مقالات المركز

مجموعة الدول الثماني النامية.. عودة إلى الضوء


  • 18 مارس 2024

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: dailytrust.com

اقترحت رئيسة وزراء بنغلاديش، شيخة حسينة، اعتماد عملة مشتركة داخل منظمة (D-8) للتعاون الاقتصادي. وقالت: “هدفي هو رفع مستوى الرفاهية والوضع الاجتماعي والاقتصادي لشعبنا. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا تمكنا من تحصين التجارة المتبادلة. ومن خلال تعزيز تجارتنا يمكننا تقليل اعتمادنا على الآخرين”. وسبق لمديرة الاقتصاد والعلاقات الخارجية في منظمة (D-8) للتعاون الاقتصادي، الوزيرة المفوضة رشا حمدي، أن قالت إن رئاسة مصر للمنظمة عام 2023 ستحقق دفعة إلى الأمام، وتضفى مزيدًا من الحيوية؛ نظرًا إلى دورها الرائد في مجال التنمية الاقتصادية، وأن الدول الأعضاء ترغب في تقوية علاقاتها وترسيخها، وتسعى إلى مضاعفة حجم التبادل التجاري فيما بينها، وأن هناك خطة عمل للسنوات العشر المقبلة تتماشى مع رغبة الأعضاء في توسيع مجالات التعاون. فما منظمة (D-8) للتعاون الاقتصادي؟ وما العوائق التي تواجه تفعيل دورها؟ وهل يمكن تجاوز هذه العقبات؟

منظمة (D-8) للتعاون الاقتصادي

تضم مجموعة الثماني (أو المعروفة أيضًا باسم الدول النامية الثماني) بنغلاديش، ومصر، وإندونيسيا، وإيران، وماليزيا، ونيجيريا، وباكستان، وتركيا. وهي دول أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي كذلك. وكانت هذه المنظمة تهدف في البداية إلى تحسين الأداء الاقتصادي لبلدانها الأعضاء للتنافس مع الاقتصاد العالمي. واستنادًا إلى الموقع الرسمي لمنظمة (D-8)، فإن هدف هذه المنظمة هو تحسين وضع الدول الأعضاء في الاقتصاد العالمي، وتنويع فرص الاستثمار، وإيجاد آفاق جديدة في العلاقات التجارية، وتشجيع المشاركة في صنع القرار على المستوى الدولي، وزيادة مستويات المعيشة لمواطنيهم.

تأسست هذه المنظمة عام 1997، لكن تطورها لم يتمكن من تحسين الأداء الاقتصادي للدول الأعضاء فيها للتنافس عالميًّا. وجاء في إعلان القمة الأول (إسطنبول، 1997) أن الهدف الأساسي لمجموعة الثماني هو التنمية الاجتماعية والاقتصادية وفق مبادئ مثل: السلام بدلًا من الصراع، الحوار بدلًا من المواجهة، التعاون بدلًا من الاستغلال، العدالة بدلًا من الكيل بمكيالين، المساواة بدلًا من التمييز، الديمقراطية بدلًا من القمع. ومع ذلك، بعد مرور أكثر مِن عقدين، لا يبدو أن هناك عملية تنمية مهمة في البلدان الأعضاء في مجموعة الثماني.

عوائق التنمية وعقباتها

شهدت حصة البلدان الثماني انخفاضًا في إجمالي الناتج المحلي للبلدان النامية، وكان أداء اقتصاداتها أسوأ من أداء البلدان النامية غير الأعضاء. ولا يزال عدد قليل من البلدان الأعضاء ينتج ناتجًا محليًّا يساوي إجمالي ما ينتجه الباقون. على سبيل المثال، في عام 2015، أنتجت أكبر ثلاث دول من مجموعة الثماني (إندونيسيا، وتركيا، وإيران) (57 %) من إجمالي الدول الثماني. ومع ذلك، من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، تعد ماليزيا أعلى نصيب فرد من الناتج المحلي الإجمالي، تليها تركيا وإيران.

كما أن متوسط معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد في بلدان مجموعة الثماني كان إيجابيًّا من عام 2011 إلى عام 2015. ويؤدي قطاع الخدمات دورًا مهمًّا في اقتصادات بلدان مجموعة الثماني بوصفه المصدر الأكثر أهمية من الدخل، ويبلغ متوسط حصة قطاع الخدمات (52.4 %). لكن في المقابل، هناك انخفاض في متوسط معدل المشاركة في القوى العاملة في البلدان النامية الثماني، وهناك اتجاه تنازلي، حيث بلغ (57.8 %) عام 2015، أي أقل من المتوسط العالمي (62.9 %). كما أن متوسط معدلات البطالة في البلدان النامية الثماني المسجلة لديها أعلى مقارنة بالدول النامية في العالم وغير الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي.

ولا تزال معظم دول الثماني النامية غير قادرة على وضع أطر اقتصادية مواتية، وتزويد الشركات الأجنبية بالبنية التحتية التنظيمية والمادية الكافية، وهذا يتطلب من تلك البلدان تهيئة بيئة مواتية لجذب مزيد من الاستثمارات. بالإضافة إلى الحاجة لإصلاحات في مناخ الأعمال، وتقديم حوافز استثمارية مصممة خصيصًا لتلبية احتياجات المستثمرين المحليين والأجانب. كما يجب الالتزام ببرامج الإصلاح المالي التي تؤدي دورًا مهمًا في تحسين الظروف الاقتصادية.

وقد أظهر إجمالي رصيد الديون الخارجية للبلدان النامية الثماني اتجاهًا متزايدًا. وفي عام 2014، زاد إجمالي الدين الخارجي للبلدان النامية الثماني بما يقرب من (50) مليار دولار أمريكي، مقارنة بقيمته في العام السابق، ليصل إلى (1.1) تريليون دولار أمريكي، وارتفع متوسط الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي للبلدان النامية الثماني من (23.5 %) في عام 2011 إلى (28.9 %) في عام 2014. وخلال الفترة نفسها، انخفض إجمالي رصيد الديون الخارجية للبلدان النامية الثماني كنسبة مئوية من إجمالي ديون البلدان النامية انخفاضًا طفيفًا من (20.3 %) إلى (20.1 %). ومن ناحية أخرى، ارتفع إجمالي الاحتياطيات النقدية العالمية- بما في ذلك الذهب- من (9) تريليونات دولار أمريكي في عام 2009 إلى (12.5) تريليون دولار أمريكي في عام 2014، ومع ذلك، فإن حصة البلدان النامية الثماني انخفضت من (6 %) في عام 2012 إلى (5.5 %) في عام 2015.

ولا تزال المساعدة الإنمائية الرسمية (القروض) تشكل مصدرًا مهمًّا لتمويل البلدان النامية الثماني. وفي عام 2014، بلغ صافي تدفقات المساعدة الإنمائية الرسمية من جميع الجهات المانحة إلى البلدان النامية (100.8) مليار دولار أمريكي، مقارنة بمبلغ (88.9) مليار دولار أمريكي في عام 2009. وأظهرت تدفقات المساعدة الإنمائية الرسمية إلى البلدان النامية الثماني اتجاهًا تصاعديًّا بدءًا من عام 2014، وشكلت البلدان النامية الثماني، بمبلغ (15.2) مليار دولار أمريكي، (15.1 %) من إجمالي تدفقات المساعدة الإنمائية الرسمية إلى البلدان النامية، و(28.2 %) من إجمالي التدفقات إلى دول منظمة التعاون الإسلامي، وزادت تدفقات التحويلات الشخصية إلى البلدان النامية الثمانية من (55.6) مليار دولار أمريكي في عام 2009 إلى (84.5) مليار دولار أمريكي في عام 2014، لكنها انخفضت انخفاضًا حادًا إلى (37.7) مليار دولار أمريكي في عام 2015.

سبيل الإصلاح

البلدان النامية الثماني بحاجة إلى تكثيف الجهود والسياسات لتحسين القدرة التنافسية من خلال الإصلاحات وإجراءات السياسات في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية، من الإطار التنظيمي إلى البنية التحتية الأساسية. ومن شأن هذه الإجراءات الإصلاحية والسياسية أن تعمل على تحسين القدرة التنافسية، وتعزيز نمو الإنتاجية، ومن ثم سيرتفع مستوى المعيشة. وعلى البلدان النامية أن تتبنى إصلاحات في السياسات، وينبغي للحكومات تصميم نهج متعدد المستويات لفهم الإصلاح المالي.

ولقد تم الاعتراف- منذ فترة طويلة- بمساهمة الصادرات في النمو الاقتصادي المزدهر لأي بلد، ودُرِسَت على نطاق عريض من خلال كثير من الدراسات، فهناك علاقة حتمية بين نمو الصادرات والنمو الاقتصادي. وهناك عدة أسباب وراء قدرة الصادرات على تسريع النمو الاقتصادي؛ أولًا: تؤدي زيادة الصادرات إلى خلق فرص عمل للمجتمع. ثانيًا: يزيد نمو الصادرات احتياطيات النقد الأجنبي، وهذا من شأنه أن يعزز العملة المحلية. ثالثَا: تتحقق الكفاءة الاقتصادية من خلال المنافسة بين الدول المصدرة. رابعًا: من الممكن أن توفر زيادة الصادرات مسارًا للوصول إلى التكنولوجيا الجديدة، حتى يتسنى لهم زيادة الإنتاجية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن نمو الصادرات يؤثر تأثيرًا إيجابيًّا في النمو الاقتصادي من خلال عدة قنوات؛ أولا: سوف يسهل نمو الصادرات استغلال اقتصادات الحجم الكبير بالنسبة للاقتصادات الصغيرة المفتوحة. ثانيًا: تخفيف القيود الملزمة على النقد الأجنبي للسماح بزيادة واردات السلع الرأسمالية والسلع الوسيطة. ثالثًا: يعمل نمو الصادرات على تعزيز الكفاءة من خلال المنافسة. رابعًا: سيعزز التصدير نشر المعرفة التقنية، ما يعني أن التصدير سيكون له تأثير إيجابي في النمو الاقتصادي في الدول الأعضاء في مجموعة الثماني.

العامل الآخر الذي يمكن أن يكون له تأثير في الوضع الاقتصادي في البلدان الثماني النامية هو الاستقرار السياسي. ويذكر أن النظام السياسي غير المستقر يمكن أن يعوق النمو الاقتصادي على نحو خطير. ويمكن أن يؤثر عدم الاستقرار السياسي في الاقتصاد؛ لأنه يزيد عدم اليقين بشأن الأوضاع والسياسات الاقتصادية المستقبلية. وبشكل عام، عدم الاستقرار السياسي هو نتيجة لمجموعة من العوامل الاجتماعية، والسياسية، والثقافية، والاقتصادية، ويمكن أن يؤثر عدم الاستقرار السياسي في قدرة الدولة ومصداقيتها. وسوف يؤدي عدم الاستقرار السياسي إلى تضييق آفاق صناع السياسات؛ مما يؤدي إلى سياسات اقتصادية كلية دون المستوى الأمثل، وسيؤدي هذا الوضع إلى تحول عشوائي في السياسات، يخلق تقلبات في السوق؛ ومن ثم يؤثر سلبًا في أداء الاقتصاد الكلي.

هناك اتجاهان على الأقل يؤثر فيهما عدم الاستقرار السياسي في النمو بمعظم البلدان النامية الثماني؛ أولًا: اضطراب أنشطة السوق وعلاقات العمل، مع ما يترتب على ذلك من تأثير سلبي في الإنتاجية. ثانيًا: سيؤدي الوضع السياسي غير المستقر إلى انخفاض مستوى الاستثمار؛ لذا يمكن للبيئة السياسية الديمقراطية أن تؤثر في الأداء الاقتصادي الوطني تأثيرًا إيجابيًّا؛ لأن السياسة الحكومية السيئة هي العامل المسبب وراء الركود في الاقتصاد.

كما تحتاج الدول الثماني النامية إلى النظر في سياسات التحرير المالي التي لها أثر إيجابي في النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى دعم الابتكار، وتكوين رأس مال ثقافي ومعرفي، وتحسين حقوق الملكية، وإنفاذ العقود لتخفيف الآثار السلبية للإصلاحات على المدى القصير، وإلا فإن تضاؤل العائدات على رأس المال من شأنه أن يوقف النمو الاقتصادي على المدى الطويل، ويعوق قدرة البلدان على توليد ناتج إضافي. ومن أجل تمكين المؤسسات من الابتكار، ونمو التكنولوجيا، تحتاج البلدان إلى مراجعة سياساتها الوطنية.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع