوفها من مستقبلها الغامض وسط سياق إقليمي ودولي دقيق.

بنية مدينة الصواريخ

بث التليفزيون الإيراني تقريرًا مصورًا عن قاعدة تحت الأرض تابعة للحرس الثوري بعنوان “مدينة الصواريخ”، إذ استعرض رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية الجنرال محمد باقري، وقائد القوة الجوية الفضائية في الحرس الثوري الإسلامي أمير علي حاجي زاده، مدينة صاروخية جديدة للجمهورية الإسلامية تتضمن أحدث الصواريخ الباليستية الإيرانية، من بينها صاروخ “عماد”، الذي يصل مداه إلى 2000 كيلومتر، و”سجيل” بمدى يتراوح بين 1500 و2500 كيلومتر، و”قدر هـ” بمدى 1700 كيلومتر، و”خيبر شكان”، بمدى 1450 كيلومترًا، و”حاج قاسم”، بمدى 1400 كيلومتر، بالإضافة إلى صواريخ كروز الهجومية البرية من طراز “باوة”. وبحسب التقرير فإن هذه القاعدة استخدمت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لشن هجوم على إسرائيل بنحو 200 صاروخ، بما في ذلك صواريخ تفوق سرعة الصوت.

غير أن ثمة نقطة ضعف جلية في المدينة الجديدة ترتبط بتخزين الذخائر داخل أنفاق طويلة متصلة، وكهوف كبيرة، بدون أبواب مقاومة للانفجارات، أو على الأقل محدودة، أو حواجز منفصلة؛ فقد يؤدي ذلك إلى عواقب وخيمة إذا تعرضت المنشأة لهجوم، وقد يؤدي غياب هذه التدابير الوقائية إلى سلسلة ضخمة من الانفجارات الثانوية، على النقيض من كهوف الأسلحة الإيرانية الأخرى تحت الأرض، وخاصة تلك التي تُطلق الصواريخ عبر فتحات في السطح.

ويعد الفيديو أحدث عرض تقدمه إيران لمنشآتها تحت الأرض، إذ سبق هذا فيديو في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، يستعرض -لأول مرة- منشأة صواريخ باليستية إيرانية تحت الأرض، حيث تُنقل مجموعات من الصواريخ الجاهزة للإطلاق عبر أنفاق ضخمة باستخدام نظام آلي يشبه السكك الحديدية، وبعد ثلاث سنوات، كشفت إيران عن منشأة ضخمة تُستخدم لحماية الطائرات المقاتلة، وأظهرت الصور المنشورة آنذاك طائرات “F-4D/E فانتوم II” التي لا تزال تُشكل جزءًا كبيرًا من قوة إيران الجوية.

دلالات الاستعراض الإيراني

خلال السنوات الخمس الماضية، أعلن الحرس الثوري الإيراني بناءه ثلاث مدن صاروخية تحت الأرض، تظهر أنفاقًا ملأى بالصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب، فضلًا عن الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى، لكن الاستعراض للمدينة الجديدة يحمل رسائل دقيقة وراء التوقيت الحساس للإعلان الإيراني، إذ يكشف تفنيد السياق الإقليمي والدولي الراهن، ما يلي:

  • السياسة الدعائية للنظام الإيراني، لطالما وظفت الجمهورية الإسلامية الأداة الدعائية من خلال عمليات الحرب النفسية والتضليل الإعلامي والدعائي، إذ تعمل إيران دائمًا على المبالغة في تضخيم قوتها وإنجازاتها العسكرية، بالشكل الذي يردع خصومها، ويزرع فيهم مصداقية الردع الإيراني، وانتشر الفيديو الخاص بالمنشأة الصاروخية الجديدة على نطاق عريض عبر قنوات تيليغرام، ومجموعات واتساب المؤيدة لمحور المقاومة في إطار الدعاية العسكرية الإيرانية. وفي اللقطات المصورة ظهر العلم الإسرائيلي موضوعًا على الأرض، وهي ممارسة شائعة في الجمهورية الإسلامية لإهانة تل أبيب.
  • مساعي استعراض القوة: تطمح إيران من خلال مدينة الصواريخ إلى تصدير القبضة الحديدية للجمهورية الإسلامية من خلال تأكيد قوتها العسكرية الهجومية والدفاعية، وقدراتها الرادعة، إذ تزعم إيران أنها تعمل على تطوير قدراتها الدفاعية على نحو أسرع من منافسيها، في إطار السياسة العسكرية الإيرانية التي ترتكز على شخصنة العدو، وتضخيم التهديد والمؤامرة، إذ تهدف طهران إلى إرسال رسالة واضحة للمجتمع الإقليمي والدولي بأنها دولة قادرة ليس فقط على مواجهة الضغوط الدولية المفروضة عليها؛ بل ردع الأعداء كذلك.
  • سياق المفاوضات بشأن الاتفاق النووي: لعل الأهم بشأن دلالة توقيت إعلان المدينة الإيرانية ما يرتبط بالمفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة، إذ نشر فيديو المدينة الصاروخية وسط تهديدات من الرئيس الأمريكي أمهل فيها طهران شهرين للتوصل إلى اتفاق نووي جديد، حيث أصدر ترمب إنذارًا نهائيًّا بضرورة قبول الاتفاق النووي خلال الشهرين المقبلين، أو مواجهة العواقب، بعد أن أرسل الرئيس الأمريكي رسالة، عبر مستشار الرئيس الإماراتي أنور قرقاش، إلى الجمهورية الإسلامية يعرض فيها إجراء محادثات بشأن اتفاق نووي جديد في مقابل استعادة حملة العقوبات، والتهديد بالعمل العسكري إذا فشلت الدبلوماسية. وعلى خلاف الموقف الأمريكي اتخذت الدول الأوروبي -فرنسا وبريطانيا- قرارًا بتفعيل آلية فض النزاع في الاتفاق النووي الإيراني رسميًّا متهمة إيران بانتهاك الاتفاق.
  • مواجهة التهديدات الأمريكية: يأتي الكشف عن المنشأة في ظل تصاعد المخاوف من تحركات إدارة دونالد ترمب؛ مما دفع إيران إلى إظهار استعدادها العسكري لمواجهة تلك التهديدات، لا سيما أن ترمب ألمح منذ أيام إلى أن إيران قد تكون هدفًا لحملته المستمرة ضد الحوثيين، بوصفها الراعي الرئيس لهم، حيث شنت الولايات المتحدة منذ 15 مارس (آذار) الجاري غارات جوية واسعة النطاق على اليمن استهدفت جماعة أنصار الله؛ ما يُعد تحذيرًا مباشرًا لإيران الداعمة للجماعة.
  • تنامي الهجمات الإسرائيلية: يشن سلاح الجو الإسرائيلي غارات جوية مكثفة في سوريا ولبنان، كان أحدثها الغارة الجوية على قاعدتي تدمُر وتيفور في محافظة حمص بهدف إزالة أي تهديد لأمن إسرائيل، وتجدر الإشارة إلى أن قاعدة تيفور يستخدمها فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني لإجراء العمليات العسكرية؛ لذا يمكن النظر إلى إعلان طهران المنشأة الجديدة في إطار سعيها إلى استعراض قدراتها العسكرية أمام الهجمات الإسرائيلية على حلفائها.
  • تعزيز القوة العسكرية الأمريكية في المنطقة: وجه وزير الدفاع الأمريكي “بيت هيجسيث” مجموعة حاملة الطائرات الضاربة التابعة للبحرية الأمريكية “يو إس إس كارل فينسون” إلى منطقة الشرق الأوسط، لتنضم إلى مجموعة حاملة الطائرات الضاربة “هاري إس ترومان”، التي مدد “هيجسيث” انتشارها في الشرق الأوسط مؤخرًا، وهناك أيضًا مؤشرات على وصول 12 طائرة “إف-35” من قاعدة هيل الجوية إلى المنطقة. فضلًا عن هذا، يبدو أن قوة كبيرة من قاذفات الشبح “بي-2 سبيريت” متجهة إلى جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، إذ تُظهر صور الأقمار الصناعية ما لا يقل عن ثلاث طائرات شحن من طراز “سي-17″، وعشر ناقلات وقود جوية نُشرت في الأراضي البريطانية التي استُخدمت نقطة انطلاق للضربات الأمريكية في الشرق الأوسط في الماضي. والجدير بالإشارة أن “بي-2” تتمتع بقدرة فريدة على ضرب المجمعات المحصنة تحت الأرض، على عكس أي سلاح تقليدي آخر.

مستقبل الجمهورية الإسلامية في مواجهة الولايات المتحدة

بعد أقل من يومين على إعلان الجمهورية الإسلامية قدرات مدينة الصواريخ الجديدة، جاء الرد الرسمي الإيراني- المكتوب للمرة الأولى- على رسالة الرئيس الأمريكي الأخيرة، الذي يشير إلى إصرار طهران على تبني موقف ثابت يرفض المفاوضات بشأن برنامجها الصاروخي الباليستي خارج إطار الاتفاق النووي لعام 2015، وتضمنت الرسالة، التي أُرسلت من خلال عمان، قضايا رئيسة؛ ففي الشؤون الدفاعية، رفض الرد أي نقاش بشأن ترسانة الصواريخ الباليستية الإيرانية، التي تعدها الجمهورية الإسلامية غير قابلة للتفاوض، وأن قدراتها العسكرية أساسية للدفاع الوطني، وليست خاضعة للمساومة الخارجية.

وفي الجانب النووي، أكد المسؤولون الإيرانيون انفتاحهم على المحادثات، لكن ضمن شروط خطة العمل الشاملة المشتركة، وأن إيران غير راغبة في الدخول في محادثات مباشرة في ظل الضغط الأمريكي، مع رفض أي محاولة لتوسيع نطاق المفاوضات، أو فرض قيود جديدة على البرنامج، الذي تواصل إيران وصفه بالسلمي. كما تناولت الرسالة أيضًا المستجدات الإقليمية، إذ رفضت التحركات الأمريكية لكبح دعم إيران للجماعات المسلحة، معتبرة أن تلك الجماعات مستقلة، وليس لطهران تأثير في قرارها السياسي.

يكشف الحوار الدائر بين واشنطن وطهران بشأن البرنامج النووي الإيراني على مدى السنوات الست والأربعين الماضية، ميل إيران والولايات المتحدة إلى مخاطبة إحداهما الأخرى في الأوقات غير المناسبة، وبالطرق الخاطئة، إذ أدلى ترمب بتصريحات جريئة وقاسية على الهواء مباشرة، لكنه بعث -في المقابل- برسائل أكثر تصالحية في الرسالة المرسلة من خلال الإمارات، وبالمثل جاءت ردود فعل طهران خلال الأسبوع الماضي بدءًا من الرفض القاطع للمفاوضات، مرورًا بالانفتاح على المحادثات غير المباشرة، وصولًا إلى الرسالة التي تحمل معاني مبهمة بشأن إستراتيجية  النظام الإيراني تجاه الإدارة الأمريكية في قضايا أبعد من البرنامج النووي.

ومما سبق يمكن القول إن ربط الرد الإيراني الأخير على الرسالة الأمريكية بإعلان تعزيز قدرات إيران العسكرية، وما يتعلق بقدرات المدينة الصاروخية الجديدة، يعكس ملامح حالة التخبط والانقسام في الداخل الإيراني بشأن طبيعة التعامل مع الولايات المتحدة، وتحديد مستقبل الجمهورية الإسلامية في ظل المستجدات الإقليمية والدولية، ففي حين يعترض فصيل متشدد محافظ بشدة على المحادثات مع الإدارة الأمريكية، ويرى أنه لا بد لإيران أن تتبني سياسة رادعة ضد أعدائها بالاستناد إلى قدراتها العسكرية الحالية والمستقبلية، يدفع الفصيل الإصلاحي المعتدل بأهمية المفاوضات لرفع العقوبات، ودعم الاقتصاد الإيراني بعد اعتبار بعض القيادات الإيرانية أن وكلاء طهران في لبنان واليمن وسوريا أصبحوا عبئًا ثقيلًا يجب التخفف منه.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع